الرد على الفتاوى الشاذة
لأنصار الشرعية
(ومعه نصيحة هامة لأهل السنة)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإسلام! إن أعظم ما يعانيه أهل الإسلام في الفتن: تبديل الدين، بمعرفة المنكر، وإنكار المعروف، ولَبْس الحق بالباطل، وكتمان الحق.
وللرءوس الجهال في ذلك أعظم الدور والأثر، بالفتاوى الشاذة، والأقوال المنكرة، والآراء الباطلة، التي تبدل دين الله -على الحقيقة-، وتشوه معالمه ومبادئه، وتزيد في تنفير الناس عنه، وتطوِّعه لخدمة مصالح وأهواء.
هكذا يصنع الرءوس الجهال، فيَضلون بذلك ويُضلون؛ كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثه المعروف: « إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا، اتخذ الناس رءوسًا جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا ».
وللفائدة العلمية؛ فإن مفهوم «التبديل» هو ذريعة القوم الكبرى لتكفير الحكام والخروج عليهم، وهم أحقّ به وأهله!! فإن التبديل نوعان: مناقضة للخبر -بأن يُنسب إلى الشرع ما ليس منه-، ومناقضة للأمر -بعدم تنفيذه والعمل به-؛ والقوم يقعون في النوع الأول -الذي هو أخطر النوعين وأشدهما-، من خلال فتاواهم التي ينسبون فيها إلى الدين ما ليس منه؛ وأما الحكام فإنما يقعون في النوع الثاني، بتفريطهم وعصيانهم، ومخالفتهم لما أوجبه الله عليهم من العدل؛ فأي الفريقين أحق بالتبديل -إن كنتم تعلمون-؟!
وقد رأينا جملة من هذه الفتاوى المنكرة في نكسة الخامس والعشرين من يناير وما تلاها، وها نحن نرى جملة جديدة منها في هذه الأيام، وإن كانت أشنع وأقبح من سابقاتها؛ والله المستعان.
ولأن شر البلية ما يضحك؛ فلا بأس أن تُتخذ هذه الفتاوى مادة للتندّر والتفكّه! والمسلم يحتاج إلى ما يقطع به ملالته، ويروّح به عن نفسه، لاسيما في زمن الفتن!!
ولا بد من التنبيه أولاً على أنني إنما أقصد التعرض لظاهرة، لا الرد على أشخاص؛ فإن الرد على شخص لا بد فيه من توثيق أقواله أولاً، وأنا لم أستوثق مما سأذكره، وإنما هو شيء يُبث عبر وسائل الإعلام -وحالها معروف-، فالمقصود التعرض لظاهرة، والتحذير من الأقوال -من حيث هي-، بقطع النظر عن نسبتها إلى أشخاص بعينهم.
وسأقتصر على مثالين من هذه الفتاوى:
أحدهما: فتوى بإباحة الفطر في رمضان للمتظاهرين والمعتصمين؛ بدعوى كونهم مجاهدين!!
والثاني: القول بأن الاعتكاف في مساجد المسلمين بدعة ضلالة؛ لأنه يؤدي إلى القعود عن المظاهرات، والتخلّف عن الجهاد فيها!!
فاسمعوا أيها المسلمون! واجمعوا بين الضحك والبكاء! فاضحكوا لسخافة هذه الأقوال، وابكوا لحال الإسلام وأهله! وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: « سيكون في أمتي أقوام يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم»، وإذ قال أيضًا: « سيأتي على الناس سنوات خَدَّاعات، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق الرويبضة»، قيل: «يا رسول الله، وما الرويبضة؟»، قال: «الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة».
ولن أطيل في نقض الفتويين المذكورتين؛ فإن مجرد حكايتهما يغني عن ذلك، وصبيان المسلمين في كتاتيبهم يعرفون بطلانهما وزورهما، ويتخذونهما وأهلهما سِخْريًّا!! وهما مبنيتان على كون ما يقع الآن من المظاهرات وأخواتها جهادًا شرعيًا ، وقد أبطلنا هذا -ولله الحمد-.
غير أنني أتعرّض لهاتين الفتويين بكلمات مختصرات، فأقول:
أما إباحة الفطر للمتظاهرين وأشكالهم؛ فرخصة سمجة! وقد رفضها المتظاهرون أنفسهم -على ما نُقل في الأخبار-، وتمسكوا بما يناسب حالهم المباركة من العزيمة!! كأنهم يقولون لمن أفتاهم: إنك تكفر الجيش الذي تأمرنا الآن بمجاهدته، وهذا الجيش هو الذي حارب في رمضان -وهو صائم-؛ أفتظننا دونه؟!! كلا -والله-! لنصومنّ كما صام! ولنصمدنّ كما صمد! لاسيما أن رقعة جهادنا الميمون لا تتجاوز عدة ميادين! ولا نبذل فيه إلا الصراخ والعويل! حتى يأتي وقت الشهادة المباركة!! أفتريدنا أن تجيئنا الشهادة -ونحن مفطرون-؟!! فاتركنا -أيها المفتي- لشأننا، وخلاك ذَمٌّ!!!
وأما القول بتبديع الاعتكاف؛ فجرأة وقحة! وتلويح -بل تصريح- بأن القاعدين عن المظاهرات كالمخلَّفين عن الغزو!! وهذا يرمي إلى الفكر القطبي العفن، الذي يعتبر مساجد المسلمين معابد جاهلية! ويتهم المسلمين كافة بالكفر والنفاق! ولا عجب! فإن القوم متشربون لهذا الفكر، ناشئون عليه، والشاب على أول نشوئه!! ولنا -على تنظيرهم هذا- أن نقول: إن الجماعات المتطرفة في سيناء كانت معتكفة عن قتال اليهود في فلسطين، مع وجود الأنفاق، وحرية الحركة إلى الأرض المحتلة؛ فهل كان اعتكافهم هذا سنة أم بدعة؟! وهل كان قعودًا عن الجهاد أم لا؟! ولكن مهلاً؛ فإن القوم قد رجعوا، وخرجوا من اعتكافهم! ولكن لقتال المسلمين واستباحة دمائهم!! ولا تثريب عليهم؛ فالكل -يا عزيزي- جهاد، ولا فرق بين الجيش المصري والعدو الصهيوني!!!
هذا بعض ما أردت قوله حيال مثل هذه الأقوال، التي هي بالمَضَاحِكِ، وبما يأتي به المُبَرْسَمُ: أشبه منها بشعائر الإسلام!!
وفي الختام أقول: إنني أدرك إدراكًا تامًا أن معركتنا القادمة ستكون مع العلمانية -كما صرحت لكم عقب سقوط الحاكم السابق-، وإذا كنت قد ذكرتُ ما ذكرته آنفًا من فتاوى المنتسبين إلى العلم والدين؛ فلست أنسى أبدًا ما يقوله أرجاس العلمانية، من الطعن في الإسلام وثوابته؛ كقول أحدهم: «تكفير اليهود والنصارى حماقة وهابية»!! وقول الآخر: «إن فاشيَّة الإسلام ظهرت بعد فتح مكة»!! وقول الثالث: «إن في القرآن آيات تؤذي المشاعر»!! ونحو ذلك من زبالات القول وحثالات الكلام، التي تصدر من رُضَّع لَبان الغرب الرَّكِيس، المتحفِّظين بقِماطه النجس!!!
لست أنسى هذا الكلام، ولن نسكت عنه قط؛ ولكن خطر التفكير وتوابعه قد عاد، وافتتان المسلمين به أشد من افتتانهم بالعلمانية، فقد يتحتم علينا أن نتصدى لخطر التكفير وتوابعه أولاً -بعدما ننتهي من قضية الرافضة إن شاء الله-.
وعلى كل حال؛ فصبرًا بني علمان! مهما طال انشغالنا عنكم؛ فنحن دالفون إليكم، فمجاهدونكم بأصل الجهاد: جهاد الحجة والبيان؛ فلسنا أصحاب سيوف وسنان؛ بل نحن أصحاب ألسنة وبنان، والجهاد بالعلم والحجة هو أول الجهاد، وهو مقدم على الجهاد بالسيف والقوة؛ كما قال الله تعالى مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ أي القرآن ﴿جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52].
ولا تفرحوا -بني علمان- بمكسب قد حصلتم عليه، فقد وصلتم إلى بعض ما تريدون من تنفير العامة عن التدين الخاص؛ ولكنكم لن تستطيعوا أبدًا أن تنفروهم عن أصل التدين؛ لأنكم حينئذ تحاربون الله، ومن حارب الله؛ لم ينتصر عليه قط، ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة الصف: 8] ، فلن تصلوا إلى هذا أبدًا في هذا البلد -إن شاء الله تعالى-؛ بل إني لأرجو أن يكون نفور العامة عن التدين أمر وقتيًا -وإن طال لسنوات-، ثم تعود الأمور مرة أخرى؛ فإن شعبنا عاطفي، سريع النسيان، متدين بطبعه، لن يستجيب -إن شاء الله تعالى- في عمومه ومجمله لهذه الدعوات العلمانية النجسة، التي تجتث دينه جملة، وتجتث أصوله ومبادئه وقيمه؛ والله الموعد.
وبهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى إخواني شباب السنة، وللمسلمين عامة؛ وإن كانت بالشباب ألصق؛ فأقول:
لا تغفلوا عن خطر العلمانية وأهلها؛ فإن العلمانية تعادي الدين كله: أوله وآخره، أصله وفرعه، عامه وخاصه، مجمله ومفصله؛ وربنا -سبحانه وتعالى- يعلِّمنا فيقول: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ ﴾ [التوبة: 8]، فلا يدفعنكم -أهلَ السنة- بغضُكم لأهل البدع إلى موالاة العلمانيين؛ فإنهم لا يقتصرون على معاداة من نعاديهم من أهل البدع؛ بل يعادوننا نحن، ويعادون كل ما هو ديني إسلامي، ولئن ثَقِفونا؛ ليكونُنَّ لنا أعداء، وليبسُطنّ إلينا أيديهم وألسنتهم بالسوء، ولَيَوَدُّنّ لو كفرنا وتركنا ديننا.
ولست أعني الجيش -لئلا يساء فهم كلامي، وقد طرقت هذه النقطة من قبل-، وإنما أعني تلك الطائفة المرذولة المقبوحة، من الشباب المتهتك ومن لفّ لفهم، الذين لا يزالون يرتضعون لبان الغرب الركيس، ويتحفظون بقماطه النجس.
فاحذروا -إخوتاه-! وإياكم وموالاة أعداء الله، أو الثناء عليهم، أو تقوية قلوبهم؛ واعلموا أن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله.
واتقوا -أيضًا- تتبع أقوالهم، والعكوف على برامجهم، ومشاهدة قنواتهم؛ فإن هذا ليس من الجادة بسبيل -ولو من باب الرد عليهم-؛ فإن الرد على المخالف له أهله وضوابطه، والغاية لا تبرر الوسيلة، فقد يكون فيما تراه امرأة متبرجة، أو فيما تسمعه لهوُ الحديث من الغناء والمعازف، والكلام الباطل نفسه لا يحل لك سماعه إلا لمسوغ صحيح، قد لا تستوفيه.
فانتبه، واتق الله ربك، واحذر تلبيس إبليس، واشتغل بما ينفعك -من تعلم العلم، أو قراءة القرآن، أو ذكر الله، أو الصلاة-، واعرف قدر نفسك ولا تتجاوزه، ولا تكونن من البطَّالين اللعَّابين، الذين يقضون الساعات أمام الشاشات -من غير حاصل ولا طائل-، وحكم التلفاز عندك معلوم -أيها السني السلفي-، ولا تستبدله بما هو معلوم على الشبكات وغيرها، مما لا يختلف عنه في شيء، وإن صحت عزيمتك وصدقت نيتك على خوض ميدان الرد على المخالفين والذب عن الشريعة؛ فاشحذ همتك، وشمِّر عن ساعد الجد؛ حتى تأخذ الأمر بحقه، وتكون أهلا له.
واعلم أن الرد على المخالف لا يستلزم تتبع كل أقواله وأفراده؛ فإنها جِدُّ كثيرة -لا كثَّرها الله-، والعمر قليل، والوقت ثمين، وإنما يُرَدُّ على أصول المخالف الكلية وشبهاته القوية، ويُعنَى بتتبع رءوسه وأئمته؛ وأما أذنابه وزعانفه؛ فمن أين نجيء بوقت لهم؟ ولماذا نثقل على الناس وعلى أنفسنا بذكر رجيعهم وقيئهم؟
فاحذر أيها المسلم، واتق الله ربك، وتجنَّب تسويل الشيطان؛ جعلني الله وإياك من الموفَّقين المسدَّدين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم اكشف عنا الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، اللهم اكشف عنا الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، اللهم قنا فتنة الحرب والدماء، اللهم قنا فتنة الحرب والدماء، اللهم قنا فتنة الحرب والدماء، اللهم اهد عبادك لما فيه صلاحهم، اللهم اهد عبادك لما فيه رشدهم، اللهم لا تجعل بأسنا بيننا، ولا تذق بعضنا بأس بعض، اللهم ارحمنا وأخرجنا من هذه الفتنة على ما تحبه وترضاه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
لتحميل هذا التفريغ منسقا وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
للاستماع للمادة الصوتية أو تحميلها، اضغط هنا
|