أسباب المشكلات في الدعوة السلفية
(تكميل للمحاضرات التي تم إلقاؤها في هذا الموضوع)
(الحلقة الثانية)
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فهذه هي الحلقة الثانية في موضوعنا، وموضوعها: مرض آخر من أمراض القلوب، وهو: الحسد.
والحسد: تمنِّي زوال النعمة عن الغير.
وهو من الخلال المرذولة، والأوصاف المذمومة، التي يعرف قبحَها كلُّ عاقل.
وقد ذكره الله عز وجل في سياق الذم، على أنه من صفات الكفار؛ كما في قوله: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ﴾، وقوله: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.
وأخبر عز وجل أن شره عظيم، يُستعاذ منه؛ كما في قوله: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
وذمَّه رسول الله ﷺ، ونهى عنه، وبيَّن سوء أثره؛ كما في قوله: «لَا تَحَاسَدُوا»، وقوله: «لَا يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ»، وقوله: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ».
ومتقررٌ في الشرع والواقع: أن الحسد قد يؤدي إلى إتلاف للأبدان وغيرها، بتأثير العين.
والحسد -على التحقيق- هو أول ذنب عُصي به الله عز وجل؛ فإن اللعين إبليس عندما أبى السجود لآدم عليه السلام؛ ما فعل ذلك إلا لما حسد آدم أولا، فدفعه ذلك إلى الكبر عليه، ورَدِّ أمر الله تعالى.
وأصل الحسد: اعتقاد في القلب بأن فلانا الذي حصلت له النعمة: لا يستحقها، وأن الحاسد أولى به منها، أيًّا كانت صورة النعمة: من مال، أو ولد، أو زوجة، أو صحة، أو علم، أو قبول في الناس، أو نحو ذلك.
فيتمنى الحاسد زوال النعمة عن الغير؛ لأنه -بزعمه- لا يستحقها.
وكم أثَّر الحسد في الدعوة! وكم أدَّى إلى الفتن بين أهلها!
ومدار ذلك: على الحسد في العلم والخير، الذي يؤتيه الله عز وجل للداعية.
إن من أعظم النعم التي يمنُّ الله بها على الداعية: العلم، والفهم، والحكمة، والنصيحة، والإفادة؛ بما يؤدي إلى إقبال الناس عليه، ومحبتهم له، وقبولهم لدعوته.
وهنا: يُقَضُّ مضجع الحاسد! وتُنَغَّصُ عيشته! وتمتلئ نفسه المريضة بهمز الشيطان، ونفخه، ونفثه:
من هذا؟!
ومن أين جاءنا؟!
ومتى طلع قَرْنُه؟!
وكيف يقبل عليه الطلاب؟! وتكون له مجالس؟! ويشتهر له ذِكْرٌ؟!
وما بالنا -كلَّ حين- نسمع عن شروحه، ومؤلفاته، ومقالاته...؟!
وتزداد نيران الحسد اسْتِعَارًا: إذا كان المحسود صغيرا في السن! أو حديث عهد بالمعرفة والشهرة لدى الناس!
ولا يزال الحسد بصاحبنا -وليس بصاحبنا!-، حتى يتكلم في المحسود!
ويحذر عنه!
وينهى عن الأخذ منه!
وتصير فتنة -يا أهل السنة-! ونتفرق! ونختلف! ونتهاجر! ونتلاعن! ونَتَبَادَع!
كالمعتاد!!
بسبب الحسد!!
فهذا هو الداء؛ فما الدواء؟!
دواء الحسد: سلامة الصدر، ومحبة الخير للغير، والتسليم لحكمة الله.
أيها الحاسد!
ما المشكلة في أن يَمُنَّ الله على من يشاء من عباده؟!
أَتَكْرَهُ فعل الله؟! أم تحجر عليه في عطائه؟! أم تتهمه في قَسْمه؟!
ألا تحب أن يظهر الخير للناس؟!
ألا تحب أن ينتصب للناس من يعلمهم، ويدعوهم إلى الله؟!
ألا تحب الخير لهم، ولأخيك الذي تسبب فيه؟!
أتحبُّ أن تُحسَد؟!
لو كنتَ في موضع أخيك؛ أتحبُّ أن يُسلَك معك ما تسلكه معه، ويتكلم فيك غيرك، ويهدر جهودك؛ لأنه يحسدك؟!
اتق الله ربك، وأَحِبَّ لإخوانك ما تحب لنفسك، وائْتِ إلى الناس الذي تحب أن يؤتى إليك.
لا تكن سببا في منع الخير، ولا عونا للشيطان على إضلال الناس.
لا تحدث فتنة في المسلمين؛ لمجرد مشاعر بغيضة، ونفسية مريضة.
فالبَدارَ البَدارَ -يا إخواني-!
عرفنا الداء، وعرفنا الدواء؛ فلِمَ الجفاء عن النَّجاء؟!
علينا أن نحذر الحاسدين، الذين يفتنوننا، ويفرقوننا.
علينا أن نحافظ على دعوتنا، وديننا، وأنفسنا.
علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على نبذ الحسد، والتحلي بسلامة الصدر، ومحبة الخير لإخواننا.
عرفنا؛ فعلينا أن نلزم؛ وإلا؛ فالحجة علينا، والسؤال قادم، والمصير محتوم.
وسأعلنها لكم -واضحةً- في نهاية الكلام؛ فتربصوا!
ولله الأمر من قبل، ومن بعد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الاثنين 11/رمضان/1441
لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|