أسباب المشكلات في الدعوة السلفية
(تكميل للمحاضرات التي تم إلقاؤها في هذا الموضوع)
(الحلقة السادسة)
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فهذه هي الحلقة السادسة في موضوعنا، وموضوعها: مرض آخر من أمراضنا، وهو: غياب الأُخُوَّةِ الإيمانية.
وهذا الأمر قد ورد -مرارا- في الحلقات الماضية، في سياق الكلام على محبة الخير للغير، وقد رأيتُ إفراده؛ لأهميته.
فالعلاقة بين المسلمين -وخصوصا أهل السنة، والاستقامة- علاقة أخوة، ومحبة، ومودة.
علاقة صوَّرها الله ورسوله ﷺ أجمل تصوير:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ: مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»، «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
علاقة جعلت المسلمين قوة عظمى، يخشاها ملوك الأرض، وجبابرة الوقت.
علاقة تؤدي إلى المطلوب في مقامنا هذا:
حرص المسلم على أخيه، ومحبة الخير له، وإقالة عثرته، وإحسان الظن به.
هذا هو عين المطلوب!
وعين ما ضاع!
عندما فُقِد ذلك الرباط الإيماني الوثيق!
عندما انقلبت الآية: يحب المسلم لأخيه ما يبغضه لنفسه! ويحرص على ضرره!
عندما وقع هذا؛ وقعت الفتن!
نعم؛ إن كثيرا من الفتن ما وقع إلا بغياب الأخوة الإيمانية.
فلان يبغض أخاه!
يتمنى سقوطه!
يتتبع عثرته!
يفرح بخطئه!
يقف منه على الزلل، فلا يستر!
يقع منه على الخطإ، فكأنما وقع على غنيمة!!
أخيرا: سقط!!
أخيرا: سنحذر منه!!
وتصير فتنة -يا أهل السنة-! ونتفرق! ونختلف! ونتهاجر! ونتلاعن! ونَتَبَادَع!
كالمعتاد!!
بسبب غياب الأخوة الإيمانية!!
فهذا هو الداء؛ فما الدواء؟!
دواؤه: تحقيق الأخوة الإيمانية.
لماذا البغض؟!
لماذا التدابُر؟!
لماذا الفضيحة؟!
لماذا الحرص على الإسقاط؟!
لماذا محبة الضلال والسقوط لإخواننا؟!
كلنا خطاء، كلنا ذو عثرات.
أفلا تُقِيلُها -يا هذا-، كما تحب أن تقال عثراتك؟!
وكأني أسمع الآن لحن قولك، ولَيَّ لسانك: هذا كلام أهل التمييع!!
لا نامت أعين الجهلاء!!
يا هذا! لست أتحدث عن مقام الانحراف، والبدعة؛ بل عن مقام الزلة، والهفوة.
أتدرك الفرق بينهما -أصلا-؟!
واللهِ؛ ما إخالك مُدْرَكَهُ!!
فارحمونا -إذن- من جهالاتكم! وتعلموا قبل أن تتكلموا!
أم أنكم -في الحقيقة- حدادية محضة، تسقطون أهل السنة، ولا تبقون منهم أحدا؟!!
إنما أتكلم -يا هذا- على عثرات أهل السنة، وزلات أهل العلم والاستقامة.
أتكلم -يا هذا- على شخص من أهل السنة، أصوله سلفية، ومنهجه معروف؛ يخطئ في مسألة، على غير مأخذ أهل البدع؛ أو يقصر علمه عن تحرير بعض المواضع، أو تصدر منه هفوات في سلوكه، أو نحو ذلك، مما هو تحت باب «زلات العلماء».
إن كان «سماحتُك» (!) قد سمعتَ به!!
أتكلم -يا هذا- على من تتبع مثل هذا، وطيَّره كل مطار، واتخذه سبيلا للتشنيع والإسقاط.
بلا رفق!
بلا رحمة!
بلا نصيحة!
بلا صبر!
بلا أخوة إيمانية!
منهجُ مَنْ هذا -يا هذا-؟!
إنها الحدادية البغيضة، التي لا تُبقي ولا تذر.
ومن عجائب الوقت: أن هؤلاء -بعينهم- يرمون إخوانهم بالحدادية!!
لقد هَزُلَتْ حتى بدا من هُزالِها كُلَاها وحتى سَامَها كلُّ مفلس
وأعرف منهم من يتشدق بالرفق! والصبر! وأن دعوة أهل السنة ليست بدعوة إسقاط!
ثم هو يسقط إخوانه، ومشايخه؛ بالزلات، والأمور المشتبهات!
وبدون نصيحة! ولا إعذار!
وإن نصح؛ لم يصبر! بل يقول: نصحنا (!)، فلم ينتصح!!
فالجانب القلبي: أن تحرص على أخيك، وتترفق به، وتصبر عليه، وتحب له الخير، وتكره له الشر.
هذا الذي إذا فُقد -ابتداء-؛ كان القلب مستعدا للإسقاط، غيرَ مُبْقٍ على أحد.
وأما الجانب العلمي، بإدراك الفرق بين ما يستأهل التحذير، وما لا يستأهله؛ فبالتعلُّم يُدرك، والفهم، والتأصيل.
وأما من يستمرئ الجهل، ويستحلي العمى؛ سادرا في غَيِّه، منقادا لهواه؛ ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
فالبَدارَ البَدارَ -يا إخواني-!
عرفنا الداء، وعرفنا الدواء؛ فلِمَ الجفاء عن النَّجاء؟!
علينا أن نحذر الجُفاة، الذين يفتنوننا، ويفرقوننا.
علينا أن نحافظ على دعوتنا، وديننا، وأنفسنا.
علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على تحقيق الأخوة الإيمانية.
عرفنا؛ فعلينا أن نلزم؛ وإلا؛ فالحجة علينا، والسؤال قادم، والمصير محتوم.
وسأعلنها لكم -واضحةً- في نهاية الكلام؛ فتربصوا!
ولله الأمر من قبل، ومن بعد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الاثنين 25/رمضان/1441
لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|