الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567269
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

نقض أصول المميعة في مسألة الامتحان بالأشخاص

المقال
نقض أصول المميعة في مسألة الامتحان بالأشخاص
7165 زائر
25/08/2012
أبو حازم القاهري السلفي

نقض أصول المميعة

في مسألة الامتحان بالأشخاص

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد؛ فإن الولاء والبراء من أعظم قواعد الإسلام، ومن أجل شعائر الحنيفية، جعله الله -تعالى- شرطا وأصلا في الإيمان، وجعله النبي -صلى الله عليه وسلم - أوثق عُرَاهُ وعلاماته، فلا يحققه إلا من تمكن الإيمان من قلبه، ورسخت الحنيفية في فؤاده، ولا يتركه إلا من نبذ الإيمان وراء ظهره، وخلع ربقة الإسلام من عنقه.

والولاء والبراء كما يكون في مقام التوحيد والشرك، فإنه يكون -أيضا- في مقام السنة والبدعة، وفي مقام الطاعة والمعصية؛ كلٌّ بحسبه -كما هو مقرر-.

ومن أظهر صور الولاء والبراء: الامتحان بالعقائد والمناهج، وما فيها من الحق والباطل؛ فمن أحب الحق وتولاه، وكره الباطل وعاداه؛ فهو المحبوب المتولَّى، ومن كان أمره على الضد؛ كان الموقف منه على الضد.

ولما كانت العقائد والمناهج لا تقوم بنفسها؛ بل لابد أن يكون لها حَمَلَةٌ؛ كان الامتحان بهؤلاء الحَمَلَة أمرا لازما لا محيص عنه، لا على معنى الامتحان بذواتهم؛ ولكن بما يحملونه.

ولهذا جاءت النصوص الشرعية بهذا النوع من الامتحان، فامتحنت بالأنبياء والأولياء -الذين هم حملة الحق-، وامتحنت بالكفار والمخالفين -الذين هم حملة الباطل-؛ كما في قول الله -عز وجل- في شأن نبيه -صلى الله عليه وسلم-: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[1]، وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[2]، وقوله في شأن الصحابة -رضي الله عنهم-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[3]، وقوله في شأن المخالفين: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[4]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار))[5]، وقول عليٍّ -رضي الله عنه-: ((والذي فلق الحبة، وبَرَأَ النَّسَمة؛ إنه لعهد النبي الأُمِّي -صلى الله عليه وسلم- إليَّ: ((أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق))[6]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- مبيِّناً القاعدة العامة في هذا الشأن: ((المرء مع من أحب))[7].

وعلى هذه الجادة الواضحة سار سلفنا الصالح، وأقوالهم ومواقفهم -في ذلك- متضافرة متواترة، ولاستيعابها مقام آخر -إن شاء الله-؛ ولكنني أجتزئ هنا بكلام جامع مفيد للإمام أبي محمد البربهاري -عليه الرحمة-.

قال: ((وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة، وأنس بن مالك، وأُسَيْد بن حضير؛ فاعلم أنه صاحب سنة -إن شاء الله-، وإذا رأيت الرجل يحب أيوب، وابن عون، ويونس بن عبيد، وعبد الله بن إدريس الأَوْدِي، والشعبي، ومالك بن مغول، ويزيد بن زُرَيْع، ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة؛ فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت الرجل يحب الحجاج بن المنهال، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن نصر؛ فاعلم أنه صاحب سنة -إن شاء الله- إذا ذكرهم بخير، وقال بقولهم[8]))[9].

إلى أن قال: ((وانظر إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دُؤَاد، وبِشْراً المريسي، وثُمامة، أو أبا الهُذَيْل، أو هشاما الفُوَطي، أو واحدا من أتباعهم وأشياعهم؛ فاحذره، فإنه صاحب بدعة، فإن هؤلاء كانوا على الردة، واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير، ومن ذكر منهم بمنزلتهم)) اهـ[10].

قلت: ثم يأتي المميِّعة -اليوم- على هذا الأصل الجليل بالتشغيب، وقائدهم في ذلك -مؤخرا-: عليّ بن حسن الحلبي -هداه الله-.

فتارة يقولون: إنما يُمتحن -من أهل الحق أو الباطل- بأئمتهم، دون آحادهم.

وتارة يقولون: إنما يُمتحن -منهم- بالمجمَع عليه، دون المختلَف فيه.

وتارة يذكرون مثل موقف الإمام أحمد، إذ قال لبعض من جاءه من أصحاب الحديث: ((من أين أقبلتم؟))، قالوا: ((من مجلس أبي كُرَيْب))، فقال: ((اكتبوا عنه؛ فإنه شيخ صالح))، فقالوا: ((إنه يطعن عليك))، قال: ((فأي شئ حيلتي؟! شيخ صالح قد بُلِيَ بي))[11].

فأقول: الجواب عن ذلك كما يلي:

أولا: أما قولهم بقصر الامتحان على الأئمة والرؤوس؛ فجوابه يحصل بفهم سر المسألة، وهو: أن الامتحان -كما عرفت- ليس بمجرد الأشخاص، وما يقع لهم من الجلالة والشهرة ونحوذلك، ولو كان كذلك؛ لصح الامتحان بالأئمة والرؤوس -دون غيرهم-، وإنما يكون الامتحان بعقائد الأشخاص ومناهجهم، فمتى وُجد ذلك في شخصٍ -مَنْ كان-؛ صح الامتحان به.

وما أكثر ما يوجد طلاب علم -مثلا-، يدعون في بلادهم إلى منهج السلف، وهم خاملو الذكر، قليلو الحيلة، قليلو الأتباع -أو: عديموهم-؛ فلئن والاهم أحد، فأثنى عليهم، وحمد دعوتهم وصبرهم؛ هل يتردد سلفي في أنه مُوَالٍ للمنهج؟! وإذا عاداهم أحد، فشنَّع عليهم، ونفَّر عنهم؛ هل يتردد سلفي في أنه مُعَادٍ للمنهج؟! وكذا القول في دعاة الباطل -سواء-.

ودونك الموقف المشهور للإمامين أحمد وأبي داود -رحمهما الله-، إذ قال أبو داود:((أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟))، فقال: ((لا، أو تُعْلِمُه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه، وإلا؛ فألحقه به؛ قال ابن مسعود: ((المرء بخِدْنه))[12].

فهذا امتحان ظاهر بهجر رجل من آحاد المبتدعة؛ فافهم!

ثانيا: وأما قولهم بقصر الامتحان على المجمع عليه؛ فجوابه يحصل بفهم سر المسألة -أيضا-، وهو: أن العبرة -أبدا- بالحجة الظاهرة، والدليل البيِّن، فهما القاضيان على كل خلاف، والحاسمان لكل نزاع، ولا يعوِّل على مجرد الخلاف والنزاع إلا جاهل -باتفاق العلماء-.

فإذا دلت الحجة على كون رجل ما من أهل الحق؛ فهو كذلك، وإن خالف فيه من خالف، وكذلك في أهل الباطل -سواء-.

وكم من رجل من المجروحين -مثلا- لم يُجمَع على جرحه، وجرحه -مع ذلك- ظاهر بيِّن، لا يجوز تركه؛ كإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، ومحمد بن حميد الرازي، وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وغيرهم.

والامتحان -عندئذ- يكون لمن تبينت له هذه الحجة، ووضح له هذا الدليل، فلا يجوز له تركهما لقول أحد من الناس -مَنْ كان-.

وأما قضية ((الاقتناع)) -هذه-(!!)؛ فالاقتناع إنما يُشترط في الأمور الخفية التي تقبل النظر والتأويل، وأما الظاهرة؛ فمتى ما تبيَّنت؛ ظهرت -بنفسها-، وقامت بها الحجة -مباشرة-، سواء اقتنع بها الرجل أم لا، ولولا ذلك؛ لعذرنا كافة المبتدعة؛ بل والكفار!! ولوسع أيَّ أحد أن يترك الحق، بدعوى أنه لم ((يقتنع)) به!!

ثالثا: وأما الموقف المذكور للإمام أحمد -رحمه الله-؛ فتوجيهه -ولابد- على الطعن الذي لا يعود إلى المعتقد أو المنهج، فمن طعن في رجل من أهل السنة في خلقه، أو معاملته، أو علمه، أو نحو ذلك؛ فلا يقال -بمجرد ذلك-: إنه عدو للسنة .

والإمام أحمد -نفسه- قد صار محنة -حقا-، وتوالت أقوال العلماء في أنه لا يحبه إلا سُنِّي، ولا يبغضه إلا متهم على الإسلام؛ فهذا هو ما يعود إلى الدين والمعتقد، فلا تعارض ولا تخالُف؛ فافهم!

كان هذا نقضا مختصرا لأصول المميِّعة العامة في هذه المسألة العظيمة، من فهمه؛ انكشفت عنه شبههم -بفضل الله وتوفيقه-، وعسى أن تُبسط مباحثه في مقامات أخرى -إن شاء الله-؛ نسأل الله التوفيق والتسديد، والهداية والثبات.

وصلَّى الله على محمد وآله وسلَّم.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

السبت 7/ شوال/1433




[1] الأعراف: 157.

[2] التوبة: 61.

[3] الحشر: 10.

[4] المجادلة: 22.

[5] رواه البخاري (17، 3784) -وهذا لفظه-، ومسلم (74) من حديث أنس -رضي الله عنه-، وهو عندهما أيضا من حديث غيره من الصحابة.

[6] رواه مسلم (78).

[7] رواه البخاري (6168، 6169)، ومسلم (2640) عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، وهو عندهما أيضا عن غيره.

[8] هذه لفتة طيبة من الإمام -رحمه الله- إلى وجوب موافقة الأئمة في مذاهبهم، فلا يجزئ الثناء عليهم دون ذلك، وما أكثر ما وقع الخلل من عدم استحضار ذلك.

[9] «شرح السنة» (116-119).

[10] «شرح السنة» (122-123).

[11] «تاريخ دمشق» (55/58).

[12] «طبقات الحنابلة» (1/158).

   طباعة 
0 صوت
روابط ذات صلة