كلمات في الوعظ
(2)
الامتحان الأكبر
الحمد لله قيوم السماوات والأرضين ومن فيهن، ملك
السماوات والأرضين ومن فيهن، نور السماوات والأرضين ومن فيهن؛ وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير؛ وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله؛ صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فقد قيل في الحكمة السائرة: «يوم الامتحان يُكرم
المرء أو يُهان».
وقد رأيت طلاب العلم -دينيا أو دنيويا- إذا أقبل موعد
امتحانهم؛ يتداعَوْن على كتبهم كما تداعَى الأَكَلَة إلى قَصْعَتها، وهم يتأهبون
لامتحانهم -كلٌّ بطريقته-، والشائع -عند أكثرهم-: أنه يلخِّص منهجه الدراسي في
صورة سؤال وجواب، حتى إذا دخل مكانَ امتحانه؛ كان في ترقُّب ووَجَل، وجعل يستحضر
ما لخَّصه من أسئلة وأجوبة، وكأنه يستعد لمناظرة حاسمة ستقرر مصيره!!
فإذا كان هذا هو استعدادنا لامتحان الدنيا؛ فما بال
امتحان الآخرة؟!
هل تأهَّبنا لسؤال الملك الجبار -جل وعلا- كما نتأهَّب
لسؤال لجنة الامتحان؟!
إذا كان يوم الامتحان الدنيوي قد بلغ -عندنا- من الأهمية
ما يُقال فيه: «يُكرم المرء أو يُهان»؛ فكيف بامتحان الآخرة؟!
إن أَسْوَأ عواقب الرسوب في امتحان الدنيا: أن يترك
الطالب مكان دراسته، وليست هذه نهاية مطافه؛ فإنه
لن يعدم فرصة للعمل وكسب قوته -بإذن الله-.
وإن أعلى نتائج الاجتياز في امتحان الدنيا: أن ينتقل
الطالب إلى مرحلة دراسية أعلى، ثم يترقَّى، ثم يعمل، ثم يشتغل بالدنيا، ثم يأتيه
الموت -ولابد-، فلا يأخذ مما جمع شيئا.
وأما امتحان الآخرة؛ فإن الرسوب فيه يؤدي إلى النار،
والنجاح يؤدي إلى الجنة؛ وما أدراك ما هما؟!
فعلى العاقل أن يقارن بين
الامتحانين، فإذا تبين له أن امتحان الآخرة أشد، وأن عواقبه أخطر؛ وجب عليه أن
يجعله أولى بالتأهُّب، ولا يشتغل عنه بامتحان الدنيا؛ فإن السائل غير السائل،
والعاقبة غير العاقبة، والظروف غير الظروف؛ فلْيتفكَّر في حاله في عَرَصات
القيامة، وقد دَنَتِ الشمس من الرؤوس، وألجم العرق الناس، واقتربت جهنم -بحرِّها
وهَوْلها-، وسأله الجبار -سبحانه- عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أَبْلاه، وعن
ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به.
فلا تغفلنَّ -أُخَيَّ- عن هذا
الموقف الرهيب، واحذر أن تشتغل بالدنيا عن الآخرة، ولا تكوننَّ من الغافلين، الذين
يكون شأنهم في امتحان الآخرة: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
السبت 10/محرم/1434
|