الدرس العشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الحادي والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :565574
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ خطبة: سقوط «الإخوان» .. عبر ونصائح

المقال
تفريغ خطبة: سقوط «الإخوان» .. عبر ونصائح
4085 زائر
06/07/2013
أبو حازم القاهري السلفي

سقوط «الإخوان» .. عبر ونصائح

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

هذه الآية الكريمة هي خير ما يستحضره المسلم في هذه الأيام؛ فقد عشنا في فتن الخروج ما يناهز ثلاث حِجَج، ما زال الله - تعالى - يرينا فيها الآية تلو أختها، ويظهر لنا عجائب قدرته ودلائل عزته وحكمته، ومن أَجَلِّ ذلك: تصرفه - سبحانه وتعالى - في العطاء والمنع، والخفض والرفع، وإيتاء الملك ونزعه.

فرأينا الله - سبحانه وتعالى - نزع الملك من أناس، ما كان يُتصور أن يُنتزع منهم، فأخرجهم من العز إلى الذل، ومن الرفاهية إلى القهر، ومن القصور إلى السجون؛ حتى صاروا عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتعظ.

ثم إن الله - تعالى - آتى الملك أناسًا قد يئسوا منه -كما يئس الكفار من أصحاب القبور-، فأخرجهم من السجون إلى القصور، ومن الذل إلى العز، ومن الصغار إلى صنع القرار؛ حتى صاروا -أيضًا- عبرة وعظة لكل معتبر متعظ.

وها قد رأى الناس أن الله - تعالى - نزع الملك منهم، فأعادهم -مرة أخرى- إلى سابق عهدهم، وألحقهم بالأولين، حتى صاروا في سجونهم على مرمى حجر منهم!!

فيا لله! ما أحقر الدنيا! وما أشد زيفها! وما أعظم غرورها! صدق رب العزة - سبحانه وتعالى- إذ قال فيها: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ﴾ [الكهف: 45].

فخاب من رضي بالدنيا، وخسر من ركن إليها، لا يركن إليها إلا كل جاهل غافل، ولا يعتمد عليها إلا كل خائب خاسر، ولا يأمن مكر الله -تعالى- إلا القوم الخاسرون، لا سيما إذا خلت من قبلهم الَمثُلَات، ورأوا أمام أعينهم أناسًا يذلون بعد العز، ويأمنون مكر الله - تعالى -، فيمكر بهم ويذلهم، ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99].

إخوة الإسلام! إن أول ما نبتدئ به مقامنا هذا -بعد هذه المقدمة-: أن نتوجه لله -تبارك وتعالى- بالحمد والشكر -كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه- على أن كف عنا الفتنة والحرب الأهلية - حتى الآن على الأقل-؛ فإن هذه مصيبة لا تعدلها مصيبة، وشر لا يعدله شر، بالرغم مما سال من الدماء، وما يتوقع أن يسيل أيضًا - للأسف -؛ إلا أن الحرب الأهلية شرها عظيم مستطير لا يطاق.

فنحمد الله - تبارك وتعالى- على أن شملنا بحفظه ورعايته، واستجاب دعاءنا -ونحن المفتقرون إليه-؛ ولكن يجب أن نعلم أن النعمة لا تدوم إلا بالشكر ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، فإياك والغفلة، وإياك والنسيان، إياك أن تعتمد على نفسك وتحسن الظن بها، إياك أن تنسى فضل الله - تعالى - ونعمته، واعتبر بمن حولك في البلاد المنكوبة، واشكر نعمة الله عليك؛ والشكر يكون بالقلب، وباللسان، وبالجوارح؛ وخير ما تشكر به ربك: أن تتوب إليه، وتستقيم على جادته وصراطه، فتفعل المأمور، وتترك المحظور.

وبين يديك شهر فاضل كريم؛ نسأل الله - تعالى- أن يبلغنا إياه، وأن ينتقم من كل من عكَّر صفوه على المسلمين.

أَجَل؛ إن من الناس من يسعى لتعكير المسلمين في أعيادهم، يحوِّلون أيام الجُمَع إلى أيام فوضى -والجمعة من أعياد المسلمين-، وها هم يتحرون بفسادهم وإفسادهم شهرًا كريمًا هو خير الشهور؛ فليت شعري! كيف يعبد المسلمون ربهم، وكيف يستقيمون في هذا الشهر، وقد أحاطت بهم الفتن، وتكفَّأتهم المحن؟! إن هذا الأمر لمقصود؛ فلا تغفلوا، ولا تناموا، ولا تنسوا كيد الأعداء.

وعلى كل حال؛ فلا شك أننا نحمد الله - عز وجل - على هذه النعمة التي حلت بنا، ولا بد أن نشكر الله - تعالى- شكرًا حقيقيًا؛ حتى تدوم هذه النعمة، ولا تزول ولا تتحول، لاسيما وأن الفتن لا تزال مشتعلة، ولا يزال ذكاؤها باقيًا؛ فلنبادر بالشكر، ولنبادر بالدعاء والتضرع والاستكانة لله -عز وجل-؛ حتى يتم علينا نعمته؛ نسأل الله ذلك.

ثم إننا -من بعد ذلك- نتكلم في أمر، هو أصل ما نعانيه الآن، وأصل ما يتكلم فيه أرباب الجهالة والضلالة، الذين يستمرون في العبث بعقول المسلمين وأديانهم، ولا يفترون ولا يهدئون حتى يقودوا المسلمين إلى حتفهم -كما يقودون أنفسهم إلى حتفهم-!

أيها المسلمون! هل لا يزال الرئيس رئيسًا؟! هل هناك ما يسمى بالدفاع عنه -الآن-؟! هل هناك ما يسمى بنصرته -الآن-؟! هل الحرب التي أدت إلى إسقاط هذا الرئيس ونظام الإخوان المسلمين هي حرب على الإسلام؟! وهل سقوط الإخوان سقوط للإسلام؟! وهل جهاد الذين أسقطوا الرئيس كجهاد الكفار والمشركين؟!

كل هذه أسئلة لا بد من الجواب عنها؛ حتى تُكشَف الشبهات، وتُكَفَّ الفتن، التي يُسَاقُ المسلمون إليها الآن سوقًا، يساقون إلى حتفهم، وليس هذا بضار الإسلام شيئًا -والحمد لله-.

أيها المسلمون! إن ولي الأمر -الذي يسمع له ويطاع- هو الظاهر المعروف، الممكَّن المتغلِّب، الذي تأتمر بأمره البلاد وتنتهي بنهيه.

هكذا معتقد أهل السنة والجماعة، وهو وسط بين طرفين:

طرف من يقول: إن الإمام لا يكون إماما شرعيا حتى يفعل الواجب، ويترك المحرم، لاسيما ما يعود إلى الحكم بما أنزل الله، فلو أنه ضيع شيئا من ذلك؛ فليس بإمام ولا ولي أمر، ولا شرعية له، والخروج عليه حتم لازم! فهذا طرف الإفراط.

والطرف الآخر: طرف من يدعي الإمامة في المستتر الخفي المحجوب، الذي لا تمكين له ولا قدرة ولا شوكة! وهذا من جنس قول الرافضة في أئمتهم -كما نحن بصدد شرحه أصالة في الجمعات-، فالرافضة لا يؤمنون إلا بالإمام الذي هذه صفته، فالإمام -عندهم- خفي مستتر، لا وجود له، ولا قيمة له، وليس له سلطان ولا شوكة ولا قوة؛ فليت شعري! كيف يكون إمامًا -وصفته هكذا-؟!

فمن ادعى في إمام -هذه صفته- أنه إمام، أو سلطان، أو له بيعة، أو له عهد؛ فقوله من جنس قول الرافضة سواء.

ولا عجب؛ فإن أنصار الرئيس علاقتهم بالرافضة من أوثق ما يكون، وهم الذين مكنوا لهم في بلاد الإسلام، فلا يُستغرَب أن يكون قولهم في أمرائهم كقول الرافضة في أئمتهم!!

فدع عنك هذه الجهالات والوساوس، وعليك بالوسط -الذي هو الحق-، فالإمام الذي تترتب له أحكامه هو المتغلب القادر، الذي يسيطر على البلاد، فتأتمر بأمره، وتنتهي بنهيه؛ ولو فرضنا أنه كان كذلك، ثم نُزع منه هذا الأمر؛ فإنه لم يعد إمامًا، ولا رئيسًا، ولا سلطانًا، فأية بيعة تُعقد له؟! وأي عهد يستمر له؟! وكيف يقال -من بعد ذلك-: إنه يُنصَر، أو يُدافَع عنه، أو يُرفَض عزله؛ إلى غير ذلك؟!

ونحن كثيرا ما ندندن حول المثال القريب -الذي هو مثال «مبارك»-؛ حتى نربط المسائل، ونبين تناقض المخالفين المختلفين؛ فعندما سقط «مبارك»: هل كان يجوز لرجل أن يقول: إنه لا يزال رئيسا، ولا بد من الدفاع عنه، والحشد لنصرته، ومجاهدة من أطاح به؟! هل كان يمكن أن يقول أحد هذا؟! ولو قاله؛ أفكان يُسمع له ويُطاع؟!

فاتقوا الله -عباد الله-، وانظروا إلى الواقع الذين تعيشونه، وعليكم أن تعلموا علما تاما أن الله - تبارك وتعالى - لا يجازينا إلا من جنس عملنا، واتقوا أرباب الفتن والجهالات والضلالات، الذين هم أقرب ما يكونون الآن إلى المَمْرُورين والمَمْسُوسين، الذين ينطق الشيطان على ألسنتهم!

حلت بهم الصدمة -وواأسفاه-، فما عادوا يعرفون شيئا ولا يميزون شيئا! حتى خرج مُذَمَّمُهم وحُرْقُوصهم يَؤُزُّ الناس إلى الفتن أَزًّا، ويَحُشُّ نارها حَشًّا، يطفح بالتكفير والخروج والفساد في الأرض؛ وليس هذا بمستغرب؛ فقد عاد إلى طبيعته الأولى، والشاب على أول نشوئه!!

والأحكام هي هي، لا تتبدل ولا تتغير، وإنما تغيرت الأطراف -بين عشية وضحاها-، فصار الحاكم محكوما، والمحكوم حاكما، والذين كانوا يؤيدون الرئيس صار يقال فيهم الآن: «بغاة»، وصارت تنطبق عليهم أحكام البغاة، التي سبق شرحها في الجمعة الماضية!!

فسبحان الله! سبحان مقلب القلوب والأبصار! سبحان الذي يغير ولا يتغير!

فنفس ما قلناه في الجمعة الماضية في حق أناس غيرهم: نقوله الآن في حقهم، فالقوم الآن بغاة، لهم أحكام في التعامل معهم، لا تستباح دماؤهم ابتداء -ونسأل الله - عز وجل - أن يوفق الجيش والشرطة لذلك-، ولا بد من مكالمتهم ومناصحتهم وإفهامهم، ومن أفضل الطرق لذلك: أن يأتي إليهم أناس من جلدتهم، ويتكلمون بألسنتهم؛ وقد أخرج «حزب النور» بيانا لا بأس به، وأخرجت «الجماعة الإسلامية» بيانا لا بأس به؛ فليتكلموا مع هؤلاء وليناقشوهم، ليفهموهم أن الوضع قد تغير، ولم يعد كما كان، وأن الرجل -بالفعل- قد عُزل؛ حتى يصدقوا ويقتنعوا، قبل أن تحدث في البلاد فتنة لا يعلم مداها إلا الله.

وفي ختام هذه النقطة: أوضح أمرًا في غاية الأهمية؛ لكشف الشبهة التي سيطرت على كثير من القوم الآن.

كما ذكرته في الجمعة الماضية: لا شك أننا نقر بالحرب على الإسلام -من حيث الإجمال-، ونحن نتكلم في مخططات الأعداء، وكيدهم بالإسلام وأهله، ونعلم علما تاما أن ما يقع في بلاد المسلمين مقصود؛ لضربها والقضاء على الدين وأهله.

هذا كله نعلمه، ونتكلم به، ونوضحه للناس؛ ولكن لا بد أن نفرق بين هذا المقام، وبين المقام المعين الجزئي الذي نتكلم فيه، فرقٌ بين الحرب على الإسلام -من حيث العموم-، وبين الحرب على أفراد بعينهم -هم من جملة المسلمين-.

فمن المسلمين مبتدعون، محدثون في دين الله - عز وجل- ما ليس منه، ولهم في ابتداعهم وإحداثهم فساد في الأرض، وإضرار بالبلاد والعباد، وهم مسلمون -غير كفار-؛ فالكافر يحاربهم لمجرد أنهم مسلمون، والمسلم يحاربهم لفسادهم في الأرض، لا لأنهم مسلمون.

فمثلا: عندما يُحارَب «تنظيم القاعدة»، هل يُحارب على أنه من جملة المسلمين، أم لفساده في الأرض؟!

النية الأولى هي نية الكفار، فأمريكا عندما تضرب أفغانستان، وتحارب هذا التنظيم وتقضي عليه؛ إنما تفعل ذلك حربا على الإسلام؛ وأما الذين يتعقبون هذا التنظيم في بلاد المسلمين؛ فإنهم لا يفعلون هذا من باب حرب المسلم على أخيه، أو من باب محاربة الإسلام، بل من باب كف شر المبتدع عن الناس.

كمثل رجل نصراني ورجل مسلم، بينهما عداوة وبغضاء، فالنصراني يكره المسلم لأجل إسلامه؛ ولكنه لا يستطيع قتله، فيوعز إلى مسلم آخر حتى يقتله، والمسلم القاتل إنما يقتل لأجل كراهية وبغضاء في صدره؛ فهل نقول إن القاتل قتل المسلم من باب الحرب على الإسلام، أو قتله لمجرد إسلامه؟! كلا، وإن كان الذي دفعه إلى ذلك إنما دفعه إليه بغضا في الإسلام وأهله.

فلا بد أن نفرق ونميز، فالجيش عندما عزل الرئيس، لم يفعل هذا حربا على الإسلام، والجيش المصري بالذات معروف بتدينه -وهذا أمر لا يُشَكُّ فيه، ودعوكم من سفسطة المسفسطين، وجهل الجاهلين، وعبث العابثين-؛ الجيش المصري بالذات معروف بتدينه، وبُعْدِه عن العلمانية، واقترابه من الدين؛ وإن أخطأ في صنيعه -لا شك في ذلك-، فالذي حدث: خروج على الحاكم، لا نقرُّه ولا نرضاه؛ ولكن في مقام التكفير من عدمه لا بد من البحث في هذه الأشياء.

فالجيش لم يخرج على الحاكم لأنه مسلم، وإنما خرج عليه لأمور سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، حقنًا للدماء؛ هكذا وقع الأمر.

فالذين يخرجون الآن قد يخرجون بتكفير الجيش -كما هو تفصيل واقع الجزائر سواء-، وقد قلتها منذ عامين؛ فتذكَّروا، وقد اعترض علي من اعترض، وقال: هذا قياس فاسد! فما يقول الآن؟!

أخشى ما نخشاه: أن يتحول الواقع إلى تفصيل واقع الجزائر، وإلا؛ فما نعايشه الآن هو نسخة مصرية لواقع الجزائر، هو واقع الجزائر؛ ولكن بصورة سلمية -حتى الآن-؛ لأن طبيعتنا ليست كطبيعة الجزائر، وجيشنا ليس كجيش الجزائر، وتدخل الأعداء في بلادنا لم يكن كتدخلهم في الجزائر؛ ولكن بفعل أرباب الفتن والجهالات والضلالات، قد يؤول الأمر إلى تفصيل واقع الجزائر؛ فلا بد أن نحذر وننتبه.

فليست الحرب على «الإخوان» حربًا على الإسلام، ولك قرينة ظاهرة تعتبر بها: القنوات التي أُغلقت إنما هي قنوات معينة، تُخشى منها الفتنة على الناس، والدليل: أن بعض القنوات الإسلامية لا يزال موجودًا مستمرًا، وحتى الآن: الاعتقالات موجَّهة للذين تُخشى منهم الفتنة، ليس اعتقالا لجميع المتدينين، وجميع من ينتسبون إلى الاستقامة؛ فهذه قرينة تعتبر بها على أن الحرب ليست على الإسلام، والقوم في تصريحاتهم ينصون على هذا، وليس لنا إلا الظاهر، والله يتولى السرائر، ونحن نخشى -ولا شك- من قادم الفتن؛ ولكننا نتعامل مع واقع نعيشه الآن.

فلا بد أن تفهم هذا -أيها المسلم-، لا تستفزنَّك حماسة، ولا تؤزنَّك عاطفة، واعتزل أهل الجهالة والضلالة، الذي لا يسعون إلا إلى حتفهم -كما صنع أسلافهم الخوارج من قبل-.

نسأل الله - تعالى - أن يكف عنا الفتن كلها، وأن يكشف عنا الشر والبلاء؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أختتم مقامي هذا -إخوة الإسلام- برسائل وتوجيهات، أحاول اختصارها -قدر الإمكان-؛ لئلا يطول المقام.

* الرسالة الأولى: إلى عامة الناس، أذكِّرهم فيها بما قلته بعد سقوط «مبارك»، من أننا الآن في ابتلاء وامتحان، فالله - سبحانه وتعالى- يبتلينا مرة أخرى، ينظر في إيماننا ويقيننا واستقامتنا، فلو فعلنا ذلك؛ فسيولِّي علينا -من جنس عملنا- من يكون صالحا تقيا بَرًّا، وأما إذا فشلنا مرة أخرى -كما فشلنا في المرة الأولى-؛ فلا يلومنَّ أحد إلا نفسه.

القضية إخوة الإسلام -كما قلنا ونكرر دائما- ليست في قيام حاكم ولا سقوطه، وإنما القضية فينا نحن، ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129]، هذه سنة الله، لا تتبدل ولا تتغير.

فإياكم أن تغفلوا عن هذا، وإياكم أن تظنوا أن الشر كان معلقا بفلان؛ فإذا زال زال؛ بل نحن لا نزال نحتاج إلى الإصلاح، لا يزال فينا مفسدون وكاذبون ومخادعون، لا يزال الفساد موجودا في أفرادنا وجماعاتنا ومؤسساتنا وحياتنا؛ فكيف يتولى علينا رجل صالح -والحال هكذا-؟!

فلا تؤمِّلوا نجاحا ولا فلاحا في حاكم قط، وقد مرت بنا تجربة واضحة للعيان، يفهمها أبلد العامة؛ ألم يفرح الناس بعد سقوط «مبارك»؟! ألم يهلِّلوا ويكبروا؟! بل ألم يغنُّوا ويرقصوا؟! وعقدوا الآمال كلها على خليفته من بعده، فكان ما كان؟!

إنها عبرة واضحة -أيها الناس-، لا يمكن أبدا أن يتولى علينا رجل صالح -ونحن مفسدون-، فالإصلاح لا بد أن يأتي من قِبَلنا ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

فيمن تؤمِّلون؟! في كُسَيْر، وعُوَيْر، وثالثٍ ما فيه خير؟! هؤلاء هم الذين سيأتون بالصلاح؟! اللهم لا؛ حتى يأتي الصلاح من قِبَلنا نحن.

أيها المسلمون! إن من أعظم المحن التي نمر بها الآن: محنة التدين، ومكانته في قلوب الناس؛ وكما قلتها أكررها: لا بد أن نفصل بين الأشخاص وبين الدين؛ إياكم أن تكرهوا الدين، إياكم أن تكرهوا اللحية، إياكم أن تكرهوا النقاب، إياكم أن تكرهوا السنة؛ هذا هو المراد، هذا من أهم أهداف المخطط الذي يُطبَّق في بلاد الإسلام.

هل تُسحب أخطاء المسلمين على الإسلام؟! أليس في المسلمين من يسرق، ويزني، ويكذب، ويغش، ويحدث الفساد في الأرض؟! فهل يُنسب شيء من ذلك إلى الإسلام؟! اللهم لا؛ فكذلك السنة.

سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي المخرج من كل فتنة، هي المخرج من كل ضائقة ومحنة، سواء تكلمنا على هدي ظاهر أم سلوك باطن، سواء تكلمنا على اعتقاد أم عمل.

هكذا أمر الله: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، ﴿ مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65].

إياكم أن تكرهوا سنة خير البشر، الذي بعثه الله - تبارك وتعالى - لإنقاذنا من الهلكة.

خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل شيء: في الظاهر والباطن، في الاعتقاد والعمل؛ فإياكم أن تسحبوا أخطاء هؤلاء على السنة والاستقامة.

ومن أعظم المكاسب التي خرجنا بها من هذه المحن -فإن الله تعالى لا يخلق شرا من جميع الوجوه-: التمييز والتمحيص، وما قلته -قبل أعوام- من تمييز العلماء عن الجهلاء، وأهل الحق عن أهل الباطل: قد أعطاك الله - عز وجل- ما تتمكن به منه في مقامنا هذا.

أنت الآن -أيها المسلم العادي العامي- تستطيع أن تميز: فلان هذا يكذب، ويتلون، ويضحك على الناس، وله مواقف غير مسددة، وأخلاقه غير طيبة؛ إذن فليس على الحق؛ هل يشك في هذا أحد؟! وعلى الجانب المقابل: فلان هذا صادق أمين، لا يتكلم إلا بالدليل، وله خلق حسن، وسمت طيب، وقد ظهر مصداق كلامه في الفتن؛ إذن هو على الحق؛ يشك في هذا أحد؟!

فما عاد لك من عذر عند الله -واللهِ-، وقد أُغلقت القنوات، فأَبْقِها مغلقة؛ أقولها صراحة، رضي من رضي وكره من كره، وما زلت أحذر منها ومن أهلها، فإنها ما أتتنا إلا بالفساد والتلبيس والجهل؛ ماذا استفدتم منها؟! هل علَّمت التوحيد؟! هل علَّمت السنة؟! هل حذَّرت من الشرك والبدع؟! أم تتكلم فيما يتكلم فيه القساوسة في الكنائس؟!! فإن الكلام في الأخلاق الحميدة والرذيلة يتكلم فيه حتى القساوسة؛ بل الفلاسفة؛ فأي جديد قدمته للأمة؟! لاسيما بعد انخراطها في سلك السياسة القبيحة.

فلا تؤمِّلوا منها شيئا، والعلم هنا: في بيوت الله، مع من قال: قال الله، قال رسوله، قال الصحابة.

ولا تغتروا بمن يتكلم في أيامنا هذه كلاما صحيحًا، فقد ذكرت لكم آنفًا أن طائفة من القوم أخرجوا بيانات طيبة، وتكلموا بكلام طيب؛ فليس هذا يعني أنهم على الحق مطلقًا؛ فإن خلافنا معهم ليس في أمور السياسة فقط؛ بل هو في أصول، ومناهج، ومسائل، وقواعد.

فأغلقوا عنكم هذه الأبواب، يكفينا هذا الخلط والتلبيس، الذي عاث في ديننا فسادًا.

ما عاد لك من عذر -أيها المسلم-، قد أعطاك الله - عز وجل- التمييز والفرقان، فإياك أن تضيعه، وعليك بأهل الحق، والزمهم، واستمسك بغرزهم؛ فإنهم على الطريق المستقيم.

* الرسالة الثانية: أوجهها إلى الذين لا يزالون في حزبيتهم سادرين، وفي سياستهم باقين.

أقول لهم: ألم تفيقوا؟! ألم تعتبروا؟! ألم تتعظوا؟! أي عذر يبقى لكم، وأنتم لا تزالون في سياساتكم وأحزابكم؟!

لقد رُفض دستوركم، الذي زعمتم -كذبا وزورا- أنه يحكم الشريعة -وما هو بمحكِّمِها-؛ فما الذي يبقيكم؟! ماذا تؤملون؟! وماذا تنتظرون؟!

أتؤمِّلون نجاحا في الانتخابات؟! كلا -واللهِ-، وقد كرهكم الناس، وكرَّهتموهم في التدين، حتى ما عادوا يطيقون لحية ولا نقابا.

أفيقوا يا قوم! كفى! كفى عبثا بالمسلمين وشبابهم! ضيعتهم الأمة! وحزَّبتم الشباب! وأحدثتم الفرقة والاختلاف! أليس منكم رجل رشيد؟!

إنها عبرة وعظة، لا بد أن تستغلوها الآن؛ اتركوا السياسة، واتركوا الأحزاب، واتركوا الانتخابات والبرلمانات؛ أتريدون شيئا هو أكبر من شاهد الواقع؟! فبأي حديث بعده يؤمنون؟!

عليهم أن يراجعوا أنفسهم، والخلاف معهم ليس في هذه المسألة فقط؛ بل هو في مسائل الإيمان والكفر، ومسائل الحاكمية، ومسائل لزوم الجماعة، ومسائل عقدية وعملية؛ لا بد من النظر في هذه الأشياء.

إنها عبرة شديدة، عليهم أن يستغلوها، فيراجعوا أنفسهم، ويراجعوا أهل الحق؛ لعل الله - عز وجل- يهديهم ويسددهم، ويعودوا إلى جادة السنة والاستقامة، فيعيد الله -عز وجل- بهم شبابا كثيرين إلى الحق؛ وأما البقاء في السياسات؛ فهذا لا يؤدي إلا إلى الشر، والفساد، والكذب، والتلون، وتضييع الدين.

وإني لأشتم رائحة، هي رائحة عَلْمَنَةٍ للدولة!

من يدري؟! لعل الدولة تأتي إلى اتجاه علماني، وإن كان متسامحا مع التدين -كما هو الشأن في تركيا-!

فلماذا تبقون؟! وماذا تريدون؟! وقد ضيعوا جهدكم ودستوركم، الذي بذلتم فيه كل شيء، وضحيتم فيه حتى بالدين! فالله المستعان.

على هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم، ويعودوا إلى الحق، ويكفوا عن ضلالهم وجهلهم، قبل أن يفوت الأوان أكثر من هذا.

* الرسالة الثالثة: أوجهها إلى الشباب المتعصب المتحزب، الذي لا يزال يحسن الظن بـ«المشايخ»، و«العلماء»، والأحزاب، والسياسة!

ألا تزالون على هذا -بعد كل ما حدث-؟! أتريدون أمرًا هو أكبر مما نعيشه الآن؟!

إن الله - تعالى- يقول: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ [الجاثية: 23]، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة».

فهناك عبودية لغير الله، والعبودية -في مقامنا هذا- كما قال العلماء: شدة التعلق، فمن اشتد تعلقه بغير الله -على هذه الصفة-، فقد اتخذ ما يتعلق به إلها، وإن كان لا يكفر بذلك بادي الرأي؛ ولكن يصدق عليه أنه اتخذ متبوعه أو متعلَّقه إلها.

أيها الشباب المتعصب! أليس لك في شأن اليهود والنصارى عبرة؟! ألم تسمع أو تقرأ قول الله - عز وجل-: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]؟! وتفسيرها الذي لا إشكال فيه -وفيه حديث مرفوع-: أنهم أطاعوهم في تحريم الحلال، وتحليل الحرام.

فأي شيء تنتظر؟! وقد قامت عليك الحجة من قديم، عندما تلوَّن شيوخك، وبدلوا، وغيروا، وانتكسوا، وكذبوا، وتلونوا؛ فالحجة قائمة منذ ذاك الحين؛ ولكننا كنا نتربص حتى يأتي شاهد الواقع، فيزيد الحجة قيامًا؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يقيم الحجة على عباده شرعًا وواقعًا:

فإقامة الحجة من جهة الشرع ترجع إلى ظهور الأدلة، وتبيُّن الحق، وتميُّزه عن الباطل.

وقيام الحجة من جهة الواقع يكون بتمكين أهل الحق، وإذلال أهل الباطل.

وقد مكَّن الله -عز وجل- للرسل وأتباعهم شرعا وواقعا، فأظهر ما معهم من الحق بالدلائل الشرعية، ومكَّن لهم وأذل أعداءهم من الناحية الواقعية.

فقيام الحجة -الآن- واقعي وشرعي، فما عاد لك -أيها الشاب- من عذر.

إنها دعوة أخيرة أوجهها لك: بالتوبة، والإنابة، والإقلاع عن الحزبية والتعصب؛ وإلا؛ فها أنا ذا من مقامي هذا أوجِّه جميع إخواني السلفيين إلى هجر هؤلاء هجرا مطلقا، من بقي منهم على حزبيته وتعصبه؛ فليُهجر: لا يُلقَى عليه السلام، ولا يُرَدُّ عليه، ولا يُخالَط أدنى مخالطة، وإذا رأيتَه يمشي في طريق؛ فاسلك طريقا غيره.

هكذا كان السلف، وهكذا كنا نقول؛ ولكننا كنا نتلطف أحيانا في بعض المقامات، التي تكون فيها مفاسد أرجح، وكنا نراعي التأليف أحيانا؛ وأما الآن فلا مراعاة لشيء من هذا أبدا، أي عذر يبقى -بعد كل ما حدث، وما سيحدث، وقد آلت البلاد إلى خراب-؟!

فمن بقي على حزبيته؛ فهو مبتدع ضال خبيث، يستحق الهجر، ولو كان لنا قوة؛ لنكَّلنا به -كما نكَّل السلف بأهل البدع-.

عليهم أن يتقوا الله، عليهم أن يعدوا جوابا بين يدي الله؛ لن يدخلك شيخك الجنة، ولن ينجيك من النار، لن تتعلق به يوم القيامة، فينجيك، ويجيزك على الصراط؛ وإنما أنت مخاطب بالدين والشرع، والحجة والدليل؛ فانظر فيما تعد من الجواب بين يدي ربك.

إن الموت قريب، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، ومن يدري؛ لعلك تهلك في هذه الفتن -نسأل الله السلامة من كل سوء-؛ أفترضى أن تلقى ربك -وأنت ميت ميتة جاهلية-؟!

فأَعِدْ حساباتك، وانظر في شأنك، واتق الله ربك، ودع عنك التعصب والتحزب، والزم جادة السنة ومنهاج السلف؛ فإن في ذلك العصمة من كل فتنة ومحنة.

* الرسالة الأخيرة: أوجهها إلى السلفيين المستقيمين -لا إلى السلفيين المتحزبين-، أوجهها إلى أهل السنة الخلص الحقيقيين.

يا أهل السنة -شيوخا وشبابا وطلابا، كبارا وصغارا-! إنكم في امتحان شديد، في امتحان استخلاف وتمكين، وقد مكَّن الله -سبحانه وتعالى- لكم شرعا وواقعا، وإن كان هناك ابتلاء نعايشه؛ ولكنه سيمر -بإذن الله-، وما هي إلا أيام - وإن طالت - حتى يقع التمييز الأكمل الأتم.

فاصبروا، وصابروا، ورابطوا، ولا تلتفوا لسخرية الناس منكم، لا تلتفتوا إلى مؤاخذتكم بذنوب غيركم؛ فإن هذا ابتلاء لا بد منه، ولا يمكَّن الرجل حتى يبتلى، وإنكم أتباع الأنبياء، فلا بد أن يصيبكم ما أصابهم، لا بد أن تُبْتَلَوْا كما ابْتُلُوا.

فاصبروا، وصابروا، ورابطوا، وعليكم بدعوة الناس بأعمالكم قبل أقوالكم؛ فإن المخالفين ما سقطوا إلا من جهة الفصام بين القول والعمل.

فادعوا الناس - يا أهل السنة - بأخلاقكم، وأعمالكم، وحسن تمسككم بدينكم؛ ادعوا الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن جادلكم أحد؛ فجادلوه بالتي هي أحسن، وانشروا السكينة والأمان بين المسلمين، ومن كلمكم في شيء من حزبية أو طائفية؛ فبيِّنوا له، وانصحوه، وقولوا له: ليست أصابع يدك متشابهة؛ هكذا ينتشر الخير ويعُمُّ، ويعرف الناس الحق، ويميزونه عن الباطل.

إياكم -يا أهل السنة- أن تكذبوا، أو تتلونوا، أو تخالفوا الحق -وأنتم تعلمون-.

إياكم -يا أهل السنة- أن تتعصبوا أو تتحزبوا، فتقعوا فيما وقع فيه المخالفون، فتهلكوا كما هلكوا.

والله -تبارك وتعالى- لا يحابي أحدا، ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

فإياكم والحزبية، وإياكم والطائفية، وإياكم والتعصب لأحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

مشايخنا بشر، يخطئون ويصيبون، يعلمون ويجهلون، يوافقون الحق في أشياء، ويخالفونه في أشياء -لغير عمد إن شاء الله-؛ فاقبلوا الحق والدليل، ومن أتاكم بخطأ شيخكم؛ فاشكروه، وارجعوا للحق.

بهذه الطريقة تقوم لنا القائمة، ويمكن الله -عز وجل- لنا، وإلا؛ فلَنُسْتَبْدَلَنَّ كما استُبدل المخالفون.

إنها محنة ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، إنها محنة لك، بثباتك، وصبرك، واستقامتك على الحق، وبُعْدك عن الباطل؛ فلئن نجحت -بتوفيق الله تعالى-؛ فلتكوننَّ العاقبة لك -كبيرا كنت أو صغيرا-، وإن كانت الأخرى - عياذا بالله -؛ فالله المستعان.

نسأل الله -عز وجل- أن يكشف عنا الفتن -ما ظهر منها وما بطن-، ونسأله -جلت قدرته- أن يكشف عنا الوباء والبلاء؛ اللهم اكشف عنا الوباء والولاء، اللهم أتمم نعمتك علينا بحقن الدماء، اللهم أتمم نعمتك علينا بحقن الدماء، اللهم اهد عبادك لما فيه صلاحهم، اللهم اهد عبادك لما فيه صلاحهم، اللهم كف المتعصبين عن تعصبهم، والجاهلين عن جهلهم، والضالين عن ضلالهم، اللهم اهد قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وكفهم عن الشر والفساد يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقهم للحكم بالحق والعدل، وجنبهم الجور والظلم، اللهم جنبهم الجور والظلم، اللهم جنبهم الجور والظلم، اللهم جنبهم الجور والظلم، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم وفقنا فيه لتوبة نصوح ترضيك، اللهم وفقنا فيه لحسن التقرب إليك، اللهم اعصمنا من الفتن وأشكالها، واجعلنا عبادا صالحين ترضى عنهم بمنك وكرمك، يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

للاستماع للمادة الصوتية أو تحميلها، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت