بصائر &nb"/>
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :539975
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الأولى)

المقال
بصائر في الفتن الأخيرة (الحلقة الأولى)
5595 زائر
10/07/2013
أبو حازم القاهري السلفي

بصائر

في الفتن الأخيرة

(الحلقة الأولى)


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾([1]).

هذه الآية الكريمة هي خير ما يستحضره المسلم في هذه الأيام؛ فقد عشنا في فتن الخروج ما يناهز ثلاث حِجَج، ما زال الله -تعالى- يرينا فيها الآية تلو أختها، ويظهر لنا عجائب قدرته ودلائل عزته وحكمته، ومن أَجَلِّ ذلك: تصرفه -سبحانه وتعالى- في العطاء والمنع، والخفض والرفع، وإيتاء الملك ونزعه.

فرأينا الله -سبحانه وتعالى- نزع الملك من أناس، ما كان يُتصور أن يُنتزع منهم، فأخرجهم من العز إلى الذل، ومن الرفاهية إلى القهر، ومن القصور إلى السجون؛ حتى صاروا عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتعظ.

ثم إن الله -تعالى- آتى الملك أناسًا قد يئسوا منه -كما يئس الكفار من أصحاب القبور-، فأخرجهم من السجون إلى القصور، ومن الذل إلى العز، ومن الصغار إلى صنع القرار؛ حتى صاروا -أيضًا- عبرة وعظة لكل معتبر متعظ.

وها قد رأى الناس أن الله -تعالى- نزع الملك منهم، فأعادهم -مرة أخرى- إلى سابق عهدهم، وألحقهم بالأولين، حتى صاروا في سجونهم على مرمى حجر منهم!!

فيا لله! ما أحقر الدنيا! وما أشد زيفها! وما أعظم غرورها! صدق رب العزة - سبحانه وتعالى- إذ قال فيها: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾([2]).

فخاب من رضي بالدنيا، وخسر من ركن إليها؛ لا يركن إليها إلا كل جاهل غافل، ولا يعتمد عليها إلا كل خائب خاسر، ولا يأمن مكر الله -تعالى- إلا القوم الخاسرون، لاسيما إذا خلت من قبلهم الَمثُلَات، ورأوا أمام أعينهم أناسًا يذلون بعد العز، ويأمنون مكر الله -تعالى-، فيمكر بهم ويذلهم، ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ ﴾([3]).

ها قد سقط النظام «الإخواني»، في ضَجَّة كبيرة، وفتنة شديدة، ومستقبل غامض؛ نسأل الله أن يكشف الكربة، ويرفع الغمة، وينصر دينه ودعوته، ويرحم عباده المستضعفين.

وقد تعرضنا في هذه الأحداث الأخيرة -ولا نزال- لمسائل شتى، وقع فيها الكثير من الإشكال والالتباس؛ فرأيتُ أن أتعرض لها في هذه المقالات، والله الموفِّق والمستعان.

وأول ما نتكلم فيه من ذلك: سبب السقوط «الإخواني»، وحصول الفرح به من عدمه.

فاعلم -رحمك الله- أن الله -جل وعز- أحكم لنا شرط التمكين في آيتين جامعتين من كتابه:

إحداهما: قوله -سبحانه-: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾([4]).

والثانية: قوله -تعالى-: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾([5]).

فأما الآية الأولى؛ ففيها شرط ما قبل التمكين، وهو: التوحيد، والإيمان، والعمل الصالح.

وأما الآية الثانية؛ ففيها شرط ما بعد التمكين، وهو: الأمر بالمعروف -وأعظمه التوحيد-، والنهي عن المنكر -وأعظمه الشرك([6])-، وإقامة الدين والملة.

فأين هذا وذاك في واقع «الإخوان» ومن شايعهم؟!

هل كانوا -قبل تولِّي الملك- على جادة التوحيد، والإيمان، والعمل الصالح؟! أم كانوا متلبسين بالشركيات، غارقين في البدع والمحدثات، متضمِّخين بالمعاصي والسيئات؟!

وهل كانوا -بعد تولِّي الملك- آمرين بالمعروف -وأعظمه التوحيد-، ناهين عن المنكر - وأعظمه الشرك-، مقيمين للدين والملة؟! أم حُفظ عنهم تضييعهم لذلك كله -و«دستورهم» (!) خير شاهد-؟!

إذن: فلا عجب أن تسقط دولتهم، ويزول ملكهم، ويصيروا للناس آية.

واعلم -رحمك الله- أن البدع -خاصة- من أعظم أسباب زوال الدول؛ وللإمام ابن القيم -رحمه الله- في ذلك كلام طويل نفيس، أنقل لك قطعة منه:

قال -قدس الله روحه-: «فلما كثرت الجهمية في أواخر عصر التابعين؛ كانوا هم أول من عارض الوحي بالرأي، ومع هذا كانوا قليلين -أولا- مقموعين مذمومين عند الأئمة، وأولهم شيخهم الجعد بن درهم، وإنما نفق عند الناس بعض الشيء؛ لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه، ولهذا كان يسمى «مروان الجعدي»، وعلى رأسه سلب الله بني أمية الملك والخلافة، وشتتهم في البلاد، ومزقهم كل ممزق؛ ببركة شيخ المعطلة النفاة» اهـ([7]).

إلى أن قال: «إلى أن جاء أول المائة الثالثة، ووُلِّي على الناس عبد الله المأمون، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامرا بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حب المعقولات، فأمر بتعريب كتب يونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد، فعُرِّبت له، واشتغل بها الناس -والملك سوق، ما سُوِّق فيه جلب إليه-؛ فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية، ممن كان أبوه الرشيد قد أقصاهم، وتبعهم بالحبس والقتل؛ فحشوا بدعة التجهم في أذنه وقلبه، فقبلها، واستحسنها، ودعا الناس إليها، وعاقبهم عليها؛ فلم تطل مدته» اهـ([8])، ثم أطال الكلام.

فاعتبر بهذا -رحمك الله-، وقارنه بشأن «الإخوان» المعروف في البدع والمحدثات؛ وأي جريمة أعظم من تمكينهم للرافضة، وتقويتِهم قلوبَهم وشوكتَهم؟! والرافضة حمير البشر، ونَجَسُ بني آدم؛ ما قعدوا في دار إلا بَارَ، وما تمكنوا من بلد إلا خرب! فذوقوا فتنتكم أيها «الإخوان»؛ هذا يومكم الذي كنتم توعدون!

ولْتتصوَّرْ -عافاك الله- مدى الفساد الكبير، الذي كان سيضرب بأطنابه في البلاد؛ لو سيطر القوم على مفاصلها!

وخُذْ مثالا: ما تردد -بقوة- أن وزارة الأوقاف «الإخوانية» (!) كانت ستمتحن أئمة المساجد الجُدُد في موقفهم من «الإخوان»([9])! بل كانت ستعيد امتحان القدامى -بناء على ذلك-!! فمن نجح ثُبِّت، ومن فشل أُبْعِد!! فيا لله! أمحنةٌ أخرى بعد محنة القرآن؟!!

وقد بلغ من عقوبة الله لهم: أنه أفشلهم -حتى على المستوى الإداري-، مع أنهم معروفون بالبراعة في ذلك؛ فكانت قرارات «مرسي» متخبطة، وكانت إدارته فاشلة، وقد ظهر هذا لِأَبْلَدِ العامة! فانظر -رعاك الله- كيف حِيلَ بينهم وبين ما يحسنون -ببدعتهم وضلالهم-!!

فلا شك أننا نفرح بزوال هذه الدولة الخائبة، ونعوذ بالله من أمثالها وأشكالها.

إلا أن السلفي الراسخ لا بد أن يقدر الأمور قدرها، ويضع الأشياء في نصابها، وينظر إلى الحوادث نظرة جامعة شاملة.

وذلك أن ترك الصبر على الحكام لا يأتي إلا بالشر والفساد، فلا تزال الفتن باقية، ولا تزال الفوضى منتشرة، ولا تزال الدماء مُسْفَكَة، ولا يزال الشقاق مستمرا بين أطراف «الثورة» الجديدة!!

وأعظم ما نكابده من الفتن: أن «الإخوان» -للأسف- ينتسبون إلى التدين والاستقامة، ووجودهم كان -في الظاهر- تمثيلا لما يسمَّى «المشروع الإسلامي السياسي»؛ فانقسم الناس -حيال سقوطهم- قسمين:

أحدهما: أتباعهم وأشياعهم من أهل البدع والغواية، الذين يعتقدون ويذيعون أن سقوط «الإخوان» سقوط للدين -جملة-، فلا بد -إذن- من مقاومة الصائلين على الملة، ومجاهدتهم مجاهدة الكفار المشركين! ولا بد من استنقاذ الإمام من براثنهم، وإعادته إلى منصبه مظفَّرا مؤزَّرا!!

والثاني: عامة المسلمين، الذين سحبوا كراهيتهم لـ«الإخوان» وأشياعهم على المتدينين -جملة-، فظنوهم -جميعا- في خندق الطائفة المرذولة، ولم يفرقوا بين أحد منهم، فكرهوا الجميع، وحَاصُوا عنهم حَيْصَة الحُمُر، وما عادوا يطيقون لحية ولا نقابا؛ بل منهم من تعدَّى على بعض ذوي اللِّحَى وذوات النقاب!! وإنا لله، وإنا إليه راجعون.

وقد عظمت الفتنة بالقسم الأول؛ لأنهم يتكلمون باسم الدين، وينسبون مذاهبهم إلى السنة، ويصيحون على مخالفهم بالضلال -وربما الكفر-؛ وعُتُوُّهم هذا قد يدفعهم إلى جمع الجموع، وسَلِّ السيوف؛ جهادا في سبيل الله -بزعمهم-!! فيقضون -بذلك- على البقية الباقية من الدين، ويوردون الجميع مورد الهلكة والبوار؛ والله المُسْتَجَار.

وهذا المسلك المبير -مع فضائح القوم السابقة وفشلهم الكبير- قد يسبب فقدان الثقة بالإسلام نفسه، ويرسخ الاعتقاد العلماني الخبيث بفصل الدين عن الدولة، ويؤكد للجهال المفتونين أن السياسة لا يقدر عليها إلا العلمانيون، مما قد يدفع أصحاب السلطة -الآن- إلى الدفع بالبلاد في اتجاه علماني إباحي بغيض، يقضي على الدين -حقا-، وينسف القيم -صدقا-.

وأيضا: فإن «الثورة» الأخيرة ليست نهاية المطاف؛ فإن أعداءنا لن يهدءوا حتى يدمروا بلادنا، ويغرقوها في أوحال الفوضى، ويقضوا عليها -اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا-؛ فما يؤمنِّنا ألا تأتي ثورة أخرى -بل ثورات-؟! وقد أَلِفَها الناس -وواحُزْناهُ-، وترسخت فيهم ثقافة الاعتراض، وتمكنت منهم حرية الغرب المنتنة؛ وبعد «تمرُّد» (!): تأتينا «تفلُّت» (!)، و«تعنُّت» (!)، وهَلُمَّ جَرًّا!!

فكل هذه الاعتبارات لا تجعلنا نطمئن بما حدث؛ بل نفرح بسقوط «الإخوان» -من حيث هو-؛ ولكننا نكره الفتن والدماء، ونتوجَّس قلقا على مستقبل البلاد والتديُّن فيها؛ وهذه قاعدة الشريعة في الأمور التي يتنازعها الخير والشر.

وهذا يدفعنا إلى البَدَار باللجوء إلى الله، وإدمان التضرع له والاستغاثة به، مع إصلاح أنفسنا -بالتوبة والاستقامة-، وبذل الجهد في دعوة الناس وتبصيرهم بالحق؛ عسى أن يجعلنا ربنا من الناجين المفلحين، ولا يصطلمنا مع المصطَلَمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-؛ نسأل الله أن يهدينا للتي هي أقوم، ويجنبنا التي هي أظلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الأربعاء 1/رمضان/1434



([1]) آل عمران: 26.

([2]) الكهف: 45.

([3]) الأعراف: 99.

([4]) النور: 55.

([5]) الحج: 41.

([6]) روى الطبري في تفسير هذه الآية عن أبي العالية: «كان أَمْرُهم بالمعروف: أنهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده، لا شريك له؛ ونَهْيُهم عن المنكر: أنهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان؛ فمن دعا إلى الله -من الناس كلهم-؛ فقد أمر بالمعروف، ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان؛ فقد نهى عن المنكر».

([7]) «الصواعق المرسلة» (3/1070-1071).

([8]) «الصواعق المرسلة» (3/1072).

([9]) وأكبرُ ظني -الآن-: أن بعض الإخوة أخبرني بوقوع ذلك -حقا-.

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت