إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542172
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

05- الحلقة الخامسة: الخيانة

المقال
05- الحلقة الخامسة: الخيانة
1455 زائر
26-05-2020 07:31
أبو حازم القاهري السلفي

أسباب المشكلات في الدعوة السلفية

(تكميل للمحاضرات التي تم إلقاؤها في هذا الموضوع)

(الحلقة الخامسة)

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فهذه هي الحلقة الخامسة في موضوعنا، وموضوعها: مرض آخر من أمراضنا، وهو: الخيانة.

والخيانة قرينة الكذب -وبئس القرين!-، ولاسيما إذا ذُكر النفاق؛ كما قال رسول الله ﷺ: «آيةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَب، وإذا وَعَد أخْلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خانَ»، وكما في الأثر السابق ذكره في الحلقة الماضية: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا، إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ».

وربنا ۵ يقول في ذم الخيانة وأهلها: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ﴾، ﴿وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾.

ويقول الرسول ﷺ: «خَيْرُكم قَرْني، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكونُ بَعْدَهُم قومٌ يشْهَدُون ولا يُسْتَشْهَدونَ، وَيخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ...» الحديث، ويقول: «اللَّهُم إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الجوعِ؛ فإنَّه بئسَ الضَّجيعُ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الخيانَةِ؛ فإنَّها بئْسَتِ البِطانَةُ»؛ وذمَّها، وتحرَّز منها في أيسر الأمور؛ عندما قال ﷺ: «لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ».

هذا فضلا عن النصوص الواردة في ذم الغدر، ونقض العهد.

وهنا الوقفة مع الكلمة العظيمة المعبِّرة، التي قال فيها رسول الله ﷺ: «فإنَّها بئْسَتِ البِطانَةُ»، ومن ههنا: نستهل الكلام.

الخائن غادر، ناقض للعهد، مضيع للأمانة؛ ومن ههنا: كانت الخيانة من خصال النفاق؛ لأن أصل النفاق: إظهار خلاف ما في الباطن؛ والخائن -في الظاهر- يظهر الأمانة، والحرص على أخيه؛ فيكون مظنةَ الاطمئنان، وأهلَ الثقة؛ فيُفْضِي إليه أخوه، ويأتمنه، ويثق به؛ ثم إذا بالحقير يضيع كل ذلك، فيُفشي السر، وينقض العهد، ويضيع الأمانة.

وهنا التركيز على صورة معينة للخيانة، قد صارت محنة الوقت بين أهل السنة، ووقود الفتن والمشاكل في الدعوة.

هذه الصورة هي: نقل الكلام الكائن في المجالس الخاصة!

ما أقبحها من خصلة! وما أحقر أهلها!

وإلى الله المشتكى من زمن، تغيرت فيه القلوب، حتى صار مثل هذه الأخلاق الخسيسة في نقاوة المسلمين: أهل السنة والجماعة!

إن النبي ﷺ قال: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ الْتَفَتَ؛ فَهِيَ أَمَانَةٌ».

ومن المستقر في طباع الناس، وعاداتهم: أن الرجل قد يكون له الكلام والرأي، الذي لا يحب أن يُنشر عنه، سواء كان ذلك في مسائل، أو أشخاص؛ فيؤثر به خواصَّه، ويذكره في مجالسه معهم.

يكون له الرأي في مسألة، لا يزال في طَوْر بحثها، أو انتهى فيها إلى قول، جانبه الصواب فيه.

يكون له الرأي في شخص، أو يتحفَّظ عليه في أمر ما، أو ينتقده في شيء ما.

تكون منه الكلمة في أخيه، يقولها غضبا، أو غيرة، أو غير ذلك مما يعرض للبشر.

وكل هذا يقال في مجالس خاصة، بين أهل الثقة والأمانة، لا يستأهل أن يُعرف في الملإ -أصلا-، أو تُراعى فيه المصالح والمفاسد.

فيأتي الخائن الأبعد، يهتك الستر، ويفشي السر!

ومن وسائل ذلك -أيضا-، مما عمت به البلوي (!): التسجيل بدون إذن!!

«شُغْل عصابات» (!) -يا صاحبي-!!

وسرعان ما يُعرف أن فلانا قال كذا؛ أخطأ في مسألة، أو تكلم في أحد إخوانه الدعاة!

وتصير فتنة -يا أهل السنة-! ونتفرق! ونختلف! ونتهاجر! ونتلاعن! ونَتَبَادَع!

كالمعتاد!!

بسبب الخيانة!!

فهذا هو الداء؛ فما الدواء؟!

الخيانة تقوم على أحد أمرين، أو كلاهما:

سوء القصد، وسوء الفهم.

فأما الأول؛ فدواؤه: الأمانة، وتقوى الله، ومحبة الخير للغير.

أيها الخائن!!

أما شعرتَ بجرمك؟! أما أدركتَ إثمك؟! أما عرفتَ منزلتك؟!

لماذا ترضى لنفسك أن تكون من حثالة الخلق؟!

لماذا ترضى هذه الوصمة الشنيعة: الخيانة؟!

لماذا تكون مِسْعَرَ فتنة؟!

لماذا تَحُشُّ نار التحريش؟!

أتحب أن يُهتك سترك؟! أترضى أن يُفشى سرك؟!

أخوك يثق بك، ويأتمنك، ويُفضِي إليك؛ فلماذا تخذله؟!

أهذه أخلاق الإسلام؟!

أهذه أُخُوَّةُ الإيمان، والسنة؟!

اتق الله في إخوانك، واتق الله في مشايخك، واتق الله في دعوة أهل السنة.

وأما الثاني؛ فدواؤه: العلم، والحكمة.

وهذا في غاية الأهمية في مقامنا الآن؛ لأن كثيرا ممن يقعون في هذه المصيبة: يظنون أنهم يحسنون صنعا!

يظنون أنهم ناصحون!

يظنون أنهم مجاهدون!!

يظنون أن نقل الكلام -في تلك المواطن- ليس من الخيانة، ولا النميمة؛ بل هو من النصيحة! وبيان أحوال المائلين عن الجادة!!

فَمَهْلًا يا مساكين! مَهْلًا!

من أنتم حتى تحكموا؟! وما أنتم حتى تميزوا؟!

تعلَّموا، قبل أن تتصرفوا!

اعرفوا الفرق بين النميمة، والنصيحة!

ميِّزوا بين الشخص المنطوي على انحراف، بما يستأهل هتك ستره، ومعرفة حقيقته؛ وبين الشخص المستقيم، الذي تصدر منه الهفوة -إن سلمنا أنه أخطأ أصلا-، بما يستأهل حياطته، والحَدْبَ عليه، والحفاظ على الدعوة التي تشمله وتشمل إخوانه.

ولا بأس بمثال، يتبين به المقال:

لو أن شخصا يضمر الطعن في أهل العلم، وإسقاطهم؛ مستترا بذلك؛ خشية أن يُفتضح، فيُحذر منه؛ ثم فضحه الله، فأبدى سريرته على فلتات لسانه، وعُلِم منه حقيقة منهجه؛ فهذا هو الذي يُفضح، وتُنقل حقيقة أمره إلى أهل العلم؛ ليحذروه، ويَقُوا الدعوة شَرَّهُ ومَكْرَهُ.

كالصحابي الذي كان يسمع المنافق يطعن في رسول الله ﷺ، فيبلغه ﷺ؛ فهذا نصيحة، لا نميمة؛ لأن ذلك المنافق مُحْتَوٍ على الكفر، مضمرٌ للخيانة والتربص بالإسلام.

وأما لو كان شخص مِنَّا -أهلَ السنة-، معلوم منهجه، ومعروفةٌ استقامتُه؛ وكانت الصورة: أنه انتقد فلانا من أهل العلم في أمر ما؛ أصاب في ذلك، أو أخطأ؛ وهو -على كل تقدير- لم يطعن فيه، ولم يسقطه؛ وإنما أفضى بذلك الانتقاد إلى خواصه؛ لِعِلْمِهِ أن في نشره مفسدة أكبر؛ فمثل هذا: يُطْوَى، ولا يُرْوَى؛ ونقله هو عين التحريش والنميمة والإفساد، ليس من النصيحة في وِرْدٍ، ولا صَدَرٍ.

فهذا مثال يرشدك إلى ما وراءه؛ لتعلم أن الأمر ليس باليسير.

لتعلم أن الأمر يحتاج إلى علم، وتمييز، وحكمة، وعقل.

لتعلم أنه ليس كل ما يُعرف: يُقال.

لتتذكر قول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.

لتتذكر قول النبي ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا: أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

فأين أنت من كل هذا؟!

أناس لم يُحْكِمُوا فرائض الأعيان عليهم من العلم، والعمل؛ يتصدرون لمثل هذا! ويقولون: هذا يُنقل! وهذا لا يُنقل!

فالبَدارَ البَدارَ -يا إخواني-!

عرفنا الداء، وعرفنا الدواء؛ فلِمَ الجفاء عن النَّجاء؟!

علينا أن نحذر الخائنين، الذين يفتنوننا، ويفرقوننا.

علينا أن نحافظ على دعوتنا، وديننا، وأنفسنا.

علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على الأمانة، وتقوى الله، والحرص على إخواننا، والعلم، والحكمة.

عرفنا؛ فعلينا أن نلزم؛ وإلا؛ فالحجة علينا، والسؤال قادم، والمصير محتوم.

وسأعلنها لكم -واضحةً- في نهاية الكلام؛ فتربصوا!

ولله الأمر من قبل، ومن بعد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الأحد 24/رمضان/1441

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت
روابط ذات صلة
المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي