الحث على المودة والائتلاف بين السلفيين
نختم المجلس -إن شاء الله تعالى- بنصيحة نوجهها لإخواننا في قضية الأُخُوَّة، ومراعاة حقوقها وحدودها.
وهذا الأمر -في الحقيقة- لو أردنا الكلام فيه؛ فسيطول المقام جدا، لاسيما وأن هذا الكلام له شجون كثيرة، ولا شك -عند جميع الإخوة- في التفريط والتقصير الذي نعاني منه جميعا في حقوق الأخوة، ولا بد أن نعترف أن المخالفين قد تفوقوا علينا في هذه النقطة، وإن كان الأمر قد آل بهم إلى تمييع وتضييع للدين؛ لكن نحن نتكلم على أصل مراعاة الأخوة، وبعضهم صنَّف في ذلك -وحُقَّ له أن يفعل-؛ لأن الإسلام عماده الأخوة: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾.
وهذا هو الذي يريد الأعداء أن يقضوا عليه فينا؛ لأننا نقول: مخطط الأعداء عبارة عن تقسيم، والتقسيم يحصل عندما نختلف أولا، عندما يحصل لنا التفرق والاختلاف في الآراء والمذاهب؛ يتهيأ الأمر إلى التفرق والاختلاف على الأرض.
فعلينا أن نحافظ على أُخُوَّتنا، ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم».
فما ينبغي -مطلقا- أن تقع مثل هذه الفرقة بين الإخوة الذين يجمعهم المنهج الواحد، فلسنا نتكلم على من خالف في المنهج وفي العقيدة؛ لأن الذي أمر بالمودة والائتلاف هو الذي أمر بالضرب على يد هؤلاء، وأمر باتخاذ الموقف منهم -من الهجر ونحوه-.
وكما نقرر دائما: عصمة المسلم ليست عصمة مطلقة، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم؛ إلا بحقها»، وقد تكلمنا آنفا على قتال الخوارج، وقتال البغاة، ونحو ذلك؛ فكذلك الأمر هنا: الأصل أنه لا يجوز الهجر، «لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث»؛ لكن هناك مسوِّغات، والذي قال هذا الكلام هو الذي هجر ثلاثة من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- خمسين ليلة؛ فلا بد أن نجمع بين الأمور.
فنحن إنما نتكلم على أصحاب المنهج الواحد والعقيدة الواحدة، نتكلم على الإخوة السلفيين المستقيمين الطيبين، الذين ليسوا من أهل التحزب، وليسوا من أهل التفرق والاختلاف، وليسوا من أهل البدع والضلالات.
ما هذه الفرقة؟! ما هذا التدابر؟! ما هذا التمزق الذي نعاني منه؟!
لا يكاد أحدنا يسأل عن أخيه، ولا يكاد أحدنا يتواصل مع أخيه!
هذا غلط، علينا أن نضرب المثل -حتى لعامة الناس-، فالناس تنظر إلينا على أننا قدوة: نتمسك بالسنة والشعائر؛ فلا ينبغي أن نكون قدوة سيئة للناس.
يقول موسى -عليه السلام- في دعائه لله -عز وجل- كما الآية التي ذكرها الله تعالى: ﴿ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين﴾، فمن الفتنة للقوم الظالمين: أن تقصر أنت في خاصة نفسك، فعندما يجدك الرجل من المسلمين مقصرا في أمر ما؛ فهذا تنفير وفتنة له؛ فكيف بهذه الصورة العامة، التي تمثل الفتن والتمزق والاختلاف بين أصحاب المنهج الواحد؟!
فهذا غلط، ومخالفة للنصوص وهدي السلف وأخلاق الإسلام، وهو فتنة للناس، وتنفير لهم عن الدين؛ ولا نريد أن نزيد في هذا التنفير أكثر مما هو واقع الآن.
فعلى جميع إخواننا أن يتحلوا بالآداب والسلوك الحسن، علينا بالرفق والرحمة والتواصل، علينا أن يسأل بعضنا عن بعض، وأن يراعي بعضنا بعضا، وإذا وقع أحدنا في خطأ؛ فلنحرص عليه، ولنرفق به، ولا نشنع عليه، ولا نسخر به.
والسخرية -خاصة- تقع من كثير من الإخوة!! كيف والله تعالى يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب﴾.
فعلينا أن نحرص على هذه الآداب -بارك الله فيكم-، وعلينا أن نتراحم ونتواصل، وعلينا أن نحقق قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر».
فلا يسخر أحد من أحد، ولا يشدد أحد على أحد، ولا يتربص أحد بأحد؛ وبالذات في القضايا المنهجية -يا إخوان-، وقد تكلمنا آنفا على مسألة الاختلاف الحادث في الفتن الأخيرة، والتوصيف السيئ من بعض الإخوة، الذين قل نصيبهم من العلم والمعرفة والإدراك.
لا نريد أن يتحول الأمر إلى هذه الشاكلة، في القضايا المنهجية: لا تتكلم إلا بأثر، لا تتكلم إلا بقول عالم من العلماء أو شيخ الشيوخ، ولا تُثِر الجدل؛ أليس من أصول السنة: ترك الجدال والمراء والخصومات في الدين؟!
والسبب الرئيسي في هذا التفرق: أن الإخوة يتناظرون، كأن أحدهم ابن تيمية عصره!! ويتعصبون ويتشنجون ويتشددون!!
ومن أنت -يا أخي-؟! ارحم نفسك، واعرف قدرك ابتداء -قبل هذا الذي تخوض فيه-.
هذا خلاف للنصوص والآثار وأصول السنة.
وابتعدوا عن المواقع؛ لا أقصد الابتعاد المطلق، وإنما أقصد إطار المناظرات والمجادلات والمساجلات؛ واجعلوا علاقتكم دائما مع المواقع علاقة استفادة: كتاب ينزَّل، فتوى تُسمع، مقال مفيد يُقرأ.
وأنا أقول -تحدُّثًا بنعمة الله -عز وجل-: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا﴾-: نحن هنا -أنا وإخواني- نبتعد دائما عن الفتن والاختلافات والنزاعات، ولا أبيح لأحد من إخواني قط -ولا أقول: تلامذتي، وإنما هم إخواني الذي يجالسونني، وتربطني بهم علاقة ومودة والحمد لله-؛ لا أبيح لهم قط أن يتصدروا على المواقع أصلا، فضلا عن الكلام والقيل والقال؛ ولهذا نحن -والحمد لله تعالى- في سكينة وهدوء، وليس عندنا مشاكل ولا فتن؛ هذا علاج ناجع؛ وكيف لا، وهو كلام الله والرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو ما كان عليه السلف؟!
فاترك الجدل والمراء، والمغالبة والمناظرة، وارحم إخوانك، وأحسن الظن بهم، وارفق بهم؛ إلا في مواطن إساءة الظن التي أشرت إليها آنفا.
فالذين حذرت منهم آنفا: هم في موطن إساءة ظن، ومعلوم من أحوالهم أنهم يصفُّون حسابات؛ وسأتكلم بصراحة: فتجد أن عندهم مشكلة مع الشيخ رسلان؛ لأنه قال كذا، أو فعل كذا -مما تعرفون-، فتجدهم يتصيدون، ويستغلون هذه المسألة لتصفية الحسابات مع الشيخ رسلان، حتى يقولوا: إن الشيخ الفلاني يرد على الشيخ رسلان!!
فهؤلاء لا يُحسَن بهم الظن، ولا بد من الضرب على أيديهم، ولا بد من تعنيفهم وتوبيخهم وتقريعهم؛ لأنهم لا يأتون البيت من بابه، ولا يسلكون الجادة السليمة -في مثل هذه المقامات-.
وأما عامة إخواننا، الذين لا نعلم عنهم سوءا ولا شرا ولا فسادا ولا خبثا؛ فنحسن بهم الظن، ونرفق بهم، ونتواصل معهم، ونكون يدا واحدة على من سوانا.
ونحن أحوج ما نكون إلى هذا اليوم؛ فنحن في فتنة شديدة، وبلاء شديد، لانريد مضاعفتهما على أنفسنا بهذا التمزق الذي نعانيه فيما بيننا.
لن نخرج من هذه الفتن إلا بهذه الطريقة: التراحم، والتواصل، والرفق، والتزاور؛ وتعرفون فضل الزيارة في الله، وفضل الأخوة في الله، والمحبة في الله.
وأما هذا التمزق الذي نعيشه؛ فليس من السنة ولا الإسلام في شيء، وسيضاعف الفتنة والبلاء، وسيكثر المنتكسون -حتى من بيننا-؛ فإن البلاء شديد، وإنما نحن بشر، فإذا خرج أحدنا في الشارع، فسخر الناس منه، ثم وجد إخوانه -الذين هم معه على الطريق- يختلفون معه في مسألة منهجية -مثلا-؛ فإنه يعود إلى سبيل الضلال والمعاصي -نسأل الله العافية-.
فلا تكونوا عونا للشيطان على إخوانكم، ولا تتسببوا في فتنة الناس عن الدين.
نسأل الله أن يرزقنا الثبات والسداد والصواب، وأن يوفقنا دائما إلى ما فيه الخير، وأن يكشف عنا الفتن -ما ظهر منها وما بطن-.
وأوصيكم -ونفسي- بكثرة الدعاء والاستغفار واللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ عسى أن يكشف الله هذه الفتنة، وإن هذا لقريب -إن شاء الله تعالى -فيما نرجو وفيما نظن-، وظننا بالله حسن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لتحميل التفريغ منسقا وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|