إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542734
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

الجرح والتعديل من أصول المنهج الجليل مهما كثر التحول والتخذيل

المقال
الجرح والتعديل من أصول المنهج الجليل مهما كثر التحول والتخذيل
5231 زائر
07/03/2013
أبو حازم القاهري السلفي

الجرح والتعديل

من أصول المنهج الجليل

مهما كثر التحول والتخذيل

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، هو الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فقد قال الإمام الفقيه الثَّبْتُ أبو عمرو الأوزاعي -رحمه الله-: «ليس هذا زمان تعلُّم، هذا زمان تمسُّك»[1].

والمعنى -والله أعلم-: أن العلم قد انتشر، والسنة قد ظهرت، فلم يعد يُتصوَّر نقص في تحصيل ذلك، وصار المطلوبُ التمسُّكَ والاعتصامَ بهذا العلم الحاصل، فما عاد يضل أحد من نقص العلم، بل من نقص التمسك به، والثبات عليه.

يقول الأوزاعي هذا في زمنه الطيب الأَنْوَر؛ فما عساه يقول في زمننا هذا؟!

فيا لله! ما أعظمها من كلمة! وما أجلَّ معناها! وما أَحْوَجَنا إلى فهمه واستحضاره والعمل به، لاسيما في زمننا هذا!

نعم؛ فإن أكثر من يضل الآن لا يضل عن قلة علم؛ بل عن قلة يقين وثبات، وإن كان منهم -وواأسفاه- من يعدون في جملة الدعاة إلى المنهج!!

وإن من الغريب -حقا- أن تكون أكثر صور الضلال والتحول -مؤخرا- في أصل واحد من أصول المنهج، وهو: الجرح والتعديل، وما يدخل فيه من الرد على المخالف، وتصنيف الناس، ونحو ذلك.

وإن من المؤلم -صدقا- أن تجد الرجل الذي كان -بالأمس- من دعاة المنهج -ومن ذلك: دعوته وتقريره لأصل الجرح والتعديل-؛ تجده -اليوم- يزهِّد في الردود، ويذم المشتغلين بها، ويهوِّن المخالفات الصريحة، ويذب عن أهلها!!

فأي شيء هذا؟! وما سببه والدافع إليه؟!

لقد تأملت في ذلك، وفي شأن من ذكرتُ صفتهم -منذ فتنة أبي الحسن المأربي، حتى اليوم-، فظهر لي -والله أعلم- أن السبب في ذلك لا يعود إلى نقص العلم بقدر ما يعود إلى نقص الاعتصام بالمنهج، وعقد الولاء والبراء عليه.

فإن من المذكور شأنُهم -آنفا- من يتفق معنا -مثلا- على تجريح سيد قطب وتضليله، وتجريح الجماعات والأحزاب وتضليلها، ثم هو يتوقف -من بعد ذلك- فيمن يثني عليهم، ويذب عنهم؛ بل فيمن عنده نفس ضلالاتهم!!

فواضحٌ أن مثل هذا لم يُؤْتَ من قلة علمه -لاسيما وهو شيخ داعية متصدر-؛ فإن مما لا يسع السُّنِّيَّ جهلُه -لاسيما الشيخ الداعية المتصدر-: أن من وافق المبتدعة في شيء من أصولهم؛ أُلحق بهم، وأن من والاهم؛ كان مثلهم.

وإنما أُتِيَ المومَى إليه من قلة تمسكه بالمنهج وثباته عليه، وعدم عمله بالعلم المذكور، وعدم إحكامه لعروة الولاء والبراء الوُثقَى؛ كأنه يظن أن البراء لا يكون إلا من المبتدع الأصلي، وأن السُّنِّي لا يستحق منه شيئا -وإن أتى ما أتى من المحدَثات-، لاسيما إن كان يحبه أو يُوَادُّه، وما دَرَى أن السنة لها نواقض -كما أن الإسلام له نواقض-، وأن رابطة الدين فوق كل رابطة ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾[2].

ويكفيك لبيان خطورة هذا المسلك، وأنه لا بد من مواجهته بكل حزم -قبل فوات الأوان-: أن من أذناب المومَى إليهم من يتوقف في تبديع أسامة القوصي -حتى بعد ما آل إليه أمره مؤخرا-!! ويقول: حتى يجمع العلماء على ذلك!! وحكاية هذا التهويس تغني عن تجشُّم نقضه[3].

فالثباتَ الثباتَ -يا أهل السنة-، والتمسكَ التمسكَ -أيها السلفيون-، واعلموا أن الجرح والتعديل به قوام الملة، وحراسة الشريعة، وحفظ عقيدة الولاء والبراء؛ وإياكم وردة الفعل، والتأثر بمواقف التحول والتخذيل؛ فلو أفسحنا المجال للشناعات والتهويلات، وتركنا لها في قلوبنا مستقرا ومُسْتَوْدَعًا؛ لضاع ديننا ومنهجنا؛ فما أضعف القلوب، وما أقوى الشبهات!

ولْنضع نُصْبَ أعيننا ما تقدم من عبارة الأوزاعي -رحمه الله-، مع نحوها من عبارات الأئمة ومواقفهم في التمسك بالحق، وعدم تركه لشناعة أحد، ومنها:

ذكر الإمام ابن المبارك -رحمه الله- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزني الزاني وهو مؤمن»،فأنكره بعضهم فقال: «يمنعنا هؤلاء الأَنْتَان أن نترك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا نحدث به! كلما جهلنا معنى حديث تركناه؟! لا، بل نرويه كما سمعناه، ونُلزم الجهلَ أنفسَنا»[4].

وقال الإمام أحمد -رحمه الله- في صفات الرب -سبحانه-: «ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شُنِّعت»[5].

ونقول كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «ندين بإثبات القدر -وإن سُمِّي جبرا-، وندين بإثبات الصفات وحقائق الأسماء -وإن سمي تجسيما-، وندين بإثبات علو الله على عرشه فوق سماواته -وإن سمي تحيزا أو جهة-، وندين بإثبات وجهه الأعلى، ويديه المبسوطتين -وإن سمي تركيبا-، وندين بحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن سمي نَصْبا-، وندين بأنه مكلم متكلم حقيقة كلاما يسمعه من خاطبه، وأنه يُرَى بالأبصار عيانا حقيقة يوم لقائه -وإن سمي ذلك تشبيها-» اهـ[6].

ونزيد عليه: وندين بالجرح والتعديل، والرد على المخالف، وتصنيف الناس -وإن سمي ذلك حدادية[7] أو غلوا أو إقصاء-.

ومن أصول هذا الموضع: الاعتبار بغربة الحق، وقلة القائمين به بين الناس؛ فالصبر عليه واجب، واليقين به فرض، وبالصبر واليقين: تُنال الإمامة في الدين.

هذه صيحةُ نذيرٍ ونصيحةُ مشفقٍ، لم أقصد بها التعرض لشخص بقدر ما قصدت التعرض لظاهرة، كثر وقوعها بين أهل السنة، ودارت بها رَحَى الفتنة والشتات بينهم، وإنني لأتوقع مزيدا من صورها، ولئن لم يرحمنا ربنا ويثبتنا؛ لنكونن من الخاسرين الضائعين.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الأربعاء 24/ربيع الآخر/1434



[1] رواه عبد الله بن أحمد في «السنة» (688).

[2] المجادلة: 22.

[3] انظر -إن شئت- مقالي: «نقض أصول المميعة في مسألة الامتحان بالأشخاص».

[4] رواه إسحق بن راهويه في «مسنده» (388).

[5] نقله ابن قدامة في «لمعة الاعتقاد» (65)، وابن القيم في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (2/212).

[6] «مدارج السالكين» (3/372).

[7] وليس من «الحدادية» في قَبِيل ولا دَبِير: مجرد الرد على المخالف، وبيان خطئه -وإن كان من أهل السنة-، ما دام لم يتجاوز الحدود الشرعية -بتبديع من لا يستحق التبديع، ونحو ذلك-، وانظر -للأهمية في هذا المقام-: مقالَيَّ «الصبر على المخالف بين الإفراط والتفريط»، و«نظرية الكمال بين الخوارج والمرجئة وبين الحدادية والمميعة».

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي إف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت