شبهة حول الدستور أحمد الله، وأشهد أن لا إله سواه، وأشهد أن محمدا نبيه ومصطفاه؛ صلى الله وسلم عليه، وعلى من اتبع هداه. أما بعد؛ فقد عرف كل من له حظ من فهم وإدراك ما في الدستور الأخير من المباينة والمناقضة لشريعة اللطيف الخبير، وأن القول بأنه يدعو إليها أو يمهد لتحكيمها: باطل من القول وزور، لا يصدقه إلا مفتون مغرور. غير أنه لفت نظري بعضُ إخواني إلى شبهة قد تدخل على أمثال هؤلاء، ومن شابههم من ضعاف النفوس، وهي قول «أهل الدستور» (!!) في إحدى مواده: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة» اهـ. فأقول: إن المراد بـ«أهل السنة والجماعة» هنا ليس ما يعرفه أهل السنة والجماعة الخُلَّص: من أَتْباع الكتاب والسنة وما كان عليه السلف؛ بل المراد بهم: ما يقابل الرافضة، فيدخل فيهم: الأشاعرة، والماتريدية، والكُلَّابية، والصوفية؛ بل المعتزلة، والخوارج، وغيرهم ممن ليس من الرافضة؛ ومعلوم أن لفظ «أهل السنة والجماعة» إذا أُطلق بإزاء الرافضة؛ دخل فيه كل من سواهم. فهذا هو مراد القوم، ويؤيده: ما تتابعت به تصريحاتهم مؤخرا من أن الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة!! وأيضا: فقد نصوا قبل ذلك على أن المرجعية في تفسير «مبادئ الشريعة» هي الأزهر، ومعلوم شأنه من التمشعر والتصوف -في أشد دركات الغلو-!! وأيضا: فإن فاقد الشيء لا يعطيه، والقوم جاهلون بمعنى «أهل السنة والجماعة» الحق؛ فكيف يريدونه هنا؟! فإذا عُرف ذلك؛ قلنا: أي شريعة سيحكِّمها الأشاعرة والصوفية وأشكالهم؟!! أهي شريعة الحلول والاتحاد؟!! أم هي شريعة التعبد لغير الله: من دعاء غيره، والاستغاثة بغيره، والذبح والنذر لغيره، والطواف بغير بيته؟!! أم هي شريعة الإلحاد في أسمائه وصفاته -بالتعطيل والتحريف وغير ذلك-؟!! أم هي شريعة الإباحية، والتسوية بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وإسقاط التكليف والأمر والنهي؟!! أم هي شريعة تفضيل الأولياء على الأنبياء، وتجويز مخالفتهم وترك اتباعهم؟!! أم هي شريعة وحدة الأديان، والتسوية بين الإسلام والكفر، وتضييع الولاء والبراء؟!! أم هي شريعة الابتداع والإحداث في الدين، وتنكُّب السنة وسبيل السلف؟!! أم غير ذلك من الضلالات والموبقات؟!! وإن دعوتم إلى خلاف ذلك؛ أيقرُّونكم عليه؟! ومقلِّبِ القلوب؛ إن أناسا تغتر بمثل هذه الكلام لأناسٌ مطبوعٌ على قلوبها، مختومٌ على أسماعها، مضروبٌ بالغشاوة على أبصارها، فهم في غَيِّهم سادرون يعمهون، ما لهم من يقظة ولا فَوَاق. فيا أهل السنة والحق؛ أغلقوا عنكم هذه الأبواب، ولا يستخفنَّكم الذين لا يوقنون؛ فوالذي نفسي بيده؛ لو جمع القوم ما بأقطارها، وأَتَوْا بكل حيلة ووسيلة، على أن يطبقوا الشريعة؛ لا يطبقونها أبدا، حتى يحققوا شرط الله -جل وعلا-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}. فلا بد من التوحيد، والإيمان، والعمل الصالح، وقد عُلم تفريطُ الناس في ذلك كله، وتفريطُ القوم في الدعوة إليه -سيما التوحيد، وهو أصل الأصول-، فلا يمكن حصول التمكين -والحال هكذا-، ومن ادعى خلاف ذلك؛ فهو معاند لربه ودينه، صاحب هوى وفتنة، لا يُرجَى منه إلا الشر والفساد والخبال. هذا يقيننا -أهلَ الحق-، يغلب به الواحد من عوامِّنا ألفا من القوم؛ فواجبٌ علينا استحضاره، والثبات عليه، والعمل به؛ ولْنتركْ القوم في غيِّهم وفتنتهم، ولْنعملْ نحن بما تركوه من الحق، ولْنَسْعَ إلى تحكيم الشريعة -حقا وصدقا-، على المنهج الرباني النبوي السلفي، بتحقيق التوحيد والإيمان والعمل الصالح -قولا، وعملا، ودعوة-، والعاقبة للموحدين المؤمنين المتقين. نسأل الله أن يهيِّئ لأمتنا أمر صلاح ورشد، يُعَزُّ فيه الحنفاء السُّنِّيون الأتقياء، ويُذَلُّ فيه المشركون المبتدعون الأشقياء. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله. كتبه أبو حازم القاهري السلفي الخميس 7/صفر/1434
|