كلمات في الوعظ (3) لا تنخدع بالمظاهر أحمد الله، وأشهد أن لا إله سواه، وأشهد أن محمدا نبيه ومصطفاه. أما بعد؛ فقد رأيت جُلَّ من حولي ينخدعون بالمظاهر، ويغترون من الناس بالظاهر، فإذا رأى أحدهم على الآخر علامات الخشوع وأمارات الخنوع، ولمح على قسمات وجهه دلائل التقوى والصلاح؛ اغتر بذلك، وظنه وليا مقربا، وربما رَمَقَه بنظرات الإعجاب والإكبار، وأثنى عليه بعبارات المدح والإطراء؛ فعندئذ تكون الفتنة: فأما المغتر؛ ففتنته بأنه نسي أنما المعول على السرائر؛ فكم من متظاهر بالتقوى وقلبه ملئ بالمرض، وكم من متشبع بما لم يُعْطَ، وكم من صعلوك يرتدي زي الملوك!! وليعتبر هذا المغتر بحال المنافقين، كيف كانوا يظهرون الإيمان والصلاح، ويبطنون الكفر البواح {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} إلى قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}. وأما المغرور؛ ففتنته من وجهين: أحدهما: أنه يظن أن الآخر إنما اغتر بصلاحه وتقواه، وينسى أنه إنما اغتر -في الحقيقة- بستر الله عليه، وأن ما يبدو عليه من أمارات الصلاح تتوارى خلفه أكوام من الذنوب والغفلة، ولو كُشِف له الحجاب عن صحيفته؛ لرأى ما تقشعر له الأبدان، وتشيب لِهَوْلِه الولدان، ولو كان لتلك الموبقات رائحة؛ لما أطاق من اغتر به أن يجالسه أو يمر عليه، ولعله يضربه بالنعال لقاءَ غروره!! فليعتبر المغرور بذلك، وليشكر ستر الله عليه، وليجتهد لتكون سريرته كعلانيته، وليصرف قلبه عن ملاحظة الخلق والتزيُّن لهم؛ فإنهم لا يملكون له -ولا لأنفسهم- ضرا ولا نفعا. والثاني: أنه يزهو بمدح أخيه له، فيتعلق قلبه بذلك، ويجتهد في تحصيله، ويصرف همته ليكون محبوبا عند الخلق، فيذهب بذلك إخلاصه، وذلك هو الخسران المبين. واعلم أن الفتنة في مقامنا هذا تعظم إذا كان المغرور صاحب بدعة؛ إذ يؤثر ظاهره في الناس أيما تأثير، ويفتنهم بخشوعه وزهده وورعه، فتروج بذلك بدعته؛ ولهذا نبَّه السلف على عدم الاغترار بظاهر المبتدعة، وأن اجتهادهم لا يزيدهم من الله إلا بُعْدا -كما هو معلوم مستفيض-. فاللهم إنا نعوذ بك أن نتشبع بما لم نُعْطَ، وأن نقول ما لا نفعل، وإليك -اللهم- نشكو عَيْبَنا ما لا نترك، ونَعْتَنا ما لا نأتي، ونسألك -اللهم- دوام العافية وحسن الخاتمة؛ إنك رؤوف رحيم. كتبه أبو حازم القاهري السلفي الأربعاء 13/صفر/1434 |