البيان الرفيع
لدين الرافضة الشنيع
(الخطبة السابعة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد؛ فنستكمل -إخوة الإسلام- كلامنا على دين الرافضة، وموقفهم من مصادر التشريع في الإسلام، وكنا قد عرضنا موقفهم من القرآن الكريم، وذكرنا من نصوصهم ما يثبت اعتقادهم نقصانَه وكتمانَ أكثره، مما هو موجود في مصحفهم السري المزعوم، وذكرنا من نصوصهم أيضًا ما يثبت تحريفهم للقرآن -ألفاظه ومعانيه-.
واليوم -إن شاء الله تعالى- نستكمل الكلام على هذه القضية، ونذكر المزيد من أقوالهم الباطلة في القرآن، التي تؤكد انحرافهم عن أهل الإسلام في موقفهم من هذا الكتاب المجيد.
اعلم -وقاك الله السوء والفتن- أن من عقائد الرافضة الثابتة عندهم في القرآن: أنه لا يكون حجةً إلا بقيِّم، وأن المختص بمعرفته هم أهل البيت، من عليٍّ - رضي الله عنه - وذريته.
ومعنى هذا الهذيان: أن القرآن عندهم في نفسه ليس بحجة، فلا يستفاد منه بيان، ولا تستفاد منه هداية -لذاته-، وإنما هذا كله يُعرف من خلال بيان القيِّم -الذي هو الإمام عندهم-، فبدونه لا يُعرف شيء من القرآن، ولا يُتوصل إلى شيء من معانيه، ولا يُكشف شيء من هدايته ونوره.
ويقولون أيضًا: إن أهل البيت هم المختصون بذلك كله، فلا يعرف شيء منه إلا من جهتهم، لا يتكلم في القرآن سواهم، ولا يعرف معناه سواهم، فمن ابتغى شيئًا منه من غيرهم؛ فقد ضل -عندهم- سواء السبيل.
وإليك شيئًا من كلامهم الذي يثبت هذا:
ذكر الكليني في «كافيه»: «أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، وأن عليًّا كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
وروى الحر العاملي في كتاب له وهو «الفصول المهمة»، عن عليٍّ قال: «هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق»؛ يريد: أن القرآن الذي بأيدينا، والذي يعرفه المسلمون: صامت، لا يفصح عن شيء من المعنى والهداية والبيان، فمن أراد معرفة شيء من ذلك؛ فعليه أن يلجأ إلى الإمام والقيم، فإنه بمثابة كتاب الله الناطق.
وروى الكليني عن جعفر الصادق قال: «إن الناس يكفيهم القرآن ولو وجدوا له مفسِّراً، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسره لرجل واحد، وفسر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب».
وفي «وسائل الشيعة» و«بحار الأنوار» وغيرهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال -بزعمهم-: «إن الله أنزل عليَّ القرآن، وهو الذي من خالفه ضل، ومن يبتغي علمه عند غير عليٍّ هلك».
وبوَّب الكليني في هذا المعنى تبويبات عدة، منها: «باب أن الأئمة - رضي الله عنهم - ولاة أمر الله وخزنة علمه»، و«باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة»، إلى غير ذلك.
فهذا طرف من كلامهم، يدل على ما ذكرناه من اعتقادهم.
فالقرآن -عندهم- لا يدل على معنى، وليس فيه بيان، وليس فيه هداية؛ إلا من خلال القيم والإمام، الذي اختُص بمعرفة ذلك كله.
ونحن نرد على هذا الانحراف البيِّن من وجوه:
* الوجه الأول: أن الله تعالى ذكر في كتابه أنه تبيان لكل شيء، وأنه هدى للناس، وأن فيه من النور والفلاح والسداد ما يكفي الخلق ويغنيهم؛ فكيف يتفق هذا مع عقيدة الرافضة المذكورة؟! فعقيدتهم هذه تعود على نصوص القرآن بالإبطال والمناقضة، وتصيِّر كتاب الله -عز وجل- في حكم المعدوم الذي لا فائدة منه.
* الوجه الثاني: أنهم يزعمون أن آل البيت فسروا جميع القرآن، وهذا لم يحصل حتى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – نفسه؛ أعني: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفسر جميع القرآن، ولم يتكلم في جميع معانيه[1]؛ بل بيَّن من ذلك ما بيَّن -مما ثبت عنه عند أهل السنة والحق-، وما سوى ذلك - وهو أكثر القرآن - قد بيَّنه الصحابة - رضي الله عنهم -، وتابعوهم مِنْ بعدهم؛ ففي اعتقاد أهل الحق: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفسر جميع القرآن، وأما عند الرافضة: فأهل البيت قد فسروا جميعه، وعرفوا ظاهره وخفيه، وظاهره ومكنونه؛ فلازم كلامهم هذا: تفضيل آل البيت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
* الوجه الثالث: أنهم روَوْا في كتبهم نفسها عن عليٍّ - رضي الله عنه - نفسه وغيره ما يناقض ذلك؛ حتى تعرف أن دينهم متناقض، وأنه لا يستوي على قدم واحدة.
ففي «نهج البلاغة» عن عليٍّ قال: «فالقرآن آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه»؛ هكذا في هذه الرواية: «القرآن صامت ناطق، حجة الله على غيره»، فكيف يتفق هذا مع ما روَوْا عن عليِّ من قبل أنه قال: «هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق»؟!
وذكر أحد متقدميهم وأكابرهم، وهو: ابن بابويه، في كتاب له وهو «عيون أخبار الرضا»، وذكره أيضًا المجلسي في «البحار»؛ ذكرا أن الرضا – يعنيان: علي بن موسى رضي الله عنه - ذكر القرآن يومًا، فعظَّم الحجة فيه، فقال: «هو حبل الله المتين وعروته الوثقى، جُعل دليل البرهان، وحجة على كل إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد»؛ فها هو أحد الأئمة المعصومين -عندهم- يبين أن القرآن نفسه حجة على الناس أجمعين؛ فكيف يصح هذا مع كون الحجة لا تعرف إلا من أئمة آل البيت؟!
فهذا بعض ما ذكروا في كتبهم مما يناقض كلامهم الأول، ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء: 82].
* الوجه الرابع: أنهم يعتقدون أن علم القرآن المكتوم قد اختُص به علي، فأظهر منه ما يحتاج إليه عصرُه، ثم وكل الباقي إلى الإمام من بعده، وهكذا أوكله الإمام إلى الإمام من بعده، وهكذا متسلسلا، حتى ينتهي علم القرآن إلى قائمهم المنتظر، وعليه؛ فعلم القرآن لا يعرف على التمام إلا من خلال هذا القائم المنتظر، وهذا القائم نكرة لا وجود له -كما سنعرف إن شاء الله تعالى -، وما بني على باطل فهو باطل، فإذا كانوا يعلِّقون هذا العلم على وجود ذلكم المهدي المزعوم، وإذا كان ذلكم المهدي المزعوم لا وجود له -في نفس الأمر-؛ فلازم هذا: أن علم القرآن قد ضاع، ولا يمكن التوصل إليه.
* الوجه الخامس: أن حقيقة مذهبهم هذا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مجرد واسطة لأداء القرآن إلى الناس؛ وذلك أنهم يقولون: علم القرآن عند عليٍّ ومَنْ بعده، وعرفه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزعمهم -؛ فالرسول نفسه -إذن- لم يبين شيئا، وإنما أوكل البيان إلى علي؛ فما وظيفته - صلى الله عليه وسلم - على هذا التقدير؟! وظيفته أنه مجرد مبلغ، مجرد واسطة، نزل عليه القرآن حتى يبلغه إلى الناس.
فإذا عرفت هذا؛ فما الفرق بين هذه العقيدة، وبين عقيدة بعض فرق الشيعة، التي يُذكر فيها: أن جبريل إنما كان مرسلا إلى عليٍّ، وأنه أخطأ فنزل على محمد -عليه الصلاة والسلام-؟!!
هكذا تقول إحدى الشيعة -يقال لها: الغرابية-، يقولون: إنما أُرسل جبريل أصالةً إلى علي، فكان النبيُّ أصالة هو عليا؛ ولكنه أخطأ، فنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بدلَ علي!!!
ما الفرق بين هذه العقيدة، وبين عقيدة الإمامة الاثنى عشرية، التي ذكرناها آنفًا؟!
عقيدة الإمامية أو الرافضة معناها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مجرد واسطة لأداء القرآن إلى الناس، وأما بيان القرآن وما فيه، فليس من وظيفته، وإنما هو من وظيفة علي؛ فمن الحقيق أن يكون رسولا إذن؟! على قولهم هذا: هو علي؛ فما الفرق بين قول الإمامية هذا، وبين قول الغرابية الذي ذكرناه؟!!
فحقيقة أمرهم تعود إلى الطعن في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي نبوته ورسالته، وأن أهل البيت - بزعمهم - سيما علي كانوا أولى بذلك منه؛ نسأل الله تعالى أن يقينا شر هذا الكفر.
* الوجه السادس: أن مما انبنى على عقيدتهم هذه: أن للإمام حق التشريع استقلالا!! فإن عقيدتهم هذه فيها أن الأئمة هم المختصون بمعرفة القرآن، وأنه لا يُعرف شيء منه إلا من خلالهم؛ فمما تفرع على ذلك - وسنتكلم فيه تفصيلا في محله إن شاء الله -: أن الإمام عندهم له حق التشريع؛ بل له أن ينسخ القرآن، وله أن يقيد مطلقه ويخصص عامه، وله أن يشرع من الأحكام ما يشاء؛ حتى جووزوا أن يقال - كما سنعرف - في قول الإمام: إنه قول الله!! يعني: إذا قال الإمام عندهم شيئًا؛ يجوز أن يقال في هذا التشريع: إنه كلام الله -عز وجل-!!!
* الوجه السابع والأخير: أنه من المعلوم بالضرورة في دين الإسلام أن عليا - رضي الله عنه - وأهل البيت من بعده لم يُختصوا بتفسير القرآن؛ افتح ما شئت من تفاسير الإسلام، وكتب الحديث التي يُذكر فيها تفسير القرآن العظيم؛ فهل تجد هذا التفسير عن علي وحده؟! هل تجده عن أهل البيت وحدهم؟! أين ذهب الصحابة؟! أين ذهب التابعون؟! بل أين ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نفسه، وقد فسر بعض القرآن - كما أشرت إليه -؟! أين ذهب كل هذا؟!
ولكن حقيقة اعتقادهم - كما ذكرنا، وكما سنعرف - الطعن في الصحابة جملة، وإسقاطهم جملة، ودعوى الكفر والردة فيهم جملة إلا نفرًا يسيرًا؛ فإذا كان الأمر هكذا، فلا وثوق لشيء يأتي من قبلهم، وإنما الثقة تكون بما يأتي من عند أهل البيت، وقد ذكرنا قريبًا أن عليا - رضي الله عنه - نفسه لما سئل عن اختصاصه بالوحي؛ نفى ذلك، لما قيل له: هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء من الوحي دون الناس؟ قال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة؛ فها هو علي - رضي الله عنه - نفسه -على الثابت عنه عند أهل الإسلام- ينفي كلام الرافضة، ويبطله، ويتبرأ منه.
فهذه العقيدة -إخوة الإسلام- من أخطر العقائد، ومن أشدها انحرافا: دعوى أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، هذا حقيقته: تعطيل القرآن، وتعطيل العمل به، وأنه لا يستفاد منه شيء.
نسأل الله تعالى أن يقينا هذا الكفر وأسبابه ونتائجه، إنه ولي ذلك ومولاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
* الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقي لنا -إخوة الإسلام- مظهر أخير من مظاهر انحراف الرافضة في القرآن، وهو اعتقادهم أن القرآن مخلوق.
وقبل أن نخوض في بيان هذا: لا بد أن نوضح شيئًا مهما في البداية، وهو قوة العلاقة بين الرافضة والمعتزلة.
المعتزلة: فرقة ضالة، نشأت في عهد التابعين، وكان أولَهم رجلٌ يقال له: واصل بن عطاء، كان يجالس الحسن البصري -رحمه الله ورضي عنه-، ثم وقع بينهما اختلاف في مسألة مرتكب الكبيرة، ولسنا نخوض في هذا الآن؛ فإنه أجنبي عن بحثنا، والمقصود: أن نوضح أن واصلا خالف الحسن في هذه المسألة، فاعتزل، فمن هاهنا سُمي «معتزليا»، وسمي أتباعه بـ«المعتزلة»، ونشأ مذهبهم، وتكاملت أصولهم، وجميعها تدور على رحى واحدة، وهي: التعويل على العقل؛ فالمعتزلة من الفرق العقلية الكلامية، التي تحكم العقل والكلام في دين الله -عز وجل-، ولا تكاد تلتفت إلى شيء من النقل؛ هذا هو جامع أمرهم.
استمر المعتزلة على هذه الشاكلة، حتى قويت شوكتهم جدًا في عهد بعض خلفاء العباسيين، فوصلوا إلى هؤلاء الخلفاء، واستحوذوا على عقولهم وقلوبهم، وزينوا لهم باطلهم وضلالهم، فكان من جملة ذلك: عقيدة خبيثة باطلة، يقال لها: عقيدة خلق القرآن، والمعنى: أن هذا القرآن الذي أنزله الله على الرسول - صلى الله عليه وسلم -: مخلوق؛ أي: محدث بعد أن لم يكن، وهكذا معنى كلمة «المخلوق»، عندما أقول مثلا: أنا مخلوق؛ ما معنى هذا؟ معناه: أنني كنت معدومًا، ثم وُجدت؛ أي: كنت ناقصا، ثم حدث لي شيء من الكمال يناسب حالي كمخلوق؛ فمعنى كلمة «المخلوق»: أنه لم يكن موجودا ثم وُجد.
وهذا الكلام -في حق الله عز وجل- كفر صريح؛ لأن القرآن كلام الله -عز وجل-، وكلامه تعالى صفة من صفاته، فالله -عز وجل- يتكلم، كما أنه تعالى يسمع، ويبصر، ويعلم؛ إلى غير ذلك من الصفات، فلا يجوز أن يكون شيء من صفات الله مخلوقًا؛ لأنه لو كان كذلك؛ لكان الله تعالى ناقصًا ثم حدث له الكمال، عندما نقول مثلا: علم الله مخلوق؛ ما معنى هذا؟ معناه: أن الله تعالى لم يكن عالمًا ثم علم، عندما نقول: سمع الله مخلوق؛ معناه: أن الله لم يكن سميعا ثم سمع؛ فكذلك عندما نقول: كلام الله مخلوق، فمعناه: أن الله لم يكن متكلما ثم تكلم، وهذا نقص، لا يجوز في حق الله -عز وجل-، وادعاء النقص في حق الله تعالى كفر بواح، لا يستريب فيه مسلم؛ هذا هو معنى القول بخلق القرآن.
ظهرت هذه العقيدة جدا في العهد الذي أشرت إليه، ووقعت بسبب ذلك محنة عظيمة وبلية كبيرة في الإسلام، حتى كان الخلفاء المومى إليهم يلزمون المسلمين أن يقولوا بخلق القرآن، فمن لم يجب؛ قُتل أو ضُرب أو سُجن أو ضُيِّق عليه، إلى غير ذلك من ألوان النكال -نسأل الله السلامة-؛ فاستمرت هذه المحنة ما شاء الله تعالى لها أن تستمر، حتى نصر الله -عز وجل- السنة والحق، على يدي إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى ورضي عنه-؛ هذا هو ملخص القول في فتنة خلق القرآن، ونحن نحتاج إليه في مقامنا هذا.
فالقول بخلق القرآن من عقائد المعتزلة، ومن عقائد الجهمية أيضًا المعطلة لصفات الله -عز وجل-، فتلقفها من المعتزلة الرافضةُ، والرافضة صلتهم وثيقة جدا بالمعتزلة، أخذوا منهم أصولا متعددة، واعتقادات شتى، وقد توطدت هذه الصلة في عهد الدولة البويهية في القرن الرابع الهجري؛ نحن نعرف هذا كمقدمة، حتى إذا تكلمنا بعد ذلك في معتقدات الرافضة، وقلنا: هذا المعتقد مأخوذ عن المعتزلة؛ يكون المعنى واضحا ومعروفا.
فمن العقائد التي تلقفتنا الرافضة من المعتزلة: هذه العقيدة الخبيثة، عقيدة خلق القرآن.
يقول مفيدهم في «أوائل المقلات»: «وأقول إن كلام الله تعالى محدث - أي مخلوق -، وبذلك جاءت الآثار عن آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعليه إجماع الإمامية والمعتزلة بأسرهم» اهـ.
وبوَّب المجلسي في «بحاره» قائلا: «باب أن القرآن مخلوق».
وقال أحد علمائهم، وهو: محسن الأمين في كتاب له يسمى بـ«أعيان الشيعة»: «قالت الشيعة والمعتزلة: القرآن مخلوق».
فهذه تصريحاتهم، وفيها أنهم على وفاق مع المعتزلة في هذه المسألة، فكفونا بذلك المؤنة.
فهذا اعتقاد خبيث - إخوة الإسلام -، والرد عليه كما ذكرت آنفًا: القرآن كلام الله، وكلام الله تعالى من صفاته، ولا يجوز أن يكون شيء من صفات الرب مخلوقًا أبدًا، وعلى هذا اعتقاد أهل السنة قاطبة؛ من شعائر السنة والإسلام: أن القرآن كلام الله، وتنزيله، ووحيه، وعلمه، وأمره، منزَّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود؛ هذه قاعدة اتفق عليها أهل السنة والإسلام، ولسنا نطول مقامنا هذا بتأصيلها؛ فإن عرضها الإجمالي يكفي - إن شاء الله تعالى - في مقامنا هذا.
فلا بد أن تعتقد هذا -أيها المسلم-، إياك أن تعتقد أن هذا القرآن -الذي هو كلام ربك سبحانه وتعالى- مخلوق كسائر المخلوقات، كالإنس أو الجن أو الملائكة أو الجمادات؛ بل هو كلام الله -عز وجل-، الذي هو صفة من صفاته -سبحانه وتعالى-، فلا يجوز أن يكون مخلوقا أبدا.
والاعتقاد بخلق القرآن كفر أيضا -بإجماع السلف-؛ لأنه يستلزم إثبات النقص لله عز وجل -كما سبق بيانه-، فهذه عقيدة كفرية أخرى، تُضَمُّ إلى كفريات الرافضة -فيما يتعلق بالقرآن-.
وأهل البيت أنفسهم من هذه العقيدة براء، وهذه حقيقة لا بد أن توضَّح: أهل البيت أنفسهم براء من هذه العقيدة، لا يقولون بها، ولا يعتقدونها، اتفقت على ذلك مصادر السنة؛ بل والرافضة، حتى في كتب الرافضة: يروون عن بعض أهل البيت ما يخالف كلامهم.
فجاء في «تفسير العياشي» عن علي بن موسى الرضا: أنه سئل عن القرآن، فقال: «هو كلام الله، غير مخلوق»؛ فماذا نصنع بالرافضة؟!
وهم طبعًا يحرفون هذا الكلام -كما اجترؤوا على تحريف كلام الله عز وجل-، يقولون: إنما قال ذلك تقية؛ وهذه قاعدة عندهم - كما أشرت إليه من قبل -، كلما ورد عندهم كلام يخالف معتقداتهم الأصلية، قالوا: هو تقية؛ والتقية باطل ونفاق - كما سنعرف إن شاء الله -، فهي لا تفيدهم؛ بل تضرهم، وتثبت التهمة عليهم، وتزيد في إقامة الحجة عليهم.
هذا آخر كلامنا - إن شاء الله تعالى - فيما يتعلق بموقف الرافضة من القرآن، ونتكلم من بعد ذلك - إن شاء الله - على موقفهم من السنة.
نسأل الله تعالى أن يقينا الشر كله، اللهم اكشف عنا الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن، وقنا السوء والضلال يا رب العالمين، وتوفنا من هذه الدنيا على الإسلام والسنة والحق وأنت راضٍ عنا يا أكرم الأكرمين، أقول ما تسمعون، ويغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
|