إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542768
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

01- الحلقة الأولى: بطر الحق

المقال
01- الحلقة الأولى: بطر الحق
1273 زائر
01-05-2020 02:16
أبو حازم القاهري السلفي

أسباب المشكلات في الدعوة السلفية

(تكميل للمحاضرات التي تم إلقاؤها في هذا الموضوع)

(الحلقة الأولى)

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ الأولين والآخرين.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، وخيرةُ ولد آدم أجمعين؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين، ومن تبعهم -بإحسان- إلى يوم الدين.

أما بعد؛ فإن العبد الفقير كان قد عقد محاضرات، في موضوع غاية في الأهمية، وهو: «أسباب المشكلات في الدعوة السلفية»؛ كمحاضرات تابعة للدروس المعقودة في المسجد.

ثم توقفت هذه المحاضرات مع توقف الدروس، وخشيتُ أن يطول الأمد أكثر مما طال، فرأيتُ إكمال هذا الموضوع في صورة مقالات مكتوبة.

وكنتُ قد أجملتُ: أن أسباب المشكلات تنحصر في جانبين:

الجانب العلمي، والجانب الأخلاقي.

ثم فصَّلتُ، فتكلمتُ في مواضيع، بيانها كالتالي:

1- الضعف العلمي.

2- الخلل في قضية التزكيات.

3- التعصب للأشخاص.

4- غياب الإخلاص.

5- الكبر.

وهذا آخر ما تكلمتُ فيه، وقد استرسل بي الحديث آنذاك في أحد قُطْبَيِ الكبر، وهو: غمط الناس، ولم يُقدَّر أن أتحدث -بعد ذلك- في القطب الآخر، وهو: بطر الحق.

فمن هنا أبتدئ -إن شاء الله- في مقامي هذا، والله المستعان.

اعلم -عافاك الله- أن بطر الحق هو: ردُّه ودفعه، بحيث إذا تبين للمتكبر أنه قد أخطأ، وأن الحق بخلاف ما قال؛ دفع هذا الحق، ولم يرجع عن خطئه.

وهذه المصيبة التي يقع فيها المتكبر: مبنيةٌ على أصل، وهو الأصل الذي يقوم عليه الكبر -نفسه-: اعتقاد الكمال!

وذلك أن المتكبر لا ينتابه الكبر -أصلا- إلا عندما يعتقد أنه أكمل وأفضل من غيره، فمقتضى ذلك -في قلبه المريض-: أنه لا بد أن يكون على صواب -دائما-، ولا يتصور أن يكون مخطئا.

فرأيه -دائما- هو الرأي!

وقوله -أبدا- هو القول!

الطريقة الفرعونية: ما أريكم إلا ما أرى! وما أهديكم إلا سبيل الرشاد!

فلا يحسب المسكين -إذن- أنه يمكن أن يخفى عليه شيء، أو يخطئ الفهم، أو غير ذلك من أسباب الاستدراك على البشر.

وعلى هذا؛ فإذا جاءه أحد في مسألة بشيء قد خفي عليه، أو لم ينتبه له، أو أخطأ في فهمه؛ فإن هذا يتصادم -مباشرة- مع ما وقر في نفسه الكاذبة الخاطئة، وينطلق -حينئذ- في قلبه: همزُ الشيطان، ونفخه، ونفثه:

أنت تخطئ؟!

أنت تجهل؟!

كيف ستبدو للناس، وقد تبين عجزك ونقصك؟!

كيف ستسمح بوقوع هذا؟!

ثم يأتيه من البابة الأخرى -غمط الناس-:

من هذا الذي جاء يستدرك عليك؟!

من هو؟! ومن أنت؟!

وكيف تبين له ما غاب عنك؟!

إنه...! وإنك...!!

وسوسات! وتلبيسات! واستفزازات! وأَزَّاتٌ!

والمسكين يستجيب! فيبطر الحق!

ثم تحدث المشكلات في الدعوة، وتقع الفتن بين أبنائها؛ بسبب أن ذلك المَهين لم تسمح نفسه (!) أن يرجع عن خطئه!

وهذا يشترك فيه التابع والمتبوع -على حد سواء-؛ إلا أن وقوعه في المتبوع أكثر، والبلاء به أعظم.

شيخ متصدر، له دعوة وأتباع، يتكلم في مسألة، فيخطئ فيها، ثم يأتي من يصحح له خطأه، وينصح له، وللدين، وللمسلمين.

فماذا يكون؟!

ينتصب المتكبر للدفاع عن نفسه، ويثبت على خطئه، ويبطر الحق!

وتتعصب له مُرِيدُوه! وتَنْجَمِعُ له أَحَابِيشُه!

ثم تكون الردود!

والردود!

والردود!

وتصير فتنة -يا أهل السنة-! ونتفرق! ونختلف! ونتهاجر! ونتلاعن! ونَتَبَادَع!

كالمعتاد!!

بسبب الكبر!!

فهذا هو الداء؛ فما الدواء؟!

دواء الكبر: التواضع، الإقرار بالخطإ، الاعتراف بالعجز والنقص.

ما المشكلة في أننا نخطئ؟!

إنها طبيعتنا -يا قوم-!

كل بني آدم خطَّاء، عاجز، ناقص؛ لا بد أن يخفى عليه شيء، لا بد أن يعزب عنه شيء.

والكمال لله -وحده-؛ ولهذا كان الكبر له وحده.

أَفَنُنَازِعُ الله في خصوصيته؟!

أَنَنْسَلِخُ من بشريتنا، ونقصنا، وفقرنا؟!

اتق الله -أيها المتكبر-، واعلم أنما أنت ضعيف، ناقص، جاهل!

هكذا خُلقتَ، وهكذا قيمتك؛ وصفًا لازمًا لك، لا تستطيع له دفعًا ولا رفعًا!

أليس لك في الصالحين أسوة؟! أليس لك في العلماء قدوة؟!

ألم يأتك نبأ من رجع منهم عن خطئه، وأذعن للحق؛ بل حقَّر نفسه قائلا: «أرجع -وأنا صاغر-»! وعظَّم ناصحَه قائلا: «أفسحوا لمعلِّمي»!

من أنت، وما أنت؛ حتى لا تكون مثلهم؛ وأنت لا تساوي شعرة في لحية أحدهم؟!

تواضع لربك!

تواضع لإخوانك!

تواضع لمشايخك!

تواضع لسلفك الصالح!

مهما جمعتَ من العلم؛ فهناك من هو أعلم منك!

مهما جمعتَ من الحكمة؛ فهناك من هو أحكم منك!

مهما جمعت من العقل؛ فهناك من هو أعقل منك!

وكما قال العبد الفقير في المحاضرات: المفسدة المتعدية أكبر من المفسدة القاصرة، فلو كان كبرُ المتكبر محبوسا في قلبه، مقصورا على نفسه؛ لهان الأمر -على عِظَمِه-؛ ولكن المصيبة أن ينبني على ذلك عملٌ، يؤدي إلى فتنة في الدعوة، وفساد لأهلها.

فاتق الله -أيها المتكبر- أن يهلك الناس بسببك!

اتق الله أن تبوأ بإثمك، وإثم غيرك!

اتق الله أن تكون رأسا في الباطل، والتفرق، والاختلاف!

ولا تنس مصيبة أخرى، وهي: تبديل الدين!!

نعم! فإن المتكبر عندما لا يرجع عن خطئه؛ فإنه ينسبه إلى الدين، ويدعي فيه الصواب والسداد!

أَفَهَانَتْ عليك مصيبة الكبر، حتى تضم إليها مصيبة التبديل؟!

أتطيق أن تلقى الله، وقد كذبتَ عليه، ونسبتَ إلى دينه ما ليس منه؟!

ألا تدري أن هذه هي جادة المبتدع، التي نسعى جميعا لتجنبُّها، ونصيح بأهلها -آناء الليل، وأطراف النهار-؟!

إن الأمر خطير، ما هو باليسير.

فالبَدارَ البَدارَ -يا إخواني-!

عرفنا الداء، وعرفنا الدواء؛ فلِمَ الجفاء عن النَّجاء؟!

علينا أن نحذر المتكبرين، الذين يفتنوننا، ويفرقوننا.

علينا أن نحافظ على دعوتنا، وديننا، وأنفسنا.

علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على نبذ الكبر، والتحلي بالتواضع، والرجوع إلى الحق، وخفض الجناح لإخواننا.

عرفنا؛ فعلينا أن نلزم؛ وإلا؛ فالحجة علينا، والسؤال قادم، والمصير محتوم.

وسأعلنها لكم -واضحةً- في نهاية الكلام؛ فتربصوا!

ولله الأمر من قبل، ومن بعد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الثلاثاء 5/رمضان/1441

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
1 صوت
روابط ذات صلة
المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي