إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :540039
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تعقيب على مقالتين

المقال
تعقيب على مقالتين
1048 زائر
08-01-2023 08:57
أبو حازم القاهري السلفي

تعقيب على مقالتين

(لا يجوز التعامل مع الشرطة والجيش!)

(الحاكمية جوهر التوحيد! وأخص خصائص العبادات المطلقة!)

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

الحمد لله البَرِّ الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الكريم، عليه وعلى آله أحسن الصلاة، وأتم التسليم.

فقد ظهرت مقالتان بأَخَرَةٍ، تتعلقان ببعض الأمور المتعلقة بولاة الأمور: مقالة تتعلق بالتعامل مع الشرطة والجيش، وأخرى تتعلق بالحاكمية.

وقد أحببت التعقيب عليهما، ولاسيما أنه قد كثر السؤال عنهما، وبالله نستعين.

* المقالة الأولى: لا يجوز التعامل مع الشرطة والجيش:

والمراد بذلك -توضيحا-: أن يعمل أحد عملا أو خدمة تتعلق بإحدى المؤسَّسَتين، كأن يركِّب لهم بابا، أو يوصِّل لهم كهرباء، أو نحو ذلك.

فقد أفتى مفتٍ بأن ذلك لا يجوز! معلِّلًا بأن تلكما المؤسستين منتظمتان في النظام الديمقراطي المخالف للإسلام، والحاكم بغير ما أنزل الرحمن، وأنهما تحميان ذلك النظام، وما فيه من مخالفات للشريعة المطهرة.

وهذا الكلام المحكيُّ: باطل من القول، وبيان ذلك: أن ثَمَّةَ فرقا بين شيء أو كيان يعمل في الحلال والحرام، ووجوده -في ذاته- ضرورة لا بد منها في بلاد الإسلام، وحياة المسلمين؛ وبين شيء أو كيان آخر لا يعمل إلا في الحرام، أو غالب عمله كذلك.

فأما الثاني؛ فلا إشكال في عدم جواز التعامل معه؛ إذ هو تعاون على الإثم والعدوان.

وأما الأول؛ فمنع التعامل معه يعطِّل مصالح الخلق، ويؤدي إلى حرج معتبر في الشرع.

إن المؤسسة العسكرية -جيشًا، وشرطةً- لا بد منها في كل بلد، حتى لو تكلمنا على الدول -بمفهومها القديم-، وهذا لا يحتاج إلى طول تقرير.

ومعلوم أن هذه المؤسسة لم تخل من مخالفات منذ زمن بعيد، ولم تزل مَرْتَعًا للظالمين والجبارين؛ فمَن مِن أئمة الإسلام منع التعامل معها -بإطلاق هكذا-؟!

ومأخذ المفتي المومَي إليه: لا يختلف -في التحقيق- عن المأخذ المذكور؛ إذ كون المؤسسةِ قائمةً على نظام مخالف للإسلام: لا يُلغي أهميتها، ولا يمحو ضرورتها، ولا يبدِّل الحقيقة: أنها تعمل في الكثير من الأمور التي بها قوام بلاد الإسلام، مما لا علاقة له بالنظام الديمقراطي؛ فالتعامل مع هذه المؤسسة إنما هو لأجل هذا، بقطع النظر عن مخالفاتها.

ألا ترى أنه لا يجوز منع الصُّنَّاع من توصيل الكهرباء في بيوت الناس -بإطلاق-، مع أن المقطوع به أن غالبهم يستعملها في الحرام؟! ولكننا نقول: لها استعمالات أخرى صارت -في عصرنا الآن- في طبقة الحاجيات، التي تُنزَّل منزلة الضروريات ، فيجوز التوصيل لأجل هذا، بقطع النظر عن المخالفات.

ألا ترى أنه يجوز التعامل -قطعا- في الهواتف المحمولة -بيعًا، وشراءً، وصيانةً-، مع شيوع استعمالها في الحرام؟! وما ذلك إلا لاستعمالاتها المباحة الأخرى، التي تمسُّ إليها الحاجة.

ويلزم المفتيَ المومَى إليه منعُ التعامل مع جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها؛ إذ الكل متحقِّقٌ فيه ما أبداه من علة المنع: الانتظام في النظام الديمقراطي! وتطبيق أحكام «البرلمان»! وهل هذا إلا عين القول باعتزال المجتمع، الذي نعلم -تماما- من أين جاء؟!!

ولستُ أرمي معيَّنًا بما هو منه برئ، ولازم المذهب ليس بمذهب، إنما أقول: النتيجة واحدة، وإن اختلفت المقدمات بين «فلان»، وبين أهل التكفير والهجرة!!

ويلزم ذلك المفتيَ -أيضا- منعُ التعامل مع الحاكم -نفسه-؛ إذ هو رأس النظام الديمقراطي! فلا يجوز توصيل الكهرباء لقصره!! ولا تركيب أبوابه!! ولا!! ولا!!

ولا بد أن يُستحضر هنا شيء هام، وهو أن القوم إنما ارتضوا الديمقراطية لاعتقادهم أنها لا تخالف الإسلام، وهذا هو السبب في عدم تكفيرنا لهم -أصلا-؛ إذ لا يختلف أهل السنة والعلم أن الديمقراطية كفر -في نفسها-؛ ولكنهم لا يكفرون جميع الحاكمين بها، والمتحاكمين إليها؛ لوجود الجهالات والشبهات؛ وأما مع قيام الحجة، وتبيُّن المَحَجَّة؛ فالقوم كفار مرتدون، لا كرامة لهم، فضلا عن الإمارة، والسمع، والطاعة.

فهذا لا بد من تذكُّره، وإن كان خارجا عن محل النزاع؛ لأن نسيانه -في غمرة الحماسة- يؤدي إلى شَطَطٍ معروف.

فالحاصل: أن الفتوى التي حكيناها: فتوى باطلة، لا يجوز اعتمادها، ولا الأخذ بها، ولا يصح أن تندرج في الخلاف السائغ؛ لما ذكرناه من مخالفتها لقواعد الشريعة، وسوء أثرها على البلاد والعباد.

* المقالة الثانية: الحاكمية جوهر التوحيد، وأخص خصائص العبادة المطلقة:

لا بد أن نفرِّق -إخوتاه- بين شيئين:

أحدهما: إصابة الحق.

والثاني: التعبير عنه.

فقد يقصد المتكلم معنى صحيحًا، ويقرِّر حقًّا محضًا؛ ولكن يعبر عنه بعبارة مُسْتَكْرَهَةٍ، فيها غلوٌّ، أو مبالغة، أو إجمال، أو نحو ذلك من المحاذير، والأمور المرغوب عنها.

وفي قضية الحاكمية: تعوَّدْنَا من أئمتنا على طريقة واضحة، وأسلوب سهل مباشر، حاصله فيما يلي:

الحكم حقٌّ خالص لله عز وجل، وهو من معاني ربوبيته وسلطانه، فلا يجوز إسناد هذا الحق لغيره، بل هذا الإسناد كفر أكبر، مُخْرِجٌ عن دين الإسلام، وصورته: أن يقال: إن غير الله عز وجل له الحق في أن يحكم -ابتداء- بين الخلق، يُحِلُّ ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء، ويشرع ما يشاء، غير متقيِّد بحكم الرب عز وجل، ولا راجع إليه، أو يُجعل حكمه فوق حكم الرب، بحيث يُعرض حكم الرب عليه، فإن أقرَّه؛ جاز؛ وإن رفضه؛ لم يَجُزْ!!

وهذه الصورة الكفرية غير ملازمة لجنس الحكم بغير ما أنزل الله، بل يُتصور أن شخصًا يحكم بغير ما أنزل الله، دون أن يعتقد هذه الصورة الكفرية، ومن هنا جاء تفصيل أهل السنة المجمَع عليه: من حكم بغير ما أنزل الله للهوى، أو الرشوة، أو التهاون، أو نحو ذلك، دون أن يقع في الصورة الكفرية؛ فهذا كفر دون كفر.

وحتى الصورة الكفرية: ليس كل من وقع فيها كان كافرا -بعينه-؛ إذ كثير ممن يُبتلى بها يعتقد أن الإسلام قد أجازها، وفوَّض للحكام أن يحكموا بمقتضى المصلحة، ويعطِّلوا الحدود -إذا رأوا ذلك-؛ كل ذلك لشبهات وتأويلات.

ولهذا؛ كان المنضبطون من أهل العلم، الذين كانوا يقولون بأن القوانين الوضعية كفر أكبر: لا يكفِّرون أعيان الحكام الحاكمين بها.

فإذا تقررت هذه الجملة؛ فهل يجوز التعبير عما ذكرناه في صدرها بالعبارة التي حكيناها: «الحاكمية جوهر التوحيد! وأخص خصائص العبادات المطلقة»؟!

أما «جوهر التوحيد»؛ فأيَّ توحيد قَصَد؟! إن قصد الربوبية؛ فما الذي جعل الحكم جوهره، دون الخلق، أو التدبير -مثلا-؟! وإن قصد الألوهية؛ فما بال الدعاء، وقد جاء فيه نص: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»؟! وما إِخَالُهُ قصد الأسماء والصفات!

وأما «أخص خصائص العبادات المطلقة»؛ فما الذي جعل التحاكم أولى بذلك دون الدعاء، وقد ذكرنا ما جاء في الدعاء من النص؟!

ألا ترى -إذن- أن هذه العبارات مفتقرة إلى الدليل الواضح، وأن غيرها كان أولى منها؟

إن القول في شيء بأنه «ركن التوحيد»، أو «جوهره»، أو «حقيقته»، أو «أخص خصائصه»، أو نحو ذلك من العبارات الضخمة: يفتقر إلى نص محكم يدل عليه، ولا يكفي فيه مجرد اعتناء القرآن بتقريره -مثلا-؛ إذ قد اعتنى القرآن بتقرير مفردات عديدة للتوحيد، فليس بعضها أولى بهذه الألقاب من بعض؛ كما أنه لم يَسُغ -مثلا- أن يقال: آية الكرسي هي «أعظم آية» في القرآن، بمجرد الذوق، أو الاستنباط؛ بل كان لا بد من نص.

وإذ قد صرنا إلى أقوال الرجال؛ فليس قول صاحب تلك العبارات بأولى من قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -كما في «مجموع الفتاوى»-: «حقيقة التوحيد: ألا يحب إلا الله، ويحب ما يحبه الله لله، فلا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله» اهـ.

ثم ألا ترى أنه ليس هناك كبير فرق بين قول القائل الذي حكيناه: «الحاكمية أخص خصائص العبادات المطلقة»، وقول سيد قطب المشهور، الذي استنكره أهل العلم والسنة: «الحاكمية أخص خصائص توحيد الألوهية»؟!

ومرةً أخرى: لستُ أنسب «فلانا» إلى مذهب القطبية، وكلامي واضح.

واعلم أن المتكلم بتلك العبارات إن كان قد أوضح مقصده في نفس سياقه، وكان مصيبًا؛ فلا عيب عليه -من هذه الحيثية-، وإنما المراد توضيح ما يتعلق بهذه العبارات -في نفسها-، وبيان ما فيها من المبالغة الظاهرة، ولو أردتُ أن أردَّ على عين الشخص المتكلم بها؛ للزمني أن أراجع سياقه، وإنما أردتُ ما ذكرتُه.

وأما إن كانت هذه العبارات صادرة عن القول بأن التشريع العام بغير ما أنزل الله كفر أكبر؛ فإنني أتعجَّب! ألا يزال هناك من يقول بهذا القول؟! وإن كان قد قال به زمرة من أهل العلم قديما؛ لكنني لا أعلم إلا أن الفتوى قد استقرت عند أهل السنة على خلافه.

وبكل حال؛ فليست العبرة بالرجال، والكلام على مسألة التشريع العام ليس موضعه هنا، والقول بأنه كفر -في ذاته- قول ظاهر الضعف، لا يلتئم مع قواعد أهل السنة في التكفير، وقد فصَّلتُ ذلك -بحمد الله- في كتابي: «الدرر البهية في تحقيق مسألة الحاكمية»، وهو مطبوع، ومرفوع -أيضا- على شبكة المعلومات، فليراجعه من شاء.

هذا آخر المراد من هذا المقال، ونسأل الله أن يهدي قلوبنا، ويسدِّد ألسنتنا وأقلامنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

السبت 14/جمادى الآخرة/1444

   طباعة 
0 صوت