البيان الرفيع
لدين الرافضة الشنيع
(الخطبة الثامنة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فلا يزال حديثنا موصولاً حول موقف الرافضة من مصادر التشريع في الإسلام، وسنتحدّث اليوم – إن شاء الله تعالى- عن موقفهم من السنة النبوية المطهرة.
اعلم- عافاك الله تعالى- أن الرافضة يردّون السنّة، ولا يقبلون منها شيئًا، ويقصرون مروياتها على ما كان من طريق أهل البيت، وما سوى ذلك: فلا يقبلون منه حرفًا، وليس له عندهم قيمة ولا وزن.
وهذا ينبني عندهم على أصلين كبيرين خبيثين:
* الأصل الأول: تكفير الصحابة، والقول بردتهم ومروقهم عن دين الإسلام، فمن كان كذلك؛ فلا تقبل روايته، ولا يؤخذ منه شيء في الديانة.
* والأصل الثاني: دعوى العصمة في أئمة أهل البيت المعتبرين عندهم، الذين يبلغ عددهم اثني عشر رجلاً، فلا يؤخذ الدين عندهم إلا من طريقهم، ولا تستفاد الأحكام إلا من عندهم، ولا يولج إلى الإسلام إلا من بابهم.
فأما القول بتكفير الصحابة، وكذلك القول بعصمة الأئمة؛ فستأتي مناقشتهما في موطنها – إن شاء الله تعالى-، والمقصود هنا أن نبين كلامهم في مسألتنا، والأصل الذي انبنى عليه اعتقادهم وكلامهم.
جاء في «الكافي» للكليني: «من ادعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك» ، وجاء أيضًا: «كل ما لم يخرج من الأئمة فهو باطل»، وقال أحد طواغيتهم- وقد سبق التعريف به- محمد حسين آل كاشف الغطاء، قال في كتاب له وهو «أصل الشيعة»: «إن الشيعة لا يعتبرون من السنة إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت.. أما ما يرويه مثل أبي هريرة، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص ونظرائهم فليس لهم عند الإمامية مقدار بعوضة».
هذا نص كلامهم، وبه تعرف ما ذكرناه من ردهم لروايات الصحابة -رضي الله عنهم-، وأنهم لا يقبلون شيئًا إلا ما جاء من عند أهل البيت.
وهنا يأتي إشكال: كيف تُقبل السنة -والحال هكذا-؟! هل تفرّد أهل البيت وحدهم بالرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! هل كان لا يسمع منه سواهم؟! هل كان لا يأخذ الأحكام منه سواهم؟!
معلوم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له الكثير من الأقوال والأفعال والمواقف، ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- يصدر منه شيء من ذلك في أمور محددة معينة؛ بل كان يتكلم بالكلمة أحيانًا لا يسمعها منه إلا الواحد من أصحابه، وكانت تصدر منه المواقف التي لا يطلع عليها إلا النفر اليسير من الصحابة، ونتكلم خاصة على ما كان يدور في بيوته -صلى الله عليه وسلم-، فهذا شيء لا يكاد يعرفه إلا أزواجه المطهرات- رضي الله عنهن-، فضلاً عما يقع منه -صلى الله عليه وسلم- في سفره ومغازيه، والمواقف الخفية التي لا يطلع عليه فيها إلا الواحد أو الاثنان، وهناك الكثير من سنته -صلى الله عليه وسلم- الذي يتفرّد بنقله من كان ملازمًا له؛ كمثل أبي هريرة -رضي الله عنه-، فهو حافظ الصحابة وحافظ الأمة بلا منازع، وسيأتي الكلام على ذلك ورد مطاعن الرافضة فيه في محله -إن شاء الله-.
فإذا استشعرنا ذلك واستحضرناه؛ علمنا أن الذي ينقله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل البيت هو أقلّ القليل من السنة، نعني أهل البيت الذين يعتبر بهم الرافضة، فأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خارجات عن ذلك عندهم، فأهل البيت عند الرافضة هم: علي وفاطمة والحسن والحسين -رضي الله عنهم-، ثم يمدون الأمر من بعد ذلك إلى ذريتهم ممن جاء بعدهم؛ لكننا نتكلم على الذين يتحقق فيهم مسمى الصحبة.
فهل الذين سمعوا من رسول -صلى الله عليه وسلم- أو نقلوا سنته هم هؤلاء فقط؟! لو أننا قصرنا القبول على هؤلاء؛ لما خلص لنا من السنة إلا أقل القليل، فضلاً على أنه لا يتوصل إلى النقل من طريقهم إلا من خلال القواعد المعتبرة، التي يعرفها أهل العلم، ولا حظّ للرافضة في شيء منها - كما سأبينه بعد قليل-.
فالنتيجة النهائية التي نتوصّل إليها: أن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الرافضة مثلها كمثل القرآن: قد ضاع أكثرها، ولا سبيل إلى الوصول إليه!!
فالسؤال الذي يُطرح الآن: أين باقي السنة؟! أين الأحكام الكثيرة التي يحتاجها المسلمون، والتي بيّنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟! كيف نحصل عليها؟!
حتى يجبروا هذا الخلل: قالوا بالأصل الثاني -الذي هو عصمة الأئمة-، فقالوا إن الأئمة معصومون، ولهم حق البلاغ -كما كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء-، فكل واحد من الأئمة الاثني عشر يبلّغ قدرًا من الدين لم يبلغه من كان قبله، وله في ذلك حق التشريع -كما سبقت الإشارة إليه-؛ فمن أراد أن يعرف السنة والديانة فعليه بالأئمة؛ لأنهم هم المختصون بمعرفة ذلك، لا يشركهم فيه سواهم.
وعليه؛ فالسنة -عند الرافضة- هي كل ما يصدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير؛ هكذا تعريف السنة عندهم.
المعصوم -عند أهل الإسلام- هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحده، وأما هم فيدخلون في مسمى «المعصوم»: الأئمة الاثني عشر، فكل ما صدر من هؤلاء المعصومين فهو سنة ودين وشرع، حقٌّ على الناس أن يأخذوا به، ومن تنكّبه فهو ضال؛ بل -كما جاء في رواياتهم-: مشرك، ليس من الإسلام في شيء!!
فهكذا قالوا؛ حتى يجبروا النقص الذي وقع لهم في السنة والدين والشريعة -كما فعلوا مثل ذلك في القرآن سواء-.
وقد جاء في ذلك عندهم – ونكتفي ببعض منه للاختصار-: أن كُلِينِيَّهم روى عن الصادق جعفر أنه قال: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث رسول الله قول الله عز وجل».
قال أحد طواغيتهم في شرح هذا الكلام -وهو المازندراني في شرحه للكافي-: «إن حديث كل واحد من الأئمة الظاهرين قول الله عز وجل، ولا اختلاف في أقوالهم كما لا اختلاف في قوله تعالى»، إلى أن قال: «يجوز لمن سمع حديثاً عن أبي عبد الله - رضي الله عنه - أن يرويه عن أبيه أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول: قال الله تعالى»!!
معنى هذا الكلام: أن الأئمة عندهم كلامهم واحد، وشريعتهم واحدة، ودينهم واحد؛ فإذا قال أحد منهم شيئًا فكأنما قاله الآخر، إذا قال جعفر الصادق – مثلا- شيئًا؛ فكأنما قاله أبوه، وكأنما قاله جده، وكأنما قاله فلان أو فلان؛ حتى ينتهي ذلك إلى الرسول؛ بل إلى الله!! لأن الأئمة عندهم معصومون، فما صدر عنهم من شيء فلا بد أن يكون عن الله -عز وجل-؛ كما نقول مثل ذلك في حق الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ أليس الرسول -صلى الله عليه وسلم- معصومًا؟ أليس نبيًا مرسلاً؟ أليس كلامه لا ينطق فيه عن الهوى؟ فإذا قال شيئًا؛ ألا يكون مأخوذًا عن الله -عز وجل- بتعليمه؟ والسنة وحي -كما عرفنا- فهم ينقلون هذه الخاصية إلى كل واحد من أئمة أهل البيت، فعليٌّ والحسن والحسين والصادق والباقر والرضا والكاظم وغيرهم من أئمتهم: كل واحد على حدة كلامه بمنزلة كلام الرسول، فإذا قال شيئًا؛ فكأنما قاله الإمام المعصوم سواه، وكأنما قاله الرسول، وكأنما قاله الله!!
فإذا عرفت ذلك؛ عرفت أن السنة عند الرافضة -على الحقيقة- هي سنة الأئمة، لا سنة الرسول!! وكيف تكون سنته ولم ينقلها عنه إلا أئمة أهل البيت، وقد ضاع أكثرها في مرويات الصحابة؟! كيف تكون سنته وهو -صلى الله عليه وسلم- لم يقلها، وإنما هي من قيل أهل البيت؟! والقول بالعصمة سيأتي نقضه، فلازم ذلك: أن كلام الأئمة إنما هو كلام بشر، إنما هو ككلام من سواهم، ليس فيه شيء من العصمة ولا الأمان عن الضلال والخطأ؛ فكيف يجوز أن يُجعل مثل هذا قولاً للمعصوم -صلى الله عليه وسلم-، فضلاً عن أن يكون قولاً لله -عز وجل-؟!
فالمحصلة النهائية: أن السنة عند الرافضة إنما هي كلام بشر، يصيب ويخطئ ، يعلم ويجهل، وأما السنة عند أهل الإسلام؛ فهي كلام من لا ينطق عن الهوى؛ ولهذا نحتج بها، ونتديّن بها، ونستقي الأحكام منها، ولا يجوز لأحد أن يخالفها؛ فلولا أنها كلام المعصوم لما حلّ فيها شيء من ذلك.
فالسنة عند الرافضة: كلام أهل البيت؛ وكيف السبيل إليه وإلى معرفته، وقد كثر الكذابون، وضاعت ضوابط النقل عند الرافضة؟! هذا هو ما سنعرفه في الخطبة التالية – إن شاء الله-.
نسأل الله أن ينجّينا من الفتن؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
* الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه كافّة.
إخوة الإسلام عباد الله؛ اعلموا أن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحي من الله -عز وجل-، ودين وشرع، وقد تكفل الله -تبارك وتعالى- بحفظ دينه وشريعته كلها، فليس هذا مقصورًا على القرآن وحده؛ بل تدخل فيه السنة بلا شك.
وطريقة حفظ السنة في الإسلام: أن الله -سبحانه وتعالى- قيّض من هذه الأمة أناسًا من الأئمة الأطهار الأبرار الجهابذة، الذين يتمكنون من تمييز كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيعرفون ما صحّ منه مما لم يصح، وما قاله مما لم يقله، ولهم في ذلك ضوابط محكمة مسدّدة، شرِق بها الكفار، وامتلأت قلوبهم غيظًا وحقدًا على أهل الإسلام، حتى قال بعضهم -بعض المستشرقين- كلمة حق أنطقه الله تعالى بها، فقال: «ليفخر المسلمون بعلم حديثهم»؛ علم الحديث النبوي الشريف، الذي هو من العلوم الشرعيّة، والذي به يُحفظ كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتُحفظ سنته، وهذا يكون -إخوة الإسلام- على أمرين أساسيين:
* الأمر الأول: الإسناد.
* والأمر الثاني: المتن.
الإسناد هو نسب المتن، هو نسب الرواية، والمتن هو الكلام الذي يجيء في الرواية -من قول أو فعل أو نحو ذلك-؛ فكيف نعرف أن هذا الذي جاء في الرواية ثابت أو غير ثابت؟ نرجع إلى الإسناد -الذي هو نسب الرواية-، فالإسناد هو ذكر من جاء بهذه الرواية، فننظر فيه: أهو ثقة أم غير ثقة؟ أتُقبل روايته أم تُرد؟ كل هذا وفق ضوابط محكمة وقواعد مسددة، والفضل لله -عز وجل- من قبل ومن بعد.
واعتبر هذا بأخبارنا في هذه الدنيا: إذا نقل لك أحدٌ عن أحدٍ شيئًا؛ ألستَ تنظر في الناقل؟ ألستَ تنظر في ثقته وأمانته وضبطه ووعيه بما حدّث به؟ فإن تبيّن لك أنه كذاب مثلا؛ أتقبل روايته؟ إن تبين لك أنه لا يحفظ، أو يخطئ، أو يغيِّر في الشيء؛ أكنت تقبل حديثه؟
فكذلك في شأن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: هناك رواة للحديث، وهناك علماء وأئمة للحديث، يفتشون عن أحوال هؤلاء الرواة، وينظرون فيها، ويميزون من الذين تُقبل روايتهم، ومن الذين لا تقبل روايتهم.
فبناء على هذا العلم الشريف وقواعده المحكمة: صح ّ لنا أن نميز كلام نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وهذه خصيصة لأهل الإسلام، اختصّ الله -عز وجل- المسلمين بالإسناد ومعرفته، وهذا أمر لا يحصل للكفار -كما أشرتُ إليه-؛ اعتبر بالنصارى – مثلاً-: هل لهم ثقة في حرف واحد ينقلونه عن المسيح؟! كلا -والله-، لا يثقون بحرف واحد؛ ولهذا كثر اختلافهم وشقاقهم، واشتدّ نزاعهم، وقبلوا من الأناجيل ما قبلوا، وردّوا منها ما ردّوا.
فالله -سبحانه وتعالى- قد اختص أهل الإسلام بحفظ كلام نبي الإسلام؛ لأن كلام النبي من الشرع والدين، وهو وحي من الله -عز وجل-، فاختصّ الله -سبحانه وتعالى- بحفظه كما اختصّ بحفظ القرآن.
فنحن نقول للرافضة: أين ضوابطكم؟! وأين قواعدكم؟! أنتم تقولون: السنة عندنا في كلام أهل البيت؛ فلو سلّمنا بأن أهل البيت معصومون، وأن كلامهم سنة متبعة؛ أفليس يحق لنا أن ننظر فيما صحّ من كلامهم مما لم يصح؟! أم نأخذ هكذا بكل ما جاء عنهم؟! فلا بد أن تكون إذن ضوابط وقواعد، يميز بها الصحيح من السقيم في كلام الأئمة؛ فهل عند الرافضة شيء من ذلك؟!
الجواب: لا؛ لأنهم في حقيقتهم أهل كذب، ليس معهم نقل صحيح ولا عقل صريح، فهم أهل الكذب والإفك والبهتان؛ وقد عرفنا شيئًا فيما ذكرناه من أقوالهم: الذي يقول بالغلو، ويقول بالرجعة، ويدعي تحريف القرآن، ويقول غير ذلك من العقائد التي سنعرفها: أيؤتمن على حرف واحد في دين الله -عز وجل-؟! لو أن رجلاً يدعي تحريف القرآن، ثم جاءك أنت بخبر؛ أكنت تصدقه وتسلّم له؟! فكيف إذا كان خبره هذا دينًا وشرعًا؟!
ولما تنبّه الرافضة لهذا؛ أرادوا أن يصونوا سنتهم، وأرادوا أن يحاكوا أهل السنة حقًا، فجعلوا لهم -بزعمهم- علمًا للرجال!! قالوا: عندنا علم بالرجال الذين نقلوا كلام أئمة أهل البيت، وعندنا أئمة وحُفّاظ، وعندنا تمييز للصادق من الكاذب والمحق من المبطل.
فنقول لهم: وهل يُسلّم بكلام نفس أئمتكم -وهم أئمة الكفر والكذب-؟! ما بُني على باطل فهو باطل، الذي يقول لك: فلان ثقة وفلان غير ثقة؛ أليس يجب أن يكون هو في نفسه ثقة؟! أليس يجب أن يكون هو في نفسه مسلمًا مستقيمًا؟! فكيف إذا كان بخلاف ذلك؟! وكيف إذا كان ساقط المعرفة بهذا الشأن أصلاً؟! أيُسلم له حرف واحد من كلامه؟!
فهكذا شأن الرافضة –عباد الله-، لا حظّ لهم في الإسناد، ولا حظّ لهم كذلك في المتن، فمتونهم متناقضة مختلفة، ينقض بعضها بعضًا، ويخالف بعضها بعضًا، فكيف نثق بشيء من هذا؟!
وأنا أذكر لكم – في مقامي هذا- بعض الأمثلة، حتى يتضح المقام – إن شاء الله تعالى-.
لا بد أن نعرف ابتداء أن الرافضة عندهم في حديثهم كتب -كما أن عند المسلمين كتبا-، فالمسلمون عندهم «صحيح البخاري»، و«صحيح مسلم»، والسنن الأربعة، وكتب المسانيد، وغير ذلك من كتب الحديث؛ والرافضة اخترعوا لهم كتبًا ، وقالوا: هذه كتب حديثنا، وهي ثمانية: أربعة متقدمة وأربعة متأخرة، فما جاء عندهم في هذه الصحاح الثمانية -لاسيما الأربعة المتقدمة، ولاسيما «الكافي» للكليني الذي نوّهت به مرارًا-؛ ما جاء في شيء من ذلك فهو عندهم مقطوعٌ به ثابت يقينًا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يجوز أن يشكك في حرف منه، وإن كان بعض متأخريهم قد حاول أن ينقد شيئًا من المرويات؛ لشدّة شناعتها وقبحها وفظاعتها، فقالوا: ليس كل ما جاء في كتبنا صحيح؛ بل منه كذا ومنه كذا، فلازم ذلك: القدح في كبرائهم ومعصوميهم وطواغيتهم، فلن يعدوا إحدى السوأتين!!
والمقصود: أن الرافضة عندهم كتب حديث، هي هذه الثمانية:
الأربعة المتقدمة، وهي: «الكافي» للكليني، و«من لا يحضره الفقيه» لابن بابويه القمي، و «تهذيب الأحكام» و«الاستبصار» كلاهما لأبي جعفر الطوسي.
والأربعة المتأخرة هي: «الوافي» للفيض الكاشاني ، و«بحار الأنوار» للمجلسي ، و«وسائل الشيعة» للحر العاملي ، «مستدرك الوسائل» للنوري الطبرسي -صاحب «فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب»-!!
أما من جهة الأسانيد؛ فقد ذكرتُ لكم أن الرواة لا علم للرافضة بشيء من أحوالهم، وأنهم في هذا الباب غير ثقات ولا مأمونين.
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «منهاج السنة»: «من أين لكم أن الذين نقلوا هذه الأحاديث في الزمان القديم ثقات، وأنتم لم تدركوها، ولم تعلموا أحوالهم ولا لكم كتب مصنفة تعتمدون عليها في أخبارهم التي يميز بها بين الثقة وغيره، ولا لكم أسانيد تعرفون رجالها» اهـ.
وهذا هو ما ذكرتُه آنفًا، من أنهم لا نسب عندهم لمروياتهم، وما اخترعوه في ذلك حتى يسدوا به هذه الثغرة: إنما هو على شفا جرف هار، ينهار بهم في نار جهنم -من غير قومة-!! فلا سبيل لهم إلى شيء من المعرفة أبدًا، وليس عندهم ثقات ولا مأمونون، وكيف يقبل شيء من كلامهم وحالهم هكذا من الكفر والغلو - والعياذ بالله-؟!
بل نحن نصيبهم في مقتل، وننقل من كتبهم تجريح رواتهم!! فقد جاء في كتبهم المعتمدة تجريح وإسقاط لنفس الرواة الذين ينقلون كلام الأئمة؛ فأي شيء نصنع بهم بعد ذلك؟!
من أهم رواتهم رجل يقال له: جابر بن يزيد الجعفي، وهذا الرجل باتفاق علماء السنة – علماء السنة حقًا-: ساقط لا قيمة له، لا يؤخذ منه شيء من الرواية أبدًا، وكان يؤمن برجعة علي -رضي الله عنه- بعد موته، فكان -إذن- سبئي المعتقد، لم يكن من الشيعة الذين ذكرتُ شأنهم من قبل، الذين كانوا في أقصى أحوالهم يقدّمون عليًا على عثمان؛ بل كان سبئيًا يعتقد الكفر والغلو -والعياذ بالله-؛ هذا قول علماء السنة فيه، وهكذا أيضًا قول علماء الرافضة!!
وهذا الراوي بالنسبة لهم كمثل أبي هريرة -رضي الله عنه- بالنسبة لنا؛ أعني: من جهة الإكثار، وإلا فأين الثرى من الثريا؟! لا وجه للمقارنة؛ لكن كما أن أبا هريرة -رضي الله عنه- مكثر جدًا، وعليه مدارُ كثير من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فكذلك الجعفي هذا.
يقول الحرّ العاملي- وهو أحد أصحاب الصحاح عندهم- في جابر هذا: «روى سبعين ألف حديث عن الباقر - عليه السلام - وروى مائة وأربعين ألف حديث، والظاهر أنه ما رُوي بطريق المشافهة عن الأئمة عليهم السلام أكثر مما روى جابر».
فمرويات جابر -عند الرافضة- هي أكثر المرويات عن الأئمة مطلقًا، وعلماء السنة يقولون في جابر هذا: ساقط مطروح ليس بشيء؛ فما يقول علماء الرافضة؟
جاء في «رجال الكشي» -وهو أحد كتب الرجال عندهم، وقد ذكرتُ شأنه من قبل، وهو من الكتب المعتمدة التي لا يأتيها الباطل أيضًا من بين يديها ولا خلفها-؛ جاء في هذا الكتاب عن زُرارة بن أَعْيَن- وهو أحد كبار رواتهم أيضًا- قال: «سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن أحاديث جابر، فقال: «ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة، وما دخل عليّ قط»!!
هكذا يقول أبو عبد الله -الذي هو جعفر الصادق-، ويقول الحر العاملي في الباقر -الذي هو والد جعفر-: إن جابرا روى عنه سبعين ألف حديث، وولد الباقر -الذي هو جعفر، الإمام المعصوم- يقول: «ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة»، فلازم ما جاء في «رجال الكشيّ»: تكذيب المعصوم، أو الطعن في روايات جابر فلا يقوم منها شيء!!
وجاء أيضًا في كتاب آخر من كتبهم، وهو: «رجال النجاشي» أنه قال في جابر: «وكان في نفسه مختلطًا»، والاختلاط: هو فساد العقل وتغيّره!!
هكذا يقول أئمة الرافضة في أكبر رواتهم على الإطلاق؛ فهل يُصدّقون في شيء؟! وهل يؤخذ من كلامهم بشيء؟! وهل يسلّم بشيء من مروياتهم عن الأئمة المعصومين -على التسليم بعصمتهم-؟!
هذا بالنسبة للأسانيد، وما ذكرتُه يرشد إلى ما وراءه، والحقيقة أفظع بكثير- نسأل الله السلامة-.
وأما من جهة المتون؛ فقد تألم الطوسي نفسه -وهو صاحب صحيحين من صحاحهم-؛ تألم في أحد صحيحيه وهو «الاستبصار»: «لِما آلت إليه أحاديثهم من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه»!!
وقال الكاشاني -صاحب أحد الصحاح المتأخرة-؛ قال في صحيحه هذا الموسوم بـ«الوافي» : «تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين قولاً أو أزيد؛ بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها»!!
هذا كلام أكابرهم وطواغيتهم في نفس أحاديثهم ومروياتهم؛ فأي شيء بقي؟! هل يُصدّق الرافضة بعد هذا في كلامهم في السنة؟! هل يُسلّم لهم موقفهم هذا؟!
فهذه حصيلتهم المنتنة - نسأل الله السلامة والعافية-: ضيّعوا سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتكفيرهم للصحابة وعدم قبولهم لمروياتهم، واستعاضوا عنها بسنة الأئمة المعصومين، الذين هم في الأصل ليسوا بمعصومين، وعلى التسليم بعصمتهم؛ لا يثبت من كلامهم حرف!!
فما الذي تفهمه أيها المسلم؟! الذي تفهمه: أن السنّة عند الرافضة: لا شيء!! ليس عندهم سنة أصلاً -كما أنهم ليس عندهم قرآن أصلاً-!!
فطائفة ليس عندها قرآن وليس عندها سنة: أتكون من المسلمين؟! أيقال فيهم -من بعد ذلك-: إنهم يقولون: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»؟! وما سيأتي -مما سأذكره- أعظم وأفظع؛ حتى تعلم أنهم دسيسة على الإسلام وأهله، دسيسة يهوديّة خبيثة منتنة، لا تريد إلا الطعن في الإسلام، والقضاء عليه وعلى أهله.
نسأل الله عز وجل أن يجنّبنا شرّهم، اللهم اكفِنا شرّهم وفتنتهم، اللهم اكفِنا شرّهم وفتنتهم، اللهم اكفِنا شرّهم وفتنتهم. اللهم قِنا شر كل ذي شر يا رب العالمين، وقِنا الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن يا أرحم الراحمين؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ،وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|