تهافت العلمانية
الخطبة السابعة عشرة والأخيرة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فقد انتهت رحلتنا مع أقسام الشريعة المطهرة تعرفنا من خلالها على الكثير من محاسن الشريعة، ومظاهر الحكمة والكمال فيها على وجازة كلامنا، وسرعة عرضنا، وإن استطاله بعض الناس، فإننا حقًا ما تكلمنا إلا عن شيء من المقصود، وقد ذكرنا أن هذا الباب تفنى دونه الأعمار، ولا تحيط مع ذلك بجميع مظاهر الحكمة الإلهية في التشريع.
وبانتهاء الرحلة المذكورة ينتهي الرد التفصيلي على دعاة العلمانية في باب الحكم والتشريع، وقد ذكرنا أن أصلهم في هذا الباب هو أصل مذهبهم كله، فإنه قائم -كما عرفت- على تنحية الدين، وعدم الالتفات إليه والأخذ به في شتى مناحي الحياة، مختلف صورها، ولا شك أن أعظم ذلك باب الحكم والتشريع.
فبمعالجة أصل المعالجة في هذا الباب تحصل معالجة مذهبهم كله، وهذا هو ما انتهيت إليه بعد نظر، فقد رأيت أن ما سبق تفصيله -بحمد الله تعالى- يكفي ويشفي ويغني عن التعرض للمزيد من أصول هذا المذهب.
فإننا قد تعرفنا على حقيقته، ومنشئه، وأصل دعوته، فحصل لنا بذلك تصور إجمالي لجميع ما يدخل فيه.
العلمانية -كما عرفنا- مذهب مادي، لا يقوم على دين وشرع، بل يدعو إلى تنحية كل ما يجيء من عند الله -تعالى-، وعدم الالتفات إليه في قليل أو كثير.
هذه حقيقة العلمانية، يمكنك أن تتصورها في جميع مناحي الحياة، وفي شتى صورها ومجالاتها، ومن خلال ما ذكرناه بتوفيق الله -تعالى- من معالجة قضية الحكم تحصل معالجة هذا المذهب بكماله.
فقد ذكرن أن حاجة الناس إلى الشريعة فوق حاجتهم إلى كل شيء، وأنهم ما خُلقوا إلا لعبادة ربهم الذي خلقهم وفطرهم وأوجدهم على هذه الأرض، فلا يستقيم ذلك إلا بدين، وشريعة، وتكليف، وأمر، ونهي، وهكذا مقتضى حكمة ربنا -تبارك وتعالى- في أنه لا يترك خلقه عبثًا ولا سدى، فكان التكليف، والتشريع، والأمر، والنهي، وعلى ذلك كله يقوم الحساب والجزاء، والثواب والعقاب.
إذا استحضرت هذا أيها المسلم فإنه يكفيك، ويغنيك في صد موجة العلمانية العاتية التي لا تبقي ولا تذر، ولكن إذا استحكم إيمان المسلم في قلبه، وإن كان عاميا أميا لا يقرأ ولا يكتب، فإن إيمانه يغلب به ألوفا من أعداء الشريعة، وأهل البدع والضلال.
فعليك أخي في الله باستحضار ما سبق بيانه، واليقين به، والإيمان به، مع الاستعانة بربك في كل وقت وحين.
فهذا -بارك الله فكيم- يغنينا عن إطالة الكلام في هذا الأمر، لقد أشفقت من التطويل، وخفت الملالة والسآمة على المستمعين، فرأيت أن ما سبق يحصل به المقصود، والحمد لله.
ومن نافلة القول أن أبين أننا كنا قد عقدنا النية على تناول البدائل التي طرحها أرباب العلمانية في مقابلة الشريعة، فإن الناس لا بد لهم من حكم يسري فيهم، ولا بد لهم من تشريع يحكمهم ويسوسهم، فإذا رفض العلمانيون شريعة ربنا -تبارك وتعالى-، فما بديلهم إذن؟
كان في النية أن نتعرض لهذه البدائل بتفصيل، ولكن لما بينته من السبب، فإننا نكتفي بعرض إجمالي يكفي كل مسلم، وهو شاهد الواقع.
لقد تنوعت بدائل القوم على مر الزمن، واختلاف عصوره، فأتونا بالديمقراطية، والديكتاتورية، والرأسمالية، والاشتراكية، وغير ذلك من المذاهب التي صارت تتحكم في كثير من بلاد الأرض الآن.
فالسؤال: لو أننا عقدنا مقارنة إجمالية بين هذه المذاهب وبين شريعة الرب -تبارك وتعالى-، فإلى أي شيء نصل؟
يكفينا شاهد الواقع، يكفينا ما يعرفه صغار المسلمين من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد كانت له دولة، وكان يقيمها على الوحي الذي يجيئه من ربه، يحكم بين الناس بما أنزل عليه ربه -جل وعلا-، ولا يتبع شيئا من أهوائهم وآرائهم، قامت له دولته على هذا الأساس، وورثها عنه أصحابه -رضي الله عنهم- والأئمة من بعدهم، فهل ترون في تلك الدولة عيبا؟ هل ترون فيها نقصا؟ هل ترون فيها خللا؟ أم هي الدولة التي سادت الأرض كلها من شرقها إلى غربها؟ أم هي الدولة التي كان مجتمعها أقوى المجتمعات وأفضلها وأحسنها وأعظمها حظا من الأمن والرخاء والاستقرار والقيم والخلق؟
هذا تصور إجمالي لا يغيب عن صغار المسلمين في كتاتيبهم.
وأما إذا انتقلنا إلى الصورة الأخرى، فدونكم واقعنا وواقع غيرنا عندما حكمت فينا تلك المذاهب من قديم، ماذا حدث؟ وماذا تغير؟ لم يزل واقع البشرية في سفول، ولم يزل يدب فيهم الفساد، والخلل، والاضطراب، ولم تزل تفشو فيهم الجرائم والموبقات؛ لأنه لا بديل للناس عما يرضاه لهم ربهم -تبارك وتعالى-،﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123-124].
فلا معاندة لربنا -تبارك وتعالى-، ومن عانده فلا يضر إلا نفسه، ولا يوبق إلا شخصه، فعليه أن يعرف قدره، وعليه أن يعود إلى ربه، وعليه أن يعلم تماما أنه لا سعادة له ولا فلاح إلا بالاستقامة على صراط ربه وأمره.
فتكفينا هذه الصورة الواقعية التي لا ينكرها أحد، ولا يستطيع لها أحد ردا، ولا منها فرارا، تكفينا هذه الصورة الإجمالية عن طول الكلام، وتفصيله، ونقل شهادة القوم على أنفسهم، فإنهم أنفسهم قد شهدوا بفشل هذه الأفكار، والمذاهب، والآراء، هم أنفسهم الغربيون والعلمانيون والليبراليون، هم أنفسهم الذين كتبوا في تهافت الديمقراطية، والديكتاتورية، والرأسمالية، والاشتراكية، فلسنا نحتاج إلى شهادة أحد، قد شهدوا على أنفسهم بذلك، ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].
فلا معدل للناس عن شريعة ربهم -تبارك وتعالى-، ومن رام لها بديلا، فإنما يروم السراب، الذي لا وجود له، ولا يحقق شيئا، ولا يجدي نفعا، فهذا الأمر -بارك الله فيكم- يكفينا ويغنينا، يكفي المسلم أن يحفظ على نفسه بتوفيق ربه أصل عقيدته، أن يحب دينه، ويحب ربه، ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، يكفيه هذا، يكفيه أن يعبد ربه على بصيرة وهدى، يكفيه أنه لا يعبد إلا الله، ولا يعبده إلا بما شرع، ولكن المطلوب أن يثبت على ذلك، ويستقيم فلا ينحرف، ولا يتشتت، ولا يتقلب، فإن الثبات عزيز، والثبات في هذا الزمن مطلوب، فإن الفتن شديدة، والقلوب ضعيفة متغيرة، فإذا استعنا بربنا، وأخلصنا بين يديه، وأخلصنا النية والاستعانة واللجوء، فإن الله -عز وجل- يكفينا، ويغنينا، ويحفظ علينا ديننا ودنيانا.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفقنا لهذا كله، وأن يحفظنا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
* الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إخوة الإسلام عباد الله، لقد آن لنا أن نعود إلى قواعدنا، آن لنا أن نعود إلى منهجنا ودعوتنا، وما تركنا شيئا من ذلك، والحمد لله، فإن الكل يكمل بعضه بعضا، وإنما المقصود أن نرجع إلى أصل المنهج والدعوة: التصفية والتربية.
آن لنا أن نعود إلى سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، نتعلم منها، ونستفيد، ونعتبر، هذه هي قاعدة الدعوة، وهذا هو أصل منهج الأنبياء.
آن لنا أن نعود إلى هذا المنهج الذي لا بديل عنه، ولا سيما إذا أردنا أن نعمل بقضية تحكيم الشريعة، فإن تحكيم الشريعة -كما ذكرنا مرارا وتكرارا- لا يقتصر أبدا على إقامة العقوبات، وتحقيق الزواجر، بل تحكيم الشريعة أمر يعم حياة المسلم كلها، في القليل والكثير، والصغير والكبير، في شتى مناحي الحياة، وجميع صورها، فالذي يختزل الشريعة العظيمة الكاملة في مجرد باب واحد، إنما هو ظالم لها، لا يقدرها حق قدرها، وهو يسلك سياسة الهرم المقلوب التي تباين العقل والفطرة.
فالأنبياء ما بعثوا أبدا بإصلاح القمم قبل القواعد، وإنما بعث الأنبياء جميعا بإصلاح القواعد أولا، بإصلاح المجتمعات أولا، بإصلاح عامة المسلمين أولا؛ ولهذا بعثوا بالتصفية والتربية، بعثوا بتصفية عقائد الناس، ومناهجهم، وعباداتهم، وأعمالهم من كل ما لا يرضي الله -عز وجل-.
فيصفى كل ذلك عن الشرك، والبدع، والمعاصي، ثم يربى الناس على ذلك، يعلمون، وينشؤون على هذه الجادة العظيمة التي لا يطرقها خلل، ولا يتطرق إليها عيب.
هكذا ربى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه الذين هم خير الناس بعد الأنبياء، والذين ملكوا الأرض بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنهم خير جيل، إنهم القدوة والأسوة بعد الأنبياء والمرسلين.
أليس لنا في رسول الله عبرة؟ أليس لنا في رسول الله أسوة؟
فهذا هو منهج الأنبياء لا محيد عنه، والذي يحيد عنه لا يجلب على نفسه إلا الضرر، ولا يجلب على الأمة إلا الخطر.
وقد مررنا بفتنة أرانا الله -تبارك وتعالى- فيها الآية تلو أختها، ما أرانا من آية إلا وهي أكبر من أختها طوال سنين عجاف، رأينا فيها من الفساد والشر ما الله -تعالى- به عليم، ثم كان ماذا؟ ماذا حدث بعدما دخل أرباب السياسة في سياستهم، وبعد تحزب المتحزبون، ودخلوا فيما لا قبل لهم به؟ ماذا حدث؟ ها نحن نعود مرة أخرى إلى نفس النقطة التي ابتدأنا منها، ولا محيد لنا عنها -أصلا-، مهما رحنا ومهما جئنا، مهما تكلمنا، ومهما فعلنا، فلا بد أن نعود إلى الفطرة ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30].
آن لنا أن نعود إلى التصفية والتربية.
آن لنا أن نفهم حقيقة ما بعث به الأنبياء والمرسلون، ولا سيما أيها الإخوة في حق النشء الصغار.
إن العلمانية الخبيثة قد لا تجدي مع مثلي، مع مثل جيلي، ومع الجيل الذي هو فوق جيلي، ومع الجيل الذي هو فوقه، قد لا تجدي العلمانية مع أمثالنا، وإنما المصيبة كل المصيبة، والبلية كل البلية في النشء الصغير، في هذا الواقع الأليم واقع النت، والهواتف الذكية، والأفلام، والمسلسلات، والخيال، وما أشبه ذلك، لقد مسخ نشؤنا، صرت ترى الطفل من أطفال المسلمين لا يكاد يقيم سورة من القرآن، صرت ترى الطفل من أطفال المسلمين يقوم على هذه الأمور التي تمسخ عقله وفكره كما لا يقوم على طعامه وشرابه.
فعلينا أن نتدارك الأمر، الخطة إنما ترمي إلى هؤلاء، أعداؤنا لا يخططون بالسنة والسنتين، بل يخططون بالعشر والعشرين والخمسين، تقوم خططهم على أجيال بعد أجيال، فهدفهم الأطفال الذين نراهم في شوارع المسلمين الآن، الأطفال الذين يشغلون الأغاني ويتلفظون بالفحش، ولا يعرف أحدهم شيئا عن ربه ولا دينه ولا نبيه.
هدفهم هؤلاء.
فلو لم نتداركهم، فيصير الأمر بعد ثلاثين أو أربعين أو خمسين أو ما دون ذلك أو ما فوقه، سيصير الأمر إلى بلية كبرى.
«كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته».
هكذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
آن لنا أن نحول هذا الحديث إلى واقع ملموس.
آن لنا أن يلتفت كل رب أسرة إلى أبنائه، فيعلمهم دينهم، ويربيهم على التوحيد والسنة وطاعة الله -عز وجل-، والبعد عن المعاصي والموبقات.
هكذا تقوم الأمور، وهكذا تنصلح المجتمعات، هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجميع الأنبياء والمرسلين، وجميع ورثة الأنبياء من أصحابهم ومن تبعهم.
فلنتدارك أنفسنا عباد الله، ولنعد إلى قاعدة التصفية والتربية، والتعليم، والاستفادة، والعلم -والحمد لله تعالى- موجود، ولا عذر لأحد تمكن من العلم ففرط، ماذا أنت قائل لربك؟ ماذا أنت قائل له إذا سألك عن نفسك ومن تعول؟ ماذا أنت قائل له عندما تلقاه على حال لا يرضاها منك من شرك أو بدعة أو معصية؟
أردك نفسك بالتوبة، ونحن جميعا نحتاج إلى توبة فورية، فإن الحال صار في غاية الصعوبة، نحن جميعا نحتاج إلى توبة جماعية، أعني بذلك أن يتوب المسلمون جميعا؛ كما قال -تعالى-: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].
علينا جميعا أن نتوب، علينا أن نعود إلى ربنا -تبارك وتعالى-.
ألا ترون ما نحن فيه؟ ألا ترون حال البلاد؟
كل هذا بسبب أعمالنا، كل هذا بسبب تفريطنا، كل هذا بسبب أخلاقنا التي ضاعت.
يا حسرة على الأخلاق، يا حسرة على الآداب، يا حسرة على ما كنا نتغنى به من القيم والمبادئ.
ضاع كل هذا مع الذي استوردناه من الغرب النتن، من الثورات والإضرابات والمظاهرات وما إليها، ما هذا؟ لم يكن هذا يومنا من ديننا، ولم يكن هذا يوما من منهجنا، ولا من سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ضيع كل هذا قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا، فها هي العقوبات تنزل علينا.
فلنتدارك أمرنا فورا، علينا أن نتوب إلى الله -عز وجل- قبل أن يستفحل الأمر أكثر من ذلك.
«كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته».
آن لنا إخوة الإسلام أن نعود.
وبهذا الذي ذكرته يعلم أننا لم نتراجع عن موقفنا من جهلة المتدينين من أرباب الجماعات والحزبيات وغيرهم، فلربما ظن بعض المسلمين أننا بكلامنا على العلمانية صرنا موافقين أو مجاملين للطائفة الأخرى، وليس من ذلك شيء، وقد أعلنا هذا من أول يوم -والحمد لله- لسنا مع هؤلاء، ولسنا مع أولئك، نحن مسلمون، المسلمون جميعا جماعة واحدة، على دين واحد، وعقيدة واحدة، مبدأ واحد، عليهم أن يحافظوا عليه بالعلم والثبات والاستعانة بالله -عز وجل.
فكلامنا على العلمانية ككلامنا على الرافضة والشيعة من قبل، وكلامنا على أي مذهب منحرف يضر المسلمين، ويحدث في دينهم ودنياهم الفساد، فلم نكن يوما ولن نكون أبدا مع الجهلة المبتدعة الذين أضروا ديننا ودنيانا، وشوهوا سمعة المتدينين في ربوع بلادنا، لن نكون معهم أبدا.
وليس كلامنا على العلمانية أو غيرها موافقة منا لهم.
منهجنا -والحمد لله- معروف من قديم، ثابت، لا يتغير، ولا يتزعزع، لسنا من الذين يغيرون أقوالهم صباحا بفتيا، ومساء بفتيا، لسنا من هؤلاء، ولن نكون منهم أبدا، بل نحن نحذر منهم، ونتقرب إلى الله -تعالى- ببغضهم، ومعاداتهم، والبراءة منهم، وكل من أثنى عليهم أو تأول لهم فهو منهم، ولسنا منه في قليل ولا في كثير، بل نحن متبرئون منه -أيضا-؛ لأنه على غير السنة، وعلى غير السبيل، ولأنه لبس على المسلمين دينهم، وأحدث فسادا وضررا في مجتمع المسلمين ودينهم.
إن جريمتهم عظيمة، عقلها من عقلها، وجهلها من جهلها.
ولست أظن أبدا لو خلي بين العبد وفطرته في ظل الفتن التي عشناها، لست أظن أبدا إذا صدقت مع فطرتك أن تعتقد أن هؤلاء على الحق.
ولكن للأسف التعصب يعمي القلوب، ويغير الفطر، ويبدل المناهج، ويمسخ الشخصيات، فعلينا أن نبرأ من كل هذا، علينا أن نحقق العبودية الكاملة لله -عز وجل-، وعلينا أن نحقق الاتباع الكامل للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
ديننا تجريد العبودية لله -عز وجل-، وتجريد المتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام-.
لا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع.
توحيد، ومتابعة.
إخلاص واقتداء.
هذا ديننا، ليس لنا دين آخر.
لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ليس لنا دين آخر.
فعلينا أن نثبت على هذا الدين، وعلينا أن نثبت على هذا المنهج، وعلى هذا المبدأ.
آن لنا إخوة الإسلام أن نعود إلى هذه الجادة العظيمة، وأن نتعلم من سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ومن شريعتنا ومن أحكامنا في كل شيء.
وختاما؛ أؤكد على ما ذكرته من وجوب تطبيق الشريعة في حق الأفراد.
طبق الشريعة على نفسك، طبقها على أولادك، طبقها على أصدقائك، طبقها على إخوانك.
هذه هي البداية، وهذا هو ما كلفنا الله -تبارك وتعالى- به، وأما أن نكلف أنفسنا بما لا نستطيع، وبما رأينا عاقبته في هذه الأيام فعندئذ فلا يضرن أحد إلا نفسه، ولا يلومن أحد إلا شخصه.
أسأل الله -عز وجل- أن يهيئ لأمتنا أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية.
اللهم أصلح لنا حالنا وبالنا، اللهم أصلح لنا حالنا وبالنا، اللهم أصلح لنا حالنا وبالنا، اللهم اهد جميع المسلمين ووفقهم لتوبة نصوح ترضيك عنهم يا رب العالمين، اللهم اكشف عنا الفتن، اللهم اكشف عنا الفتن، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، اللهم وفقنا لتوبة نصوح ترضيك عنا، وتوفنا على ما تحبه وترضاه يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
للاستماع للمادة الصوتية أو تحميلها، اضغط هنا
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ |