مختصر لمحاضرات قديمة بعنوان
بصائر سلفية فيما أثير بين مشايخ السنة بمصر من المسائل المنهجية
لتحميل المقالات منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
فهذه محاضرات قديمة، كنت قد ألقيتها بمناسبة بعض الفتن التي وقعت بين الدعاة عندنا بمصر، وهذا مختصر جديد لها، ويشتمل -أيضا- على بعض التعديلات.
عزل الحاكم
بين السنة والبدعة
*أولا:
تولية الإمام منوطة بأهل الحَلِّ والعقد، وهم من تحصل بهم الشوكة والسيطرة على البلاد، والعبرة باتفاق من يحصل بهم هذا المعنى، فلا يشترط إجماع جميعهم.
*ثانيا:
الذي يوجب عزلَ أهل الحل والعقد للإمام أمور:
1-رِدَّة الإمام: فلا تنعقد الإمامة لكافر، ولا تستديم له إذا طرأ عليه، وهذا بالإجماع.
2-عدم إقامته للصلاة: لحديث: «ما أقاموا فيكم الصلاة».
3-عجزه عن القيام بالإمامة، لجنون، أو مرض مُقْعِد، أو أَسْر، أو نحو ذلك.
*ثالثا:
وأما الفسق؛ فلا يجوز العزل به؛ لعموم النصوص في النهي عن الخروج على الحاكم الجائر، والأمر بالصبر عليه، ولا فرق هنا بين خروج العامة، وعزل أهل الحل والعقد؛ لأمور:
1-أن النصوص لم تفرق بين الخروج والعزل.
2-أن الخطاب الشرعي الموجَّه لبعض الأمة موجَّهٌ لجميعها، وأهل الحل والعقد من الأمة.
3-أن حقيقة الأمر الشرعي هنا هو الأمر بالصبر على الحاكم، والعزل ينافيه.
*رابعا:
حادثة عزل علماء المملكة للملك سعود بن عبد العزيز في أواسط القرن الماضي: كنتُ قد أرجعتُها لإصابة الملك بمرض مقعد، هكذا رأيتُ في بعض المواقع آنذاك.
ثم اطلعتُ على كلام كثير، لغير واحد من أهل السياسة المطلعين على خباياها، يُرجعون الخلع إلى أمور كانت تهدد أمن الدولة السعودية آنذاك.
وعلى هذا؛ فصنيع العلماء موجَّهٌ على أنه من باب رعاية المصالح والمفاسد، فخلع الملك مفسدة، ولكنهم ارتكبوها لدفع ما هو أعظم منها، وأشد خطرا على البلاد.
ولا معارضة في هذا -إن شاء الله- لقواعد الشريعة، وإذا تحقق هذا المناط في أي وقت أو أي بلد؛ فأرجو أن يكون العزل جائزا -إن شاء الله-.
الموقف الصحيح
من المائلين عن الجادة
*أولا:
لا ينفع العلم بدون خلق وأدب، ومن فقد هذا؛ فهو طالب سوء، مهما ظهر ذكاؤه، واشتد نشاطه، وكثر تحصيله.
*ثانيا:
من سمات طلاب السوء: سوء الفهم، وسوء القصد.
فإنهم ينتقدون ما لا يفهمون، ويسعون بالفتنة والتحريش بين المشايخ.
*ثالثا:
الواجب على الطالب إذا وقف على خطأ لشيخ:
1-الابتداء بنصيحته.
2-تحري الأدب في ذلك، كأن يعرض المسألة في صورة سؤال للشيخ.
3-فإن تعين بيان الخطأ علنا؛ فلا يلزم ابتداء تسمية الشيخ، بل يكتفي بالبيان والتنبيه.
*رابعا:
في مسائل النفي والإثبات بين الأشخاص: إذا ادُّعي على شخص شيء، فنفاه، وكان المدعي -أو الناقل- ثقة؛ فهذا له صورتان:
1-جزم المُدَّعَى عليه بالنفي، كقوله: لم أقل كذا، لم أحدثه به؛ فهذا يوجب ردَّ ما يُنسب إليه، دون طعن على المدعي -أو الناقل-.
2-عدم الجزم، كقوله: لا أذكر، لا أعرف؛ فهذا لا يوجب ردَّ ما يُنسب إليه، بل يُقبل جزم الناقل الثقة.
*خامسا:
تسجيل المكالمات الهاتفية ونحوها بدون إذن، وكذا إفشاء ما يقال في المجالس الخاصة: حرام، لا يجوز.
عن جابر -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا حدَّث الرجل بالحديث، ثم التفت؛ فهي أمانة». رواه أبو داود، والترمذي.
*سادسا:
من كان مستقيما، معروفا بالسنة، ثم انحرف؛ فلا ينفعه سابق عهده، ولا يجوز تمييع انحرافه، ولا تبريره.
*سابعا:
يجب على السلفي البراءة من المائلين عن الجادة، إذا تعيَّن ذلك عليه شرعا.
فإن كان يؤوي طالب سوء، وينصره، ويزكِّيه، بعدما ثبت لديه انحرافه، أو دُعي ليُبَيَّن له ذلك، فأعرض، واستكبر، وكذا الأمر مع داعية منحرف؛ فواجب عليه أن يعلن البراءة منه، ولا يجوز له التغافل، فضلا عن العصبية والتبرير.
ضابط السرقة العلمية
*أولا:
المسألة مبناها على مبحثين من مباحث علوم الحديث: التدليس، وسرقة الحديث.
*ثانيا:
الفرق بين التدليس وسرقة الحديث: أن التدليس رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه، بالصيغة المحتملة -عن، أو قال، أو نحو ذلك-، فإذا صرح بالسماع؛ فهذه هي السرقة.
فمدار التدليس على الإيهام، ومدار السرقة على الكذب الصريح.
*ثالثا:
النقل بدون عزو مذموم ومعيب؛ لكنه ليس مُسْقِطًا لفاعله -بإطلاق-، ولا يقال فيه «سرقة» -بإطلاق-.
*رابعا:
الصورة غير المُسْقِطة: شخص متأهل علميًّا، نقل عن غيره بدون عزو، دون أن يقع في كذب صريح، أو يتسبب في إضرار هذا الغير ماديًّا -كما هو مقرَّر في حقوق الملكية الفكرية المعاصرة-.
فهذه الصورة طفحت بها كتب أهل العلم، وهم يعيبونها؛ لكن فاعلها لا يسقط، ولا يقال فيه: سارق؛ كما أنهم عابوا التدليس، وذمُّوه ذمًّا شديدا؛ لكنهم لم يسقطوا من فعله، والتدليس نقل بدون عزو، أخذ المدلس رواية الواسطة، ولم ينسبها إليه.
*خامسا:
الصورة المسقطة، التي تسمَّى «سرقة»: أن يسطو على الكتاب برُمَّتِهِ، وينسبه إلى نفسه، سواء كان مؤلَّفًا على طريقة الأبحاث المعروفة، أو كان شرحا مسموعا لأحد المشايخ، طبعه الشخص، ونسبه إلى نفسه، أو غير ذلك؛ المهم أن تتحقق صورة الكذب الصريح.
*سادسا:
من كان النقل بدون عزو عادة له، لا يكاد يخلو منه كتاب من كتبه، وهو نقل فاحش عُرْفًا، بصفحات كثيرة، أو مباحث كاملة، أو نحو ذلك؛ فهذا مذموم جدا، وإن كان في إطلاق «السرقة» عليه نظر؛ لكنه يقدح -على الأقل- في منزلته العلمية، فلا يجوز أن يُعَدَّ عالما؛ إذ علمه -في الحقيقة- هو علم غيره.
حمل المجمل على المفصل
في كلام من دون المعصوم
*أولا:
المجمل: هو المحتمِل المحتاج إلى بيان. والمفصل: هو الواضح الذي لا يحتاج إلى بيان.
*ثانيا:
ردُّ المجمل إلى المفصل في كلام الله ورسوله: واجب؛ فإن كلامهما لا يكون إلا حقا، فلا يمكن أن يحتمل معنى فاسدا، ولا بد من حمله على المحمل الحسن دائما.
*ثالثا:
الإجمال في كلام من دون المعصوم مذموم، والواجب أن يتحلى المتكلم بالبيان والوضوح في كلامه، والألفاظ المجملة لا تُثبت ولا تُنفى، بل يُستفصل عن معناها، فإن كان حقا قُبِل، وإن كان باطلا رُفِض.
*رابعا:
العبارات الصريحة في الخطأ، التي لا تحتمل تأويلا إلا بتكلُّف: يجب إنكارها، ولا يجوز حملها على محامل حسنة، ولو وُجد لقائلها كلام بخلافها؛ فإننا نقول: له قولان، فإن عُلم المتأخر منهما؛ نسبناه إليه، ولا يجوز تجاهل الكلام الباطل لأجل الكلام الصحيح.
*خامسا:
العبارات المحتملة للتأويل حقًّا تُرَدُّ -في نفسها-، ويُنبه على ما فيها من الإجمال المفضي للإشكال، ثم تُحمل على المعروف من أحوال أصحابها، فإن أطلقها من هو معروف بالاستقامة؛ حُملت على المحمل الحسن، والعكس صحيح؛ وكذا لو وُجد للشخص كلام آخر يفسِّرها، فإنها تُرَدُّ إليه.
الرد على من قال
إن الألباني وافق المرجئة في مسألة عمل الجوارح
*أولا:
الموقف الشرعي من زلات العلماء يقوم على أمرين:
1-التخطئة: بأن يُبيَّن ما في زلته من الباطل، ويُنهَى عن اتباعه فيها.
2-عدم الطعن: فلا نبدِّعه، ولا نسقطه، بل نحفظ مكانته.
*ثانيا:
الزلة على ضربين:
1-أن يقول العالم بقول أهل البدع، لنفس مأخذهم وتأصيلهم: فهذا يقال فيه: وافق أهل البدع، وقد لا يستلزم هذا تبديعه بعينه، إن كانت المسألة خفيت عليه.
2-أن يقول بقول أهل البدع في بعض الصور أو المسائل، من غير موافقة لهم في التأصيل والمأخذ، كتأويل ابن خزيمة لحديث الصورة، فهذا لا يقال فيه: وافق أهل البدع.
*ثالثا:
قول الألباني: «العمل شرط كمال في الإيمان»: مجرد خطأ لفظي، لا يجوز أن يقال لأجله: إنه وافق المرجئة؛ فإنه يُدخل العمل في حقيقة الإيمان، فلا يمكن أن يكون قد عنى بعبارته تلك: أن العمل خارج عن ماهية الإيمان خروج الشرط عن ماهية المشروط.
*رابعا:
حتى على القول بأن تارك عمل الجوارح -بالكلية- لا يكفر؛ فلا يصح -أيضا- أن يقال لأجله: إن الألباني وافق المرجئة؛ لأنه لم يوافقهم في نفس تأصيلهم، الذي هو إخراج العمل عن حقيقة الإيمان، ونفي التفاضل عنه.
خاتمة
*أولا:
التائب إلى المنهج لا يجوز تصديره رأسًا ومرجعًا، يتكلم في الدعوة وكأنه من الراسخين فيها، ويتبوأ منصب القوامة عليها وعلى أهلها، وإن كانت له دعوة قائمة؛ فإنه لا يؤمر -طبعا- بتركها؛ لكنه يوضع في منزلته -على ما وصفتُ-.
*ثانيا:
لا يجوز تصدير المجاهيل، الذين وافقوا السنة في مجرد فتنة الثورات والعمل السياسي، بل يجب التحري في شأنهم، وإنزالهم منازلهم.
*ثالثا:
على كل داعية أو طالب علم أن يلزم تخصصه، ولا يتعداه، وخصوصا أمور المعتقد والمنهج، فلا يجوز أن يتصدر لها إلا من كان راسخا متخصصا فيها.
*رابعا:
في المشاكل الدعوية، والكلام في الرجال: يجب الرجوع إلى المشايخ القائمين بالدعوة، وأهلُ كل بلد أدرى بمن فيها، ولا يجوز لعموم الإخوة الخوض في هذا الأمر -استقلالا، أو توسُّعًا-.
كتبه
أبو حازم القاهري
10/صفر/ 1447
|