إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :603153
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

إما هذه القاعدة أو منهج الخوارج والحدادية!

المقال
إما هذه القاعدة أو منهج الخوارج والحدادية!
337 زائر
24-07-2025 10:36
أبو حازم محمد بن حسني القاهري

إما هذه القاعدة

أو منهج الخوارج والحدادية!

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

من أجلِّ قواعد الشريعة، المقطوع بها، المجمَع عليها:

الظهور والخفاء في مسائل الشرع أمر نسبي.

وبيان ذلك: أن مسائل الشرع على قسمين: ظاهرة جلية، وخفية غامضة.

فالظاهرة: هي ما يُعبَّر عنها بالمعلوم من الدين بالضرورة، مما دلت عليه الأدلة القطعية، واشترك في معرفته المسلمون، كوجوب المباني الأربعة، وتحريم الزنا والخمر والربا.

والخفية: بخلاف ذلك.

ومن المعلوم بالضرورة: ما يكون كذلك في حق علماء الشريعة -خاصة-، وإن كان العوام يجهلونه، أو لا ينتبهون له، وقد لا يفهمونه -أصلا-، كمسألة خلق القرآن، وهذا كما أن إفادة الأحاديث للعلم أمر معروف لدى أهل الشأن، وإن لم تحصل هذه الإفادة لغيرهم.

وهذا العلم الضروري بمسائل الشرع أمر نسبي، يختلف باختلاف أحوال الرجال، والواقع الذي يعيش فيه المسلمون.

ومرجع ذلك إلى أمرين: خفاء الحق، أو ظهور الباطل.

فقد تكون المسألة من أظهر مسائل الشرع -في نفسها، وفي أدلتها-؛ لكن يلحقها الخفاء في واقع ما؛ لنقص العلم بها وبأدلتها، أو كثرة الشبهات التي تصرف عن دلالتها، وهذا باب واسع جدا، لا يحيط بتفاصيله إلا الرب.

وأمثلة هذه القاعدة معلومة لدى أهل العلم، حتى في مسائل العقيدة، كم من مسألة اعتراها الظهور والخفاء بحسب الواقع العام، أو بحسب المعينين من العلماء، كالخروج على الحكام، والتفضيل بين عثمان وعليٍّ -رضي الله عنهما-، والتربيع بعليٍّ، واللفظ بالقرآن.

وهذا الأمر في باب زلات العلماء -اعتقادية كانت، أو عملية- بحرٌ لا ساحل له، كم من مسألة هي -في نفسها- من أظهر وأوضح ما يكون؛ لكنها خفيت وأشكلت على عالم معين، حتى إنه ليُتعجَّب من شأنه -أحيانا-، فيقال: كيف خالف النص الفلاني؟! كيف لم يقف على الإجماع الفلاني؟! كيف وقع في مثل هذه الشبهة؟! كيف ضعَّف هذا الحديث؟! كيف قَبِل هذا الحديث؟!

فالذي لا ينتبه لهذا الأمر، فيعتبر المسائل الظاهرة ظاهرة -بإطلاق-، دون نظر في الواقع، وما يعتريه من غربة العلم، وضعف السنة، وكثرة الشبهات؛ فلا بد له من أحد أمرين -وقد يقع فيهما جميعا!-: تكفير بغير حق، أو تبديع بغير حق.

وتعظم البلية عندما يأتي من يراعي هذا الواقع، فلا يكفر ذلك المكفَّر، أو لا يبدع ذلك المبدَّع، فيقال فيه: كافر! أو مبتدع!

ومن هنا دخل الداخل على غلاة العصر، من التكفيريين والحداديين، بل على من سَلَّ السلاح منهم على أهل القبلة، وخرَّب بلادهم، من الجهاديين، وأشكالهم.

دع عنك مسألة الحكم بغير ما أنزل الله -بهذا الإطلاق-، ولنتكلم في أمر هو كفر مجرد، لا يحتمل تفصيلا -لذاته-، وهو الديمقراطية.

فالقوم يقولون: من حكم بالديمقراطية فهو كافر عينًا! ومن رضي بها فهو كافر عينًا! فالشعب -بأسره- كافر حلال الدم!

وأعتقد أننا لا نختلف معهم في النتيجة فقط -التي هي القتل والتدمير-، بل نختلف معهم في المقدمة أيضًا -التي هي نفس تكفيرهم للأعيان-، أليس كذلك؟!

ولا يتحقق الخلاف معهم في تلك المقدمة إلا بعد تأصيل ما ذكرناه، فالديمقراطية كفر ظاهر -في نفسه-، ليس خفيًّا ولا غامضًا؛ ولكن لحقه الخفاء والغموض في الواقع المعين، في البلد المعين؛ للأسباب السابق شرحها.

ولا يجوز التفريق بين مسألة وأخرى من مسائل الشرع، ما دمنا قد تصورنا الخفاء فيها، وحصل هذا في الواقع بما لا ينكره عارف منصف.

وحتى لو رجعنا إلى الوراء قليلا، فقد يقع العالم في كبوة عظيمة، يصعب تصوُّر العذر له فيها، كما قال أحدهم في كتاب له في أصول الفقه: «مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ فِي كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنْ طَالَتْ ذُيُولُهَا، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِيهَا فِرَقًا، وَامْتُحِنَ بِهَا مَنِ امْتُحِنَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ: لَيْسَ لَهَا كبير فَائِدَةٍ، بَلْ هِيَ مِنْ فُضُولِ الْعِلْمِ» اهـ!!

وإنا لله، وإنا إليه راجعون!

قائل هذا الكلام من فحول علماء الإسلام، في القرن الثالث عشر، بل هو اليوم معدود من أئمة «السلفية»، لا يجرؤ أحد على تبديعه!!

فهذا عالم مطَّلع، ينتسب إلى السنة، وإذا به يقول ما رأيتَ، مما يعجز اللسان والبنان عن وصف شناعته، في أصول من أصول الدين والسنة -حقًّا-.

فإن قيل: خفيت عليه المسألة؛ قلنا: فكيف لا يُتصور خفاء مثلها -أو أقل منها- على من هو دونه في كل شيء، وفي واقع دون واقعه في كل شيء؟!

وأقول مؤكِّدًا: ليس هذا هو المثال الوحيد، بل هناك العديد (!) من الأمثلة!

فمن هنا عظم الخطب على الحدادية، وعاملوا الخلف بواقع السلف، وضاق عطنهم عن استيعاب ذلك الفارق الهائل بين زمانهم وزماننا، فتجد أحدهم يتكلم وكأنه أحمد بن حنبل في وقته! ولزمهم بإسقاطهم للعلماء خلوُّ عصورهم عن قائم بالسنة! ومعلوم أن هذا ممتنع -بالنص، والإجماع-.

فلا مخلص من هذه الورطة إلا بالنظر العليم الحكيم في الواقع، وكل مخالفة نقف عليها ننظر في مأخذها، والغالب المعلوم بالضرورة من واقعنا: أن الخفاء موجود متحقق، فلنحرص -إذن- على إقامة الحجة، وإزالة الشبهة، فإذا تحقق ذلك؛ فالمخالف كافر أو مبتدع -بحسب مخالفته-، ونبيِّن حجتنا للناس في ذلك، صابرين مصابرين، هادئين مترفِّقين، ثم نسكت سكوتا جميلا، قائلين بلسان الحال أو المقال: هذا هو ما عندنا، ولم نَأْلُ عن الحق، رضي من رضي، وكره من كره.

بل نفس التصريح بتكفير الكافر، وتبديع المبتدع، قد يكون لنا رخصة في تركه، إذا كان يؤدي إلى مفسدة عظمى، ويضر الدعوة وأهلها، وخصوصا لو كان المخالف ذا سلطان، وكم في بلاد المسلمين من كفار ينعقون بكفرهم آناء الليل وأطراف النهار، ويصرحون أنهم مباينون لدين الإسلام -جملة-، ولو صرَّحنا بتكفيرهم علنًا؛ فالعاقبة معروفة!

فتنبَّهوا، وتفهَّموا، ولا تغالطوا.

ورحم الله العلامة مقبلًا الوادعي، الذي قال قولته المشهورة: «ما نخاف على الدعوة إلا من أنفسنا»!

نعم! لا يضر الدعوةَ إلا الجهال، والحمقى!

والله المستعان.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الأربعاء 28/محرم/1447

   طباعة 
0 صوت