البيان ال"/>
الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567265
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ الخطبة الرابعة عشرة من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع

المقال
تفريغ الخطبة الرابعة عشرة من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع
3170 زائر
29/06/2013
أبو حازم القاهري السلفي

البيان الرفيع

لدين الرافضة الشنيع

(الخطبة الرابعة عشرة)

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عودة إلى «البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع»، وقد توقفنا عند ذكر معتقدهم في الإيمان بالرسل، وسنتناول اليوم - إن شاء الله تعالى- معتقدهم في الإيمان باليوم الآخر.

فاعلموا - وقاكم الله السوء والفتن- أن اليوم الآخر عند الرافضة إنما هو يوم الأئمة -بجملته وتفصيله، وعمومه وخصوصه-، فكل شيء فيه -تقريبًا- قد وُكل بالأئمة، وهو عائد إليهم -بحسب ما يرون ويشاءون-.

ومن مظاهر انحرافهم في ذلك -ابتداءً-: أنهم يصرفون النصوص التي جاءت في الإيمان باليوم الآخر إلى قضية الرجعة، فاليوم الآخر عندهم -ابتداء- مؤوَّل برجعة الأئمة، فهذا تحريف لحقيقة هذا اليوم، وخروجٌ به عن مورده، وإلحادٌ في دين الله سبحانه؛ وسيأتي الكلام على قضية الرجعة في محلها -إن شاء الله-.

وكنا قد ذكرنا -من قبل- قول الكليني في «كافيه»: «باب ما جاء أن الآخرة للإمام، يضعها حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائزٌ له ذلك من الله»!!

وقد أوغلوا في ضلالهم، فقالوا - كما روى الطوسي في «مجالسه» عن جعفر- : «إنّ الله تعالى أمهر فاطمة -رضي الله عنها- ربع الدنيا، فربَّعها لها، وأمهرها الجنّة والنّار، تدخل أعداءها النّار، وتدخل أولياءها الجنّة»!!

فالجنة والنار -عند الرافضة- إنما هما مهرٌ وصداقٌ لفاطمة -رضي الله عنها-، تتصرف فيهما كيفما تشاء، وتدخل الجنة من تشاء، وتدخل النار من تشاء!!

ومعلوم أن الإيمان باليوم الآخر -عند أهل الإسلام والسنة- يبتدئ من الإيمان بالموت، وما يكون فيه من السكرات والاحتضار، وما يكون بعده من فتنة القبر؛ فالرافضة تدخلوا في هذا أيضًا بضلالهم وإلحادهم، فجعلوا هذه الأمور كذلك للأئمة، وجعلوا لهم منها نصيبًا.

فقال المجلسي في «اعتقاداته»: «يجب الإقرار بحضور النبي والأئمة الاثني عشر -صلوات الله عليهم- عند موت الأبرار والفجار، والمؤمنين والكفار، فينفعون المؤمنين بشفاعتهم في تسهيل غمرات الموت وسكراته عليهم، ويشددون على المنافقين ومبغضي أهل البيت -صلوات الله عليهم- ولا يجوز التفكر في كيفية ذلك»!!

وقال العاملي في «وسائله»: «باب استحباب وضع التّربة الحسينيّة مع الميّت في الحنوط والكفن، وفي القبر»!!

فالميت عندهم يأخذ في حنوطه وكفنه شيئًا من تربة قبر الحسين، ويؤخذ معه شيء حتى يوضع في قبره؛ هكذا تقول الرافضة!!

وجاء في غير كتاب لهم: «أول ما يُسأل عنه العبد: حبُّنا أهل البيت، فيسأله ملكان عن من يعتقده من الأئمّة -واحدا بعد واحد-، فإن لم يجب عن واحد منهم؛ يضربانه بعمود من نار، يمتلئ قبره نارًا إلى يوم القيامة، وأما إذا كان في حياته معتقدًا بهم؛ فإنه يستطيع الرد على أسئلتهم، ويكون في رغد إلى يوم الحشر»!!

يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يعتقد المسلمون -: أن العبد يُسأل في قبره عن ربه ونبيه ودينه، وأما هؤلاء؛ فيجعلون أول ما يُسأل عنه: الاعتقاد في الأئمة!!

فإذا تجاوزنا قضية القبر إلى قضية البعث والحشر، فإننا نجد لهم كذلك إلحادًا في هذه المسألة، وهو في -حقيقته- نزعة سياسية مجوسية، يريدون أن يختصوا أحفاد المجوس -من الفرس- بشيء من الخصائص والنفحات؛ حتى يرغبوهم في اعتناق الرفض، ويكون لهم بذلك دولة وشوكة.

فنجد عندهم -كما في «بحار الأنوار»-: «إن أهل مدينة قُمٍّ يحاسبون في حفرهم، ويحشون من حفرهم إلى الجنة»!!

وفيه أيضا عن الرضا: «إنّ للجنّة ثمانية أبواب، ولأهل قُمٍّ واحد منها؛ فطوبى لهم، ثم طوبى»!!

و«قُم»: مدينة في إيران مشهورة، فأهل هذه المدينة -عند الرافضة- لا حساب عليهم، وإنما يحاسبون في قبورهم، ويحشرون منها إلى الجنة رأسًا، من غير سابقة حساب ولا عذاب، ولهم باب في الجنة مخصوص، لا يدخل منه سواهم!!

فليت شعري! بأي شيء استحقّوا ذلك؟! وما الموجب الذي أوجب لهم ذلك؟! وإنما هي سياسة الرافضة، التي تهدف إلى الدولة والشوكة، وقيام الدولة الصفوية المجوسية، التي تقضي على الإسلام وبلاده ودوله.

فإذا تجاوزنا ذلك إلى نفس ما في يوم الآخر؛ فإننا نجد عندهم -كما في «رجال الكشي» عن جعفر-: «إلينا الصّراط، وإلينا الميزان، وإلينا حساب شيعتنا»!!

وعدّ الحرّ العاملي من أصول الأئمّة: «الإيمان بأنّ حساب جميع الخلق يوم القيامة إلى الأئمّة»!!

وجاءت عندهم روايات كثيرة تقول: «لا يجوز الصّراط أحد إلا ومعه ولاية من علي» أو «جواز فيه ولاية علي»، أو «كتاب فيه براءة بولاية علي».

وقال ابن بابويه في «اعتقاداته»: «والصراط في وجه آخر اسم حجج الله، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم؛ أعطاه الله جوازًا على الصراط -الذي هو جسر جهنم يوم القيامة-؛ قال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ: «يا علي، إذا كان يوم القيامة؛ أقعدُ أنا وأنت وجبرائيل على الصّراط، فلا يجوز على الصّراط إلا من كانت معه براءة بولايتك»!!

فالله المستعان! أفلا قالوا: براءة بنبوة محمد ­- صلى الله عليه وسلم- ؟! إن كان ولا بد أن يجوز أحد الصراط بجواز؛ فليكن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولكنهم يجعلون الجواز إلى علي، فلن تمر -أيها المسلم- على الصراط -في اعتقاد الرافضة- إلا ومعك هذا الصك!! وبهذا تعرف حقيقة دينهم، من تفضيل أهل البيت على الأنبياء، وأنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالأنبياء.

وليس هذا فقط؛ بل إنهم يعتقدون أن في الدنيا جنة ونارًا سوى الجنة والنار في الآخرة!!

يقول المجلسي في «اعتقاداته»: «ويجب أن يُعتقد أن لله تعالى في الدنيا جنة ونارًا، سوى جنة الخلد ونار الخلد»!!

فليت شعري! أين تلكم الجنة؟! وأين تلكم النار؟! وما العلم الذي يجب على المسلم أن يعلمه تجاه هذه الجنة وهذه النار المزعومتين؟! فالمسلمون يعتقدون أنه لا جنة إلا في الآخرة، ولا نار إلا في الآخرة، وإنما هي جنة واحدة ونار واحدة، فهذه لأولياء الله، وتلك لأعدائه، فلا شيء من ذلك في الدنيا قط؛ وأما هؤلاء؛ فيحرفون حقائق الإسلام ومعتقداته -بهذه الصورة التي تراها-.

فبهذا يتضح لك -أيها المسلم-: أنه لا حقيقة عند الرافضة لليوم الآخر، فاليوم الآخر كله -من أوله إلى آخره، بجملته وتفصيله- موكل إلى الأئمة يتصرفون فيه، فلم يجعلوا شيئًا من ذلك حتى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ومن الإيمان باليوم الآخر -عند أهل السنة والحق-: أن تؤمن برؤية الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة، فالله -عز وجل- يراه المؤمنون عيانًا بأبصارهم في الآخرة، وهذا أعظم نعيمهم ولذتهم وكرامة الله -عز وجل- لهم؛ كما قال الله تعالى:﴿ وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22-23]، وكما قال تعالى: ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]؛ فالزيادة: النظر إلى وجه الله -كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم-، والأحاديث عنه بذلك متواترة -عند أهل العلم-؛ فلا بد من الإيمان بذلك.

وأما الرافضة؛ فهم في ذلك شقائق المعتزلة -كدأبهم الذي شرحناه من قبل-، فكما وافقوا المعتزلة في مسائل عدة، فقد وافقوهم في هذه المسألة أيضًا، فأنكروا رؤية الله -عز وجل-؛ بل يعتقدون أن إثبات الرؤية كفر!!

فجاء في «بحار الأنوار»: سئل جعفر عن الله -تبارك وتعالى-، هل يرى في المعاد؟ فقال: «سبحان الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، إن الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية»!!

وقال العاملي: «باب أنّ الله -سبحانه- لا تراه عين، ولا يدركه بصر في الدّنيا ولا في الآخرة»!!

وقال أحد علمائهم -وهو جعفر النجفي-، في كتاب له سماه «كشف الغطاء»: «ولو نسب إلى الله بعض الصّفات.. كالرّؤية؛ حُكم بارتداده»!!

فنحن -عند الرافضة- كفار مرتدّون؛ وهكذا يعتقدون فينا - أصالة-، بغض النظر عن مسألة الرؤية؛ لأن كل من لا يوافقهم في ضلالهم وكفرهم فهو كافر، وجهاده مع المهدي النكرة في آخر الزمان: حق لا يتخلّف!!

ولا بد لنا أن نوضح هنا معنى قول الله تعالى: ﴿ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ [الأنعام: 103]، الإدراك -عند أهل العلم- هو الإحاطة، فالله -سبحانه وتعالى- لا يحيط به أحد من خلقه؛ كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ألستَ ترى السماء؟»، قيل: «بلى»، قال: «فهل تحيط بها؟»، قال: «لا»، قال: «فإنك ترى الله يوم القيامة من غير إحاطة».

فنحن نرى الله -سبحانه وتعالى- بأبصارنا من غير أن نحيط به، من غير أن نحيط بذاته وجلاله وعظمته.

فلا تعارض بين النصوص، والمعتزلة ومن تبعهم يضلون عندما يخطئون في فهم هذه الآية، ويظنون أنها لا تدلّ على الرؤية.

والتناقض لا يزال ملازمًا للرافضة -حتى في هذه المسألة-، فمع هذه النصوص الواضحة التي سمعناها في نفي الرؤية؛ إلا أنه قد ورد في كتبهم ما يثبتها!!

فروى ابن بابويه في «توحيده» عن أبي بصير، عن أبي عبد الله -عليه السّلام- قال: قلت له: «أخبرني عن الله -عزّ وجلّ- هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟»، قال: «نعم»!!

فبأي الأقوال نأخذ؟! وأي شيء نصدّق عند الرافضة؟! ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء: 82].

نسأل الله -عز وجل- أن يقينا السوء والضلال؛ أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المسلمون، إننا نعيش الآن مرحلة دقيقة في الفتن التي مرّت بنا في هذه الأعوام الأخيرة، نعيش مرحلة زاغت فيها الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، واشتدّت الوحشة والعداوة والبغضاء بين المسلمين، بما يُخشى معه على هذا البلد وأهله ومستقبله.

ولكن الرجاء بالله كبير، فنرجو من الله -سبحانه وتعالى- أن يكشف عنا هذه الفتنة -كما كشف أخواتها من قبل-.

والفتن - إخوة الإسلام- لا نجاة منها إلا بسببين:

سبب يعود إلى الرب -سبحانه وتعالى- في لطفه ورحمته.

وسبب يعود إلى العبد في ذُلِّه وبصيرته.

فلا بد من لطف الله -عز وجل- ورحمته حتى تنكشف الفتن، لا بد أن يلطف الله بعباده، ويرحمهم، ويكشف ما بهم من ضر وسوء؛ فإنه -سبحانه وتعالى- هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو الذي يكشف السوء، وهو الذي يرفع الضر، وهو الذي يكشف البلايا والمصائب، لا شريك له في شيء من ذلك قط.

ولكن دورنا في معرفة السبب الذي يعود إلينا: لا بد لنا من توبة، ولا بد لنا من تضرع واستكانة، ولا بد لنا من فقه وبصيرة.

فأما التوبة؛ فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة، وقاعدة الشريعة تربط المصائب دومًا بتقصير العباد وذنوبهم - كما شرحناه كثيرًا-.

وأما التضرع والاستكانة؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، فإذا نزل البلاء؛ فلا بد أن يقوم العبد بواجب عبوديته من الذل، لا بد أن يتضرع لله تعالى ويستكين؛ وأما قسوة القلب واللامبالاة -التي هي للأسف من طبائعنا وسلبياتنا-؛ فهذه لا تؤدي إلى شيء.

الله تعالى يريد منك أن تقوم بواجب العبودية: أن ترفع يديك إليه، وتتذلل بين يديه؛ كما تعلم علمًا تامًا أنه لا يكشف الضر سواه.

فارفع أكفّ الضراعة إلى ربك، وأكثِرْ من الدعاء والابتهال؛ فإنه لا نجاة لنا حقًا إلا بلطف الله -عز وجل- ورحمته،
لاسيما مع غياب الأمر الثالث، الذي هو: الفقه والبصيرة.

ورحم الله شيخ الإسلام، الذي قال: « إذا وقعت الفتن، عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء»؛ لأن السفهاء هم وقود الفتن، فلو أنهم كُفُّوا وعُطِّلوا عن عملهم؛ لأراح الناس واستراحوا؛ ولكن أي قدرة لنا؟! ومن الذي يسمع لنا؟! ومن الذي يستجيب لنا؟! والناس -للأسف الشديد- تكرر نفس الخطأ مرة أخرى؛ كأننا لم نتعلم، ولم نستفد، ولم تنزل بنا مصيبة، عضضنا فيها أنامل الندم، وقلنا: يا ليت ما جرى لم يكن!

فهل نعيد الكَرَّة مرة أخرى ؟! وهل نجر على أنفسنا من الويلات والمحن ما لا نطيقه ولا نتحمله؟!

الأمر الآن أخطر من ذي قبل؛ لأنه -في الثورة الأولى المشئومة- كان هناك اتحاد من الناس، وأما الآن؛ فالناس متفرقون مختلفون، لا يتفقون على شيء واحد، هؤلاء في طرف، وأولئك في طرف، وهؤلاء يتربصون بأولئك، وأولئك يتربصون بهؤلاء، والحرب طبولها تدق؛ فكيف تُتَصور النجاة؟!

فلا بد لنا من الفقه والبصيرة -بحسب الممكن- ، صوتنا لا يصل إلى كل أحد؛ ولكنها مسئوليتكم: انصحوا الناس -على قدر ما تستطيعون-، بيّنوا لهم -على قدر ما تستطيعون-، هدِّئوا ثورتهم وروعتهم -على قدر ما تستطيعون-.

القضية ليست قضية حاكم قد نجح أو فشل، وإنما القضية في مخطط لا بد أن يطبق في هذا البلد، ولن يهدأ الأعداء أبدًا حتى يصيبوا منا ما أصاب من إخواننا في البلاد المنكوبة؛ لا بد أن نفطن لهذا.

وأنا أنتهز الفرصة للكلام عن مسألة شرعية، يقع فيها التلبيس والتدليس بفعل دعاة الجهل والضلال، الذين يستمرون في مسلسل العبث بعقول المسلمين ودينهم، والذهاب بالبلاد إلى هاوية لا يعلم مداها إلا الله.

ألم تسمع من يقول لك: «سنجعلها ثورة إسلامية»؟! ألم تسمع من يقول لك: «أمسك سلاحك، ودافع عن دينك»؟!

هؤلاء هم وقود الفتن، هؤلاء هم الذين كرَّهوا الناس في التدين، هؤلاء هم الذين سيمكنون للأعداء في بلاد الإسلام؛ فليت شعري! أية إسلامية يدعون إليها، وهم الذي سيقضون على الإسلام -بجهلهم وضلالهم وغبائهم-؟!

لا بد أن نفرق - أيها المسلمون- بين ثلاثة أصناف:

هناك صنف يقال لهم: «الخوارج»، وهناك صنف يقال لهم: «البغاة»، وهناك صنف يقال لهم: «اللصوص».

هذه ثلاثة أصناف، لكل صنف أحكام مقررة في الشريعة؛ فديننا علم وبصيرة، ليس فيه فوضى ولا جهل.

فلنبتدئ باللصوص؛ لأن أمرهم ظاهر وواضح: اللصوص هم الذين يريدون قتلك، أو أخذ مالك، أو انتهاك عرضك؛ الذين قلنا عنهم من قبل: «الصائلون»، الذين يصولون عليك، يقطعون عليك الطريق مثلا، يريدون أن يعتدوا عليك.

فهؤلاء دفعهم مشروع -بحسب الإمكان- من عوام الناس وخواصهم، والأحاديث في ذلك معروفة، من أشهرها: ما جاء أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟»، قال: «لا تعطه مالك»، قال: «أرأيت إن قاتلني؟»، قال: «قاتِلْهُ»، قال: «إن رأيت إن قتلني؟»، قال: «فأنت شهيد»، قال: «أرأيت إن قتلته؟»، قال: «هو في النار».

فهذا هو الصنف الذي يقال لأهله: «اللصوص»، ويقال فيه: «دفع الصائل»، فهذا لا إشكال فيه، فمن صال عليك في أي مكان يريد أخذ مالك، يريد الاعتداء عليك؛ فادفعه -بحسب الممكن والمتيسر-.

وأما الصنفان الآخران؛ فهما اللذان يقع فيهما الاشتباه، ويكثر فيهما الخلط؛ لأن فيهما قتالاً مشروعًا وقتالاً ممنوعًا.

فالخوارج: هم الذين يسعون بالفساد في الأرض، ويسفكون دماء المسلمين -مستحلين لذلك-، ويخرجون عن عقيدة ودين: يكفرون المسلمين، ويرونهم على غير الملّة؛ فيفعلون بهم ذلك.

وهذا الصنف هو الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحذر منه، وأمر بمقاتلته -ابتداء-، حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد».

ولكن قتال هذه الطائفة إلى الإمام، ليس إلى آحاد الناس، فهذا فرق بينهم وبين اللصوص: اللص تدفعه عن نفسك من غير أن تأتي بإمام، وأما الخوارج؛ فلِمَا لهم من الخطورة على المسلمين: يحتاجون في دفعهم إلى إمام، لو أن عامة المسلمين دفعوهم؛ لنتج من ذلك شر أعظم، وفتنة أكبر، وسالت الدماء أنهارًا.

فهؤلاء هم الخوارج، حكمهم: أنهم يقاتلون ابتداء -أي من غير مناصحة سابقة-، ويكون قتالهم من قِبل الإمام.

وأما الصنف الثالث؛ فهم البغاة، وهم الذين يخرجون عن الطاعة ويفارقون الجماعة لغير معتقد ودين، فيخرجون عن طاعة إمام معين؛ لأمر يرونه صحيحًا، وتكون لهم في ذلك شبهة؛ كما تسمعون الآن: الأمن مفقود، والفوضى منتشرة، والاقتصاد يتراجع، ولم يتغير شيء؛ إلى آخره.

فهل هؤلاء يكفرون المسلمين؟! هل يكفرون نفس الحاكم؟! هل عندهم عقيدة ودين في أنفسهم؟! الجواب: لا.

فهؤلاء -عند فقهاء الشريعة- يقال لهم: «البغاة»، لا يُسمَّون «خوارج»؛ هذا قول جمهور أهل العلم.

فما أحكام البغاة -إذن-؟ يقول الله -عز وجل- في القرآن: ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الحجرات: 9].

يقول أهل العلم: بدأ الله -عز وجل- بالإصلاح، فالإصلاح مقدم على القتال لا تُبتدأ هذه الطائفة بقتال حتى يُستصلحوا أولاً؛ كما قال أهل العلم: يبعث إليهم الإمام من يكلمهم، وينظر فيما عندهم، فإن كانت لهم مظلمة أزيلت، وإن كانت لهم شبهة كُشفت، فإن استمروا على ما هم عليه، وخشي الإمام من كَلَبهم على المسلمين؛ فإنه في هذه الحالة يقاتلهم؛ هو أيضًا، ليس عامة الناس.

فكيف يأتي من يأتي -من بعد ذلك-، ويفتي -بزعمه- بإراقة دماء هؤلاء؟! وهو لم يفتِ بإراقة نظرائهم في الفتنة الأولى، والذين يخرجون الآن هم الذين خرجوا على مبارك؛ فكيف يكونون أبطالاً من قبل، ثم هم الآن أنجاس أرجاس تُستحل دماؤهم؟!

إنه التناقض، ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء: 82].

فالأحكام واحدة -من ألفها إلى يائها، من أولها إلى آخرها-، ما قلناه في الفتنة الأولى نقوله في هذه الفتنة -من غير إشكال-.

فلا بد أن ننتبه ونتعلّم ونتبصر، ولا بد أن نعتزل دعاة الفتن والجهل والدماء والتهويس.

ولعلهم يقولون لك: «المعركة معركة إسلام وكفر»، قد تكون كذلك -في نفس الأمر-، ولسنا ننكر هذا -من حيث الإجمال-؛ ولكننا نتعامل مع أفراد معينين، والأفراد المعينون شأنهم يختلف، لا يجوز أن نعمِّم الحكم فيهم؛ فمن الذين سيخرجون: أناس هم أقرب إلى سمت الخوارج، ومنهم أناس هم أقرب إلى سمت البغاة -وهم كثير جدًا، إن لم يكونوا أكثرهم-، ومنهم نصارى، وهذا يزيد الأمر حساسية؛ أرأيت إن سفكت دماء النصارى؛ ما يُصنع بك؟! تسكت لك أمريكا؟! أم يسكت لك الغرب؟!

فلا بد من الفقه والوعي والبصيرة، وأما هؤلاء؛ فإنما يقولون كلامهم لأنهم يعرفون -تمام المعرفة- أنهم قد سقطوا، ولو سقط الرئيس الحالي؛ فلن تقوم قائمة لهم بعد ذلك، فهم إنما يريدون دولتهم وسلطانهم، والله -سبحانه وتعالى- قد أفشلهم-جزاء وفاقًا-؛ لأنهم تركوا دينهم ومنهجهم، وضيّعوا ثوابتهم، ولبّسوا على المسلمين، وكذبوا وتلوّنوا؛ فأنى يكون لهم النصر؟! أهم أفضل من إخوانهم الذين خلوا من قبلهم؟! سنة الله، لا تجد لها تبديلاً ولا تحويلا.

ولكن المحنة الحقيقية: أن الناس لم تعد تميّز - للأسف-، وأنا أقطع بأن وزر الناس المساكين -الذين أساءوا الظن بالتدين وكرهوه- على هؤلاء الدعاة، هم الذين شوّهوا صورتنا، وسوَّءوا سمعتنا، وكرَّهوا الناس فينا؛ حتى ما عاد أحدنا يستطيع أن يسير في الطريق! فأوقعوا بنا ما لم يوقعه أمن الدولة!! وأرجعوا الدعوة عشرات السنين إلى الخلف، وصرنا في مرحلة هي أسوأ من مرحلة الثمانينات والتسعينات؛ كل هذا بجهلهم، وضلالهم، وتسرعهم، وحرصهم على الملك، وعدم فقههم في دين الله -سبحانه وتعالى- ومنهج الأنبياء والمرسلين.

فوصيتي لكم -فيما سيأتي من الفتن- في العلم والبصيرة، والتمييز والفرقان؛ لا تضع الجميع في سلة واحدة، المظهر واحد؛ ولكن الفكر مختلف والعقيدة مختلفة، والله -سبحانه وتعالى- ناصرٌ دينَه وأولياءَه -مهما كان-، ونحن نؤمن بقدر الله -عز وجل-، وأنه لا بد من البلاء، فلسنا أفضل من الأنبياء ولا من أتباعهم، الذين عُذِّبوا، وأُوذوا، وانصرف عنهم الناس، ورموهم بكل بائقة؛ لا بد أن يصيبنا ما أصابهم.

فلسنا نتشكى ولا نعترض - عياذًا بالله-؛ ولكننا نحرص على هذا البلد، فما رُفع التدين من بلد إلا خرب، وإنما بقاء الأرض ببقاء الدين، فما بقي الدين في الأرض فإنها باقية -مهما كان فيها من الظلم والفساد-؛ ولهذا لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: «الله الله»، ولا يخرب الله -عز وجل- الدنيا حتى ترتفع رسوم الديانة جملة.

فلو أنكم نبذتم التدين؛ ستُخرب البلد، لو أنكم وضعتم الجميع في سلّة واحدة، وكرهتم دين الله -عز وجل-، وظننتم أنه تشدد وخراب، ولا يقيم بلدًا ،ولا يحكم دولة؛ فأبشروا بخراب مصر؛ جزاء وفاقًا ﴿ وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

فالحل سهل وميسور، نجربه -كما جربنا غيره-، سيرفع الله -عز وجل- ما بنا، وستنكشف الفتن؛ ما دمنا تائبين لله -عز وجل-.

الحل في التوبة والإنابة: لا بد أن نغيّر ما بأنفسنا، لا بد أن نتضرع لله -سبحانه وتعالى-، لا بد أن يكون عندنا الفقه والبصيرة والوعي، لا بد أن نعرف كيد الأعداء، وأنهم لا يريدون بنا خيرًا أبدًا.

فلتهدأ النفوس، ولنصبر، ولنبصّر إخواننا، ولنرشدهم إلى الحق والصواب -بالعقل والحكمة والهدوء-؛ وهذا مجرّب - والحمد لله -، فكم من الناس ومن الشباب من كان زاعمًا على الخروج في هذه الفتن، فنصحناه، فرجع -والحمد لله-.

هكذا ترتفع الفتن، وهكذا تُلَمُّ الأمور؛ وأما أن نترك الأمور هكذا -حبلها على غاربها-، لا نصلح شيئًا، ونقول قولتنا المخذولة: «وأنا مالي؟!»؛ فهذا خطير، لا تقل: «وأنا مالي؟!»، أنا وأنت نعيش في هذا البلد، ولو خربت؛ سنتضرر جميعا؛ فانصح إخوانك، وبيّن لهم، وسكّن ثورتهم؛ فإن استمروا فليس عليك من سبيل، قد أديت ما عليك، وهذه فتنة، وما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأه لم يكن.

أسأل الله -جل وعلا- أن يكشف عنا هذه الفتنة، اللهم اكشف عنا هذه الفتنة، اللهم اكشف عنا هذه الفتنة، اللهم اكشف عنا هذه الفتنة، اللهم لا تذقنا لباس الجوع والخوف، اللهم لا تذقنا لباس الجوع والخوف، اللهم لا تذقنا لباس الجوع والخوف، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه وسوء، ولا تمكّن لأعدائنا فينا أبدًا يا رب العالمين، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم الطف بنا وارحمنا، اللهم انقطعت الأسباب إلا سببك فلا تخذلنا، اللهم لا تخذلنا، اللهم لا تخيّب فيك رجاءنا، اللهم لا تسلّط علينا بذنوبنا بلاء لا نطيقه ولا نتحمله؛ إنك ولينا ومولانا، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت