كلمات في الوعظ
(1)
سكين المدح
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق
المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله
وصحبه أجمعين.
فقد تأملت فيمن حولي من الناس، فرأيت جُلَّ أحوالهم
قائما على النفاق والمداهنة والمصانعة، وأصبح المدح هو الطريق الأمثل للوصول إلى
القلوب، والنفس -بطبيعتها- تحب المدح، ولا تعلم أنه -في الحقيقة- سكِّين ماضية، تذبحها
-بلا هوادة-؛ فإن المدح يورث العُجْب والكبر، والممدوح يطرب لما يسمعه، وما يدري
أن مادحه قد يكون منافقا، إنما يمدحه طلبا لمصلحة عنده، وما يدري خطورة الكبر الذي
يتسلل إلى قلبه.
ولهذا وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- المادح بأنه قطع
عنق صاحبه، وأمر أن يُحثَى في وجوه
المدَّاحين الترابُ، ولم يرخَّص في شيء من المدح إلا
في حق من أُمِنَتْ عليه الفتنة، وقليل ما هم.
ومواقف السلف في إعراضهم عن المدح، وهضمهم لأنفسهم:
كثيرة معروفة.
واعلم أن من أهم الطرق لعلاج آثار المدح السيئة:
* أولا: أن يعلم المبتلَي أن عمله من عند الله، فلولا
توفيقه -سبحانه-؛ لما قدر على إتيان شيء منه، فإذا علم ذلك؛ انكسرت سَوْرَة العجب
في نفسه.
* ثانيا: أنه لا يعلم: أَقُبِلَ عمله أم رُدَّ عليه، فلا
يزال في وَجَل وترقُّب، فلا يعجب -إذن- بعمل قد
لا يُقبل منه.
* ثالثا: أن يعلم أنه ليس أحد مدحه يَزِينُ ولا ذمه
يُشِينُ إلا الله -تعالى-، فلا يفرح بكلمات معسولة يلقيها إليه بشر، لا ينفعه مدحه
ولا يضره ذمه؛ ويعلم -أيضا- أن الدرجات العلى إنما هي عند الله -سبحانه-، فلا
يطمئن إلى رفعة شأنه عند الخلق؛ فإن الدنيا زائلة -بما فيها ومن فيها-.
* رابعا: أن يطرح على نفسه سؤالا -إذا سمع مدحا من
الخلق-، وهو: «إذا كان هذا هو مقامي عند الناس؛ فما مقامي عند رب الناس؟! هل أنا
ممدوح عنده -كذلك-؟! أم أنا مذموم مطرود؟!»، فإذا فعل ذلك؛ انصرف عن الخلق
ومديحهم، وتعلق بسيده ومولاه، يبحث عن رضاه وحده.
اللهم زهِّدنا في الدنيا وأهلها، واجعل قلوبنا معلَّقة
بطاعتك، مملوءة بحبك والحرص على رضاك؛ إنك حسبنا، ونِعْمَ الوكيل.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الاثنين 22/ذو القعدة/1433
|