البيان الرفيع
لدين الرافضة الشنيع
(الخطبة الثانية عشرة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد؛ فمعنا اليوم - إن شاء الله تعالى- موقف الرافضة من توحيد الأسماء والصفات، وهذا آخر الكلام على موقفهم من الإيمان بالله -عز وجل- وتوحيده.
وتوحيد الأسماء والصفات هو الإيمان بما سمى الله به نفسه وما سماه به رسوله، وبما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تمثيل، ومن غير تكييف ولا تعطيل.
فنؤمن أن لله -تبارك وتعالى- الأسماء الحسنى والصفات العُلى، كما جاء في كتابه -جلّ وعلا- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فما جاء في شيء من ذلك من الأسماء والصفات؛ فإننا نؤمن به، ونؤمن أنه في غاية الكمال والجلال، لا يتطرّق إليه شيء من النقص أو العيب.
ولا بد أن نؤمن بهذه الأسماء والصفات على ظاهرها المعقول في لغة العرب، وعلى الوجه اللائق بكمال الله تعالى وجلاله، فلا نحرّف شيئًا منها؛ لا نخرجه عن هذا الظاهر المعقول، ونقول: تأويله كذا أو تأويله كذا، ولا نمثل رب العزة -سبحانه وتعالى- في شيء من ذلك بأحد من الخلق، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ولا نعتقد أن شيئًا من أسماء الله وصفاته له كيفية كذا، أو صفة كذا، أو هيئة كذا، ولا نسأل عن شيء من ذلك ولا ننقِّر عنه؛ بل نكِله إلى الله -تبارك وتعالى-، فهو عالمه وحده؛ ولا يجوز لنا أيضًا أن ننكر شيئًا من الأسماء والصفات -بعد ثبوتها في النصوص-، فإذا بلغنا شيء منها؛ أثبتناه وآمنّا به، ولم نتعرض له بشيء من التعطيل والإنكار.
هذا هو مجمل ما يعتقده أهل السنة والإسلام في أسماء الله -تبارك وتعالى- وصفاته.
وأما الرافضة؛ فلهم في ذلك شأن عجيب، فقد جمعوا -ابتداء- بين سوأتين متناقضتين كل التناقض، وهما: التمثيل والتعطيل! فعند الرافضة تمثيل، وعندهم كذلك تعطيل، والتمثيل غلو في الإثبات، والتعطيل غلو في النفي؛ فلك أن تتأمل في هذا الشأن العجيب: كيف جمع بين هذين المتناقضين على هذه الصفة!
فأما التمثيل عند الرافضة؛ فهو أول مذهبهم في الأسماء والصفات -من قديم-، وذلك أن أحد كبرائهم وشيوخهم -وهو هشام بن الحكم الرافضي- هو أول من قال في الأمة: إن الله جسم، وهذا الرجل من كبرائهم وأجلتهم، الذين لا يزالون يجلونهم حتى الآن.
ولهم رجل آخر أيضًا، وهو: هشام بن سالم، الذي زعم أن الله -تبارك وتعالى- على صورة الإنسان: طوله كذا، وعرضه كذا، وصفته كذا؛ نعوذ بالله من ذلك.
فنشأ هذا القول بالتمثيل والتجسيم عند الرافضة -من قديم-، وقد جاء في كتبهم المتأخرة عن هذا الزمن ما يؤيد هذا أيضًا، ومن عجيب شأنهم: أنه لما ورد في كتبهم؛ ورد بصيغة الإنكار، فهم يثبتونه في كتبهم، ويثبتون أنه قول متقدميهم، ثم يروون عن الأئمة المعصومين أنهم ينكرونه؛ كشأنهم الذي تعرّضنا له من قبل.
فجاء في «الكافي» عن محمد بن الفرج قال: « كتبت إلى أبي الحسن -عليه السلام- أسأله عما قال هشام ابن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة، فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان»!! ولهم في ذلك آثار عدة.
فها هم يثبتون هذا القول الخبيث عن رجلين، لا يزالون يعظمونهما حتى الآن، وفي نفس الوقت: يروون عن أئمتهم المعصومين أنهم ينكرون هذا القول، ويذمونه، ويحذرون منه!
فهذا هو أول مذهب الرافضة في الأسماء والصفات، ثم لم يزالوا على ذلك حتى وقع اختلاطهم بالمعتزلة - وقد سبقت الإشارة إلى هذا-، فلما اختلطت الرافضة بالمعتزلة؛ حصل تطور في مذهبهم في الأسماء والصفات، وذلك أن المعتزلة معطّلة في الأسماء والصفات -على صورة لست أتشاغل بذكرها الآن؛ حتى لا أصعِّب الأمر عليكم-، فلما اختلطت الرافضة بالمعتزلة؛ تلقفت منهم التعطيل، وصاروا معطلة، فبدئوا في أول أمرهم ممثّلة مجسمة، ثم انتهوا بعد ذلك نافية معطلة!!
وبهذا صرّح أحد أئمتهم، وهو: ابن المطهر - الذي ذكرنا شأنه من قبل-، صرح في كتاب له وهو « نهج المسترشدين» بأن مذهبهم في الصفات كمذهب المعتزلة! بل قال أحد علمائهم، وهو: الطَّبْطَبائي في كتاب «مجالس الموحدين» بأن مذهبهم كمذهب الفلاسفة!! ومذهب الفلاسفة في الصفات شرٌ من مذهب المعتزلة - ولست أصعّب أيضًا بذكر الفرق بين المذهبين، ولا حاجة إلى ذلك-.
بل قال أحد علمائهم، وهو: ابن بابويه، في كتاب من أعظم كتبهم في الاعتقادات، وهو: كتاب «التوحيد»- زعم! -؛ قال: «وكمال التوحيد نفي الصفات عنه»!! نفي الصفات -الذي هو التعطيل- هو عند الرافضة من كمال التوحيد!!
وكما أثبتنا تناقضهم في شأن التمثيل؛ فإننا نثبته أيضًا في شأن التعطيل، فكما رووا عن أئمتهم إنكار التمثيل؛ فها هم يروون عنهم أيضًا إنكار التعطيل؛ بل يروون عنهم ما يوافق مذهب أهل السنة والجماعة!
فذكر صاحب «الكافي» بابًا فقال: «باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى»، وذكر فيه عن جعفر الصادق: «سألتَ -رحمك الله- عن التوحيد، وما ذهب إليه من قبلك؛ فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وتعالى عما يصفه الواصفون المشبهون اللهَ بخلقه، المفترون على الله؛ فاعلم -رحمك الله- أن المذهب الصحيح في التوحيد: ما نزل به القرآن من صفات الله -جل وعز-، فَانْفِ عن الله تعالى البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، لا تَعْدُوا القرآن فتضلوا بعد البيان»!!
و جاء في «بحار الأنوار» عن علي بن موسى الرضا، قال: «للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه؛ فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز؛ لأن الله -تبارك وتعالى- لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة: إثبات بلا تشبيه»!!
هكذا يقول الأئمة المعصومون، وهو اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ فكيف يتفق هذا مع ما يذكرونه من التجسيم أو التعطيل؟!
فهذا هو مذهب الرافضة - إخوة الإسلام - في الأسماء والصفات، قد جمع بين السوأتين المتناقضتين.
ولهم في ذلك طامة أخرى، وهي مبنية على ادعاء الربوبية في الأئمة؛ فلما كان من شأنهم وصف الأئمة بصفات الربوبية؛ سمّوْهم بأسماء الله -عز وجل-!! ولا عجب؛ فإن الأئمة عندهم لهم حظ من الربوبية، فمنطقيٌّ -على هذا المذهب الخبيث- أن يكون لهم حظ من أسماء الله!!
جاء في «الكافي» عن جعفر، في قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180] ، قال: «نحن -واللهِ- الأسماء الحسنى، التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا»!!
وفيه: عن علي: «أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا حبيب الله، وأنا باب الله»!!
وفي «رجال الكشي» عنه - أيضًا- : «أنا وجه الله، أنا جنب الله، وأنا الأوّل، وأنا الآخر، وأنا الظّاهر، وأنا الباطن»!!
من الأول والآخر؟! ومن الظاهر والباطن؟! أليس رب العزة -سبحانه وتعالى-؟! فهل يليق بأحد من الناس أن يقول مثل هذا الكلام، ويدّعي في نفسه شيئًا من أسماء الله تعالى وصفاته؟! نزّه الله عليًا وأهل البيت عن قول هذه الكفريات الممجوجة، الذي لا يتقبلها مسلم، ولا يعتقدها موحد.
وكما ذكرتُ لكم: لا عجب في هذا؛ فإن الأئمة عندهم لهم صفات الربوبية، وهم الواسطة بين الله وبين الخلق، فلا يُقبل عمل إلا من خلالهم، فإذا ادّعت الرافضة في أئمتهم شيئًا من الأسماء والصفات -بعد هذا-؛ فهذا ضلال مبني على ضلال، وكفر مبني على كفر.
نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ به من كل شر وفتنة؛ إنه وليُنا ومولانا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
* الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وبعدُ - إخوة الإسلام-؛ فإننا نذكر في مقامنا هذا نصيحة، بشأن ما يُدعى إليه في هذه الأيام: من الخروج على حاكم البلاد وخلعه.
والحق أنه ليس في كلامي جديد، فكل هذا الذي يحدث قد ذكرناه، وحذرنا منه، ونبهنا على خطورته -قبل تولّي الرئيس للحكم-، وذكرنا ما يتعلق بهدف أعداء الإسلام والمسلمين: من بث الفوضى والاختلافات، والقضاء على الدين وأهله في هذا البلد وغيره.
فكل هذا الذي يحدث ليس بجديد، وليس بمستغرب -عند من عقل الأمر من بدايته، وتصوّره على حقيقته-.
ولن أطيل في الكلام، ولن أفيض في مناقشة ما يُدعَى إليه في هذه الأيام؛ ولكنني أذكركم بشيء واحد فقط، وهو ما دعونا إليه -مرارًا وتكرارًا-، وذكرناه في شأن هذه الدعوة المباركة: دعوة أهل السنة والجماعة، أهل الحق والهدى والصواب.
وهذا الشيء - إخوة الإسلام- من أصول الديانة، وهو: ربط ما يحدث للناس بتقصيرهم وغفلتهم وعصيانهم، لا بأحد من الحكام.
يقول الله -عز وجل-: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30] ، ويقول تعالى:﴿ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، ويقول تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[آل عمران: 165]، وفي شأن الولاية خصوصًا يقول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129].
فهذه قاعدة الشريعة: الربط بين ما يحدث للناس من البلاء والوباء ونحو ذلك، بغفلتهم وتقصيرهم وعصيانهم؛ وعلى هذا انبنى ما هو مقرر في الشريعة من النهي عن الخروج على الحكام؛ لأن البلاء أصلاً ليس من جهتهم، وإنما هو من جهة الناس، فالشريعة عندما تنهى عن الخروج، وتأمر بالصبر على جور الحكام؛ فليست تدّعي فيهم قداسة ولا عصمة، وليست تخوّل لهم أن يفعلوا ما يريدون، وليست تأمر بالسكوت عن المنكرات وتفشيها وإقرارها؛ وإنما الله - تبارك وتعالى- ينبّهنا إلى حقيقة الداء وموطنه وأصله.
حقيقة الداء وموطنه وأصله: عندنا نحن، لو أننا كنا صالحين؛ لولّى علينا الله من يصلح، لو أننا كنا أبرارًا؛ لولّى الله علينا برًّا، لو أننا كنا مستقيمين؛ لولّى الله علينا مستقيمًا، فإذا كان الأمر على الضد من ذلك؛ فلا ينبغي أن نغفل عن موطن الداء الحقيقي.
وأنا سأسلّم لك: أنت تريد أن تخرج على الحاكم؟! طيب، وماذا بعد؟! من تتصور أن يأتي من بعده؟! أتتصور أن يأتي من بعده عمر بن الخطاب، أو عمر بن عبد العزيز؟! أتتصوّر أن يأتي من بعده من يصلح، ونحن في أنفسنا فاسدون؟!
ورضي الله عن عبد الله بن عمر -وقد ذكرنا مقالته في أوائل الفتن-؛ لما قال لعثمان - رضي الله عنه- وقد اجتمع المجرمون على خلعه: «لا أرى لك أن تخلع قميصًا قمّصكه الله، فتكون سنة، كلما كره أناس إمامهم؛ قتلوه»، وأقول: أو خلعوه!!
هذا هو ما يحدث الآن: فلان لا يعجبه الحاكم، فيُخلع! والآخر لا يعجبه الثاني، فيُخلع! والثالث لا يعجبه الثالث، فيُخلع!
وأنا أقول كلمة أخرى: أليس هذا الذي تولّى علينا إنما تولّى علينا باختيارنا وإرادتنا، وتلك الانتخابات الفاشلة الديمقراطية الخائبة التي خضنا فيها؟! فلماذا لا نرضى الآن؟!
هذا -كما تقول العامة-: «لعب عيال»!! من «لعب العيال»: أنني أخوض في أمر معيّن، ثم لا أتحمل نتيجته.
علينا أن نتحمّل ونصبر، نحن الذي أتينا بهذا الرجل، فلا بد أن نتحمل هذا.
ومعاذ الله أن نقول مثل هذا في «مبارك»، ولا نقوله في «مرسي»! لو أنني لم أقل هذا الآن؛ لوجب عليكم أن تتهموني، وتظنوا فيّ الهوى والميل؛ ولكننا - بحمد الله تعالى- لا نحكّم الهوى أبدا في دعوتنا ولا في ديننا؛ فالأمر دين، ولسنا من المتناقضين المتهوّكين، لسنا من أصحاب اللِّحَى، الذين كانوا في الانتخابات يحشدون الحشود لنصرة هذا الرئيس، ثم هم الآن الذين يفتون بالخروج عليه!! وهم الآن الذين يقولون بأنه ولي غير شرعي!! فالله المستعان.
فإلى متى نترك أنفسنا لأمثال هؤلاء، يلعبون بنا كما تلعب الصبيان بالكرة؟! لو بقي الأمر على هذه الشاكلة؛ ستضيع البلاد.
فلا بد من الصبر والتحمل، ولا بد أن نعيَ ما يعلمنا إياه ربنا -سبحانه وتعالى-: الخلل عندنا -يا إخوة-، أنا مقصر وصاحب ذنوب، وأنت كذلك، والثالث كذلك، والعاشر كذلك؛ فلا بد أن يتولى علينا من هو من جنس أعمالنا: «من أعمالكم سُلط عليكم»، «كما تكونون يولّى عليكم»؛ فإذا أردنا أن يرتفع ما بنا، فعلينا أن نصلح أنفسنا.
ويأتي شخص فيقول: يا رجل، ألستَ أنت الذي تحذر من الرافضة؟!
فأقول: بلى، وأنتم لا تعرفون خطورة الرافضة، وما أذكره لكم: قليل من كثير، غيض من فيض، وقد قلتها لكم من قبل: لو تمكّن هؤلاء بالذات من البلاد؛ سنصير كالعراق -من غير شك-؛ ولكنني صاحب منهج ودين، لا أحكِّم العاطفة في دين الله -عز وجل-، لو أن الرافضة تمكّنوا - عياذًا بالله تعالى -؛ أفليس تمكينهم من جنس أعمالنا؟! لا بد أن نعود إلى القاعدة التي أرستها الشريعة: أليس هذا يعود إلينا؟! أليس يعود إلى تقصيرنا وتفريطنا؟!
ولهذا كانت دعوة أهل السنة والجماعة قائمة على التبصير والبيان والإرشاد؛ لما وقع ما وقع من شأن الرافضة، هل قلتُ لكم: اخرجوا على حاكمكم؟! أم ماذا فعلت؟! بيَّنتُ وحذَّرتُ وبصَّرتُ؛ لأن دعوة الحق هكذا تكون، وهذا أمر عقلي ومفيد -لمن تصوّره وعقله-، فإنك إذا وعيت خطورة الرافضة؛ فهل يؤثر عليك شيء من كلامهم؟! هل تغتر بشيء من باطلهم؟! فدعوة أهل الحق تخاطب القلوب والنفوس والعقول، ولو أننا أصلحنا أنفسنا، وصار عندنا من العلم والاعتصام بالله -عز وجل- ما يحمينا من الأخطار والمفاسد؛ فلن يتمكّن منّا شيء منها أبدًا، مهما تولّى علينا من الظالمين والمفسدين، ومهما انتشر في بلادنا من المنكرات والضلالات؛ فإننا لن نتأثر أبدًا -ما دمنا مصلحين لأنفسنا-.
وإذا أصلحنا أنفسنا؛ فلا بد أن يصلح الله وَالِيَنا، هذا وعد الله -عز وجل-، ليس كلامي أنا.
كيف تتصور أن يكون الحاكم صالحًا والرعية مفسدين؟! كيف تتصور هذا؟! وكيف تعقله؟! هذا منافٍ لحكمة الله - سبحانه وتعالى-، فحكمة الله -عز وجل- تقتضي أن تكون القاعدة نظيفة مستقيمة، حتى تكون القمة كذلك.
فلنصلح أنفسنا - عباد الله-، ولنصلح قلوبنا، ولنتُبْ إلى الله -سبحانه وتعالى-، ولنسألْه أن يعفو عنا ويكشف ما بنا من ضر؛ هذا هو السبيل الوحيد.
وأما الخروج اليوم، والخروج غدًا، والخروج بعد غد، والخروج بعد سنة؛ فهذا لن يَحُلَّ شيئًا، ولن يقدّم شيئًا؛ بل لن يأتيَ إلا بالفساد والضرر.
نسأل الله السلامة والعافية من كل سوء، نسأل الله - تبارك وتعالى- أن يكشف عنّا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرفع عنا كل فساد وضر بمنّه وكرمه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|