الآن حصحص الحق!! خرج الدستور المنتظر من سردابه!!! الحمد لله الذي يعز -بالهداية- من يشاء، ويذل -بالضلال- من يشاء، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادةَ مُؤمنٍ بقوله -سبحانه-: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادةَ مؤمنٍ بقول ربه في شأنه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. أما بعد؛ فقد أنجز الشيء المسمَّى بـ«الجمعية التأسيسية للدستور» عمله(!!) بوضع «دستور»(!!) جديد(!!) لبلدنا مصر، ومن المقرر أن يُدعَى «الشعب» (!!) لـ«الاستفتاء» (!!) عليه في أيام معدودات. ومع كثرة تقرير أهل العلم لحكم المشاركة في العملية السياسية المعاصرة؛ إلا أن الأسئلة لا تزال تُطرح من المسلمين -عوامِّهم وخواصِّهم (!!)- عن هذا الحكم، وكأنهم لم يسمعوا منه من قبلُ شيئا، أو لم يروا من تأويله في واقعهم شيئا!! ونحن نقول -أعني: نفسي وغيري من أهل السنة-: الآن حَصْحَصَ الحق!! والحمد لله الذي هدانا لما اعتقدناه وقلناه، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ولا يزال ربنا -جل وعلا- ينصرنا ويصدق كلامنا -وهو الحق من عنده-: فكما وقع ذلك في قضية الخروج على الحكام؛ ها هو يقع الآن في قضية العمل السياسي. لقد أجمع الحزبيون المبتدعون أمرهم وشركاءهم، وجمعوا جموعهم وأحابيشهم، مقبلين على العملية السياسية -بِقَضِّهم وقَضِيضِهم-، قائلين: «إن نريد إلا إحسانا وتوفيقا»!! فكان ماذا؟!! ها هو «الدستور» «المنتظر» قد خرج من سردابه (!!)؛ فإليكم بعضَ مبادئه العامة؛ لتروا ما فيها من «الإحسان» و«التوفيق»: «أولا: السيادة للشعب (!!)، صاحب الحق الوحيد (!!) في تأسيس السلطات (!!)، التي تستمد شرعيتها منه، وتخضع لإرداته (!!!). ثانيا: ديمقراطية نظام الحكم (!!)، التي ترسخ التداول السلمي للسلطة وتوسِّعه، وتعمق التعددية السياسية والحزبية (!!). ثالثا: حرية المواطن في كل جوانب حياته -فِكْراً، وإبداعاً، ورأياً، وسكناً، وأملاكاً، وحِلّاً، وترحالاً- (!!). رابعا: المساواة أمام القانون (!!)، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمواطنات (!!)، دونما تمييز أو محاباة أو وساطة (!!). خامسا: سيادة القانون أساس الحكم في الدولة (!!!). سادسا: احترام الفرد حجر الأساس في بناء الوطن، وكرامته امتداد طبيعي لكرامة هذا الوطن، ولا كرامة لوطن لا تكرم فيه المرأة (!!). سابعا: الوحدة الوطنية فريضة واجبة على الدولة والمجتمع (!!)، وهي قاعدة الاستقرار والتماسك الوطني(!!)» اهـ مختصرا، وكل مواد «الدستور» (!!) شرح وتفصيل لهذه المبادئ. فنقول: أين تحكيم الديانة؟!! أين تطبيق الشريعة؟!! أين سيادة الكتاب والسنة وما كان عليه السلف؟!! أين الأمر بالتوحيد والتحذير عن الشرك؟!! أين الأمر بالسنة والتحذير عن البدعة؟!! أين الأمر بالتقوى والتحذير عن الفسق؟!! أين الولاء والبراء؟!! حتى تلكم «المادة الثانية» (!!) المتعلقة بدين الدولة، التي جاهدتم في سبيلها، وبذلتم الغالي والنفيس من «التنازلات» (!!)؛ صارت هكذا: «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية: المصدر الرئيسي للتشريع»؛ فأيَّ شيء صنعتم؟!! فإن قالوا: أتينا بكلمة «مبادئ»، ولم تكن ثَمَّ!!! قلنا: ألهذا وصلت عقولكم؟!! أم هكذا تخدعون أحابيشكم؟!! وأنتم تعلمون -قبل غيركم- أن هذه الكلمة مطَّاطة حمَّالة أوجه، وما دبَّجْتم به «دستوركم» هو خير ما يفسرها!!! أم لعلكم توهَّمتم أنها ستخوِّل لكم هدم الأضرحة، وإقامة الحدود، ومنع السفور والفاحشة، ونحو ذلك؟!!! وأيضا: فإنكم جعلتم المرجعية في تفسيرها: «أَزْهَرَكَم» (!!) «الشريف» (!!)، صاحب وثيقة الحريات المعروفة في الاعتقاد والعمل (!!)، فصنعتم كما نقول في أمثالنا: «سَلَّم القط مفتاح الكَرَار»!!! وأيضا: فإنكم قلتم في المادة الأولى -قبل الكلام على دين الدولة-: «ونظامها ديمقراطي»!!! فجعلتم الشريعة محكومة بالديمقراطية وخاضعة لها!!! وأيضا: فقد قلتم في المادة الثالثة -التالية للكلام على الشريعة-: «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين (!!) واليهود: المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قيادتهم الروحية»!!!، وهذا يعني توسعهم في بناء كنائسهم ونشر كفرهم، من غير سلطان للشريعة عليهم!!! وبالجملة؛ فعامة ما كُتب في هذا «الدستور» الوضعي الخبيث منافٍ للشريعة الإسلامية، عائدٌ على أصولها وقواعدها بالمعارضة والمناقضة، فعادت «مادتكم الثانية» -كما كانت- حبرا على قرطاس!!! فيا لله! ما أشد خزيكم وخذلانكم!! فإذا عُرِف ذلك؛ بان أن ما يحشدونه الآن من المظاهرات والتأييدات ليس لنصرة الشريعة؛ بل هو لنصرة أنفسهم وسلطانهم، واجتماعهم الآن إنما هو لذلك، وقد كانوا -من قبلُ- متفرقين، وسيعودون كذلك -ولابد-{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}. وعليه؛ أقول: لا يجوز -البتَّة- المشاركة في الاستفتاء على هذا الدستور؛ فإن هذا الاستفتاء مرجعه إلى الديمقراطية، وهي حرام -بكافة صورها-، وقد عرفتَ بُعْدَ هذا الدستور عن الشريعة، بما ينقض قول الكذاب البَهَّات: «إنما نستفتي على تطبيق الشريعة (!!!)»، ولئن توهَّمنا أن هذا الدستور ينص على تحكيم الشريعة -بنصِّها وفصِّها-؛ فلا يجوز الاستفتاء عليه -أيضا-؛ لأن مجرد طرح الشريعة للاستفتاء: كفر مجرد؛ فكيف بالمشاركة فيه؟!! هذا هو ما تقتضيه الحجة الدينية والبينة الشرعية، فلا يحل تركه لقول أحد من الناس، ولا يحسن إدمان السؤال عن الأصول الثابتة المفروغ من تقريرها وبيانها؛ فإن هذا مَدْعاةٌ للشك والريب، وفتحٌ لباب الخصومات في الدين، وما هكذا مضت السنة، ولا عليه كان سلفنا الصالح. نسأل الله أن يهيِّئ لأمة الإسلام أمر رشد، يُعَزُّ فيه أهل التوحيد والسنة والتقوى، ويُذَلُّ فيه أهل الشرك والبدعة والفسوق، وتُكشَف فيه الفتن -ما ظهر منها وما بطن-. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه كافة. كتبه أبو حازم القاهري السلفي الاثنين 19/محرم/1434
|