البيان الرفيع
لدين الرافضة الشنيع
(الخطبة السادسة عشرة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فقد انتهينا من ذكر عقائد الرافضة في أركان الإيمان، وبقي لنا المزيد من عقائدهم، نقتصر على أهمه؛ للعذر الذي أبديته في الجمعة الماضية، والله المستعان.
وسنتناول اليوم - إن شاء الله تعالى- أصل دين الرافضة، وأهم عقائدهم على الإطلاق، وهي: الإمامة، فالإمامة عند القوم أصل الأصول، وأساس الملّة، وقوام الديانة، وركن الإسلام الأعظم، الذي يقوم بقيامه ويزول بزواله.
وقد عرفنا أن دينهم -في الأساس- قائم على أقوال أئمتهم، فلا بد أن نعرف حقيقة هؤلاء الأئمة عندهم، وحقيقة اعتقادهم فيهم.
ولنتعرف أولاً على مكانة الإمامة عند الرافضة.
قال آل كاشف الغطاء في «أصل الشيعة»: «الإمامة منصب إلهي -كالنّبوّة-، فكما أنّ الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنّبوّة والرّسالة، ويؤيّد بالمعجزة -التي هي كنصّ من الله عليه-؛ فكذلك يختار للإمامة من يشاء، ويأمر نبيّه بالنّصّ عليه، وأن ينصبه إمامًا للنّاس من بعده»!!
وقال نعمة الله الجزائري - وهو حقيق بأن يُسمى نقمة الله!!- في كتابه «زهر الربيع»: «الإمامة العامّة التي هي فوق درجة النّبوّة والرّسالة»!!
وقال هادي الطّهراني في «ودائع النبوة»: «الإمامة أجلّ من النّبوّة؛ فإنّها مرتبة ثالثة شرّف الله تعالى بها إبراهيم بعد النّبوّة والخلة»!!
وقال الخميني- صاحب الثورة الإسلامية المزعومة- في «حكومته»: «من ضروريات مذهبنا: أن لأئمتنا مقاما، لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل»!!
وروى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: «بني الإسلام على خمس: على الصّلاة، والزّكاة، والصّوم، والحجّ، والولاية؛ ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ النّاس بأربع، وتركوا هذه -يعني الولاية-»!! فجعلوا الولاية بديلة للشهادتين!!
قال ابن بابويه في «اعتقاداته»: «واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمّة من بعده: أنّه بمنزلة من جحد نبوّة الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا ممن بعده من الأئمة: أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء، ثم أنكر نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-»!!
وقال ابن المطهر: «الإمامة لطف عامّ، والنّبوّة لطف خاصّ؛ لإمكان خلو الزّمان من نبيّ حيّ؛ بخلاف الإمام، وإنكار اللّطف العامّ شرّ من إنكار اللّطف الخاص»!!
فهذه نصوص القوم واضحة، لا تقبل الجدل ولا النقاش، فالإمامة عندهم أجلُّ من النبوة، والأئمة أفضل من الأنبياء، والإمامة ركن الإسلام الأكبر، الذي أضاعه أكثر الناس؛ ومن أنكره؛ فهو كافر شرٌّ من منكر النبوة!!
هكذا تتبين حقيقة القوم، وهكذا ينكشف وجههم الأسود، واعتقادهم هذا في إمامتهم هذه: كفر أبلق -بإجماع المسلمين-؛ فإن من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام: أن الأنبياء أفضل الخلق مطلقًا، قد اصطفاهم الله على العالمين، وشرّفهم بتبليغ الدين، فلا يكون ذلك إلا لفضلهم على غيرهم، ولو ساغ أن يُفضل غيرهم عليهم؛ لكان هذا قدحًا في حكمة الله ومنّته، وكفرًا به وبشرعته؛ وهذا بيّن لا يخفى.
والإمامة -عند الرافضة- لا تثبت إلا بالنص، فالإمام لا بد أن يكون منصوصًا عليه من الله ورسوله.
كما سمعنا آنفًا، وكما بوب «الكليني» فقال: «باب ما نص الله ورسوله على الأئمة»!!
وفي «الفصول المهمة» للعاملي: «لا يجوز للرعية اختيار إمام؛ بل لابد فيه من النص»!!
وفي «عقائد الإمامية» للمظفر: «الإمامة لا تكون إلا بالنّصّ»!!
فنسأل الرافضة: ما حقيقة هذا النص؟! وكيف السبيل إليه؟!
وقد عرفت أنهم أكذب الناس، وأن طرقهم في النقل لا يثبت بها خبر، والإمامة -على تصوّرهم- من أجلّ القضايا المِلِّيِّة، فلا بد أن يكون النص فيها واضحًا ظاهرًا معلومًا للأمة كلها، لا يجوز أن يكون خفيًا، ولا مكتومًا، ولا معروفًا لطائفة بعينها من دون المسلمين؛ لأن هذا يعدّ قدحًا في تبليغ الرسالة والنصيحة للمسلمين.
والإمامة -كما يعتقدون- من مقتضيات لطف الله بالخلق، ولهم في هذا نفس اعتزاليٌّ لا نطوّل بشرحه؛ فكيف يتحقق اللطف في شيء هذه صفته، وبنص هذه صفته؟!
ولو كانت الإمامة نصًا من الله ورسوله؛ لما ساغ لعلي أن يبايع أبا بكر -رضي الله عنهما-، ولما ساغ للحسن أن يسلّم لمعاوية -رضي الله عنهما-، ولم يقل إمام من أئمتهم قط: إنه إمام مفترض الطاعة، منصوص عليه من الله ورسوله.
وترتيب الأئمة عند الرافضة: على نحو معين، وعدّتهم: اثنا عشر إمامًا، ولهذا يقال للرافضة: «الاثنا عشرية».
فأول الأئمة عندهم: علي أبو الحسن المرتضى، والثاني: ابنه الحسن أبو محمد الزكي، والثالث: أخوه الحسين أبو عبد الله الشهيد، والرابع: ابنه علي أبو محمد زين العابدين، والخامس: ابنه محمد أبو جعفر الباقر، والسادس: ابنه جعفر أبو عبد الله الصادق، والسابع: ابنه موسى أبو إبراهيم الكاظم، والثامن: ابنه علي أبو الحسن الرضا، والتاسع: ابنه محمد أبو جعفر الجواد، والعاشر: ابنه علي أبو الحسن الهادي، والحادي عشر: ابنه الحسن أبو محمد العسكري، والثاني عشر: ابنه محمد أبو القاسم المهدي، القائم المنتظر، الذي سنعرف أنه لا وجود له!!
فالرافضة هكذا تعتقد في ترتيب الأئمة وتعيينهم، ولا بد أن تكون العدة عندهم هكذا، هذا أصل دينهم وأساس ملتهم، لا يجوز خلافه أبدًا.
ومع ذلك؛ فقد وقعت عندهم ورطة جسيمة، لا يستطيعون الخلاص منها حتى اليوم!
وذلك أنه قد جاء في كتبهم: أن عدة الأئمة ثلاثة عشرة إماماً!! وجاء عندهم أنه على تقدير كونهم اثني عشر؛ فليس علي بن أبي طالب -الذي هو أولهم- معدودًا فيهم!!!
فجاء في «كافيهم» عن جابر: «دخلت على فاطمة، وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم عليّ»!!
فالأوصياء على ما في لوح فاطمة -وقد عرفتَ مكانته عندهم- من ولدها؛ فأين زوجها علي؟! وثلاثة منهم: عليٌّ، وقد عرفناهم في الأسماء التي ذكرناها؛ فأين علي بن أبي طالب؟!
فيا لها من ورطة، تبيّن تناقضهم، وتسقط دينهم، وتنسف أصل ملّتهم؛ وهكذا شأنهم -كما عرفنا وسنعرف-، ونعوذ بالله من الضلالة والكفر والزندقة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
* الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
بقي لنا في قضية الإمامة عند الرافضة: أن نتكلم على شأن العصمة، وذلك أن الأئمة -عند الرافضة- معصومون عصمة مطلقة، لا تُخدش ولا تُكسر، ولا يتطرق إليها أي نوع من نوع الخلل.
وقد أثبتوا لهم في ذلك أمورًا لم تثبت حتى للأنبياء، فالأنبياء -في عصمتهم- يجوز عليهم السهو مثلا، والرافضة لا تثبت السهو لأئمتهم!!
والأنبياء -في عصمتهم- لا يعلمون الغيب، والرافضة يثبتون لأئمتهم علم الغيب!!
ولنذكر طرفًا من أقوالهم في ذلك:
قال المجلسي في بحاره: «اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة -عليهم السّلام- من الذّنوب-صغيرها وكبيرها-، فلا يقع منهم ذنب أصلاً: لا عمدًا، ولا نسيانًا، ولا للخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من الله سبحانه»!! وقال في موطن آخر: «من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله»!!
وقال ابن بابويه في «اعتقاداته»: «اعتقادنا في الأئمة: أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون؛ ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم؛ فقد جهلهم، ومن جهلهم؛ فهو كافر. واعتقادنا فيهم: أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم -من أوائل أمورهم وأواخرها-، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل»!!
وفي «الكافي» عن أبي الحسن: «إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا طير، ولا بهيمة، ولا شيء فيه الروح؛ فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس بإمام»!!
وذكر صاحب «الكافي» بعض التبويبات في ذلك، منها: « باب أن الأئمة يعلمون وقت موتهم، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم»!! وقضية التخيير خاصة بالأنبياء؛ كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما قُبض نبي حتى خُيّر».
فعلى حسب ما سمعنا: الرافضة يثبتون العصمة لأحد دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويتعدَّون خصوصية الأنبياء، وهذا أيضًا كفرٌ -بإجماع أهل الإسلام-؛ فإن من المعلوم بالضرورة من الدين أيضًا: أن العصمة للأنبياء وحدهم؛ لأنهم وحدهم هم المصطفون على الخلق، والمفضلون على الناس، والمأمور بطاعتهم طاعة مطلقة؛ فإثبات العصمة لغيرهم يعارض هذه الخصوصية، وحقيقته إثبات النبوة لغير الأنبياء، أو تفضيل غيرهم عليهم.
وهناك الكثير من المواقف التي تتعارض مع عصمة أئمة الرافضة، وهم أنفسهم يعترفون بها ويقرّونها؛ كما ذكرنا آنفًا من بيعة علي لأبي بكر -رضي الله عنهما-، فلو كان علي إمامًا مفترض الطاعة منصوصا عليه من الله ورسوله -كما تقول الرافضة-؛ لما اتفق مع عصمته أن يتنازل عن حقه، ويخالف نص الله والرسول، ويغش الإسلام والمسلمين.
ولو كان الحسن كذلك -كما تعتقد الرافضة-؛ لما ساغ -بمقتضى عصمته- أن يسلم لمعاوية، وقد بويع بالخلافة، وكان معه الكثير من الناس، الذين يستعدون للقتال دونه.
ولو كان الحسين كذلك؛ لما ساغ له -بمقتضى عصمته وعلمه لوقت موته- أن يُقدم على مصرعه بيده، ويلقيَ بنفسه وأهل بيته بين براثن عدو غاشم، يفوقه عددًا وعدة.
وقد جاء في كتب الرافضة أنفسها أن الأئمة يجوز عليهم الذنب!!
ففي «الكافي» عن جعفر الصادق: «إنا لنذنب ونسيئ، ثم نتوب إلى الله متابا»!! فكيف يوجَّه هذا؟!
والرافضة أنفسهم لهم طعون فاحشة في أئمتهم -كما سنعرف إن شاء الله-!! فهذا لا يتفق مع اعتقادهم فيهم، وإثباتهم العصمة لهم.
فهذا حاصل الكلام على قضية الإمامة -عند الرافضة-، وهي قضية كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه؛ لم يجده شيئًا؛ وذلك شأن سائر معتقدات الرافضة.
وفي الختام: فلا بد من تعليق على ما قد عُلم من شأن وزير الدفاع، ودعوته للتظاهر اليوم؛ دعمًا لمواجهة الإرهاب.
والواقع أنه ليس ثمَّ جديدٌ أقوله؛ فإن الموقف الشرعي من هذا الأمر ينتظم في جانبين، قد شرحتُهما وفصّلتهما مرارًا:
فأما الجانب الأول؛ فهو ما كثُر فيه كلامي -خاصّة- على مدار الفتن بأسرها، وهو: حرمة المظاهرات وأخواتها، ومنافاتها للإسلام وقواعده؛ ولا يجوز إتيان المحرّمات طاعة لأحد من الخلق، ولا توصّلاً إلى غاية مشروعة؛ فإن من أصول الإسلام: أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة، وأن الحاكم لو أمر بمعصية؛ فلا سمع له فيها ولا طاعة؛ فلا يجوز إتيان المظاهرات -وإن أذن فيها الحاكم أو دعا إليها-؛ هكذا قلنا أيام مبارك، وأيام مرسي، وهكذا نقول الآن -بتوفيق الله تعالى-؛ لا نغيّر، ولا نتلوّن، ولا نبدّل ديننا ومنهجنا، ونسأل الله الثبات على ذلك.
وأما الجانب الثاني؛ فهو حكم قتل المتظاهرين، وقد بيّنتُه من قديم، وأعدتُ التأكيد عليه قريبًا، عندما تكلمتُ على الفرق بين الخوارج والبغاة، وسأذكِّركم بخلاصة ما سبق شرحه.
الخوارج هم الذين يخرجون عن الطاعة، ويفارقون الجماعة؛ عن اعتقاد بتكفير المسلمين، واستحلال دمائهم، وإحداث الفساد في الأرض؛ فهؤلاء هم الذين حذّر منهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر بقتالهم وقتلهم؛ لمَّا خرج عليه أبوهم الأول ذو الخويصرة التميمي، فقال له: «يا محمد اعدل»، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، وقراءته إلى قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد، وأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة».
وأما البُغاة؛ فهم الذين يخرجون كذلك؛ ولكن لتأويل سائغ، وشبهة متمكّنة، من دفع ظلم أو نحوه، فليس عندهم تكفير للمسلمين، ولا سلّ للسيف على أهل القبلة؛ فهؤلاء هم الذين ورد فيهم قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: 9] ، فأمر الله تعالى بالإصلاح مع وجود الاقتتال، ولم يأمر بقتال الطائفة الباغية إلا بعد استصلاحها، فلا يُقاتَل البغاة حتى يُستصلحوا، ويحصل الإياس منهم، ويُخشى من شرّهم.
مع ضرورة التنبيه على أن من صال على المسلمين، فقطع طريقهم، أو عطّل مصالحهم، أو أفزعهم و روّعهم؛ فهو صائل يُدفع -وإن كان باغيًا-؛ ولكن دفع الصائل يكون بالأسهل فالأسهل، ولا يُقتل حتى يُتحقَّق أنه لا يندفع إلا بالقتل.
هذا حاصل الحكم الشرعي في هذه المسألة.
والإشكال الآن: أن المتظاهرين أخلاط، قد جمعوا بين الطائفتين، فحَشْرُهم في زمرة واحدة ومعاملتهم معاملة واحدة: موطن عسر ومرتقىً صعب؛ نسأل الله تعالى أن يهديَ الشرطة والجيش لحسن التعامل مع هذا الموقف، وأن يُطهّر أيديهم من الدماء الحرام، وأن يعيذنا من الواقع الجزائري أو الليبي أو السوري.
وأقول أخيرًا: لقد رددتُ على أنصار الشرعية المزعومة، وبيّنت أنه لا سند لهم من شرع أو عقل، وأنا الآن أوجّه لهم كلمة أخيرة؛ فلكأنّي أرى مصارعهم أمام عيني!!
لقد ذكَّرتكم من قبل بموقف النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنهجه في وقت الاستضعاف، وأنا أذكِّركم الآن بموقفين لصحابيَّيْن جليلين، لهما وثيق الصلة بما نتكلم فيه الآن.
أحدهما: عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين، الذي تولّى الخلافة بإجماع المهاجرين والأنصار، وكان إمام عدل وهدى، فخرج عليه خوارج السوء لمزاعم كبيت العنكبوت، يرومون خلعه -بل قتله-، وقد كان الدفاع عنه حقًا، والقتال دونه شرعًا؛ ولكنّه نهى عن ذلك، وآثر حقن الدماء، وجاد بنفسه الطاهرة، فقُتل في بيته شهيدًا مظلومًا -وهو يتلو كتاب الله-؛ أفأنتم خيرٌ من عثمان؟!
والثاني: الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، سِبْطُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، آخر الخلفاء الراشدين، الذي بويع بالخلافة -بعد مقتل أبيه-، وكان معه الشوكة والقوة وكثرة الأتباع؛ ولكنه سلّم الأمر لمعاوية -رضي الله عنه-؛ حقنًا للدماء أيضًا، وقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه على هذا الصنيع، فقال -صلوات الله وسلامه عليه- كما في «صحيح البخاري»-: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين»؛ أفأنتم خير من الحسن؟!
أليس لكم في هذين الصحابيَّيْن أسوة؟! ألا تتنازلون عن الملك الزائل والدنيا الفانية؛ حقنًا للدماء؟! ألا تعودون لمنهج نبيكم، فتغيرّوا ما بأنفسكم، فيغير الله ما بكم، ويعطيكم خيرا مما أُخِذ منكم؟!
أم نراكم -ووامصيبتاه!- تستغيثون بالكفار، وتستنجدون بالمشركين، وتطلبون التدخل الأجنبي في البلاد؟!!
ألهذا الحدّ يصل بكم الضلال والطغيان؟! ألهذا الحد تخونون الله ورسوله والمسلمين؟! أهذه هي دولة الإسلام التي تتشدقون بها؟! أتأتون بالكفار حتى يقيموها لكم، في إطار مشروع التقسيم، والشرق الأوسط الجديد؟!
ألا خِبْتُم، وخاب مَسْعاكم، وتبوَّأتم من النار منزلاً!! اذهبوا إلى مزبلة التاريخ -غير مأسوف عليكم-!! ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون!!
اللهم اكشف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اكشف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اكشف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرًا فوفقه لكل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره، واجعل أمره حائرًا عليه، وقنا شرّه وفتنته يا أرحم الراحمين. اللهم وفّق ولاة الأمور لما تحبه وترضاه، اللهم وفّق ولاة الأمور لما تحبه وترضاه، اللهم إنا نعوذ بك أن يُسلّط علينا بذنوبنا بلاء لا نطيقه ولا نتحمله. اللهم احفظ هذا الشعب المسكين، اللهم احفظ هذا الشعب الطيّب، اللهم احفظ هذا البلد الطيب، اللهم لا تؤاخذه بذنوبه، ولا بما فعل السفهاء منه، اللهم عامله بما أنت أهله، اللهم عامله بما أنت أهله، ولا تعامله بما هو أهله، اللهم ارحمنا وأخرجنا من هذه الفتنة على ما تحبه وترضاه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|