البيان الرفيع
لدين الرافضة الشنيع
(الخطبة السابعة عشرة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فمعنا اليوم عقيدة جديدة من عقائد الشيعة الرافضة، وهي عقيدة المهديَّة والغَيْبة.
وهذه العقيدة تتعلق بالإمام الثاني عشر والأخير عند الرافضة، وهو: محمد بن الحسن العسكري؛ فالقوم يعتقدون فيه أنه المهدي المنتظر، والمخلِّص المرتجَى، الذي غاب في سردابه منذ أكثر من ألف عام، ثم يخرج في آخر الزمان مخلِّصًا مفرِّجًا، فيمكّن للرافضة في الأرض، وينتقم من أعدائهم.
ولْنتعرّض لطرف من حال هذا المهدي عند منتظريه، ولننظر في مدى صدق عقيدتهم فيه.
إن أول ما يواجهنا في شأن هذا المهدي حقيقة مروعة مفزعة، تقضي على أسطورته في مهدها؛ وذلك أن أباه الحسن لم يكن له ولد أصلًا!! وهذا متفق عليه عند أهل المعرفة بالأنساب، ثابت في الروايات التاريخية المعتبرة؛ بل هو الموجود في كتب الرافضة أنفسهم!!
فقد جاء في غير واحد منها عن الحسن أنه «لم يُرَ له خلف، ولم يُعرَف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر، وأمّه»!!
هكذا يعترف الرافضة أنفسهم بهذه الحقيقة، ويذكرونها في كتبهم التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها -عندهم-؛ فأي قيمة تبقى بعد ذلك لمهديتهم؟! وكيف يُلتفَت لأمة تؤمن بشيء، وتنص في كتبها على إبطاله؟!
فإذ كان الحسن -على ما وصفنا- لا عقب له؛ فمن أين جاء أمر ولده المزعوم؟!
لقد كان موت الحسن من غير ولد مصيبة عظيمة عند الرافضة؛ لأنهم يؤمنون بضرورة وجود الإمام -كما عرفنا-، فمن يكون الإمام بعد الحسن؟! وكيف يتخلّص القوم من هذه الورطة؟!
لقد اختلفوا في ذلك اختلافًا عظيمًا حكته كتب المقالات والفرق عندنا وعندهم -على السواء-، فاختلفوا بعد موت الحسن إلى فرق كثيرة، كل فرقة تدّعي أن الإمام معها، ومنهم من وقف عند الحسن، فلم يقل بإمام بعده، ولن نطوّل بذكر ذلك؛ بل سنقتصر على الرواية المعتمدة عند الرافضة، التي هي أصل عقيدتهم في الإمام الثاني عشر والمهدي المنتظر.
جاء في كتاب «الغَيبة» للطوسي: أن رجلا يقال له: عثمان بن سعيد العمري زعم أن للحسن ولدًا قد اختفى -وعمره أربع سنوات-، وزعم أنه لا يلتقي به أحد سواه، فهو السفير بينه وبين الشيعة، يستلم أموالهم، ويتلقى أسئلتهم ومشكلاتهم؛ ليوصلها للإمام الغائب، فتولى البابيَّة نحوًا من خمسين سنة [والبابية هي الوساطة بين الشيعة وإمامهم؛ يقال: فلان باب للإمام؛ أي: هو الواسطة إليه] يحمل الناس إليه أموالهم، ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن -عليه السلام- إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة!!
هكذا نشأ أمر المهدي عند الرافضة: يأتي رجل واحد بعد وفاة الحسن، فيدّعي أن له ولدًا مختفيًا -على الصفة التي سمعناها-!!
فاعجب لشأن الرافضة وحماقتهم، كيف يعتمدون في أصل من أعظم أصولهم على رواية رجل واحد لا يُعلم صدقه، يتفرّد بأخلوقته من دون الناس، ويخالف ما هو ثابت معلوم من انعدام عقب الحسن!! فهذا وجه آخر لنقض هذه الأسطورة عند الرافضة.
ولم يكتف القوم باختلاق أسطورتهم في أصلها؛ بل نسجوا في تفاصيلها المزيد من الدجل والهوس.
ففي كتبهم: أن أم المهدي لم يظهر عليها أي أثر للحمل!! وأنه لما نزل من بطنها نزل جاثيا على ركبتيه، ثم عطس، فحمد الله وتكلم!! ولم يكتفوا بهذا حتى ادعوا أنه تكلم في بطن أمه، وقرأ القرآن!!
وأما عن وقت بداية غيبته؛ فقد اضطربوا في ذلك: فقيل: غاب بعد ثلاثة أيام من ولادته، وقيل: بعد سبع، وقيل: بعد أربعين، وقيل غير ذلك!!
وأما عن مكان غَيبته؛ فقد اضطربوا أيضًا: ففي بعض روايات «الكافي»: أنه بالمدينة، وفي «غيبة» الطوسي: أنه بجبل رضوى من بلاد فارس، وفي «تفسير العياشي» وغيره: أنه ببعض وديان مكة، وفي كثير من روايتهم وأدعيتهم -وهو ما عليه العمل عندهم-: أنه بسرداب سامرَّاء في العراق!!
وأما عن زمن غيبته، وكم يمكث فيها؛ فقد اضطربوا أيضًا: فجاء في«الكافي» عن علي: أنه يغيب ستة أيام، أو ستة أشهر، أو ستة أعوام!! مع أنه قد انقضى له أكثر من ذلك -كما هو معلوم-!!
وأما عن سبب غيبته واختفائه؛ ففي «الكافي» عن جعفر الصادق: أنه لما سئل عن ذلك قال: « إنه يخاف القتل»!!
فهذا بعض ما ذكروه في صفته، وهو -كما ترى- ظلمات وتناقضات بعضها فوق بعض، لا يصدّقها عاقل، ولا يؤمن لها راشد.
ويزيد في بيان بطلانها: ما تقدّم شرحه في قضية الإمامة؛ فقد عرفنا أن اللطف الإلهي لا يتحقق في أئمة الرافضة، وهذا ظاهر في مهديهم؛ فكيف يتحقق اللطف الإلهي في رجل معدوم مجهول مستتر، لا حس له ولا خبر؟! وهم يقولون: إن معه القرآن المكتوم، وجميع ما يحتاجه الناس؛ فكيف يقع هذا لرجل بهذه الصفة؟! وكيف يتفق مع حكمة الله، ولطفه بالخلق، وهدايته لهم؟!
وقد ذكروا في سبب غيبته أنه يخاف القتل؛ فكيف يتفق هذا مع ما يعتقده القوم من أن أئمتهم يعلمون الغيب، ويعلمون وقت موتهم، ولا يموتون إلا باختيارهم؟! وقد كانت هناك فترات متعددة في التاريخ تمكّن فيها الرافضة، ومعلوم أنه قد صارت لهم دولة؛ فما الذي يخشاه مهديهم إذن؟! ولماذا لا يخرج حتى يتحقق فرجه؟!
وقد ذكروا في زمن غيبته أنه ستة أيام أو ستة شهور أو ستة أعوام، وقد انقضى للغيبة أكثر من ألف؛ فبماذا يفسّر هذا؟! حملوه على البداء، وقد سبق شرحه -لئلا نكرر الكلام-، وسبق بيان بطلانه، وما فيه من الطعن في الذات الإلهية العليّة.
ومعلوم أنه لا يُعهد في بني آدم أن يعمّر رجل هذه المدة، لاسيما في أمة النبي الخاتم محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن أشكلوا بنوح وعيسى -عليهما السلام-؛ قلنا: إن هذين النبيين الكريمين قد أديا رسالتهما، وانتفع بهما الخلق، ومهديُّكم لم ينتفع به إنسان، ولم تتحقق به مصلحة للخلق، فغيبته -والحال هكذا- أمر غير معقول ولا مفهوم، وقد عرفنا أنه ليس هناك دليل على وجوده من الأساس.
فهذا بعض ما يتعلق بقضية المهدية والغيبة، مما يجعل الرافضة أضحوكة الأمم، وقد بقي لنا ذِكْرُ ما يعتقدونه بعد خروج مهديهم، وسنذكر هذا عندما نتعرّض لموقفهم من المسلمين -إن شاء الله تعالى-.
ولا يفوتني أن أنبه على أن هناك مهديًا حقًا، يؤمن به أهل الإسلام والسنة، قد ثبتت فيه الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولاستقصاء أخباره موطن آخر؛ فلا بد أن نفرق بين هذا المهدي الحق، وبين مهدي الرافضة الباطل النكرة؛ جعلنا الله وإياكم من الراشدين المفلحين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
* الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإسلام! إن أعظم ما يعانيه أهل الإسلام في الفتن: تبديل الدين، بمعرفة المنكر، وإنكار المعروف، ولَبْس الحق بالباطل، وكتمان الحق.
وللرءوس الجهال في ذلك أعظم الدور والأثر، بالفتاوى الشاذة، والأقوال المنكرة، والآراء الباطلة، التي تبدل دين الله -على الحقيقة-، وتشوه معالمه ومبادئه، وتزيد في تنفير الناس عنه، وتطوِّعه لخدمة مصالح وأهواء.
هكذا يصنع الرءوس الجهال، فيَضلون بذلك ويُضلون؛ كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثه المعروف: « إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا، اتخذ الناس رءوسًا جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا ».
وللفائدة العلمية؛ فإن مفهوم «التبديل» هو ذريعة القوم الكبرى لتكفير الحكام والخروج عليهم، وهم أحقّ به وأهله!! فإن التبديل نوعان: مناقضة للخبر -بأن يُنسب إلى الشرع ما ليس منه-، ومناقضة للأمر -بعدم تنفيذه والعمل به-؛ والقوم يقعون في النوع الأول -الذي هو أخطر النوعين وأشدهما-، من خلال فتاواهم التي ينسبون فيها إلى الدين ما ليس منه؛ وأما الحكام فإنما يقعون في النوع الثاني، بتفريطهم وعصيانهم، ومخالفتهم لما أوجبه الله عليهم من العدل؛ فأي الفريقين أحق بالتبديل -إن كنتم تعلمون-؟!
وقد رأينا جملة من هذه الفتاوى المنكرة في نكسة الخامس والعشرين من يناير وما تلاها، وها نحن نرى جملة جديدة منها في هذه الأيام، وإن كانت أشنع وأقبح من سابقاتها؛ والله المستعان.
ولأن شر البلية ما يضحك؛ فلا بأس أن تُتخذ هذه الفتاوى مادة للتندّر والتفكّه! والمسلم يحتاج إلى ما يقطع به ملالته، ويروّح به عن نفسه، لاسيما في زمن الفتن!!
ولا بد من التنبيه أولاً على أنني إنما أقصد التعرض لظاهرة، لا الرد على أشخاص؛ فإن الرد على شخص لا بد فيه من توثيق أقواله أولاً، وأنا لم أستوثق مما سأذكره، وإنما هو شيء يُبث عبر وسائل الإعلام -وحالها معروف-، فالمقصود التعرض لظاهرة، والتحذير من الأقوال -من حيث هي-، بقطع النظر عن نسبتها إلى أشخاص بعينهم.
وسأقتصر على مثالين من هذه الفتاوى:
أحدهما: فتوى بإباحة الفطر في رمضان للمتظاهرين والمعتصمين؛ بدعوى كونهم مجاهدين!!
والثاني: القول بأن الاعتكاف في مساجد المسلمين بدعة ضلالة؛ لأنه يؤدي إلى القعود عن المظاهرات، والتخلّف عن الجهاد فيها!!
فاسمعوا أيها المسلمون! واجمعوا بين الضحك والبكاء! فاضحكوا لسخافة هذه الأقوال، وابكوا لحال الإسلام وأهله! وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: « سيكون في أمتي أقوام يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم»، وإذ قال أيضًا: « سيأتي على الناس سنوات خَدَّاعات، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق الرويبضة»، قيل: «يا رسول الله، وما الرويبضة؟»، قال: «الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة».
ولن أطيل في نقض الفتويين المذكورتين؛ فإن مجرد حكايتهما يغني عن ذلك، وصبيان المسلمين في كتاتيبهم يعرفون بطلانهما وزورهما، ويتخذونهما وأهلهما سِخْريًّا!! وهما مبنيتان على كون ما يقع الآن من المظاهرات وأخواتها جهادًا شرعيًا ، وقد أبطلنا هذا -ولله الحمد-.
غير أنني أتعرّض لهاتين الفتويين بكلمات مختصرات، فأقول:
أما إباحة الفطر للمتظاهرين وأشكالهم؛ فرخصة سمجة! وقد رفضها المتظاهرون أنفسهم -على ما نُقل في الأخبار-، وتمسكوا بما يناسب حالهم المباركة من العزيمة!! كأنهم يقولون لمن أفتاهم: إنك تكفر الجيش الذي تأمرنا الآن بمجاهدته، وهذا الجيش هو الذي حارب في رمضان -وهو صائم-؛ أفتظننا دونه؟!! كلا -والله-! لنصومنّ كما صام! ولنصمدنّ كما صمد! لاسيما أن رقعة جهادنا الميمون لا تتجاوز عدة ميادين! ولا نبذل فيه إلا الصراخ والعويل! حتى يأتي وقت الشهادة المباركة!! أفتريدنا أن تجيئنا الشهادة -ونحن مفطرون-؟!! فاتركنا -أيها المفتي- لشأننا، وخلاك ذَمٌّ!!!
وأما القول بتبديع الاعتكاف؛ فجرأة وقحة! وتلويح -بل تصريح- بأن القاعدين عن المظاهرات كالمخلَّفين عن الغزو!! وهذا يرمي إلى الفكر القطبي العفن، الذي يعتبر مساجد المسلمين معابد جاهلية! ويتهم المسلمين كافة بالكفر والنفاق! ولا عجب! فإن القوم متشربون لهذا الفكر، ناشئون عليه، والشاب على أول نشوئه!! ولنا -على تنظيرهم هذا- أن نقول: إن الجماعات المتطرفة في سيناء كانت معتكفة عن قتال اليهود في فلسطين، مع وجود الأنفاق، وحرية الحركة إلى الأرض المحتلة؛ فهل كان اعتكافهم هذا سنة أم بدعة؟! وهل كان قعودًا عن الجهاد أم لا؟! ولكن مهلاً؛ فإن القوم قد رجعوا، وخرجوا من اعتكافهم! ولكن لقتال المسلمين واستباحة دمائهم!! ولا تثريب عليهم؛ فالكل -يا عزيزي- جهاد، ولا فرق بين الجيش المصري والعدو الصهيوني!!!
هذا بعض ما أردت قوله حيال مثل هذه الأقوال، التي هي بالمَضَاحِكِ، وبما يأتي به المُبَرْسَمُ: أشبه منها بشعائر الإسلام!!
وفي الختام أقول: إنني أدرك إدراكًا تامًا أن معركتنا القادمة ستكون مع العلمانية -كما صرحت لكم عقب سقوط الحاكم السابق-، وإذا كنت قد ذكرتُ ما ذكرته آنفًا من فتاوى المنتسبين إلى العلم والدين؛ فلست أنسى أبدًا ما يقوله أرجاس العلمانية، من الطعن في الإسلام وثوابته؛ كقول أحدهم: «تكفير اليهود والنصارى حماقة وهابية»!! وقول الآخر: «إن فاشيَّة الإسلام ظهرت بعد فتح مكة»!! وقول الثالث: «إن في القرآن آيات تؤذي المشاعر»!! ونحو ذلك من زبالات القول وحثالات الكلام، التي تصدر من رُضَّع لَبان الغرب الرَّكِيس، المتحفِّظين بقِماطه النجس!!!
لست أنسى هذا الكلام، ولن نسكت عنه قط؛ ولكن خطر التفكير وتوابعه قد عاد، وافتتان المسلمين به أشد من افتتانهم بالعلمانية، فقد يتحتم علينا أن نتصدى لخطر التكفير وتوابعه أولاً -بعدما ننتهي من قضية الرافضة إن شاء الله-.
وعلى كل حال؛ فصبرًا بني علمان! مهما طال انشغالنا عنكم؛ فنحن دالفون إليكم، فمجاهدونكم بأصل الجهاد: جهاد الحجة والبيان؛ فلسنا أصحاب سيوف وسنان؛ بل نحن أصحاب ألسنة وبنان، والجهاد بالعلم والحجة هو أول الجهاد، وهو مقدم على الجهاد بالسيف والقوة؛ كما قال الله تعالى مخاطبًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ أي القرآن ﴿جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52].
ولا تفرحوا -بني علمان- بمكسب قد حصلتم عليه، فقد وصلتم إلى بعض ما تريدون من تنفير العامة عن التدين الخاص؛ ولكنكم لن تستطيعوا أبدًا أن تنفروهم عن أصل التدين؛ لأنكم حينئذ تحاربون الله، ومن حارب الله؛ لم ينتصر عليه قط، ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة الصف: 8] ، فلن تصلوا إلى هذا أبدًا في هذا البلد -إن شاء الله تعالى-؛ بل إني لأرجو أن يكون نفور العامة عن التدين أمر وقتيًا -وإن طال لسنوات-، ثم تعود الأمور مرة أخرى؛ فإن شعبنا عاطفي، سريع النسيان، متدين بطبعه، لن يستجيب -إن شاء الله تعالى- في عمومه ومجمله لهذه الدعوات العلمانية النجسة، التي تجتث دينه جملة، وتجتث أصوله ومبادئه وقيمه؛ والله الموعد.
وبهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى إخواني شباب السنة، وللمسلمين عامة؛ وإن كانت بالشباب ألصق؛ فأقول:
لا تغفلوا عن خطر العلمانية وأهلها؛ فإن العلمانية تعادي الدين كله: أوله وآخره، أصله وفرعه، عامه وخاصه، مجمله ومفصله؛ وربنا -سبحانه وتعالى- يعلِّمنا فيقول: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ ﴾ [التوبة: 8]، فلا يدفعنكم -أهلَ السنة- بغضُكم لأهل البدع إلى موالاة العلمانيين؛ فإنهم لا يقتصرون على معاداة من نعاديهم من أهل البدع؛ بل يعادوننا نحن، ويعادون كل ما هو ديني إسلامي، ولئن ثَقِفونا؛ ليكونُنَّ لنا أعداء، وليبسُطنّ إلينا أيديهم وألسنتهم بالسوء، ولَيَوَدُّنّ لو كفرنا وتركنا ديننا.
ولست أعني الجيش -لئلا يساء فهم كلامي، وقد طرقت هذه النقطة من قبل-، وإنما أعني تلك الطائفة المرذولة المقبوحة، من الشباب المتهتك ومن لفّ لفهم، الذين لا يزالون يرتضعون لبان الغرب الركيس، ويتحفظون بقماطه النجس.
فاحذروا -إخوتاه-! وإياكم وموالاة أعداء الله، أو الثناء عليهم، أو تقوية قلوبهم؛ واعلموا أن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله.
واتقوا -أيضًا- تتبع أقوالهم، والعكوف على برامجهم، ومشاهدة قنواتهم؛ فإن هذا ليس من الجادة بسبيل -ولو من باب الرد عليهم-؛ فإن الرد على المخالف له أهله وضوابطه، والغاية لا تبرر الوسيلة، فقد يكون فيما تراه امرأة متبرجة، أو فيما تسمعه لهوُ الحديث من الغناء والمعازف، والكلام الباطل نفسه لا يحل لك سماعه إلا لمسوغ صحيح، قد لا تستوفيه.
فانتبه، واتق الله ربك، واحذر تلبيس إبليس، واشتغل بما ينفعك -من تعلم العلم، أو قراءة القرآن، أو ذكر الله، أو الصلاة-، واعرف قدر نفسك ولا تتجاوزه، ولا تكونن من البطَّالين اللعَّابين، الذين يقضون الساعات أمام الشاشات -من غير حاصل ولا طائل-، وحكم التلفاز عندك معلوم -أيها السني السلفي-، ولا تستبدله بما هو معلوم على الشبكات وغيرها، مما لا يختلف عنه في شيء، وإن صحت عزيمتك وصدقت نيتك على خوض ميدان الرد على المخالفين والذب عن الشريعة؛ فاشحذ همتك، وشمِّر عن ساعد الجد؛ حتى تأخذ الأمر بحقه، وتكون أهلا له.
واعلم أن الرد على المخالف لا يستلزم تتبع كل أقواله وأفراده؛ فإنها جِدُّ كثيرة -لا كثَّرها الله-، والعمر قليل، والوقت ثمين، وإنما يُرَدُّ على أصول المخالف الكلية وشبهاته القوية، ويُعنَى بتتبع رءوسه وأئمته؛ وأما أذنابه وزعانفه؛ فمن أين نجيء بوقت لهم؟ ولماذا نثقل على الناس وعلى أنفسنا بذكر رجيعهم وقيئهم؟
فاحذر أيها المسلم، واتق الله ربك، وتجنَّب تسويل الشيطان؛ جعلني الله وإياك من الموفَّقين المسدَّدين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم اكشف عنا الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، اللهم اكشف عنا الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، اللهم قنا فتنة الحرب والدماء، اللهم قنا فتنة الحرب والدماء، اللهم قنا فتنة الحرب والدماء، اللهم اهد عبادك لما فيه صلاحهم، اللهم اهد عبادك لما فيه رشدهم، اللهم لا تجعل بأسنا بيننا، ولا تذق بعضنا بأس بعض، اللهم ارحمنا وأخرجنا من هذه الفتنة على ما تحبه وترضاه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|