إنكار المنكرات العامة في بلاد المسلمين
فرض كفاية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
روى الشيخان، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ».
فرَّق الحديث فرقانا بيَّنًا بين شيئين، وأوجب الجمع بينهما:
أحدهما: لزوم السمع والطاعة للأمراء -على كل حال-، وعدم الخروج عليهم.
والثاني: الصدع بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
فلا تنافي -إذن- بين الأمرين.
والنصوص في فرضية إنكار المنكرات معلومة بالضرورة، والحكم -نفسه- معلوم بالضرورة، والذي شرعه هو الذي شرع لزوم الجماعة، والشريعة لا تجمع بين متناقضَيْن.
ولم تزل هذه الشعيرة العظيمة تاجا على رؤوس العلماء -خلفا عن سلف، كابرا عن كابر-، ولم يزل أهل السنة والجماعة صدَّاعين بالحق، مع لزومهم للجماعة.
فنأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، من غير تهييج على الحكام، ولا تفريق للجماعة.
من الخطأ -كل الخطأ- أن يُتخذ لزوم الجماعة ذريعة إلى التمييع، والتضييع، والسكوت عن المنكرات!
أنترك النهي عن الربا، والزنا، والخمر، والعُرْي، والفجور، والاختلاط، والتمثيل، والمعازف، وغير ذلك؟!!
أنترك المسلمين فرائس للفسق والعصيان، من غير نصيحة، ولا وعظ؟!!
بأي وجه نلقى الله؟!! وماذا نقول له؟!!
نخشى الناس؟!! فالله أحق أن نخشاه!!
مِن أي شيء نخاف؟!!
إن المطلوب -فقط- هو: هذا منكر! احذروه! واتقوا الله!
فقط!!
فيه مشكلة؟!!
إن الفرد الواحد قد يخشى على نفسه، ولكن لا يمكن أبدا أن يسري هذا إلى الجميع!!
وقد يخشى الواحد من الدعاة على خصوص دعوته، وهذا ليس بعذر؛ فالدعوة محفوظة، وغيره يكفيه، لن يضيع المسلمون!!
ولا يقال: كلامنا لن يُسمع، ولن ينفع، فليس ثَمَّ إلا المفسدة!!
لأننا نقول: قد أوجب الرب علينا نفس الإنكار، بقطع النظر عن النتيجة، وإلا؛ لضاع النهي عن المنكر -جملة-، واندرس الدين!!
أوجب الرب علينا أن نكون قدوة حقيقية لأهل الإسلام، نقوِّي قلوبهم ودينهم، ونحجزهم بحسن موقفنا عن الشر والفساد!!
وهذا كله كُوم! والشرك والكفر كُوم!
ماذا لو ظهر الشرك والكفر في البلد؟!!
أنسكت عنه -أيضا-؟!!
أين نحن من أحمدَ السنة والإسلام، الذي هانت عليه نفسه في سبيل التوحيد والعقيدة؟!!
مع أنه لا يُطلب من أحد أن يجود بنفسه!!
علينا أن نتقي الله، ونخشى غضبه وعذابه، ونبادر قبل أن نبادَر.
وأما من تديَّن بالسكوت، فاعتقد أنه من الطاعة الواجبة عليه للأمراء، وأن الدين يوجب عليه أن يسكت عن نفس المنكر؛ فأقل أمره: أنه من أخبث أهل البدع! وأنه هو «عالم السلطان» -حقًّا، وصدقًا-! وبئس اللقب والحال!!
نسأل الله الثبات على الحق والاستقامة، والعصمة من الفتنة والضلالة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه -قاطبة-.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
السبت 10/محرم/1447
|