البيان ال"/>
الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567267
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ الخطبة الثالثة من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع

المقال
تفريغ الخطبة الثالثة من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع
3749 زائر
10/04/2013
أبو حازم القاهري السلفي

البيان الرفيع

لدين الرافضة الشنيع

(الخطبة الثالثة)

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فنواصل -إخوة الإسلام- كلامنا عن تاريخ الشيعة، وكنا قد انتهينا من المرحلة الثانية، التي كانت في أيام علي -رضي الله عنه-، وعرفنا الدور البارز -آنذاك- للسبئية -الذين هم أصل الشيعة- في إثارة الفتن، والتحريش، والتفرّق، والاختلاف، والسعي في الأرض بالفساد، وإذكاء نار الحرب بين الصحابة -رضي الله عنهم-؛ وعرفنا ما وقع منهم من الغلو في علي -رضي الله عنه-، وما كان منه في مواجهته والقضاء عليه؛ حتى قُتل -رضي الله عنه- بيد الخوارج، وصار الأمر -من بعد ذلك- إلى ابنه الحسن -رضي الله عنه وأرضاه-.

وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الشيعة:

فأمّا ما يتعلق بشأن الحسن -رضي الله عنه-؛ فقد بويع بالخلافة؛ ولكنّه كان محبًا لجمع الكلمة وَوَأْدِ التفرق والاختلاف، واستوعب -رضي الله عنه- من تجربة أبيه درسًا طيبًا، فعرف حقيقة الشيعة، وعرف أنهم أجبن الناس وأغدرهم، وأنهم لا يثبتون معه على شيء، ولا يعينونه على أمر؛ فعقد العزم على مصالحة معاوية -رضي الله عنه- وتسليم الأمر إليه؛ وقد كان.

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا -مثنيًا عليه، ومقرًا له-؛ كما ثبت في «صحيح البخاري» أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في الحسن: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين»؛ هكذا أخبر -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق، فكان كما أخبر به: حصلت الجماعة، وكُفّ التفرق والاختلاف -عندما اجتمع الناس على معاوية -رضي الله عنه- خليفة، وعندئذ صار الحسن -رضي الله عنه- مع سيادته تابعًا لمعاوية، وواحدًا من رعيته.

فماذا كان موقف الشيعة آنذاك؟ وماذا حصل من السبئية -خاصة-؟

يذكر المؤرخون من السنة والشيعة -على حد سواء- أن السبئية عندئذ جاهرت بعقائدها، وأظهرت ما كانت تخفيه في زمن علي -رضي الله عنه-؛ وقد عرفنا أنهم بدرت منهم بادرة في حياة علي، فكان منه ما كان من القضاء عليها قضاءً شديدًا؛ ولكنهم مع ذلك عادوا بعد موته -رضي الله عنه- يظهرون ما كانوا يخفون، ويجهرون بما كانوا يسرّون، فأعلنوا الغلو في علي -رضي الله عنه- مرة أخرى، حتى ادّعوا أنه لم يمت، وأنه راجع إلى هذه الحياة الدنيا كرّة أخرى -كما ادّعى ابن سبأ من قبل في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا هو تطور مفهوم الرجعة -عند الشيعة والرافضة-: فأول ما ادّعوا ذلك كان في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم توسّعوا فيه حتى ادّعوه في عليٍّ، ثم توسّعوا فيه حتى ادّعوه في جميع الأئمة من آل البيت -كما سيأتي تفصيله في محله إن شاء الله-.

فهكذا كان شأن السبئية: جهر ابن سبأ بعقيدته، وأظهر الغلو، وأظهر الرجعة، ودعا إلى ذلك.

وهذا هو ما بيّنه المؤرخون من السنّة والشيعة -على حد سواء-، ونحن نذكر في مقامنا هذا كلامًا لأحد كبراء الشيعة، وهو: ابن أبي الحديد، شارح «نهج البلاغة» المنسوب إلى علي -رضي الله عنه-؛ وكتاب «النهج» هذا عبارة عن خطب وأقوال ومأثورات، تُنسب إلى علي -رضي الله عنه-، وجُلُّها مكذوب عليه، ليس من كلامه البتة، ومع ذلك فهو معظم عند الرافضة، وتصدى له منهم غير واحد بالشرح والبيان، من أجلّهم –عندهم-: ابن أبي الحديد هذا.

قال في شرحه على «النهج»: «ثم ظهر عبد الله بن سبأ -وكان يهوديًّا يتستر بالإسلام- بعد وفاة أمير المؤمنين -عليه السلام-، فأظهرها، واتبعه قومٌ، فسُمُّوا «السبئية»، وقالوا: إن عليًّا -عليه السلام- لم يمت، وإنه في السماء، والرعد صوته، والبرق ضوؤه؛ وإذا سمعوا صوت الرعد، قالوا: «السلام عليك يا أمير المؤمنين»! وقالوا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أغلظ قول، وافتروا عليه أعظم فرية، فقالوا: كتم تسعة أعشار الوحي! فنقض عليهم قولَهم: الحسنُ بن علي بن محمد بن الحنفية -رضي الله عنه-، في رسالته التي يذكر فيها الإرجاء؛ رواها عنه: سليمان بن أبي شيخ، عن الهيثم بن معاوية، عن عبد العزيز بن أبان، عن عبد الواحد بن أيمن المكي، قال: شهدتُ الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية يملي هذه الرسالة: فذكرها، وقال فيها: «ومن قول هذه السبئية: هُدينا لوحي ضلَّ عنه الناس، وعِلْمٍٍ خفي عنهم؛ وزعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتم تسعة أعشار الوحي؛ ولو كتم -صلى الله عليه وسلم- شيئًا مما أنزل الله عليه؛ لكتم شأن امرأة زيد، وقولَه تعالى: ﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾ [التحريم: 1]» اهـ كلام ابن أبي الحديد.

وقد ذكرنا اختلاف المؤرخين في شأن ابن سبأ: هل قُتل مع الغلاة في زمن علي -رضي الله عنه-، أم نُفي إلى المدائن؛ فعلى هذا القول الثاني: عاد مرة أخرى بعد وفاة علي -رضي الله عنه- يعلن بعقيدته، فادّعى الرجعة في شأنه، وغير ذلك مما رأيت من الغلو، وادّعى أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتم جُلَّ الدين، يريد بذلك: أن علمه عند علي، وعند من يرثه من بعده من أبنائه وذريته؛ فهذا هو ما وقع من السبئية -فيما يتعلق بعقيدة الغلو في علي -رضي الله عنه-.

ولم يقف الأمر عند ذلك؛ بل تعدّاه إلى الاعتداء على الحسن نفسه -رضي الله عنه-؛ فإنه لما سلّم الأمر إلى معاوية وصالحه عليه؛ قامت قائمة الشيعة -لاسيما السبئية-، وادّعوا في الحسن -رضي الله عنه- أنه خان الأمانة والوصية، فحاولوا الاعتداء عليه وقتله، حتى يعاقبوه بصنيعه ذلك؛ فهذا الحسن نفسه لم يسلم منهم، ولم ينجُ من كيدهم وخبثهم.

ونحن نذكر في ذلك أيضًا كلامًا لأحد أئمتهم، وهو: النُّوبَخْتي -الذي سبق ذكره-.

قال في كتابه -الذي سبق ذكره-: «لما وادع الحسن معاوية، وأخذ منه المال الذي بعث به إليه، وصالح معاوية الحسن؛ طعنوا فيه، وخالفوه، ورجعوا عن إمامته، فدخلوا في مقالة جمهور الناس، وبقي سائر أصحابه على إمامته إلى أن قُتل.

فلمّا تنحى عن محاربة معاوية، وانتهى إلى مظلم ساباط؛ وثب عليه رجل من هناك، يُقال له: الجراح ابن سنان، فأخذ بلجام دابته، ثم قال: «الله أكبر! أشركت كما أشرك أبوك من قبل!»، وطعنه بِمِعْوَل في أصل فخذه، فقطع الفخذ إلى العظم، فاعتنقه الحسن، وخَرَّا جميعًا، فاجتمع الناس على الجراح، فوطئوه حتى قتلوه.

ثم حُمل الحسن على سرير، فأُتي به المدائن، فلم يزل يعالَج بها في منزل سعد بن مسعود الثقفي، حتى صلحت جراحته، ثم انصرف إلى المدينة، فلم يزل جريحًا من طعنته، كاظمًا لغيظه، متجردًا طريقه على الشجا والأذى من أهل دعوته، حتى توفي -رضي الله عنه- في آخر صفر سنة سبع وأربعين، وهو ابن خمس وأربعين سنة وستة أشهر، وقال بعضهم: إنه ولد سنة ثلاث من الهجرة من شهر رمضان، وإمامته ست سنين وخمسة أشهر» اهـ.

فها هو رجلٌ من كبرائهم يعترف أن الشيعة أنفسهم هم الذين خذلوا الحسن، وهم الذين تعدّوا عليه، بزعم أنه جار في الوصية –عندهم-، أو لم ينفذها، أو تنازل عنها؛ إلى غير ذلك.

فهذه نهاية هذه المرحلة من تاريخ الشيعة في أيام الحسن -رضي الله عنه-: أظهروا الغلو في عليٍّ، ودعَوا إليه، ولم يكتفوا بذلك حتى اعتدوا على الحسن، وأرادوا قتله.

هكذا تاريخ القوم؛ نعوذ بالله من شرهم وخبثهم، ونسأله أن يقينا فتنتهم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مات الحسن -رضي الله عنه-، وجاء من بعده أخوه الحُسين -رضي الله عنه وأرضاه-.

ولا بد أن نتكلم أيضًا على شأن الشيعة في أيام الحسين، لا سيما وأن شأنهم -آنذاك- له أهمية خاصة وعلامة بارزة؛ لأننا إذا تكلمنا عن الحسين؛ فلا بد أن نتوقف عند قتله، ولا بد أن نذكر السؤال المشهور: كيف قُتل الحسين؟ وما ظروف ذلك؟ ومن الذين أعانوا على قتله؟ حتى تُعرف الحقائق، وحتى يُكشف شأن الرافضة الآن في مآتمهم وأحزانهم، التي يقيمونها لأجل الحسين.

لمّا كان ما كان في شأن إقامة يزيد بن معاوية خليفة على الناس؛ وقع من الحسين -رضي الله عنه- خروجٌ على يزيد، ولا بد أن نفصل الكلام في هذه النقطة -شيئًا ما-؛ لأن الخلل فيه كثير، لاسيما مع هَمْز ونَفْخ ونَفْث دعاة الباطل، الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها، ويكذبون على السلف، وينسبون إليهم ما هم منه براء؛ حتى يستدلوا على باطلهم وضلالهم من الخروج على الحكام.

نُصب يزيد بن معاوية خليفة، ولم يرضَ بخلافته كثير من الناس[1]، حتى قام عليه عددٌ كثير من المسلمين، وفيهم بعض الصحابة -رضي الله عنهم- متأولين، وكان منهم: الحسين.

وملخص ذلك: أن الحسين أتته كتب الكوفة بالبيعة، ووعده أهلها بالنصرة والمعونة، حتى قيل: إن ما وصل إليه من الكتب: بَلَغَ حِمْلَ صندوق! فخرج -رضي الله عنه- إليهم، ونصحه في ذلك غير واحد من كبراء الصحابة، وعلى رأسهم: ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما-، وقالوا له -ما ملخصه-: إن هؤلاء قوم غدر وخيانة، هم الذين قتلوا أباك، وهم الذين طعنوا أخاك، وهم الذين فعلوا كذا وكذا؛ فكيف تأمنهم الآن؟! وحذروه من عاقبة صنعه، وأنه لا يؤول إلى خير.

فلم يستجب -رضي الله عنه- لنصيحتهم، ومضى لشأنه، وبعث قبله ابن عمه مسلم بن عقيل؛ حتى يأخذ له البيعة من أهل الكوفة، ويجهّز له الأمر -إذا قدم عليها-.

فذهب مسلم إلى الكوفة، واستقبله أهلها، فلمّا وصل؛ بلغ الأمرُ يزيدَ بن معاوية، فبعث عبيد الله بن زياد -وكان من دهاة العرب وأصحاب المكر فيهم-، فوصل إلى الكوفة، وكان من شأنه ما كان مما يذكره أهل التواريخ، حتى خذل الناس عن مسلم بن عقيل وعن الحسين، ووقعت في خلال وقائع -لسنا نطول بذكرها-، حتى انتهى الأمر بمسلم إلى أن وجد نفسه وحيدًا فريدًا بين يدي عبيد الله بن زياد، ليس له نصير ولا معين ولا مغيث؛ خذله الشيعة، وتركه أهل الكوفة يواجه مصيره، فقتله عبيد الله ابن زياد، وقتل معه بعض الناس الآخرين من شيعته.

وعندئذ دار الأمر على الحسين -رضي الله عنه-، وانتظره مصيره المحتوم، وكان قد بلغه أنَّ مسلم ابن عقيل قُتل، وأن الأمر لم يعد ملائمًا له.

وهذا هو ما سطره علماء الشيعة أنفسهم، وذكروا أن الحسين نفسه نسب التخذيل إلى الشيعة؛ وننقل في ذلك عبارة أحد علمائهم، وهو: محمد بن محمد النعمان -الملقب بـ«المفيد»-، وهذا الرجل من كبراء عملائهم، وقد هلك في أوائل القرن الخامس الهجري، وله مصنفات كثيرة، من أجلها كتاب «الارشاد».

ذكر فيه: أن الحسين لما بلغه قتل مسلم؛ قام في الناس خطيبا، فقال: «أما بعد، فإنه قد أتانا خبر فظيع: قُتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يَقْطُر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف؛ فلينصرف في غير حرج، ليس معه ذمام».

هذا كلام الحسين، ينسب التخذيل إلى الشيعة، وينسب إليهم أنهم تركوه ولم يعينوه؛ ولكن كان أمر الله قدرًا مقدورًا.

أحاق المقاتلون بالحسين -رضي الله عنه- وآل بيته، فقال لهم: «اختاروا مني إحدى ثلاث: إما أن أرجع حيث كنت، وإما أن أذهب إلى ثغر من الثغور، وإما أن أضع يدي في يد ابن عمي يزيد».

ما معنى هذا الكلام؟ معناه: أن الحسين -رضي الله عنه- رجع، فلم يستمر على خروجه؛ فكيف يأتي من بعد ذلك من يأتي الآن، وينسب إليه أنه خرج على الحكام -بإطلاق-؟! هذا من الكذب والتدليس ومخالفة الحقائق، والتاريخ شهيد، وأقوال العلماء معروفة.

فهكذا قال الحسين لمن أحاط به من جند يزيد وعبيد الله بن زياد، فكاد قائد السرية حينئذٍ أن يكف عن الحسين، وأرسل كتابًا إلى يزيد بن معاوية يستشيره؛ فماذا وقع حينئذ؟! تُرَوْنَ من الذي أشار عليه وعزم عليه أن يقاتل الحسين؟!

إنهم الشيعة! إنهم الشيعة الشنيعة، الذين كانوا بالأمس مع أبيه عليٍّ، يقاتلون معه من قاتل بصفين، إذا هم الآن يشيرون على قائد السرية أن يقاتل الحسين بن علي، ويستبيح دمه!!

فمن الذين أعانوا على قتل الحسين: رجل يقال له، شَبَثُ بن رِبْعِيٍّ، وهذا رجل من المتهوكين المتقلبين، الذين كانوا يجدّدون كل يوم دينًا -والعياذ بالله- كما هو موجود في ترجمته-: فكان -أولا- ممن أعان على قتل عثمان -رضي الله عنه-! ثم صار من رؤوس الخوارج، وكان من أوائل من حَكَّم -أي ممن قالوا: ﴿ إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57]-، ومن رؤوس الخوارج الذي خرجوا على عليٍّ -رضي الله عنه-! ثم إنه من بعد ذلك تاب من خروجه، وصار من شيعة عليٍّ وجنده! ثم كان ممن أعان على قتل الحسين!!

وآخر من شكله أزواج: كان منهم رجلٌ آخر، يقال له: زَحْرُ بن قيس، وكان أيضًا من شيعة علي، وقاتل معه بالجمل وصفين!!

وآخر من شكله أزواج: رجلٌ يقال له: شِمْرُ بن ذي الجَوْشَن، وكان هذا الرجل -خاصّة- من أشد من سعَوا في قتل الحسين، وجعل يعزم على قائد السرية في ذلك، وقد كان أيضًا من شيعة علي، وقاتل معه بصفين!!

فمن الذين قتلوا الحسين؟! إنهم الشيعة!!

من الذين خذلوا الحسين؟! إنهم الشيعة!!

من الذين غدروا بالحسين؟! إنهم الشيعة!!

ولهذا يقيمون المآتم الآن في يوم عاشوراء -كما تعلمون- بهذه الصورة الفجّة المقززة، التي لا تمتُّ للإسلام بصلة.

هل من الإسلام: أن يضرب الرجل نفسه بسيف، أو سكين، أو نحو ذلك؟!

هل من الإسلام: أن يصل هذا الأمر حتى إلى الأطفال الرضع، الذين لا ذنب لهم؟!

هل من الإسلام: أن يسير الناس في الشوارع يضربون صدورهم، ويلطمون خدودهم، ويصيحون وينوحون؟!

يصنعون هذا حزنًا على الحسين، وهم الذين خذلوه وقتلوه!! فعلى أي شيء يبكون؟! وعلى أي شيء يحزنون؟! فاعجب لصنعهم وحماقتهم وضلالهم؛ نسأل الله السلامة والعافية.

هكذا كان شأن الشيعة في أيام الحسين -كما عرفت-.

ثم تأتي بعد ذلك مرحلة جديدة، بعد مقتل الحسين -رضي الله عنه- يأتي ابنه علي بن الحسين -الملقب بـ«زين العابدين»، وكان رجلا فاضلا -كسائر أهل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم-، وهو من هو في علمه وورعه وفقهه ومكانته، ولم يؤثر عنه قط -في الثابت الصحيح، الذي يعتبر به أهل السنة والإسلام-: أنه كان مع الشيعة، أو أنه كان مؤيدًا لهم؛ بل كان على بيعته ليزيد بن معاوية، وآثر السلامة، ولم يخرج مع الخارجين، وكان من شأنه ما كان من السلامة والاطمئنان.

ولكن يذكر المؤرخون في هذه المرحلة تحديدًا: أن الشيعة افترقت في عهده فرقًا كثيرة، وهكذا كانت من قبل؛ ولكن تفرقها -في هذه المرحلة خاصة- زاد وكثر.

وهذا الأمر يطول فيه الكلام؛ ولكننا نتوقف مع فرقة بعينها؛ لأن لها أثرًا تاريخيًا مهمًا، ودورًا في الغلو الذي نشأ عليه الرافضة ودعا إليه السبئية، وهذه الطائفة هي التي يقال لها: «الكَيْسانية» أو «المختارية»؛ نسبة إلى رجل يقال له: المختار بن أبي عبيد الثقفي.

ظهر هذا الرجل بعد مقتل الحسين -رضي الله عنه-، وادّعى أنه يريد أن يأخذ بثأره ممن قتلوه، فجمع الناس حوله، وصارت له دعوة، ونسب إلى محمد بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- المعروف بمحمد بن الحنفية؛ لأن أمه كانت من أبي حنيفة-؛ نسب إليه أنه أمره بذلك.

هكذا كانت الطريقة التي جمع الناس بها حوله؛ ولكنه لم يكتفِ بذلك؛ بل تأثر بالأفكار السبئية وورثها، فادّعى أنه ينزل عليه الوحي، وأنه قد تنبَّأ، وصار يخدع أصحابه ببعض المكاذيب والمخاريق!!

هذا مجمل شأنه، ولنذكر كلام العلماء فيه:

نذكر أولاً قول عالم من علماء السنة، وهو: الحافظ الذهبي -رحمه الله-.

قال في «السير»: «كان والده -يعني المختار- الأمير أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن عنزة بن عوف بن ثقيف: قد أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم -، ولم نعلم له صحبة، استعمله عمر بن الخطاب على جيش، فغزا العراق، وإليه تنسب وقعة جسر أبي عبيد.

ونشأ المختار -يعني ولده -، فكان من كبراء ثقيف، وذوي الرأي، والفصاحة، والشجاعة، والدهاء، وقلة الدين.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «يكون في ثقيف كذاب ومبير»، فكان الكذاب هذا: ادّعى أن الوحي يأتيه، وأنه يعلم الغيب؛ وكان المبير الحجاج -قبحهما الله-» اهـ كلام الذهبي.

والحديث الذي أشار إليه حديث صحيح؛ أخرجه مسلم في «صحيحه» عن أسماء -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يكون في ثقيف كذاب ومبير»، فالكذاب هو هذا المختار الذي نتكلم عليه الآن، والمبير -أي: المهلك الفاتك، الذي من شأنه الافساد في الأرض- كان الحجاج ابن يوسف الثقفي، وحاله معروف.

هذا قول علماء السنة فيه، وهو قول علماء الشيعة أيضًا.

قال النوبختي -في ذكر فرق الشيعة بعد علي-: «وفرقة قالت بإمامة محمد بن الحنفية؛ لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه، فسُمُّوا «الكيسانية»، وإنما سُموا بذلك لأن المختار بن أبي عبيد الثقفي كان رئيسهم، وكان يلقب «كيسان»، وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي -رضي الله عنهما- وثأره، حتى قتل -مِنْ قَتَلَتِه وغيرهم- من قتل، وادَّعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك، وأنه الإمام بعد أبيه.

وإنما لُقِّب المختار «كيسان»؛ لأن صاحب شرطته -المكني بأبي عمرة- كان اسمه، وكان أَفْرَطَ في القول والفعل والقتل من المختار جدًّا، وكان يقول إن محمد بن الحنفية وصي علي بن أبي طالب، وأنه الإمام، وأن المختار قيمه وعامله، ويكفّر من تقدم عليًّا ويكفر أهل صفين والجمل، وكان يزعم أن جبرائيل -عليه السلام- يأتي بالوحي من عند الله -عز وجل-، فيخبره ولا يراه.

وروى بعضهم أنه سُمي بكيسان مولى علي بن أبي طالب -عليه السلام-، وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين بن علي -عليه السلام-، ودلّه على قتلته، وكان صاحب سره ومؤامرته، والغالب على أمره» اهـ كلام النوبختي.

فهذه فرقة من فرق الشيعة -آنذاك-، وكان رأسها -كما عرفت- يدّعي علم الغيب، ويدّعي نزول الوحي عليه ، وأنه مأمور وملهم ومسدد، وأنه بُعث بالثأر من قتلة الحسين؛ هكذا كان شأنه.

فهذه المرحلة تجسد صورة جديدة من صور غلوّ الشيعة، وأنهم لم يزالوا في غيّهم وضلالهم وكفرهم في الغلو في علي -رضي الله عنه- وآل البيت من بعده، ولم يزل رؤوسهم يتوارثون هذا الغلو -كابرًا عن كابر-؛ هكذا استمرّ تاريخهم، وهكذا استمرت فتنتهم.

نسأل الله -عز وجل- أن يقيَنا شرهم وشر كل ذي شر، ونسأله أن يكشف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ؛ وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] لم أفصِّل الكلام على هذا الأمر؛ لأنه أجنبي عن موضوعنا الأساسي، والذي عليه عامة أهل السنة -كما بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية-: أن يزيد ملك من ملوك المسلمين، لا نَسُبُّه، ولا نحبه، وأمره إلى الله.

ومن المهم أيضا: بيان أنه لم يرض بأمور متعددة من الفظائع التي وقعت في عصره؛ كاستباحة المدينة في أيام الحَرَّة، وقتل الحسين.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي إف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت