الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567258
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

09- حوار مع تارك للمنهج

المقال
09- حوار مع تارك للمنهج
2048 زائر
26-05-2020 07:45
أبو حازم القاهري السلفي

حوار مع تارك للمنهج!

(تتمة لمحاضرات ومقالات: أسباب المشكلات في الدعوة السلفية)

الحمد لله مقلب القلوب والأبصار ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ما بلغ الليل والنهار.

فإن الهداية من أعظم نعم الله على العبد، إن لم تكن أعظمها -على الإطلاق-؛ فإن بها سعادته وفلاحه ونجاته، في الدنيا والآخرة.

ولا تتم النعمة على العبد إلا بتثبيته عليها؛ فإنها إن نُزعت منه؛ لم تنفعه بشيء، بل صارت وبالا وحجة عليه.

وقد جرت ضرورة الشرع، والعقل، والفطرة؛ على أن العبرة بكمال النهاية، لا بحُسن البداية.

أي قيمة لمال عظيم، نُزع من العبد، حتى صار فقيرا؟!

أي قيمة لصحة تامة، نُزعت من العبد، حتى صار مريضا قعيدا؟!

أي قيمة للذة عارضة، زالت عن العبد، فأورثت هَمًّا، وحزنا، وعذابا؟!

أي قيمة لهداية وُفِّق إليها العبد، ثم نُزعت منه، حتى صار كافرا، أو مبتدعا، أو فاسقا؟!

﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾.

ومن هنا: عظمت قيمة الخاتمة عند العقلاء الأتقياء، وأدركوا أن نجاتهم معلقة بها، مهما كان من شأنهم في حياتهم الطويلة.

وقد أقسم على ذلك الصادق المصدوق ﷺ: «فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؛ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا؛ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا».

ولهذا: أُمر العبد أن يقول مرارا في كل يوم: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾؛ فإن المقصود ليس مجرد الهداية إلى الدخول في الصراط، بل الثبات عليه، والموت عليه.

نسأل الله الثبات، وحسن الخاتمة.

وإن من أعظم ما يحزن الإنسان: أن يرى رفيقا على الدرب، ثم ينصرف عنه!

أن يرى راكبا في السفينة، ثم يقفز منها!

أن يرى أخًا في السنة، والمنهج؛ ينتكس عنهما!

أن يرى أخًا يقول بقوله، ويعتقد اعتقاده، ويذهب مذهبه؛ حتى فرح بهدايته، وأنس به!

وفجأة! لا يراه!!

أين هو؟!

ترك المنهج!!

ترك أهل العلم!!

صار مع أهل البدع!!

حواري -في هذا المقال- مع هذه الطائفة؛ والله المستعان.

فأقول -ابتداء-:

لماذا يا أخي؟!

ما السبب؟! ما المشكلة؟!

ليس عندك من جواب إلا ما أسمع عنك -أو منك-، مما صار معلوما من شأنك، وشأن غيرك:

أنتم السبب!!

كثرة الفتن!!

كثرة المشاكل!!

أنتم متناقضون! تقولون كلاما لا تعملون به! تجاملون! تتعصبون!

يأكل بعضكم بعضا! لا يكاد يمر عليكم عام بدون إسقاط منكم لأنفسكم!!

أخلاقكم سيئة! ومعاملاتكم رذيلة!

هذا هو جميع ما عندك! هذا هو كل حجتك!

للأسف!!

لأنك -في الحقيقة- لا حجة لك، بل كل ما تذكره حجة عليك!

حتى مع كونه حقًّا!!

وتجاوزاتنا: نحن معترفون بها؛ وأما ما تظنه أنت تجاوزا؛ فهذا شأنك!

لأن العبرة -يا أخي- ليست بنا، ليست بالرجال، ليست بالبشر.

إنما العبرة بالدعوة -نفسها-، بالاعتقاد -نفسه-، بالمنهج -نفسه-.

هل ما دعوناك إليه: حق، أم باطل؟!

هنا المسألة -يا أخي-!

أنسيتَ أننا مجرد نَقَلَةٍ؟!

ما حدثناك إلا بكلام الله، ورسوله ﷺ، والصحابة، وأئمة السلف.

وهذا -كله- موجود، قد نقلناه لك بمصادره، وأوقفناك على مخارجه.

ما دعوناك إلى شيء من عندنا، ولا من بنات أفكارنا.

أنسيتَ هذا؟!

فَهَبْ أننا سقطنا -عن بكرة أبينا-، وأنه قد صار كل بلاء فينا!

أتنتكس أنت؟!

إذا كفر الناس؛ تكفر أنت، وتعتقد أن الكفار على حق؟!

إذا أساء رجلٌ فهم أصل يدعو إليه، أو أساء العمل به؛ هل يدل هذا على فساد الأصل -نفسه-، فضلا عن سائر الأصول التي يدعو إليها؟!

إن منكم -يا أخي- من صار مع «الإخوان»، والقطبيين؛ وصار خارجيا تكفيريا!

فما العلاقة بين هذا وبين فسادنا؟!

قضية الإيمان والكفر، والحكم بما أنزل الله، والموقف من الحكام؛ أيُّ تأثير لنا عليها؟! وكيف يدل انحرافنا على بطلانها؟!

هل تبطل الأدلة الشرعية، والاعتقادات الثابتة، والأصول المستقرة؛ بانحراف من يدعو إليها؟!

أرأيتَ كيف أنك مخالف للشرع، والعقل، والفطرة؟!

أتدري ما يلزمك؟!

يلزمك أن من رأى انحراف المسلمين وفسادهم؛ يرتد عن الإسلام؛ لأن هذا الانحراف دال على فساد الإسلام -نفسه-!!

يلزمك تصويب طريقة يهود؛ عندما قالوا كما ذكره الله عنهم: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾؛ فلو كان ترك الشخص للدعوة دليلا على فسادها -في نفسها-؛ لصحَّ كيد يهود في تنفير الناس عن الإسلام!!

أتدري حقيقة ما تفعل؟!

أتدرك شناعة ما أنت فيه؟!

وسأخبرك بحقيقة أمرك:

إنك في الحقيقة لم تعتقد صحة المنهج -نفسه-!

لم تعتقد أنه حق، وهدى، وصواب!

إن معظم المنتكسين عن المنهج هم من التائبين إليه بعد فتنة الثورات!

الذين دخلوا في المنهج؛ عندما تبين لهم فساد أحوال شيوخهم، وانتكاسهم!

ولم يقتنعوا بفساد منهجهم -في نفسه-!

هذا أمر جليل، قَلَّ من يتفطن له.

هناك فرق ضخم بين من يدخل في دعوة اعتقادا لصحتها -في نفسها-، ومن يدخل فيها لمجرد فساد شخص!

وإلا؛ فكيف يترك هذه الدعوة، ويعود إلى دعوة نفس ذلك الشخص؟!

لو اعتقد فسادها؛ لما عاد إليها أبدا!

ولو اعتقد صحة الدعوة التي دخل فيها؛ لما تركها أبدا!

ولهذا فرق الأئمة بين من يدخل في السنة عن تأصيل، ومن يدخل فيها عن مجرد الردود على المخالف.

وفي القصة المشهورة، التي وقعت بين الإمام البربهاري رحمه الله، وبين أبي الحسن الأشعري: لما جاءه الأشعري يقول: «رددتُ على اليهود، والنصارى، وكذا وكذا»؛ فقال الإمام: «ما أعرف هذا! وما أعرف إلا ما كان عليه أبو عبد الله أحمد بن حنبل».

الله أكبر! إنه التأصيل!

يريد أن يقول له: إن الرد على المخالف لا يستلزم صحة المنهج؛ لأن المبطلين يرد بعضهم على بعض، وإنما العبرة بتأصيل المنهج -نفسه-، وأن يكون الإنسان مصيبا للحق -في نفس الأمر-.

ولهذا: لم يزل أهل العلم -وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- ينبهون على بقايا الاعتزال في منهج الأشعري، وأنه لم يتخلص منها؛ لأنه لم يكن خبيرا بالسنة،
ولا بكلام الأئمة؛ أي: لم يكن مؤصلا في السنة.

أَعَرَفْتَ -الآن- من أين أُتِيتَ؟!

إنك لما تركت منهج الحزبيين والقطبيين؛ لم تتركه إلا لفساد أحوال أصحابه!

فلا عجب أنك -الآن- تسلك نفس المسلك، وتبني على نفس الأصل؛ فتركتَ السنة؛ لفساد أحوال أصحابها!

وهذا خطأ -يا أخي-!

منهج المبتدعة فاسد -في نفسه-، ومنهج أهل السنة حق -في نفسه-.

دعك من الرجال!

لا تقلد دينك الرجال!

لا تخلِّفْهُ في الرجال!

لا تأتمن عليه الرجال!

وكأني بك -الآن- قد مَسَّ حديثي شغاف قلبك، وأدركتَ ضعف موقفك، ولم يبق عندك إلا شيء أخير:

أسمعُ من؟! وآخُذُ العلم عمن؟!

وما يؤمِّنني أنه يُتكلم فيه غدا؟!!

فأقول لك:

يا أخي! الأصل السلامة، وهو المتيقَّن الموجود، ولا يزول اليقين بالشك.

فاحتمال الانتكاس، والفتن: مجرد شك، أمر متوقع، قد يحدث، وقد لا يحدث.

وما يُتوقع من الكلام في الدعاة: قد يكون بحق، وقد يكون بباطل.

فهل يُحكَّم مثل هذا؟!

هل يُترك أهل العلم والسنة بمثل هذا؟!

هل تُعطَّل الدعوة وحِلَق العلم بمثل هذا؟!

أتدري ما معنى كلامك، وما لازمه؟!

لازمه: أن يُترك أهل العلم دون الأنبياء، ودون من شهد لهم الوحي بالاستقامة وحسن الخاتمة؛ لا يؤخذ العلم عن إنسان منهم؛ بدعوى أنه يحتمل أن ينتكس، أو يُتكلم فيه!!

ويقول بهذا عاقل؟!!

فإن جئتَ بقول ابن مسعود رضي الله عنه: «من كان مستَنًّا؛ فَلْيَسْتَنَّ بمن قد مات؛ فإن الحيَّ
لا تُؤمن عليه الفتنة».

فاعلم أنما فهمتَه منه: مطروح -بإجماع السلف، والعلماء-؛ فإنهم لم يزالوا يأخذون عن الأحياء، ويتبعون الأئمة، ويرجعون إليهم؛ وهم -بعدُ- على ظهر الأرض.

إنما أراد ابن مسعود ﭬ دفع التعلق بالأحياء، والغلو فيهم، والتعصب لهم؛ بحيث إذا تبينت فتنة أحدهم؛ لا يجوز لأحد أن يتبعه فيها، ويقال له -حينئذ-: الحي لا تؤمن عليه الفتنة، فعليك بمن مات على السلامة والاستقامة.

وأمرٌ آخرُ:

إن الفتنة -بحمد الله- لا يمكن أن تلبس جميع أهل الحق؛ لما تقرر -شرعا- من عصمة مجموع علماء الأمة عن الضلال، وأن الحق لا بد أن يكون موجودا ظاهرا، ولو في واحد منهم.

فما ذنب الأبرياء، الذين لم تلبسهم الفتنة؟!

لماذا تعتزل الكل، وتترك الكل، وتتهم الكل؛ بذنب البعض؟!

إذن: لا حجة لك! ولا عذر لك!

اتق الله، وراجع الحقَّ، وعُدْ إلى السنة.

﴿إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا﴾.

وثِقْ بأن الخير موجود، وأن أهل العلم -بفضل الله- موجودون، ثابتون؛ وأن الدعوة -بحمد الله- في خير وعافية.

مهما كثر الخبث؛ فلا بد من وجود النقاء.

اعرف الحق؛ تعرف أهله.

ابحث عنهم؛ تجدهم.

لن يخذلك الله، ولن يضلك؛ ما دمتَ صادقا في طلب الحق، مفتقرا إلى ربك.

واعلم أن السنة غنية عنا -أجمعين-، وأن الدين غني عنا -أجمعين-.

﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾.

فالنصيحة إنما هي أداء للواجب على الناصح، وإشفاقا على المنصوح.

فانظر ما تختار لنفسك، وما تحب أن تلقى به ربك.

نسأل الله الهداية، والثبات، والعصمة من الفتن.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الخميس 28/رمضان/1441

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت