بصائر &nb"/>
الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567264
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الخامسة)

المقال
بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الخامسة)
4734 زائر
15/07/2013
أبو حازم القاهري السلفي

بصائر

في الفتن الأخيرة

(الحلقة الخامسة)

الحمد لله حمدا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله، خلق كل شيء فقدر تقديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه للناس بشيرا ونذيرا؛ صلى الله عليه وعلى آله، وسلم تسليما كثيرا.

فهذا أوان الكلام على مسألة أَسْر الإمام، وقد أوضحت في الحلقة السابقة أن ما حدث لـ«مرسي» إنما هو عزل؛ ولكننا نجاري المخالفين في دعواهم أَسْرَه، ونوضح الحكم الشرعي في ذلك؛ حتى يُعرف الفرق -في المسائل الشرعية- بين العلماء الحكماء، والجهلاء السفهاء.

قال القاضي الماوردي -رحمه الله-: «وأما القهر؛ فهو أن يصير مأسورا في يد عدو قاهر، لا يقدر على الخلاص منه، فيمنع ذلك عن عقد الإمامة له؛ لعجزه عن النظر في أمور المسلمين، وسواء كان العدو مشركا أو مسلما باغيا، وللأمة اختيار من عداه من ذوي القدرة.

وإن أُسِر بعد أن عُقدت له الإمامة؛ فعلى كافة الأمة استنقاذه؛ لما أوجبته الإمامة من نصرته، وهو على إمامته -ما كان مَرْجُوَّ الخلاص، مأمول الفكاك؛ إما بقتال أو فداء-.

فإن وقع الإياس منه؛ لم يَخْلُ حال من أسره من أن يكونوا مشركين أو بغاة المسلمين:

فإن كان في أسر المشركين؛ خرج من الإمامة؛ لليأس من خلاصه، واستأنف أهل الاختيار بيعة غيره على الإمامة.

فإن عهد بالإمامة في حال أسره؛ نُظِر في عهده: فإن كان بعد الإياس من خلاصه؛ كان عهده باطلا؛ لأنه عهد بعد خروجه من الإمامة، فلم يصح منه عهد؛ وإن عهد قبل الإياس من خلاصه وقت هو فيه مرجو الخلاص؛ صح عهده لبقاء إمامته، واستقرت إمامة ولي عهده بالإياس من خلاصه لزوال إمامته.

فلو خلص من أسره بعد عهده؛ نُظر في خلاصه: فإن كان بعد الإياس منه؛ لم يعد إلى إمامته؛ لخروجه منها بالإياس، واستقرت في ولي عهده، وإن خلص قبل الإياس؛ فهو على إمامته، ويكون العهد في ولي العهد ثابتا -وإن لم يصر إماما-.

وإن كان مأسورا مع بغاة المسلمين: فإن كان مَرْجُوَّ الخلاص؛ فهو على إمامته، وإن لم يُرْجَ خلاصه؛ لم يَخْلُ حال البغاة من أحد أمرين: إما أن يكونوا نصبوا لأنفسهم إماما، أو لم ينصبوا؛ فإن كانوا فوضى لا إمام لهم؛ فالإمام المأسور في أيديهم على إمامته؛ لأن بيعته لهم لازمة، وطاعته عليهم واجبة، فصار معهم كمصيره مع أهل العدل -إذا صار تحت الحجر-، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه ناظرا يخلفه -إن لم يقدر على الاستنابة-؛ فإن قدر عليها؛ كان أحق باختيار من يستنيبه منهم؛ فإن خلع المأسور نفسه، أو مات؛ لم يَصِر المستناب إماما؛ لأنها نيابة عن موجود فزالت بفقده.

وإن كان أهل البغي قد نصبوا لأنفسهم إماما، دخلوا في بيعته، وانقادوا لطاعته؛ فالإمام المأسور في أيديهم خارج من الإمامة بالإياس من خلاصه؛ لأنهم قد انحازوا بدار تفرَّد حكمها عن الجماعة، وخرجوا بها عن الطاعة، فلم يبق لأهل العدل بهم نصرة، وللمأسور معهم قدرة؛ وعلى أهل الاختيار في دار العدل أن يعقدوا الإمامة لمن ارتضوا لها؛ فإن خلص المأسور؛ لم يعد إلى الإمامة؛ لخروجه منها» اهـ([1]).

وقال الفقيه أبو المعالي الجويني -رحمه الله-: «إذا أُسر الإمام، وحُبس في المطامير، وبَعُدَ توقع خلاصه، وخلت ديار الإسلام عن الإمام؛ فلا سبيل إلى ترك الخطط شاغرة، ووجودُ الإمام المأسور في المطامير لا يغني، ولا يسد مسدا، فلا نجد -والحالة هذه- من نصب إمام بُدًّا.

قلت: لو سقطت طاعة الإمام فينا، ورَثَّتْ شوكته، ووهنت عدته، ووَهَتْ مِنَّته، ونفرت منه القلوب، من غير سبب فيه يقتضيه، وكان -في ذلك- على فكر ثاقب، ورأي صائب، لا يُؤتَى في ذلك عن خلل في عقل، أو عَتَهٍ وخَبَل، أو زلل في قول أو فعل، أو تقاعُدٍ عن نَبْل ونَضْل؛ ولكن خذله الأنصار، ولم تواته الأقدار، بعد تقدُّم العهد إليه أو صحيح الاختيار، ولم نجد لهذه الحالة مستدركا، ولا في تثبيت منصب الإمامة له مستمسكا، وقد يقع مثل ذلك عن مَلَل، أنتجه طول مَهَل، وتراخي أجل؛ فإذا اتفق ذلك، فقد حيل بين المسلمين وبين وزر يستقل بالأمر، فالوجه: نصب إمام مطاع -ولو بذل الإمام المحقق أقصى ما يستطاع-.

وينزل هذا منزلة ما لو أُسِر الإمام، وانقطع نظره عن الأنام وأهل الإسلام، فلا يصل إلى مظان الحاجات أثرُ رأي الإمام، إذا لم تكن يده الطولى، ولم تنبسط طاعته على خطة الإسلام عرضا وطولا، ولم يصل إلى المارقين صَوْلُه، ولم يَنْتَهِ إلى المستحقين طَوْلُه؛ والإمام لا يُعنَى لعينه، ولا يقتصر انقطاع نظره على موافاته حين حَيْنه» اهـ([2]).

قلت: فتحصل من كلامهم:

أولا: أن الأَسْر مُخْرجٌ عن منصب الإمامة -ابتداء-؛ لأنه منافٍ لأصلها، الذي هو القدرة والشوكة.

ثانيا: أن بقاء المأسور على إمامته مرتهن برجاء خلاصه، فإذا رُجي خلاصه؛ فهو إمام على شاكلته، وإذا وقع الإياس من الخلاص؛ فلا إمامة له، وعلى هذا ينبني النظر في تصرفاته -حال الأَسْر-.

ثالثا: أن تنصيب البغاة إماما لهم -بعد أَسْرهم للإمام- يُعَدُّ دليلا على الإياس من خلاصه، فيجب على الأمة -حينئذ- تولية غيره.

فأين المخالفون من هذا كله؟! وقد وقع الإياس من خلاص «مرسي»، وتأكَّد هذا بتولية الجيش حاكما على البلاد كلها -لا على أنفسهم فحسب-؛ فبطل -بذلك- موقفهم حتى في قضية الأَسْر.

فإن قيل: هَبْ أن الرجل عاد إلى منصبه -كَرَّةً أخرى-.

قلت: قد تقدم أن الإمام لو خلص من أَسْره -بعد الإياس منه-؛ لم يَعُدْ إلى الإمامة؛ لأنه خرج عنها بالإياس من رجوعه، لاسيما إذا كان قد وُلِّي مكانه أحد، فهو بتسلُّطه على الإمامة -مرة أخرى- يُعَدُّ خارجا على المتأمِّر الحالي.

هذا هو الأصل؛ ولكن لو فرضنا أن الجيش أعاد «مرسي» إلى منصبه حقا، بوصفه ممكَّنا متصرِّفا في البلاد، واستقر له الأمر على ذلك؛ فالعمل -حينئذ- بقاعدة التغلب لازم، والحكم يدور مع علته -وجودا وعدما-.

وللحديث بقية -إن شاء الله-؛ والله الموفِّق.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الاثنين 6/رمضان/1434



[1])) «الأحكام السلطانية» (47-48)، ونقله عنه: النووي في «روضة الطالبين» (10/49)، وكذا قال القاضي أبو يعلى في «الأحكام السلطانية» له (22-23)، ومعلوم ما بين كتابه وكتاب الماوردي من التشابه.

   طباعة 
0 صوت