البيان ال"/>
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542081
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ الخطبة الأولى من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع

المقال
تفريغ الخطبة الأولى من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع
5037 زائر
07/04/2013
أبو حازم القاهري السلفي

البيان الرفيع

لدين لرافضة الشنيع

(الخطبة الأولى)

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد؛ فهذا أوان الشروع في «البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع»؛ قيامًا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجنبنا الفتن -ما ظهر منها وما بطن-.

والمنهج الذي سنتبعه -إن شاء الله تعالى- في عرض هذه القضية هو -كما ذكرتُ في الجمعة الماضية- منهجٌ وسط، يستفيد منه العامي وطالب العلم -على السواء -إن شاء الله-، من غير اختصار لا يشفي العليل ولا يروي الغليل، ومن غير تطويل يورث الملالة والسآمة، ويباين مقصود خطب الجمعة.

وسيكون التعرض لهذه القضية -إن شاء الله- في ثلاثة مباحث رئيسية، تنتظم تحتها الكثير من المباحث الفرعيّة:

* فأما المبحث الأول؛ فهو في ذكر مقدمة تاريخيّة عن نشأة الرافضة، وتطور دينهم.

* وأما المبحث الثاني؛ فهو في ذكر أهم عقائدهم وشعائر ملّتهم.

* وأما المبحث الثالث؛ فهو في ذكر ما تيسّر من أقوال العلماء والأئمة في بيان حالهم والحكم عليهم.

وهذا أوان الشروع في المقصود، والله المستعان، وعليه التكلان.

أول ما سنتكلم فيه -إن شاء الله تعالى- هو مصطلح «التشيّع»؛ فإن ما نقول فيه الآن: «الرافضة»، أو «الإمامية»، أو «الاثنى عشرية»، أو غير ذلك: لم يكن -في أول ظهوره- معروفًا بهذه الأسماء، وإنما كان هناك ما يُسمّى بـ«الشيعة» و«التشيّع»، فهذا لا بدّ من ذكره أولاً -كتوطئة للكلام على القوم في تاريخهم-.

فما معنى كلمة «الشيعة» في لغة العرب؟

هذه الكلمة تدور في معناها على النصرة والمتابعة، يقال: «شايع فلان فلانا»؛ أي: ناصره واتبعه، ويقال: «شيعة فلان»؛ أي: أنصاره وأتباعه.

ومادة «التشيّع» أتت في القرآن الكريم، وكان إتيانها فيه على وجه الذم -غالبًا-، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 159]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾ [الأنعام: 65]، وقوله تعالى: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ﴾ [سبأ: 54] ، وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِياًّ ﴾ [مريم: 69] ، ونحو ذلك.

وقد خرجت هذه المادة عن إطار الذم -نادرًا-، كما في قوله تعالى : ﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ﴾ [الصافات: 83]، وأما في غالب الأحوال في كتاب الله تعالى؛ فإنما أتت في سياق الذم، والسبب في ذلك -كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: أن مادة «التشيع» كثيرًا ما تدلّ على التفرّق والاختلاف والتحزّب، وهذا مذموم في دين الله -كما سبق بيانه مراراً-.

فهذا هو أصل معنى «التشيّع»، وقد عرفتَ أنه جاء في القرآن -غالبا- على جهة الذم؛ فهذه توطئة يسيرة لبيان حال القوم.

فإذا عرفت ذلك؛ فلندخل في البيان التاريخي لنشأة الشيعة، وتطور مذهبهم.

اعلم -رحمك الله تعالى- أن حكاية الشيعة تبدأ مع رجل، يُقال له: عبد الله بن سبأ، ويُقال له أيضًا: «ابن السوداء»؛ لأن أمه كانت سوداء.

هذا هو الرجل، الذي لا بدّ من التوقف معه -أولا- في الحديث عن الشيعة؛ لأنه هو أول من أظهر مذهبهم، ونشر طريقتهم، ودعا إلى ملّتهم، وهو الذي زرع هذه البذرة الخبيثة في الإسلام.

وإذا أردنا أن نتكلم عن هذا الرجل؛ فلنذكر -أولا- قول أهل العلم من علماء الإسلام -أهل السنة والجماعة- فيه، وفي دوره في التشيع.

قال إمام المؤرخين وشيخ المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- في« تاريخه»: «كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم -زمانَ عثمان-، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام؛ فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم -فيما يقول-: «لَعَجَبٌ ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذِّب بأن محمدًا يرجع، وقد قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85]، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى»، فقُبل ذلك عنه، ووضع لهم الرَّجْعة، فتكلموا فيها.

ثم قال لهم -بعد ذلك-: «إنه كان ألفُ نبي، ولكل نبي وصيٌّ، وكان عليٌّ وصيَّ محمد»، ثم قال: «محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء»، ثم قال -بعد ذلك-: «من أظلم ممن لم يُجِزْ وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وَوَثَبَ علَى وصيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!»، وتناول أمر الأمة، ثم قال لهم -بعد ذلك-: «إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصيُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانهضوا في هذا الأمر فحرِّكوه، وابدأوا بالطعن على أمرائكم، وأَظْهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر».

فَبَثَّ دعاته، وكاتب من كان استفسد في الأمصار، وكاتبوه، ودَعَوْا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون، فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة؛ يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما فيه الناس». انتهى المراد من كلام الطبري -رحمه الله-، وفيه استطراد بعد ذلك في شأن ما وقع من الفتنة مع عثمان -رضي الله عنه-.

وعلى كلام الطبري-رحمه الله- عامّة أهل العلم، يذكرون نحوه ويبيّنون مثل معناه.

ولنا فيه وقفات مهمة:

* أولا: ما يتعلق بصفة عبد الله ابن سبأ؛ من كان هذا الرجل؟ وماذا كان دينه؟ وعلى أي وجه صار إسلامه؟

الأمر -كما رأيت- أنه كان يهوديًا، وأنه أسلم في زمن عثمان -رضي الله عنه-، وكان من شأنه ما كان مما رأيت من الفتن والتحريش؛ فعلامَ يدلّ هذا؟! أيدل على صدق في الإسلام، وإحسان في الانتساب إلى هذه الملّة السمحة؟!

الجواب -كما رأيت، وكما سنرى في كلام شيخ الإسلام -رحمه الله -: أن هذا الرجل مقصوده الطعن في الإسلام؛ دسيسة يهودية، أحاط بها الحقد والحسد والغل على الإسلام وأهله، فأراد أن يهدم الإسلام من جذوره، ويدمره من بين أبنائه وأهل ملته؛ كما ذكرنا من قبل: لم يستطيعوا القضاء على هذه الأمة بالسيف، فيريدون أن يقضوا عليها بالفتن والتفرّق والاختلاف والتحريش.

* ثانيا: أنه سعى بالفتنة في أقطار المسلمين، فلم يتم له مراده إلا في مصر؛ فلماذا؟!

اعلموا -رحمكم الله تعالى- أن هذا الشعب مع ذكائه ونبوغه -ولسنا نقول ذلك تعصبًا؛ بل هي الحقيقة- فيه عيب خطير، لا يزال موجودًا فيه، ولا يزال يورده المهالك -حينًا بعد حين، وعصرًا بعد عصر-؛ ألا وهو: العاطفة.

عيبنا في العاطفة، وليس في نفس العاطفة؛ فإنها -في نفسها- مطلوبة، وتؤدي إلى منافع شتى، وتدرأ مفاسد كثيرة؛ ولكن الإشكال في تحكيم هذه العاطفة على مقتضى العقل -بل على مقتضى الشرع-؛ فأهل مصر يعرفون كل شيء، ويفهمون كل شيء؛ ولكنهم يتغافلون عمّا يعرفون من الحق؛ تحكيمًا لعاطفتهم وأهوائهم.

نعرف أن فلانًا -مثلا- على الحق، وأن فلانًا على الباطل، ونوقن بذلك يقينًا تامًا؛ ولكننا نوالي الذي على الباطل؛ عاطفة له وتعصبًا ومحبة، واغترارًا بما هو فيه من شهرة أو وجاهة أو كثرة أتباع أو نحو ذلك.

ومن لوازم ذلك: أنه إذا أثار أحدهم عاطفتنا؛ استجبنا له -وإن كان ذلك على حساب ما نعرف من الحق-، يأتي الرجل -مثلا-، فيقول: «انظر! فلان يصنع كذا، وهل ترضى بهذه المنكرات؟! أين الغيرة والنخوة والحميّة؟!»، فننخدع ونقول: «نعم! لا بد من الوقوف! ولا بد من الصمود! ولا بد من كذا وكذا»، والذي قال لنا ذلك: كذاب!! ونحن لم نتبين ولم نتثبت، والله -تبارك تعالى- يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

فهذا العيب الخطير موجود فينا، وكل ما يحدث من الفتن في بلادنا الآن: إنما هو بسببه، ولو حكَّمنا مقتضى الشرع أو مقتضى العقل الصريح والفطرة السوية -ولو في موقف واحد-؛ لنجونا من هذه الفتن؛ ولكننا نعرف كل شيء: نعرف من على الحق، ونعرف من على الباطل، والأمور عندنا واضحة لا لَبْسَ فيها؛ ولكننا نحكِّم عاطفتنا وأهواءنا.

فانظروا إلى عبد الله بن سبأ: رجل كذاب أفَّاك، يبغي هدم الإسلام وقلعه من جذوره، ويلبّس على أهل مصر بأكاذيب محضة، لا أساس لها من الصحة؛ ولكنهم -لعاطفتهم ولتعصبهم- يتبعونه وينصرونه.

فهذا موطن الداء –عبادَ الله-، لا بد أن نضع أيدينا عليه، ولا بد أن نبادر بعلاجه -قبل فوات الأوان أكثر من ذلك-؛ أسأل الله -عز وجل- أن يهيئ لنا ذلك.

* ثالثا: أنه لبّس باحتجاج، هو من شعائر الرافضة حتى الآن: تحريف آيات القرآن، والاستدلال بها على غير وجهها.

احتج بقول الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85]، يريد: أن المعاد هو رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الدنيا!!

وهذا باطل من القول، وتحريف لآيات الله -عز وجل-، ولم يقله أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا من له في الأمة لسان صدق -من المفسرين وأهل العلم-؛ وإنما قال السلف: المعاد -هنا- إما أن يكون في الآخرة، وهذا قول عامة المفسرين من السلف والخلف: منهم من قال: هو يوم القيامة، ومنهم من قال: هو الجنة، ومنهم من قال: هو الموت؛ فهذا كله يعود إلى الآخرة، ومن قال منهم إن المعاد في هذه الدنيا؛ قال: ﴿ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾؛ أي: لمُرْجِعُك إلى مكة، التي أخرجك المشركون منها، فالله يعيدك إليها فاتحًا منتصرًا مؤزرًا.

فلم يقل أحدهم قط: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم من موته، ويعود إلى الحياة مرة أخرى؛ فهذه طريقة تحريفية باطنية، لم يزل عليها الرافضة حتى الآن -كما سنعرف من النماذج والأمثلة إن شاء الله-.

* رابعا: أنه قال -بعد ذلك- بالأصل الثاني، وهو: الوصية؛ قال: «لكل نبي وصي»، أتى بهذا من التوراة -على حد زعمه، والله أعلم إن كان صدق في هذا أم لا-؛ فمن وصي محمد -صلى الله عليه وسلم- إذن؟! قال: هو عليٌّ -رضي الله عنه-، وعلى ذلك؛ فالذي يغتصب وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو رجلٌ ظالم مُعْتَدٍ مُفْتَرٍ، ليس من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا من دين الله في قليل ولا كثير، وعليه؛ فالصحابة قوم سوء، وأبو بكر وعمر وعثمان: ظالمون مغتصبون معتدون.

ولكنه في بداية كلامه -كما رأيت- لم يعرّج على أبي بكر وعمر؛ لأن قبول الطعن فيهما -آنذاك- كان صعبًا، فتناول عثمان -رضي الله عنه- خاصة؛ لما أثير حوله -آنذاك- من الشائعات، التي سنتعرض لها أيضًا في محلها -إن شاء الله-؛ فهذا خبث ومكر ظاهر.

* خامسا: قال: «علي وصي محمد -صلى الله عليه وسلم-»، فلا بد من إنفاذ وصيته، ولا بد من إرجاع العهد إلى أهله، ولا بد من القيام على هؤلاء المغتصبين؛ فكيف نقوم عليهم إذن؟!

قال: «انهضوا في هذا الأمر فحرّكوه، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؛ فانظر إلى الخبث والمكر الذي لا يزال يحيق بهذه الأمة حتى الآن: إذا قيل -بادي الرأي-: «عثمان مخطئ مغتصب ظالم» -وحاشاه من ذلك-؛ فلن يقبل هذا أحد؛ فما الحيلة؟! يقال: نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر؛ ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن عثمان فيه كذا وكذا؛ حتى يُقبل الكلام.

ومن ها هنا كانت بذرة الخروج على الحكام؛ هذه هي أول واقعة في الإسلام حدث فيها الخروج على الحكام -بتلك الصورة-، خُرج على عثمان -رضي الله عنه-، الخليفة الراشد العادل ذي النورين، الذي تستحي منه الملائكة؛ ولم تزل الفتنة عليه تدور رحاها، حتى قُتل في بيته -شهيدًا مظلومًا، وهو يتلو كتاب الله-، وسنتعرّض لهذا أيضا في محله -إن شاء الله-.

فَوَازِنْ بين الأمرين، وقَارِنْ بين شأن الخروج على الحكام، وبين الخطة اليهودية الرافضية؛ حتى تعرف أن الأمرين متكاملان، وأن الذين ينادون بالخروج على الحكام إنما هم -في أصلهم- مشايعون للرافضة، وللأفكار اليهودية الخبيثة، التي تبث الفتن والخراب في بلاد المسلمين.

ونحن نطالب دومًا بأصول الأشياء، لا بد أن نسأل عن أصولها ومنشئها؛ فما منشأ الخروج على الحكام؟! ها قد عرفت الآن! منشؤه من عند الله بن سبأ ، من عند اليهود، من عند الذين وضعوا بذرة الرفض في بلاد الإسلام وأهله.

فاعرفوا هذا، وتفطنوا له، وافطنوا لكيد الأعداء ومخططهم، الذي يُطبَّق في الأمة من قديم؛ وثبوا على عمر -رضي الله عنه- حتى قتلوه -وهو يصلي-!! قتله المجوس -لعنهم الله-؛ وبالمناسبة: فالرافضة يعظمون أبا لؤلؤة المجوسي، وله في إيران ضريح!! فعلام يدل هذا؟! الجواب واضح.

فهذا أول التشيع والرفض -إخوة الاسلام-، وضعه عبد الله بن سبأ بهذه الطريقة التي عرفتها، وهكذا قال أهل العلم؛ كما مَرَّ في كلام الطبري -رحمه الله-، ونحن نذكر أيضًا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، الذي يلخص أيضًا كلام أهل العلم بشأن نشأة الرافضة، وحال عبد الله بن سبأ.

قال -رحمه الله- في «منهاج السنة»: «العلماء دائما يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقا ملحدا، مقصوده إفساد دين الإسلام؛ ولهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطلة -كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم-.

وأول الفكرة آخر العمل: فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد دين الإسلام، ونَقْضَ عُرَاه، وقَلْعَه بعروشه -آخِرًا-؛ لكن صار يظهر منه ما يُكِنُّه من ذلك، ويأبى الله إلا أن يتم نوره -ولو كره الكافرون-.

وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه، وهو الذي ابتدع النص في علي، وابتدع أنه معصوم؛ فالرافضة الإمامية هم أتباع المرتدين، وغلمان الملحدين، وورثة المنافقين؛ لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين » اهـ.

ومعناه: أن الرافضة -في بداية أمرهم، أو حتى على ما يُعرَفون به الآن -للأسف الشديد- ليسوا من المرتدين ظاهرًا، وإنما هم أتباعهم وورثتهم وحملة منهجهم .

فها أنت ترى أن شيخ الإسلام ينقل عن العلماء عمومًا أنهم يذكرون هذا الكلام في شأن الرافضة ونشأتهم، وأن الذي صنع ذلك هو عبد الله بن سبأ، وأن مقصوده كان الطعن في دين الاسلام .

ولشيخ الإسلام كلام في ذلك متفرق في «المنهاج»، ونحن نذكر موضعا آخر لأهميته؛ فإنه ينقل فيه اعتراف الشيعة أنفسهم بذلك.

قال -رحمه الله-: «وأما الشيعة؛ فكثير منهم يعترفون بأنهم إنما قصدوا بالملك إفساد دين الإسلام، ومعاداة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما يُعرَف ذلك من خطاب الباطنية، وأمثالهم من الداخلين في الشيعة؛ فإنهم يعترفون بأنهم في الحقيقة لا يعتقدون دين الإسلام، وإنما يتظاهرون بالتشيع؛ لقلة عقل الشيعة وجهلهم، ليتوسلوا بهم إلى أغراضهم» اهـ.

هذا قول أهل العلم -من أهل السنة والجماعة-، ونحن نؤيده بعد ذلك باعتراف أئمة الشيعة أنفسهم.

نسأل الله السلامة والعافية من كل سوء، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن الحقيقة التي ذكرناها آنفا في شأن نشأة الشيعة والرافضة: يعترف بها أئمة الرافضة أنفسهم، يعترفون بشأن عبد الله بن سبأ، وأثره وفتنته؛ بل ينقلون -في نفس كتبهم- عن أئمة آل البيت تجريحَ عبد الله بن سبأ وبيان حاله والتحذير منه، وهذا كله -كما وعدتُ به- ننقله من كتبهم بحروفه، من غير زيادة ولا نقص؛ حتى لا يقال: إننا نفتري عليهم شيئا، أو ننسب إليهم شيئا لا يقولونه.

واعلموا أنه من المنهج العلمي اللازم في ذلك: أن التعويل دائما ما يكون على المتقدمين، ثم نبين الصلة بعد ذلك بين المتقدم والمتأخر؛ حتى نثبت أحد شيئين: إما الاستمرار على المذهب وتقريره، وإما التناقض فيه، وهذا هو ما سيتبين لنا -إن شاء الله-، فسنجد أن الذي كانت تقول به متقدمة الرافضة كان يقولون به متأخروهم، وأحيانا -بل كثيرًا- ما يقع التناقض في كلامهم، فتجد المتأخر يخالف المتقدم، وتجد في بعض كلامه ما ينقض بعضه.

فنذكر الآن كلامًا لأقدم مؤرخ رافضي، وهو: أبو محمد الحسن بن موسى النُّوبَخْتِيُّ -بضم النون المشددة، أو فتحها مع إسكان الواو بعدها-، وهذا الرجل كان في القرن الثالث الهجري، وله كتابٌ من أعظم كتب الرافضة في التاريخ، وهو «فرق الشيعة».

يقول فيه: « السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وقال: إن علياً -عليه السلام- أمره بذلك، فأخذه عليٌّ، فسأله عن قوله هذا، فأقرَّ به، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: «يا أمير المؤمنين، أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم -أهلَ البيت-، وإلى وَلايتك، والبراءة من أعدائك؟!»، فصيَّره إلى المدائن.

وحكى جماعة من أهل العلم -من أصحاب علي -عليه السلام- أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، وتولى علياً -عليه السلام-، وكان يقول -وهو علي يهوديته- في يوشع بن نون بعد موسى -عليه السلام- بهذه المقالة، فقال بعد إسلامه في علي -عليه السلام- بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي -عليه السلام-، وأظهر البراءة من أعدائه، وكَاشَفَ مخالفيه» اهـ.

وهذا كلام رجل معتمد -عندهم-، وهو أقدم مؤرخيهم -على الإطلاق-، وهكذا قال غير واحد من أئمتهم وشيوخهم.

ويهمنا هنا أن ننقل أنهم -في كتبهم- رَوَوْا عن أئمة آل البيت -رضي الله عنهم- براءتهم من عبد الله بن سبأ، وننقل هذا عن محمد بن عمر الكَشِّي، وهذا الرجل كان في القرن الرابع الهجري، وهو أشهر أئمتهم في الجرح والتعديل؛ فكما أن عند أهل السنة جرحًا وتعديلاً وعلمًا يتعلق برواة الحديث؛ فكذلك عند الرافضة جرح وتعديل لمن روى حديثهم، وصنفوا مصنفات في الجرح والتعديل، أجلُّها -على الإطلاق-: كتاب الكشيّ هذا، الذي سمّاه «معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين»، ويعرف بـ«رجال الكشي».

روى فيه بإسناده، عن أبي عبد الله، قال: «لعن الله عبد الله بن سبأ؛ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين -عليه السلام-، وكان -والله- أميرُ المؤمنين -عليه السلام- عبداً لله طائعاً؛ الويلُ لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا؛ نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم».

وروى بإسناده عنه -أيضا-، قال: «إنا أهل بيت صدِّيقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويُسقط صدقَنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين -عليه السلام- أصدق من برأ الله بعد رسول الله، وكان الذي يكذب عليه، ويعمل في تكذيب صدقه، ويفتري على الله الكذب: عبد الله ابن سبأ».

وروى بإسناده، عن علي بن الحسين، قال: «لعن الله من كذب علينا؛ إني ذكرت عبد الله بن سبأ، فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً؛ ما له -لعنه الله-؟! كان علي -عليه السلام- واللهِ عبداً صالحاً، أخا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وما نال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الكرامة من الله إلا بطاعته لله».

هذا كلام أئمة أهل البيت، الذين هم -عند الرافضة- الأئمة المعصومون -وانتبه لهذا جيدًا-؛ هذا كلامهم في كتب الرافضة المعتمدة، يتبرؤون فيه من عبد الله بن سبأ، ويقولون إنه كذب عليهم، وغلا في علي رضي الله عنه -كما سنعرف في محله-، وأئمة الرافضة يقولون إن عبد الله بن سبأ هو أول من أظهر التشيع، وأول من أظهر البراءة من الصحابة، وأول من أظهر ولاية علي ووصيته؛ فبلازم كلامهم -مع كلام أهل البيت-: ينهدم مذهب التشيع!!

ولم يكتفِ الرافضة -في كذبهم وغلوّهم- بأن عبد الله بن سبأ هو الذي أظهر التشيع؛ بل قالوا إن التشيع بُعث به جميع الأنبياء!! وأول من وضع بذرته: نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-!!

روى محمد بن يعقوب الكُلِيني في «صحيحه» المعتمد -عند الرافضة-، الذي يشبه «صحيح البخاري» عندنا، والمسمّى بـ«الكافي»؛ والرافضة لهم صحاح ثمانية: أربعة متقدمة، وأربعة متأخرة، فالأربعة المتقدمة هي التي عليها المعوّل الأساسي، ومنها: كتاب «الكافي» هذا، وهو أجلّها وأعظمها عندهم -على الإطلاق-، حتى قالوا: إنه عُرض على الإمام المعصوم الغائب -الذي هو محمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر عندهم-، قالوا: إن هذا الكتاب عُرض عليه، فأقره، وقال: «إنه كافٍ لشيعتنا» أو كما ذكروا.

روى الكُليني هذا في «كافيه»، عن أبي الحسن، قال: «ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد -صلى الله عليه وآله-، ووصية عليّ -عليه السلام-»!!

والله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، فكل نبي بُعث بأصل واحد وعقيدة واحدة، وهي: التوحيد، وأما عند الرافضة: فكل نبي بُعث بوصية علي -رضي الله عنه-، أي: إنه يجب على جميع أتباع الأنبياء أن يؤمنوا بوصية علي -رضي الله عنه-!!

فأي كلام في الكذب أبعد من هذا؟! وأي كلام في البهتان أظهر من هذا؟!

وقد حقق أحد متأخريهم ذلك، وهو من أكابر متأخريهم -على الإطلاق-، وهو محمد بن الحسن الحرُّ العامليّ، في كتابه الذي يعدّ أحد الصحاح الثمانية، وهو «وسائل الشيعة»، وهذا الرجل هلك في القرن الثاني عشر الهجري.

قال في كتابه هذا: إن رواياتهم التي تقول: بأن الله -حين خلق الخلق- أخذ الميثاق على الأنبياء -يعني: بوصية علي رضي الله عنه-: «تزيد على ألف حديث»!!

ألف حديث -عند الرافضة- فيها أن الله تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء بوصية علي وإمامته!!

وماذا أيضًا؟! يقولون: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا إلى التشيع في حياته ودعا إلى علي -رضي الله عنه-!!

يقول أحد متقدمي مؤرخيهم -وهو يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد النوبختي-، وهو: سعد بن عبد الله القُمِّي، الذي هلك في أول القرن الرابع الهجري؛ يقول في كتاب له، وهو «المقالات والفرق»: «أول الفرق: الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب، المسمَّوْن «شيعة علي»، في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته، منهم: المقداد بن الأسود الكِنْدي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جُنْدَب بن جُنَادة الغِفَاري، وعمار بن ياسر المُذْحِجي، وهم أول من سُمُّوا باسم التشيع من هذه الأمة» اهـ.

وقد أكد هذا الأمرَ أحدُ متأخريهم ممن هلك قريبًا -في القرن الرابع عشر الهجري-، وهو محمد حسين آل كاشف الغطاء -هكذا اسمه!!-، قال في كتاب له وهو «أصل الشيعة»: «إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام: هو نفس صاحب الشريعة»!!

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو إلى «لا إله إلا الله»، وكان يدعو إلى خلع الأنداد، وإفراد الله -عز وجل- بالعبادة، وبجوار هذا الأصل المِلِّيّ الجليل: يدعو إلى أصل شقيق له، لا يفارقه ولا يتخلّف عنه، وهو: ولاية علي ووصيته وإمامته!!

فهل يُصدق أمثال هؤلاء في شيء؟!

هل يُعوّل عليهم في شيء؟!

هل يُستجاب لهم في شيء؟!

والله الذي لا إله غيره، لو اكتفيتُ بخطبتي هذه؛ لكفى، وما نحتاج إلى معرفة شيء بعد هذا؛ ولكننا نزيد في بيان باطلهم وضلالهم وحقيقتهم، حتى تعرفوا أن مذهبهم ليس من الإسلام في قليل ولا في كثير، وحتى تعرفوا أنهم أعداء الإسلام -على الحقيقة-، وأنهم الساعون لهدمه وتدميره -على الحقيقة-.

فالذي تكلمنا فيه اليوم: يمثل المرحلة الأولى من مراحل الشيعة، وملخصها:

أن أول من وضع التشيع: عبد الله بن سبأ في زمن عثمان -رضي الله عنه-، وهو الذي سعى بالفتنة والتحريش بين المسلمين، وهو الذي هيّج الناس على عثمان -رضي الله عنه-، حتى أفضى الأمر إلى قتله في بيته شهيدًا مظلوما.

هذه هي المرحلة الأولى، التي تنتهي بمقتل عثمان -رضي الله عنه-، ثم تأتي المرحلة الثانية في زمن علي -رضي الله عنه-، وسنعرف ما حدث فيها في محله -إن شاء الله-.

نسأل الله -عز وجل- أن يكشف عنا الكربات، وأن يكشف عنا الفتن، وأن يخرجنا من هذه الدنيا على ما يحبه ويرضاه؛ إنه ولي ذلك ومولاه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي إف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت