ورطة د. محمد يسري !! الحمد لله الذي له الحكمة البالغة، والمشيئة النافذة، وله في خلقه شؤون؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، الذي نصب الدلائل والحجج؛ ليهتدي الحيارى ويفيق الغافلون؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي أقام الحجة وبيَّن المحجة، فلم يُبْقِ عذرا لجاهل ولا مفتون؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه -عددَ ما يسبح المسبِّحون-. أما بعد؛ فقد وقفت على «تسويد» (!) لـ د.(!) محمد يسري إبراهيم، سمَّاه: «المناظرة (!) في حكم الاحتجاج بالمظاهرة (!!)»، قسم فيه المظاهرات وأخواتها إلى ثلاثة أقسام: * القسم الأول: مظاهرات مشروعة -باتفاق (!!)-: وهي -عنده- على ثلاثة أَضْرُب: 1- المظاهرات على الحاكم الكافر. 2- المظاهرات على الحاكم الفاقد للشرعية -وإن لم يكفر بعينه-. 3- المظاهرات للمسلمين في بلاد الكفار. * القسم الثاني: مظاهرات ممنوعة -باتفاق-: وهي -عنده- ضرب واحد -حسبُ-!! وهو: التظاهر على الحاكم العدل -ما دام لم يأذن به (!!)، أو «يشرعه» (!!!) في نظامه-. * القسم الثالث: مظاهرات مختلَف في حكمها (!!): وهي -عنده- المظاهرات على حاكم الجور (!!). والرجل في «سَبْره» (!) و«تقسيمه» (!) -هذا- لم يأت بجديد؛ بل أصوله هي أصول الطائفة -كما ضربتُ لهم مَثَل «الثوب» من قبل-: من أن الأصل في المظاهرات الإباحة، وأنها ليست بدعة، ولا تشبُّهاً بالكفار، ولا خروجا على الحكام -وإن كان الخروج على أمراء الجور مسألة خلافية أصلا-؛ ومَنْ مَنَعَها: إنما فعل لما يعتريها من المفاسد «الظنية» (!!) «العارضة» (!!)؛ وهذا -كله- في غير الحاكم بغير ما أنزل الله؛ فإنه فاقد لشرعيته -وإن «سُلِّم» (!!) بعدم كفره عينا-. وجميع هذه الأصول الفاسدة قد تتبَّعتُها، وأتيتُ بنيانها من القواعد -بفضل الله وحده- في كتابي «النقض على ممدوح بن جابر» -وهو على وشك الخروج -إن شاء الله-، حتى ما أتى به د.(!) محمد من أفراد الأدلة: عامَّته قد أتى به ابن جابر، وهو مشترك بين أفراد الطائفة -عموما-، وزيادات د.(!) محمد يسيرة، لا تستدعي أن أفرد لها ردا -كما أصنع الآن -مستعينا بالله- مع ابن أبي العينين-. إلا أن د.(!) محمد وقع -أثناء «مناظرته» (!!)- في مأزق كبير، وورطة شديدة -وهذا من شؤم «المناظرات» عموما !!-، وذلك في قوله -منظِّراً للضرب الثاني من أضرب المظاهرات المشروعة اتفاقا (!!)-: «فإذا صارت الأمة هي مصدر التشريع والسلطات -معا-، وقامت هذه الأنظمة على هذه الأصول والمبادئ الباطلة؛ فقد بطلت هذه الولايات المنعقدة في ظل العِلْمانية، التي تفصل الحياة عن الدين، وتحكم بغير ما أنزل رب العالمين؛ وشَغَر الزمان عن السلطان الشرعي، ووجب على الأمة أن تتولى خَلْع الحاكم؛ لانفساخ عقد إمامته -وإن لم يُحكَم بكفره؛ لعارض من عوارض الأهلية المعتبرة -كجهل أو إكراه أو نحو ذلك-» اهـ. قلت: قَارِنْ هذا بما جاء في «الدستور» (!) «الإسلامي» (!!) الممهِّد لـ«تطبيق الشريعة» (!!!)، الذي كان د.(!) محمد -نفسه- أحد العاملين في صنعه (!!!): «السيادة للشعب (!!)، صاحب الحق الوحيد (!!) في تأسيس السلطات (!!)، التي تستمد شرعيتها منه، وتخضع لإرداته (!!!)». وقَارِنْه -أيضا- باعتراف د.(!) محمد -شخصيا-، الذي يقول فيه: «الدستور الذي لا يمكن أن يُوصَف بأنه دستور «إسلامي»، ولا دستور «ليبرالي»، وإنما يُوصَف بأنه دستور «وطني» «توافقي» (!!)» اهـ. ألا ينتج من ذلك -بحكم د.(!) محمد -نفسه-: أن النظام القائم -الآن- نظام عِلْماني، يفقد به الحاكم شرعيته، ويجب على الأمة خلعه، والمظاهرات عليه مشروعة -اتفاقا-؟!! فإن قيل: إنما قال د.(!) محمد في صفة النظام العلماني: «إذا صارت الأمة مصدر التشريع والسلطات -معا-»، وأما الذي في الدستور؛ فالسلطات -فقط-!! قلنا: مع سخافة هذا الإيراد؛ إلا أننا سنجيب -تنزُّلاً- بأن حقيقة النظام العلماني الديمقراطي: تحكيم الشعب، وهذا يحصل حتى عند التشريع، فإذا أراد الحاكم أن يشرع أمرا -ولو كان موافقا لشرع الله-؛ فإنه يجب عليه أن «يستفتي» (!!) الشعب -أولا-، فصار الشعب هو مصدر التشريع كذلك!! وآية ذلك: أنكم «استفتيتم» (!!) الشعب على دستوركم -مع ادعائكم أنه ممهِّد لـ«تطبيق الشريعة» (!!)-، وها هو د.(!) محمد يفضحكم باعترافه السابق!! فلزمكم -إذن- خَلْعُ إمامكم -بلا إشكال-؛ لأنكم علَّقتم الخلع -على تنظير د.(!) محمد السابق- بمجرد وقوع الكفر، وأما أهل الحق؛ فيشترطون كفر الإمام -بعينه-، والتفصيل -مع كشف شبهاتكم- في «النقض» وما يتلوه -إن شاء الله-. وأقول لـ د.(!) محمد: انظر كيف تستدرك ورطتك!! وكيف تقيل عَثْرَتَك!! وإن كنت أطمئنك إلى أنه لن يكتشف ذلك أحدٌ من «جمهورك»، الذين غسلتَ -وطائفتُك- أَدْمِغَتهم، وسلبتموهم عقولهم وتمييزهم، ونكستم قلوبهم وفِطَرهم، فما عادت تعرف معروفا ولا تنكر منكرا؛ إلا ما عرفتموه وأنكرتموه لهم؛ وبالمناسبة: أليس هذا من «شرك الطاعة» -ولو كان أصغر-؟!! وإني سائلُك -في الختام- سؤالا، وجَّهتُ نحوه إلى ابن أبي العينين -من قبلك-: هل سيأتي يوم تغير فيه كلامك هذا، وتترك معتقدك هذا؛ تحت ضغط الواقع، وتغيُّر الفتوى؟!! ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾. وصلَّى الله وسلَّم على نبي الهدى محمد، وعلى من اهتدى بهديه واقتفى أثره -من غير تبديل ولا تحويل-. كتبه أبو حازم القاهري السلفي الخميس 5/ربيع الأول/1434
|