قولوا سلا"/>
الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567269
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

قولوا سلاما!!

المقال
قولوا سلاما!!
5965 زائر
07/12/2013
أبو حازم القاهري السلفي

قولوا سلاما!!

الحمد لله حق الحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله رفيعُ الجَدِّ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صادقُ الوعد؛ صلى الله وسلم عليه، وعلى آله أُولي الشرف والمجد.

أما بعدُ؛ فإن الأمر بالإعراض عن الجاهلين مشهورٌ في كتاب ربنا -سبحانه-، وقد قال -جل شأنه- في صفات عباده وخاصته: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾([1]).

قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري -رحمه الله-: «يقول: وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول؛ أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل» اهـ([2]).

ثم أسند عن الحسن -رحمه الله-: «حُلَماء، وإن جُهل عليهم؛ لم يجهلوا».

وعنه -من وجه آخر-:«إن المؤمنين قوم ذُلُلٌ، ذلّت منهم -واللهِ- الأسماع والأبصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى، وإنهم لأصحاء القلوب؛ ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فقالوا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)؛ واللهِ ما حزنهم حزن الدنيا، ولا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنة، أبكاهم الخوف من النار،وإنه من لم يتعزَّ بعزاء الله؛ تَقَطَّعَ نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم ومشرب؛ فقد قلّ علمه، وحضر عذابه».

وأسند عن مجاهد -رحمه الله-: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ قال: «سَدَادًا من القول».

قلتُ: وليس المقصود بالجهل هنا -كما هو بيِّنٌ من عموم الآية، وتفسير العلماء لها- محصورا في ما يعود إلى عمل -كالأذى بالقول أو الفعل-؛ بل هو شامل لما يعود إلى العلم -أيضا-، فيدخل فيه كلام الجاهلين في العلم بتلبيسهم وتخليطهم، ومخاطبتُهم لأهل الحق بعبثهم وضلالهم.

وإن لهؤلاء المساكين صفاتٍ عجيبةً:

منها: الغباوة والبلادة؛ فمهما ورد عليهم من دلائل الحق -كالشمس في ضحاها-؛ فإنهم لا يفهمون كُنْهَها، ولا يعقلون وجهها!! كمُسْتَمْلي أبي عبيدة: يسمع غير ما يقول الشيخ! ويقول غير ما يسمع! ويكتب غير ما يقول! ويقرأ غير ما يكتب! ويحفظ غير ما يقرأ([3])!!

ومنها: ادِّعاء التأصيل والتقعيد؛ وأَنَّى لهم ذلك -وقد فقدوا أصل آلة الفهم بغباوتهم وبلادتهم-؟! وكيف إذا انضم إلى هذا قِلَّةُ اطلاعهم -بل عدمُها أحيانا!!-، وعدم إحاطتهم بأصول المسائل وأبحاثها؟! ولا يكون مؤصَّلا في العلم من اكتفى بمرحلة المبتدئين -دراسة المتون-؛ بل يجب أن يضم إليها جَرْدَ المطوَّلات، واستنباطَ الفوائد، وتحقيقَ المسائل، وتحريرَ المباحث؛ وبدون ذلك يظهر عاره، وينكشف شَنَاره؛ إذ لا يكون جامعا للمسائل، ولا مُلِمًّا بأطرافها، ولا جامعا لشتاتها؛ فيكون «بحثه» (!) لها -من بعدُ- ضُحْكَة أهل العلم، وفكاهة مجالسهم!!

ومنها: إنكار الحقائق العلمية الثابتة الظاهرة، التي لا يُتصوَّر خفاؤها على من له أدنى إلمام بالعلم، وأدنى ممارسة لشأن أهله؛ و«الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بيِّنة بنفسها ضرورية، وجحدها الخصم؛ كان سُوفِسْطائياً، ولم يؤمر بمناظرته -بعد ذلك-؛ بل إن كان فاسد العقل؛ داوَوْه، وإن كان عاجزاً عن معرفة الحق؛ تركوه، وإن كان مستحقاً للعقاب؛ عاقبوه -مع القدرة-: إما بالتعزير، وإما بالقتل؛ وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر!!»([4]).

ومنها: عدم تحرير مواطن النزاع؛ وهذا أخطر الأدواء التي تعتري العلوم وأهلها، ولا أضر عليهم منه؛ فالجهلاءُ المساكينُ كلامُهم في وادٍ، وكلامُ مخالفيهم -من أهل الحق- في وادٍ!! ولغباوتهم ها هنا مجال -على ما تقدم وصفه-؛ فإنهم يفهمون غير ما يسمعون، فيردُّون بموجَب فهمهم -وهو باطل من أصله-!! وحدِّث -عندئذ- عن البهتان والافتراء -ولا حرج-!! فيُنسَب لأهل الحق غيرُ قولهم، ويُحشَرون في غير موضعهم، ويُنزَلون في غير منزلتهم!! وإذا كان «كثير من نزاع العقلاء لكونهم لا يتصورون مورد النزاع تصورا بيِّنا، وكثير من النزاع قد يكون الصواب فيه في قول آخر غير القولين الَّذَيْن قالاهما، وكثير من النزاع قد يكون مبنيا على أصل ضعيف، إذا بُيِّن فساده؛ ارتفع النزاع»([5])؛ فكيف بنزاع غير العقلاء -من السفهاء الأغبياء-؟!

هذا بعض شأن القوم -وإن كان يجمعه ويلخِّصه-، وهو دَأْبهم في كل زمان ومكان، واعتبره في نزاع أهل البدع مع أهل السنة -من قديم-، وقد رأيناه -جميعا- واقعا ملموسا في صراعنا مع أهل البدع المعاصرين -من قطبيين، وحزبيين، وحداديِّين، ومميِّعين-، ولا يزال يتكشَّف في خُلُوفهم وفُلُولهم -حينا بعد حين-؛ فكم في زوايا الجهل من خبايا! وكم في غِمار الجهلاء من بقايا!

فيا أهل السنة؛ تعاملوا مع هذه الطائفة المَهِينة بما تقدم من أدب القرآن، ولا تنشغلوا بهم في ردود أو خصومات؛ فإنهم ليسوا موضعا لذلك، وإنما هم -على ما تقدم من كلام شيخ الإسلام، وقد نقل عليه اتفاق الأمم- بين مَنْ حَقُّه التداوي -لفساد عقله-، ومَنْ حَقُّه الترك -لعجزه عن معرفة الحق-، ومَنْ حَقُّه العقاب -لاستحقاقه إياه-؛ وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر: سيف، أو دِرَّة، أو سوط، أو صَفْع على القفا -وذلك أضعف التعزير-!!!

نعم؛ لا بد من القيام بحراسة الملة، وصيانة العقيدة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ والردُّ على المخالف أصلٌ من أصول الديانة، وأهلُ السنة هم أحقُّ به وأهلُه؛ ولكنهم لا يقومون به إلا دفعًا للضرورة، والضرورة تقدَّر بقدرها؛ فمتى أُقيمت الحجة، وبُيِّنت المحجة، وكُشفت الشبهة؛ فقد تأدَّى الواجب، واندفعت الضرورة، وصار الاسترسال مع المخالفين -بعد ذلك- عبثا ولعبا، وتضييعا للوقت والجهد، وتعطيلا لمسيرة الدعوة، وإرهاقا للسلفيين، وإقرارا لأعين المخالفين؛ فإنه لا أَضَرَّ عليهم، ولا أَسْخَنَ لأعينهم، ولا أَزْهَقَ لباطلهم؛ مِنْ تَرْكهم هَمَلًا، وهَجْرهم أبدا، وزَجْرهم زَجْرَ الكلاب، وطَرْدهم طَرْدَ الذباب.

أَوَكُلَّما طَنَّ الذبابُ زجرتُه إن الذبابَ إذن عليَّ كريمُ

فمُرُوا -أهلَ السنة- بالمعروف، وانْهَوْا عن المنكر، واحْمُوا حِمَى الشريعة؛ فإذا فعلتم ذلك، ثم لَجَّ الجهول في جهالته، وسَدَرَ في عمايته، ولم يأت بجديد، وإنما هو اجْتِرارٌ لغباوته، وتَكرارٌ لبلادته، ونُكُولٌ عن موضع النزاع، وإغراق في السَّفْسَطة والضياع، وإن ظن المسكين أنه قد «رَدَّ» (!) و«أَفْحَمَ» (!)، وبالحق والرشاد قد أتى وتكلم (!)؛ فليس من عقل أهل السنة ولا حكمتهم أن يعيدوا ما شرحوه، ويكرروا ما قرروه؛ وإن كان في لَيِّ لسان الجهول بالقول جديدُ شبهةٍ يُخشَى منها؛ فلْتُكشَف بخير الكلام: ما قَلَّ ودَلَّ، وإلا؛ فقولوا -يا أهل السنة- سلاما.

واعلموا أن عِبْءَ الدعوة ثقيلٌ، وحقَّ الدين جليلٌ، يستدعي منا إخلاصا وصدقا، واستعانة وافتقارا، وعلما وعملا، وسلوكا وخُلُقا؛ فلْنأخذ ذلك -بقوة-، ولْنجتهد في تحقيقه؛ واللهُ مُسْتَخْلِفُنا في الأرض، فناظِرٌ كيف نعمل.

نسأل الله أن يهدينا ويسددنا، ويستعملنا ولا يستبدلنا؛ إنه ولينا ومولانا، وهو حسبنا ونِعْمَ الوكيل.

وصلى الله وسلم على رسولنا محمد، وعلى آله وصحبه -قاطبة-.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

السبت 4/صفر/1435



([1]) الفرقان: 63.

([2]) «جامع البيان» (19/295).

([3]) انظر خبره وأمثالِه في «أدب الإملاء والاستملاء».

([4]) ما بين القوسين: من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في «درء التعارض» (7/174).

([5]) ما بين القوسين: من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» (12/57).

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت
روابط ذات صلة
المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي