تهافت الع"/>
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542711
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ الخطبة السابعة من تهافت العلمانية

المقال
تفريغ الخطبة السابعة من تهافت العلمانية
3425 زائر
10/02/2014

تهافت العلمانية

(الخطبة السابعة)

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فنشرع بحول الله وقوته، وتوفيقه ومعونته في التعرض للشريعة الإسلامية المطهرة في مختلف أبوابها وأحكامها ومسائلها، متعرفين في خلال ذلك على مواطن جامعة بالحكمة الإلهية البالغة الباهرة في الحكم والتشريع ردا على دعاة العلمانية الردية في تسفيههم للشريعة، واتهامهم لها بالقصور والعجز.

وسيكون تعرضنا للشريعة -إن شاء الله تعالى- في خمسة أبواب رئيسية، وهي: الاعتقادات، والعبادات، والمعاملات، والسلوكيات، والعقوبات.

ونبتدئ بالباب الأول الذي هو باب الاعتقادات، ونستعين الله -تعالى- على جميع الملمات.

اعلم -رحمك الله تعالى- أن العقائد الإسلامية في مختلف مسائلها تعود إلى أركان ستة جامعة، وهي التي ذكرها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عندما سأله جبريل -عليه السلام- عن الإيمان، فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، وهذه الأركان موجودة في القرآن -أيضا-، يقول الله -تعالى-: ﴿لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: 171]، ويقول -جل وعلا-: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً﴾ [النساء: 136]، والقدر مذكور في غير آية؛ كقول الله -تعالى-: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49]، فهذه ستة أركان لا بد أن يؤمن بها العبد المسلم، وإليها ترجع جميع الاعتقادات الإسلامية.

ولنبتدئ بالركن الأول الذي هو أعظم الأركان وأمها، والجميع على الحقيقة يعود إليه، وهو الإيمان بالله -عز وجل-.

فاعلم -رحمك الله تعالى- أن الإيمان بالله -تعالى- هو توحيده، فمن آمن بالله، فلا بد أن يكون موحدا له، وقضية وجود الرب -تعالى- كما سبق بيانه- قضية فطرية ضرورية، فإن الخلق مفطورون على الإقرار بخالق للكون، وكل حادث فلا بد له من محدث، ومن تأمل فيما حوله، وفي نفسه عرف أنه لا بد للكل من موجد ومبدع، وهو رب العزة -جل وعلا-.

فهذه قضية لا نطيل الكلام فيها إذ قد فعلنا وهي ضرورية، ولكننا نتكلم على توحيد الرب -جل وعلا- بأركانه الثلاثة المعروفة: توحيده في ربوبيته، وتوحيده في ألوهيته، وتوحيده في أسمائه وصفاته.

فأما التوحيد في الربوبية، فهو توحيد الأفعال، ومعناه: أن الله -تعالى- هو المتفرد بالخلق، والرزق، والملك، والتدبير، والعطاء، والمنع، والضر، والنفع، والإحياء، والإماتة، وغير ذلك مما يتفرد به الله -تعالى- من أفعاله.

فتوحيده في الربوبية معناه: أن تفرده بهذه الأفعال من غير شريك، فلا خالق غيره، ولا رازق غيره، ولا مدبر غيره... إلى آخره.

وهذا هو مقتضى كونه خالقا وفاطرا للكون، فإن الخالق البارئ الفاطر، والإله العظيم الذي أوجد كل هذه الموجودات لا بد أن يكون واحدا، لا يجوز عليه تعدد، ولا يجوز أن يكون له شريك، لا سيما في أفعاله التي منها نفس خلقه للموجودات، فلو جاز أن يكون له شريك في ذلك لبطل كونه ربا وإلها للموجودات، ولحصل التنازع والخلاف واضطرب الكون؛ كما قال -تعالى-: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ﴾ [المؤمنون: 91]، وقال -تعالى-: ﴿كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 22]، فقانون الكون المنتظم الذي تراه أمامك في إتقانه وإبداعه وإحسانه يقتضي أن موجده واحد، لا شريك له، ولا موجود معه، فكذلك ربنا -جل شأنه- هو المتفرد بخلق الخلق، وهو المتفرد بغير ذلك من الأفعال التي تقتضي تدبير هذا الخلق والقيام على شأنه، فكما لا يجوز أن يكون له شريك في إيجاده للخلق، فلا يجوز أن يكون له شريك في غير ذلك من أفعاله، وهذه حقيقة ضرورية -أيضا- لا يجادل فيها أحد إلا من طبع الله على قلبه، وأضله، وأعمى بصيرته، ونكس فطرته، فخالف ضرورة علقه، فمثل هذا لا يلتفت إليه، وحقه أن يوضع مع المجذوبين والممرورين من أمثاله.

وهذه الحقيقة قد ذكرها ربنا -تبارك وتعالى- في كتابه، فكانت حقيقة سمعية شرعية مع كونها حقيقة عقلية فطرية، وقد أكثر الرب -تعالى- من ذكرها حتى يقيم الحجة على الخلق لا سيما الذين يفرطون في توحيده بالقسم الثاني الذي هو توحيد العبادة، فبين -جل وعلا- كثيرا أنه هو المتفرد بالخلق والرزق والتدبير وغير ذلك، وبين -تعالى- أن نفس الذين يشركون به في عبادته مقرون بذلك، لا يخالفون فيه، فقال -جل وعلا-: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ﴾ [الزخرف: 9]، ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87]، وقال -تعالى-: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس: 31]، وقال -تعالى-: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: 84-85]، ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: 86-87]، ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: 88-89]، وقال -تعالى-: ﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ﴾ [الروم: 40]، وقال -تعالى-: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: 34]، وقال -تعالى-: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَراًّ وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً﴾ [الفرقان: 3]، وقال -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17]، وقال -جل وعلا-: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ [النحل: 73]، وهذا المعنى كثير في الكتاب، يؤكد هذه الحقيقة ويبين أن الله -تعالى- هو رب الخلق، هو خالقهم، ورازقهم، ومالكهم، ومدبر أمرهم، لا يجوز أن يكون له شريك في ذلك.

وهذه الحقيقة تقودنا إلى الحقيقة التالية في القسم الثاني من التوحيد الذي هو توحيد الألوهية والعبادة.

ومعناه: أن تفرد الله -تعالى- بأفعالك أنت، بعباداتك أنت، بتوجهاتك أنت، فإذا أردت أن تعبد فإنك تعبد الله، وإذا أردت أن تتقرب فإنك تتقرب إلى الله، وإذا أردت أن تتوجه فإنك تتوجه إلى الله، لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في خلقه وملكه وتدبيره.

إنها حقيقة ضرورية -أيضا- لا يجادل فيها أحد، إذا كان الله -تعالى- هو الذي خلقك لا شريك له في شيء من ذلك، فكيف تعبد غيره؟! وكيف تتوجه إلى غيره؟! وكيف تستغيث بغيره؟! وكيف تدعو غيره؟!

ولهذا كان هذا التوحيد هو حق الله على العبيد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مخاطبا أحد أصحابه -رضي الله عنهم- وهو معاذ بن جبل وكان رديفه على الدابة، قال: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟»، فقال: الله ورسوله أعلم، فقال -صلوات الله وسلامه عليه-: «حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا».

فهذا هو حق الله علينا بموجب خلقه لنا، ورزقه لنا، وتدبيره لأمورنا، بهذا قامت الحجة علينا، ولهذا كان المشرك بالله في عبادته سفيها، غبيا، أحمق، يضع الشيء في غير موضعه، ولهذا سماه الله ظالما؛ كما ذكر عن لقمان الحكيم أنه قال لولده: ﴿يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، أعظم الظلم أن تشرك بالله في عبادته وهو خلقك وفطرك، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، فمن عبد غير الله، فقد وضع العبادة في غير موضعها، وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ فقال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك»، إنه الذي خلقك، إنه الذي يرزقك، إنه الذي يضرك وينفعك، إنه الذي يحييك ويميتك، فكيف تجعل له ندا في عبادته؟! كيف تدعو غيره؟! وكيف تذبح لغيره؟! وكيف تنذر لغيره؟! وكيف تستغيث بغيره؟! وكيف تتوكل على غيره؟! وكيف تلجأ في الرخاء أو الشدة إلى غيره؟! وما أحسن المثل الذي ضربه نبي من أنبياء الله، وهو يحيى بن زكريا -عليهما السلام-، ذكر نبأه رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في حديث تعرضنا له من قبل، قال: «إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن»، فذكرهن، وأولهن توحيد الله -تعالى-، قام يحيى عليه السلام فقال: «آمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، وإن مثل ذلك كمثل رجل له عبد يعمل - أي هذا العبد هو الذي يعمل- فقال له سيده: اعمل وأد عملك إليّ، فكان يعمل ويؤدي عمله إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟»، ولله المثل الأعلى، فالله -تعالى- خلقنا واستعملنا في هذا الكون، وأمرنا أن يكون عملنا له وحده، وهو لا ينتفع بشيء منه، ولا يعود عليه شيء من مصلحة أو منفعة، وإنما المستفيد العبد، أمرنا أن نعمل له، ونؤدي إليه، ونفرده بالعبادة والقربة.

فإذا قام الواحد من الخلق بذلك إلى غير الله -تعالى- فأية سفاهة أعظم من ذلك؟! ومن من البشر يحب أن يُعامل كذلك؟! فهي إذن حقيقة ضرورية لا جدال فيها.

وعليها تقوم حكمة الرب -تعالى- في التكليف، والعطاء والمنع، والحساب والجزاء، والثواب والعقاب، وقد عرفنا قبل أن الله -تعالى- لا يترك خلقه عبثا وسدى، لا بد من أمر ونهي، ولا بد من تكليف وشرع، فهذا التكليف والشرع هو الذي ينبني على ساق العبودية لله -تعالى-.

إن الله -تعالى- إذا كلفنا، فأمرنا أو نهانا، فإنما ذلك حتى نكون عبادا له، وحتى يؤدي ذلك إلى إقامة واجب التوحيد له، فإن التوحيد يتمثل في صرف العبادة لله -تعالى-، ويتمثل -أيضا- في متممات ومكملاته في تقوى الله -تعالى-، فتقوى الله بفعل الواجبات وترك المحرمات من تمام التوحيد وكماله، فلا يتم التوحيد، ولا يستوي على سوقه على كماله وتمامه إلا بتقوى الله -تعالى-، فكانت جميع التكاليف الشرعية متممة للتوحيد وخادمة له، فتوحيد العبادة -إذن- ليس أمرا عقديا فقط، وإنما يندرج تحته أمور عملية في أحكام تكليفية شرعية، في أمور يقوم بها العبد في حياته ودنياه لا بد أن تصب في مصب عبادته لله.

وكل هذا يمثل الغاية التي لأجلها خُلق الخلق، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، فالعبادة معناها شامل جامع لكل ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه من قول أو عمل، ظاهر أو باطن، كل هذا يدخل في مسمى العبادة، فمتى قام العبد بشيء منه، فهو قائم بواجب العبودية ووظيفتها.

فتوحيد العبادة -إذن- يشمل حياتك كلها، يشمل عملك كله، يشمل توجهك كله، فهذا أمر ضروري، لا فكاك منه، ولا خلاص ولا محيص.

ثم يأتي القسم الثالث الذي هو توحيد الأسماء والصفات، يؤكد كمال الرب -تعالى-، وتمامه في عظمته، وجلاله، فإن الله -تعالى- هو رب الكون وإلهه، والرب والإله لا يكون إلا كاملا، لا يكون إلا متصفا بأعلى صفات الكمال، لا يجوز عليه نقص، ولا يجوز عليه عيب، ولا تلحقه آفة، فكان توحيد الأسماء والصفات مؤكدا لهذا، مبينا له، وكُلف العباد أن يعتقدوا أن الله -تعالى- موصوف بأوصاف الكمال، ومنزه عن أوصاف النقص، وهذا من تعظيمه ومحبته -جل في علاه-.

ومن مقتضيات الإيمان به ربا وإلها أنه لا بد من الإيمان بكل ما يخبر به لا سيما إن كان إخبارا عن نفسه العلية وذاته الجليلة.

خبر الله -تعالى- عن نفسه هو أعظم الأخبار، وأجلها، وأرفعها، فإذا كان الإيمان بالله يقتضي أن تؤمن بكل خبر لله، فكيف إذا كان الخبر متعلقا بذاته؟! كيف إذا كان الخبر فيه أنه -تعالى- من أسمائه كذا، ومن صفاته كذا؟! فهذا الخبر الجليل الشريف أولى الأخبار بالتصديق والإيمان؛ ولهذا كان من شعائر المسلمين، وشعائر أهل السنة والجماعة والحق أنهم يؤمنون بكل ما سمى الله به نفسه وما سماه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه وبكل ما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يؤمنون بكل ذلك؛ لأنهم يؤمنون بالله، وإذا أخبر الله -تعالى- عن نفسه بشيء فلا بد من الإيمان به، إذا قال -تعالى-: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى﴾ [الأعراف: 180], فلا بد أن نؤمن بذلك، لا بد أن نؤمن أن الله -تعالى- أسماء حسنى، فلا سوء فيها، ولا نقص، ولا عيب، وإذا وصف الله -تعالى- نفسه بصفة كذا فلا بد أن نؤمن بها، وما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كذلك على العين والرأس؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والسنة وحي كما أن القرآن وحي، وأعلم الخلق بالله هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا سمى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربه باسم أو وصفه بوصف فلا بد من الإيمان بذلك لأنه خبر من عند الله.

ونحن إذا آمنا بالأسماء والصفات لا بد أن نؤمن بها على مراد الله، وهذا راجع إلى التكليف -أيضا- لم يكلنا ربنا إلى أهوائنا كما سبق بيانه، فلا بد من الإيمان بما أخبر به الله على مراد الله، ولا بد من الإيمان بما أمر به الله -تعالى- أو نهى عنه على مراد الله، فنحن في تعرضنا لأسماء الله -تعالى- وصفاته لا نتعرض لها بأهوائنا، ولا بآرائنا، ولا بأقيستنا؛ لأن الأسماء والصفات أمر غيبي، نحن إنما نتكلم عن الله، أفتدري معنى هذا؟ أفتعقل جلالته وخطورته؟ أخطر الكلام الكلام في الرب -سبحانه وتعالى-؛ ولهذا كان مبنيا على التوقيف، لا يجوز أن يخوض فيه الناس من تلقاء أنفسهم، قال -تعالى-: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ [طه: 110]، لا تحيط بربك علما في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله، فلا يجوز لك أن تتكلم في ربك بهواك أو رأيك أو قياسك بل لا بد أن تتكلم فيه بما تكلم به هو نفسه في نفسه، بما تكلم به الرب -تبارك وتعالى-، وما تكلم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- على مراد الله -عز وجل-، على جادة شرعية مستقيمة لا عوج فيها، فإن الله -تعالى- قال: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180]، فهناك إيمان بالأسماء وهناك دعاء لله بها، وهناك في المقابل إلحاد في أسماء الله، فنحن نتمسك بالجادة الأولى، ونبتعد عن الطرق الأخرى، نبتعد عن طرق الإلحاد والفساد.

فقال السلف الصالح، وقال علماؤنا وأئمتنا: نؤمن بالأسماء والصفات من غير تحريف ولا تمثيل، ومن غير تكييف ولا تعطيل.

لا نحرف شيئا من الأسماء والصفات، نبقيها على ما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، نؤمن أن الأسماء والصفات حق، وأن معناها على ما تفهمه العرب وتعقله، فإن الله -تعالى- إذا قال عن نفسه: إنه سميع، فمعلوم معنى السمع، وإذا قال عن نفسه: إنه بصير، فمعلوم معنى البصر، وإذا قال عن نفسه: إنه عليم، فمعلوم معنى العلم، وإذا قال عن نفسه: إنه استوى على العرش، فمعلوم معنى الاستواء على العرش، فنحن نؤمن بهذا المعنى على ما جاء في لغة العرب؛ لأن القرآن إنما نزل بلسان العرب، فلا بد أن يكون على لغتهم، ولا بد أن يكون على ما يفهمونه ويعقلونه, وإلا لوقع الخلف في دين الله -تعالى-.

فمعنى الصفات -إذن- معلوم، لا نحرفه، ولا نغيره، لا نقول: استوى أي استولى، استولى على العرش، لا نقول هذا، لا نقول هذا: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: 64]، أي: نعمتاه أو قدرتاه، لا نقول هذا، لا نقول: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، لا نقول: نزوله نزول رحمته أو نزول أمره، لا نقول هذا، بل نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة على ظاهره وعلى معناه الواضح الذي يتبادر إلى الذهن من غير تحريف له ولا تغيير له عن مقتضاه.

وهذا الإثبات الذي يتحلى به أهل الإسلام والسنة في الأسماء والصفات هو إثبات مع تنزيه، نقول: من غير تحريف ولا تمثيل، فلا نمثل الله -تعالى- بشيء من خلقه، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ رد على من مثله بخلقه، فقال: يسمع كسمعنا، ويبصر كبصرنا، ويعلم كعلمنا، ويداه كأيدينا، واستواؤه كاستوائنا، هذا غلط وضلال وتمثيل لله بخلقه، والله -تعالى- ليس كمثله شيء، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ رد على من يعطل الصفات وينكرها تحت مسمى دفع التمثيل أو التشبيه، فنحن نؤمن بالأسماء والصفات على الوجه اللائق بجلال الله -تعالى-، لله -تعالى- ذات لا تشبه ذوات الخلق، فكذلك له أسماء وله صفات لا تشبه أسماء ولا صفات الخلق، ولا تماثلهم.

ثم نحن مع ذلك لا نكيف شيئا من الأسماء والصفات، لا نقول: إن الله -تعالى- يسمع بهيئة كذا، أو يبصر بهيئة كذا، أو استوى على العرش بهيئة كذا، ولما جاء رجل إلى الإمام مالك، فقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5] كيف استوى؟، فقال: الاستواء معلوم -أي: معلوم معناه-، والكيف مجهول.

لا نعلم كيف استوى، ولا نسأل هذه الأسئلة، أنحيط علما بالله؟ أنسعى إلى إدراك ما لا نستطيع إدراكه؟ أنسعى إلى ضرب الأمثال لله -تعالى- والإحاطة بذاته وأسمائه وصفاته؟ لا يكون شيء من ذلك، فلا نسأل، ولا نقول كيف استوى؟ ولا كيف سمعه؟ ولا كيف بصره؟ ولا كيف علمه؟ لا نسأل عن شيء من هذا، وهذا الكيف نفوضه إلى الله -تعالى- لأنه أعلم به.

ثم يأتي من بعد ذلك نفي التعطيل الذي هو الإنكار، فإذا جاء اسم أو جاءت صفة في الكتاب أو السنة لا ننكرها، لا نردها؛ لأن الرد رد على الله، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أعلم بالله من نفسه، ولا أعلم به من خلقه من رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف نستدرك على الله؟ وكيف نستدرك على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ إذا سمى الله نفسه بشيء فكيف نعترض عليه وهو الذي سمى به نفسه؟ فلا يستطيع أحد أن يحيط علما بالله، ولا يستطيع أحد أن يتكلم في الله إلا بما ذكره الله وما ذكره رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

هذه جادة محكمة لا عيب ولا نقص ولا خلل، فمن لزمها فقد لزم الجادة التي يحبها الله ويرضاها ،وأثبت لربه كل كمال، ونزهه عن كل نقص، وبهذا يعبده على الحقيقة، ويخشاه على الحقيقة، ويحبه على الحقيقة، وهو مراد الله -تعالى- من الخلق.

أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لكل خير، وأن يفتح علينا من كل علم نافع.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

ننتقل إخوة الإسلام إلى الركن الثاني من أركان الإيمان وهو الإيمان بالملائكة.

وكما سبق أن أوضحنا وأرجو أن يستحضر هذا دائما، فإن جميع الأركان تبع للركن الأول، الكل في الحقيقة عائد إليه، فمن إيماننا بالله -تعالى- أن نؤمن بأخباره، وتكاليفه وأوامره ونواهيه، لا يتم الإيمان بالله إلا بذلك، فإذا أخبرنا الله -تعالى- أنه خلق كذا، وإذا أمرنا أن نؤمن بكذا، فإننا نفعل ذلك إجابة له وطاعة له؛ لأننا مؤمنون به.

فالله -تعالى- أمرنا أن نؤمن بنوع من الخلق يقال له: الملائكة، وذكرهم كثيرا في كتابه، وذكرهم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في سنته، وذكر عنهم أمورا تتعلق بخلقتهم، ووظائفهم وأعمالهم مما لا بد أن نؤمن به كله، لا يجوز أن نترك منه شيئا أو نرد منه شيئا.

يقول الله -تعالى-: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ . لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 26-29]، ويقول -تعالى-: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، ويقول -تعالى-: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر: 1]، والأخبار كثيرة لا تخفى في الكتاب والسنة.

فلا بد أن نؤمن بهذا كما أخبر الله وكما أخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكما أمر الله ورسوله أن نؤمن بذلك؛ لأن إنكار الملائكة رد على الله، ورد على الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهذا لا يتفق أبدا مع الإيمان بالله والرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ومن الحكم التي يمكن الحديث عنها في الإيمان بالملائكة أن الله -تعالى- يمتحن خلقه ويبتليهم، وهذا هو مقتضى التكليف كما عرفت، لا بد في التكليف من بلاء وامتحان، فمن جملة امتحان الخلق وتكليفهم أن يطالبوا بالإيمان بما لا يرونه، وقد جعل الله -تعالى- هذه الصفة أول صفات المتقين المؤمنين؛ كما في قوله -تعالى-: ﴿ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 2-3]، والغيب: اسم لما غاب عنك، اسم لما لا تستطيع رؤيته أو سماعه أو إدراكه، وكما ذكرنا الكل راجع إلى الإيمان بالله، فنحن نؤمن بالله مع كوننا لا نراه، نحن نؤمن بالله مع كوننا لا نسمع كلامه، نحن نؤمن بالله مع كوننا لا نشاهده، فكذلك سائر الأمور التي يخبر الله -تعالى- بها نؤمن بها تصديقا له وإيمانا به واستجابة لأمره ونهيه، وإن كنا لا نراها، ولا نسمعها.

وهذا موجود في حياتنا المادية، واعتبر بالطاقة الكهربائية مثلا هل تراها؟ هل ترى الكهرباء؟ الجواب: لا، وهي موجودة في حياتنا ومادية لا نستطيع أن نستغني عنها بأخرة، ولله المثل الأعلى.

فمن الحكم التي يشتمل عليها الإيمان بالملائكة الإيمان بالغيب، أننا نؤمن بهذا العالم الذي لا نراه، ولا نسمعه، ولا نشاهده؛ لأن الله -تعالى- أمرنا بذلك.

ومن الحكم -أيضا- بيان عظمة الله -تعالى- وجلالته، وعظيم قدرته وسلطانه، فإن الملك لا بد له من جنود، يقول -تعالى-: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الفتح: 7]، وإن كان الرب -تبارك وتعالى- مستغنيا عنهم أجمعين، لا يحتاج إلى واحد منهم قط، ولكن هكذا تقتضي حكمته؛ لأن هذا من تمام ملكه.

وهذا يجرنا إلى حكمة ثالثة وهي ربط الأشياء بأسبابها، انظر مثلا في خلق الله للسموات والأرض، لقد أخبرنا الله -تعالى- أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام مع كونه قادرا على خلقهما في لحظة واحدة ولكن الله -تعالى- يريد أن يعلمنا، يريد أن يعلمنا أن نسير في حياتنا على جادة معينة، يريد أن يعلمنا أن الأشياء تكون بالترتيب شيئا فشيئا، والله -تعالى- اقتضت حكمته أن ترتبط حياة البشر بالأسباب، لا بد من وجود الأسباب التي نعتمد عليها في حياتنا، لا بد من وجود أسباب في الطعام والشراب والكساء والسفر وغير ذلك، فالله -تعالى- من تمام حكمته وعظيم لطفه ورحمته يبين لنا ذلك في نفس فعله -جل وعلا-، الله -تعالى- اتخذ الملائكة، فمنهم عباد له لا يفطرون عن عبادته قط، والجميع عباد له، لا يعصونه أبدا كما أخبر، ولكن منهم من لا يشتغل إلا بالعبادة أصلا، لا يصنع شيئا غير هذا، ومنهم من يوكله الله -تعالى- بالوحي كجبريل -عليه السلام-، يوكله الله -تعالى- بنزوله إلى أنبيائه ورسله يبلغهم أوامر الله -تعالى- وتشريعاته، فتأمل في هذه الصورة الجليلة التي تمثل أن الله -تبارك وتعالى- في ملكه وعظمته يرسل رسولا من قبله إلى رسول من البشر حتى يبلغ شرعه وأمره إلى سائر الناس، فهذا من تمام ملكه -تبارك وتعالى-، وعظيم سلطانه، فالله -تعالى- يعلمنا هذا، جعل من الملائكة من هو كذلك، وجعل منهم من هو موكل بالقطر بإذنه وقدرته -سبحانه وتعالى- وهو ميكائيل -عليه السلام-، وجعل منهم من هو موكل بقبض الأرواح وتوفيها، وهو ملك الموت -عليه السلام-، وجعل منهم من هو موكل بحفظ العبد وتسجيل أعماله عليه، وهم الكرام الكاتبون، ملكان حافظان أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، مع كل عبد، حتى تسجل عليه أعماله التي سيحاسب عليها، فهذا من تمام عدله -سبحانه وتعالى- وإقامته للحجة على الخلق، والأمثلة كثيرة، ولا أريد أن استطرد، والأمر واضح، والحمد لله، هذا كله مما يبين لك عظمة الله -تعالى-، وحكمته، وربطه للأشياء بأسبابها، وتعليمه للخلق، فهذا كله مما يبين عظمة الله -تعالى- في ملكه وسلطانه، وجلالته في حكمته وخلقه، فهذا بعض ما يمكن الحديث عنه في قضية الإيمان بالملائكة.

وهذا كله -رحمك الله تعالى- يبين لك أن العقائد الإسلامية مبنية على الحكمة البالغة الباهرة التي تقتضي كمال الرب -سبحانه وتعالى- في كل أحكامه وتشريعاته، وفي جميع أمور ملكه وسلطانه، وهذا كله مما يزيد في إيمانك بربك، ويزيد في تمسكك بشريعتك، ويزيد في محبتك لها وللرب -سبحانه وتعالى-، فنسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا لهذا الأمر العظيم، وأن يثبتنا عليه، وأن يتوفانا على الوجه، وعلى الوجه الذي يحبه ويرضاه، بمنه وكرمه.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم اكشف عنا الفتن ما ظهر وما بطن، اللهم اكشف عنا الفتن ما ظهر وما بطن، اللهم اكشف عنا الفتن ما ظهر وما بطن، اللهم أحينا حياة هنية سوية، وارزقنا الأمن والاستقرار يا رب العالمين، واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

للاستماع للمادة الصوتية أو تحميلها، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت