البيان الرفيع
لدين الرافضة الشنيع
(الخطبة الحادية عشرة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد؛ فقد شرعنا في الكلام على مفصّل اعتقاد الرافضة، وبدأنا بذكر موقفهم من أول أركان الإيمان -وهو: الإيمان بالله -عز وجل-، وقد عرفنا أن الإيمان بالله هو توحيده بالأنواع الثلاثة: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات؛ فذكرنا موقف الرافضة من توحيد الربوبية، وبه تبيّن أنهم مشركون شركًا يفوق ما كان عليه مشركو العرب.
واليوم - إن شاء الله تعالى- نتعرّض لموقفهم من القسم الثاني، وهو: توحيد الألوهية.
فاعلم - رحمك الله تعالى- أن توحيد الألوهية هو توحيد العبادة والقربة، فلا يُصرف شيء منهما لغير الله - عز وجل-، وهذا مرتبط بما تقدّم من توحيد الربوبية ارتباطًا وثيقًا، فإذا كان الله تعالى هو المتفرد بالخلق والرزق والضر والنفع ونحو ذلك؛ فإن حقه أن لا يُصرف شيء من العبادة لغيره، فلا يُصرف شيء من العبادة والتوجّه لمن لا يملك ضرًا ولا نفعًا، ولا خلقًا ولا رزقًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
فحق الخالق الرازق علينا أن نعبده وحده لا شريك له: لا نصلي إلا له، ولا نذبح إلا له، ولا ننذر إلا له، ولا نتوكّل إلا عليه، ولا نستغيث إلا به، ولا نَسْتَمِدُّ إلا منه؛ إلى غير ذلك من أنواع العبادات والقربات.
وهذا حق الله تعالى على عبيده؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا».
وهذا الحق هو معنى الكلمة الطيبة : «لا إله إلا الله»، فهذه الكلمة -التي هي أصل الملّة- نفي وإثبات: نفي استحقاق العبادة عما سوى الله، وإثباته له وحده لا شريك له؛ فـ«لا إله إلا الله» أي: لا معبود بحق إلا الله، فليس معناها ما يفهمه كثيرٌ من المسلمين- للأسف-: أنها تنصرف إلى توحيد الربوبية -بما يدخل فيه-؛ هذا غلطٌ كبير؛ بل معناها ينصرف إلى توحيد العبادة والتوجّه، وهو الذي فهمه المشركون، فلو فهموا منها توحيدَ ربوبيةٍ؛ لأقرّوا بها واعترفوا؛ إذ كانوا بهذا التوحيد مقرين معترفين- كما عرفنا-.
فـ«لا إله إلا الله»: لا معبود بحق إلا الله، لا يُعبد سواه، ولا يُتوَّجه لغيره -بأي نوع من أنواع العبادات أو القربات-؛ بهذا بُعثت الأنبياء والمرسلون، وبهذا استُحلت دماء الكفار والمشركين؛ فلا بد أن يُعرف هذا، فما أقل من يعرفه في هذا الزمان.
وكما أثبتنا شرك الرافضة في توحيد الربوبية، فإننا نثبت شركهم أيضًا في توحيد الألوهية.
وأول ما نقف عليه من ذلك: أن حقيقة التوحيد والشرك عندهم -أصالة- لا علاقة لها بعبادة ولا قربة لله -عز وجل-، فالتوحيد عندهم ليس توحيد العبادة، والشرك عندهم ليس الشرك في العبادة؛ وإنما التوحيد عندهم: توحيد الإمامة، والشرك عندهم: الشرك فيها.
جاء في «الكافي» وفي «تفسير القمي» وغيرهما، في تفسير قول الله -عز وجل- : ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]: «لئن أشركت في الولاية»!! وفي لفظ: «لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي»!!
و جاء فيهما- أيضًا- في تفسير قول الله عز وجل: ﴿ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ﴾ الآية: ﴿ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ﴾ بأن لعلي ولاية ﴿ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ ﴾ من ليس له ولاية ﴿ تُؤْمِنُوا ﴾ [غافر: 12].
فهذا مثال لما جاء عندهم في هذا الباب، فالشرك عندهم ليس الشرك في عبادة الله -عز وجل-، ليس الشرك الذي بُعث الأنبياء والمرسلون بإبطاله، والدعوة إلى ضده من التوحيد، وإنما الشرك عندهم هو اعتقاد الولاية في غير علي-رضي الله عنه-.
ومن عجائبهم وتناقضاتهم: أنه جاء في نفس كتبهم ما يناقض هذا ويبطله!
فجاء في تفسير «البرهان»: عن حبيب بن معلى الخثعمي: ذكرت لأبي عبد الله -رضي الله عنه- ما يقول أبو الخطاب، فقال: «أَجْلِ إليّ ما يقول». قال: «في قوله -عز وجل-: ﴿إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ﴾ أنه أمير المؤمنين ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ [الزمر: 45] فلان وفلان [يعني: أبا بكر وعمر]»، قال أبو عبد الله: «من قال هذا فهو مشرك بالله عز وجل -ثلاثًا-، أنا إلى الله منهم بريء -ثلاثًا-؛ بل عني الله بذلك نفسه»، قال: «فالآية الأخرى التي في «حم»، قول الله -عز وجل-: ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾ [غافر: 12]، ثم قلت: «زعم أنه يعني بذلك أمير المؤمنين -صلى الله عليه وسلم-»، قال أبو عبد الله: «من قال هذا فهو مشرك بالله عز وجل -ثلاثًا-، أنا إلى الله منهم بريء -ثلاثًا-؛ بل عني الله بذلك نفسه».
فها هو الإمام المعصوم عندهم -على ما جاء في كتبهم- ينقض نفس كلامهم وتحريفهم، وهذا يصلح أن يكون مثالاً لما تقدّم بيانه من تحريفهم القرآن، فها أنت ترى أنهم يُرجعون ما يعود إلى الله إلى ما يعود إلى الأئمة، وقد تقدّم غير ذلك صريحًا في تفسيراتهم وتحريفاتهم؛ فهذا أول ما نواجهه في موقفهم في توحيد الألوهية.
ثم نقف بعد ذلك على أمر آخر، وهو: أنهم يعتقدون الواسطة بين الله تعالى وبين الخلق، وأن هذه الواسطة هي الأئمة، لا يُتقرّب إلى الله إلا من خلالهم، ولا يُتوجَّه إلى الله إلا من سبيلهم.
قال المجلسي في «بحاره» عن أئمته: «إنهم حُجُب الرب، والوسائط بينه وبين الخلق»!! وعقد لذلك بابًا قال فيه : «باب أن الناس لا يهتدون إلا بهم، وأنهم الوسائل بين الخلق وبين الله، وأنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم»!!
واعتقاد الرافضة هذا هو اعتقاد المشركين سواء، لا فرق بينهما؛ فإن المشركين كانوا يعتقدون في أندادهم الوساطة، وكانوا يقولون -كما حكى الله عنهم-: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى، فكانوا يتخذونهم وسائط، يدعونها، ويتوكلون عليها، ويلجئون إليها؛ حتى تقرّبهم -بزعمهم- إلى الله؛ فأنكر الله -عز وجل- عليهم ذلك، وبيّن أنه لا واسطة بينه وبين أحد من الخلق، وأن العبادة إنما تُوَجَّهُ له مباشرة -من غير توسط-، وهذا معلوم بالاضطرار- ولله الحمد- من دين الإسلام.
وقد سبق التنويه عن هذا في الخطبة الماضية، وقررنا أنه لا يجوز اعتقاد وساطة بينك وبين الله -لا في الربوبية، ولا في الألوهية-، ونحن في مقامنا هذا نتكلم على الألوهية، فإذا أردتَ أن تدعو؛ فإنك ترفع يديك إلى الله، وإذا أردتَ أن تستغيث؛ فإنك تستغيث بالله، وإذا أردتَ أن تذبح؛ فإنك تذبح لله، وإذا أردتَ أن تنذر؛ فإنك تنذر لله؛ ليس بينك وبين الله أحد ولا واسطة، وإن كان نبيًا أو وليًا أو ملكًا، وإن كان حيًّا أو ميتًا؛ فمن اعتقد في أحد وساطة بينه وبين الله -عز وجل-؛ فاعتقاده من جنس المشركين، لا فرق بينهما.
وحتى نثبت أن الرافضة تعتقد الوساطة -على نفس المعنى الذي يعتقده المشركون-؛ فإننا نذكر شركهم بالله تعالى في أئمتهم، وأنهم كانوا يستغيثون بهم، ويدعونهم، ويصرفون إليهم العبادة -كما كان المشركون يفعلون سواء-، وذلك في الخطبة التالية- إن شاء الله-.
نسأل الله أن يقينا الفتن كلها؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
* الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
من مظاهر شرك الرافضة - إخوة الإسلام- في استغاثتهم بالأئمة ودعائهم إيّاهم:
ما جاء في «بحار الأنوار»: «أمّا عليّ بن الحسين؛ فللنّجاة من السّلاطين ونفث الشّياطين، وأمّا محمّد بن علي وجعفر بن محمّد؛ فللآخرة وما تبتغيه من طاعة الله -عزّ وجلّ-، وأمّا موسى بن جعفر؛ فالتمس به العافية من الله -عزّ وجلّ-، وأمّا عليّ بن موسى؛ فاطلب به السّلامة في البراري والبحار، وأمّا محمّد بن علي؛ فاستنزل به الرّزق من الله تعالى، وأمّا عليّ بن محمّد؛ فللنّوافل وبرّ الإخوان وما تبتغيه من طاعة الله -عزّ وجلّ-، وأمّا الحسن بن عليّ؛ فللآخرة، وأمّا صاحب الزّمان»- يعنون المهدي الغائب- «فإذا بلغ منك السّيف الذّبح فاستعن به فإنّه يعينك»!!
وفي «البحار»- أيضًا : «أن الأئمة هم الشفاء الأكبر والدواء الأعظم لمن استشفى بهم»!!
وفيه- أيضًا-: «إذا كان لك حاجة إلى الله -عزّ وجلّ-؛ فاكتب رقعة على بركة الله، واطرحها على قبر من قبور الأئمّة إن شئت، أو فشُدَّها واختمها، واعجن طينًا نظيفًا واجعلها فيه، واطرحها في نهر جارٍ، أو بئر عميقة، أو غدير ماء؛ فإنّها تصل إلى السّيّد -عليه السّلام-، وهو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه»!!
هكذا يستغيث الرافضة بالأئمة، ويسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، ويدعونهم من دون الله -عز وجل-؛ وما ذكرتُه لمحةٌ خفيفة تشير إلى ما وراءها؛ فإن لهم في ذلك فظائع وعظائم، تقشعر منها الأبدان.
يقولون هذا ويعتقدونه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9]، ويقول: ﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾ [الجن: 18]، ويقول: ﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ ﴾ [يونس: 106]، ويقول: ﴿ فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المُعَذَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 213]، ويقول : ﴿ أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ [النمل: 62]، ويقول تعالى: ﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾ [الأنعام: 63]، ويقول تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 40-41]، ويقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ . إِن تَدْعُوَهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13-14]، ويقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5-6]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذا المعنى ظاهر معروف؛ ما أكثر ما احتج الله به على المشركين، وما أكثر ما دعا إليه الأنبياء والمرسلون.
ثم يأتي من بعد ذلك من يقول -بزعمه-: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، ثم يستغيث بغير الله، ويدعو غيره، ويسأله قضاء الحاجات وتفريج الكربات!
وليس هذا فقط؛ بل عند الرافضة حج مخصوص!!
من جملة العبادات التي يعرفها المسلمون والحنفاء، ويتقربون بها إلى الله -عز وجل-: الحج، الذي هو من ملة إبراهيم -عليه السلام-، الحج إلى بيت الله الحرام، والطواف بالكعبة المشرفة، وأداء النسك، وقضاء التفث، وغير ذلك مما يعرفه المسلمون والحنفاء.
وأما الرافضة؛ فحجهم إلى مشاهدهم!! الحج عندهم ليس حجًا إلى بيت الله الحرام، وإنما هو حج إلى القبور والمشاهد، حتى صنف في ذلك مفيدهم كتابًا فسمّاه «مناسك المشاهد»!!
وليس هذا فقط؛ بل جاء في «وسائل الشيعة»: عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله -عليه السلام-، قال: «سألته عمن ترك زيارة قبر الحسين -عليه السلام- من غير علة»، فقال: «هذا رجل من أهل النار»!!
زيارة القبور عندهم -نعني بذلك: الأضرحة والمشاهد- فرض! من تركه -من غير علة-؛ فهو من أهل النار -إن لم يكونوا يكفرونه-!!
بل جاء في «الكافي» وغيره: «إنّ زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجّة، وأفضل من عشرين عمرة وحجّة»!!
هذا أقل ما ورد عندهم، ولم أرد التطويل بذكر ما جاء عندهم من الروايات الممخرقة، التي تبيّن أن زيارة قبر فلان تعدل كذا وكذا، وفيها من الثواب كذا وكذا، وأفضل عند الله من كذا وكذا؛ هذا شيء يطول ذكره، ويستحي العاقل من إيراده؛ فأخف ما جاء عندهم: أن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة!!
وهم في ذلك سائرون على سنن الغلو، الذي بسببه وقع الشرك في الأرض، فما وقع الشرك على ظهر الأرض إلا بهذا الغلو في الصالحين؛ لما وقع الشرك -أول ما وقع-، كان في قوم نوح -عليه السلام-، وكان شركهم -كما هو معروف- في غلوهم في أناس صالحين، لما ماتوا صوَّروا لهم صورًا، وعكفوا عليها، ودعوها من دون الله -عز وجل-، فكان ذلك أول شرك وقع على ظهر الأرض.
ومن ها هنا حذر الله -عز وجل- من الغلو، وكذلك حذر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن جملة الغلو المحذَّر منه: بناء المساجد على القبور، أو اتخاذ القبور مساجد؛ هذا من جملة الغلو الذي نهى عنه الإسلام، وقد تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن اتخاذ القبور مساجد، وقال: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد»، فليس هذا من دين الإسلام، وليس ما يُفعل عند القبور والمشاهد من دين الإسلام؛ بل هو من الشرك الصُراح، واللجوء إلى غير الله، ودعاء غيره، والاستغاثة بغيره، ولا يستريب في ذلك من له أدنى حظ من الحنيفية.
ولا يقال: مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه قبره الشريف.
لأننا نقول: إنما دفن -صلى الله عليه وسلم- في حجرته لا في مسجده، ولو كان الدفن في مسجده فضيلة؛ لدُفن فيه بادي الرأي؛ ولكنهم دفنوه في حجرته خاصة لما يُخشى من الغلو، وفي هذا تقول عائشة - رضي الله عنها- : «فلولا ذلك لأُبرز قبره؛ إلا أنه خُشي أن يتخذ مسجدًا»، وقد حصلت توسعة للمسجد في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما-، ولم تدخل الحجرة في المسجد، فلو كان إدخالها في المسجد فضيلة؛ لبادر أولئك القوم إلى فعلها، وإنما دخلت الحجرة غلطًا في أواخر القرن الأول الهجري -عند توسعتهم للمسجد-، فكان الأمر حينئذ بين أمرين: إما أن نهدم المسجد، وإما أن ننبش القبر، ولا نستطيع هذا ولا ذاك، فبقي الحال على ما هو عليه، ولم يكن ذلك على سبيل الفضيلة والتقرب إلى الله أبدًا؛ لما شرحتُه آنفًا، فوجود القبر الآن -ووجوده من قديم- غلط، ليس أمرًا مقصودًا، لم يقصد الصحابة ذلك، ولم يسعوا إليه، ولم يحرصوا عليه، وإنما وقع ذلك على سبيل الخطأ عند توسعة المسجد النبوي، ولا يُضرب بهذا حديثُه -صلى الله عليه وسلم- الصريح المتواتر عنه في نهيه عن اتخاذ القبور مساجد.
فلا بد أن نفطن لهذا - إخوة الإسلام-، ولا بد أن نعرف ما في إنشاء المساجد على القبور من الشر العظيم والغلو الكبير، وما يفضي إليه ذلك من دعاء غير الله تعالى والشرك به؛ فالرافضة في ذلك لهم قصب السبق، وقد صنفوا فيه مصنفات، ورتبوا عليه مناسك - كما بينته لكم-.
والتناقض ملازم لهم -حتى في هذا المقام-، فجاء في كتبهم أيضًا عن بعض أئمتهم: أنهم أنكروا هذا الفضل الكبير الذي يرتبونه على زيارة القبور.
فجاء في «بحار الأنوار»: أنه قيل لأبي عبد الله :«ما تقول في زيارة قبر الحسين -صلوات الله عليه-؛ فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال: تعدل حجة وعمرة؟»، فقال: «ما أضعف هذا الحديث، ما تعدل هذا كله؛ ولكن زوروه ولا تجفوه؛ فإنه سيد شباب أهل الجنة»!! حتى يلطّف المسألة؛ لئلا يقال: إنه نهى عن أصل زيارة القبر؛ ولكن -على الأقل- قد ورد عنه ما ينكر هذه المبالغة الممجوجة.
ولئلا أطيل عليكم؛ فأنا أشير إشارة مجملة إلى ما ورد في كتب الرافضة -وهو كثير- من إنكار الأئمة أنفسهم للشرك بالله -عز وجل-، هذا كثير جدًا؛ يأمر فيه الأئمة بتوحيد الله تعالى، وينهون عن الشرك به، وينهون عن الغلو، وعن صرف العبادة لغير الله؛ فما التوجيه؟!
التوجيه -عند الرافضة- في تقيتهم ونفاقهم؛ نعوذ بالله منهم ومن شرورهم.
ولعلّ سائلاً يسأل فيقول: هل ما يذكرونه من مناسكهم وأفعالهم ينبني على فضيلة عندهم، يعتقدونها في نفس القبور والأضرحة والمشاهد؟
فأقول: نعم، واستمع إلى هذه الطامة الكبرى والفاجعة العظمى، التي يقولون فيها: إن كربلاء عندهم أفضل من الكعبة!!
جاء في «بحار الأنوار» عن علي بن الحسين أنه قال: «اتّخذ الله أرض كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة، ولا تزال كذلك، حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة، وأفضل منزل ومسكن يُسكن فيه أولياءَه في الجنّة»!!
فليت شعري! لا يكتفون بتقديس كربلاء في هذه الحياة الدنيا، حتى يجعلوها مقدسة في الجنة، ويجعلوها أفضل منزل ومسكن في الجنّة!!
فما تقول في هذا -أيها المسلم-؟! ما تقول في هذا -يا من تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله-؟! ما تقول في هذا -يا من تتمنى زيارة بيت الله الحرام، والطواف بالكعبة الشريفة-؟! ما تقول في هذا -يا من تعتقد فضل حرمات الله -عز وجل-؟! ما تقول فيمن قال: إن بقعة في الأرض أفضل من الكعبة؟!
ولهم في ذلك سخافة؛ فإن كربلاء هي التي قُتل فيها الحسين؛ فكيف يعتقدون فضلها؟!
إن اعتقادهم في ذلك من جنس اعتقاد النصارى؛ فإن النصارى يقدّسون الصليب، وعليه عُذب المسيح- بزعمهم-!! المسيح عندهم لما صُلب وعُذب وفُعل به الأفاعيل؛ كان الرب - بزعمهم-!! فالله -عز وجل- عندهم هو الذي صُلب وعُذب وبُصق في وجهه وظل ميتًا ثلاثًا!! فلو سلمنا لهم بكل هذا - وعياذًا بالله أن نفعل-؛ للزم كراهة الصليب، الذي عانى عليه المسيح وعُذب عليه، ينبغي أن يكون الصليب ممقوتًا ممجوجًا؛ فكيف يعظمونه؟!
فكذلك الرافضة: إنما قُتل الحسين في كربلاء، وإنما قطعت رأسه فيها، وإنما وقعت الفجائع والعظائم فيها؛ فكيف تكون مكانًا مفضّلاً؟! وأنّى تكون مكانًا مقدسًا؟! فضلاً عن أن تكون أفضل من الكعبة؟!!
فهذا يؤكد أن دينهم لا عقل ولا نقل، وأنه دين مسخ، لا يطيقه أحد، ولا يتصوره إنسان.
فهذا هو موقفهم من توحيد الألوهية، وهم فيه -كذلك- مشركون شركًا أكبر، يخرج عن ملة الإسلام، ويخالف ما عليه الحنفاء المسلمون؛ نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يقيَنا شرهم وفتنتهم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار. اللهم قِنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع الغلاء والوباء، اللهم ارفع الغلاء والوباء، اللهم ارفع الغلاء والوباء. اللهم هيئ لأمتنا أمر رشد يُعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. إنك حسبنا ونعم الوكيل، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|