إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :539955
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

الطريق إلى النبوغ العلمي

المقال
الطريق إلى النبوغ العلمي
1619 زائر
05-10-2021 07:58
أبو حازم القاهري السلفي

الطريق إلى الرسوخ في العلم

الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله الأجل الأعز الأكرم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المعظم؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فهذه معالم رئيسية إجمالية في طريق طلب العلم، أحببت أن أوضح فيها المنهجية المتبعة لمن أراد الرسوخ والتأصيل في العلوم الشرعية؛ وأسأل الله السداد والرشاد.

* أولا: النية:

فاتحة الطريق، وباب الفلاح، ومفتاح الخير، وأساس التوفيق: الإخلاص، والنية الصالحة.

لماذا تطلب العلم؟

المسلم إنما يطلب العلم ابتغاء وجه الله، وطلبا للثواب الذي أعده للعلماء، ورفعًا للجهل عن نفسه حتى يصحح اعتقاده وعمله، وتوسُّلًا إلى طريق الدعوة إلى الله وتعليم المسلمين، وحرصا على نصرة الدين وخدمة العلوم الشرعية.

فحول هذا تدندن يا طالب العلم.

وأما طلب العلم مباهاة للعلماء، ومماراة للسفهاء، وصرفا لوجوه الناس إلى الطالب؛ فالنارَ النارَ!

ولا يضرك غياب النية أو تكديرها في أول الطريق؛ فإن العلم سيرشدك إلى تصحيحها؛ كما قال من قال من السلف: «طلبنا العلم لغير الله، فأبى العلم إلا أن يكون لله»، «طلبنا العلم بغير نية، ثم رزق الله النية بعدُ».

* ثانيا: تقديم فروض الأعيان:

قاعدة العقل والفطرة: تقديم الأهم فالأهم؛ ولا شك أن تقديم ما يتعين على المسلم معرفته أوجب من التوسع في العلم.

فيجب تقديم الاعتقاد، وأحكام الطهارة والصلاة، وسائر ما يتعين على المسلم -بحسب حاله-.


* ثالثا: تزكية النفس:

العلم إنما يراد للعمل، وعلم بلا عمل: وبالٌ وحجة على صاحبه.

فلا بد من تزكية النفس، وإصلاح القلب؛ بالمحافظة على الفرائض، وترك المعاصي، وتعاهد النوافل، وتدبر ما جاء في القرآن والسنة من الرقائق والمواعظ، ومطالعة كتب السلف وأهل العلم في ذلك.

وقد كان السلف يقدمون حفظ القرآن على التوسع في طلب العلم، وكانوا يتعلمون الهَدي كما يتعلمون العلم.

والأصل: الجمع بين التزكية والتوسع في الطلب، وهذا متيسر -ولله الحمد-؛ وإلا؛ فلا يجوز التوسع في الطلب مع القسوة في القلب.

* رابعا: إجمام النفس:

إن لنفسك عليك حقا، وإنما هي مَطِيَّتُكَ، ولن تبلِّغك مرادك حتى تبلِّغها مرادها من الراحة، والوصية النبوية مشهورة برعاية حظ النفس، وعدم الإثقال عليها -ولو في زاد المعاد-.

فلسنا نريد أن يتحول طالب العلم إلى آلة، ليس في حياته إلا العلم والعبادة؛ وإنما نريد أن يكون ذلك هو الغالب عليه، بحيث يكون له نصيب من الراحة، يقطع عنه النصب والملل، ويعينه على المواصلة والجِدِّ في السير.

* خامسا: التدرج في الطلب:

بعد الانتهاء من فرض العين؛ عليك بطريقة الربانيين: صغار العلم قبل كباره.

فإياك أن تهجم على المطولات قبل هضم المختصرات، مهما آتاك الله من الذكاء وحسن الفهم؛ فإن العلم بناء، ولا يصح أن نشيد البناء قبل وضع أُسُسِهِ، مهما كان العامل قويا نشيطا.

وحتى المختصرات -نفسها- لها منهجية، ففي العقيدة -مثلا-: لا ينبغي البدء بمثل «كتاب التوحيد» و«العقيدة الواسطية» و«شرح السنة» للبربهاري، قبل هضم مثل «الأصول الثلاثة» و«أصول السنة» و«لمعة الاعتقاد».

والمختار: أن يمر الطالب بثلاث مراحل: المبتدئين، ثم المتوسطين، ثم المتقدمين.

وللعبد الفقير تصوُّر مفصل لهذا، ضمن «البرنامج العلمي» الذي يقوم عليه؛ نسأل الله الإعانة والتوفيق والقبول.

* سادسا: الحفظ والفهم:

كثيرا ما يسأل الطلاب: أيهما أولى بالتقديم: الحفظ، أم الفهم؟

والواقع أن الأمرين لا يُستغنى عنهما، وكل منهما يكمل الآخر، ولا يجزئ دونه؛ وإنما الشأن في تمييز ما يُحفظ، وما يُفهم.

فالذي يُحفظ: هو خلاصة المسألة: الحكم، والدليل، والضابط -أو القاعدة-؛ هذا في جانب التأصيل؛ وأما جانب الرد؛ فلو اعتنى الطالب بحفظه -أيضا-؛ لكان خيرا؛ وحينئذ يحفظ المأخذ الإجمالي للمخالف، والرد عليه.

ولا يلزم حفظ آحاد الأدلة، وآحاد وجوه الرد، وترتيب المسائل التي تُذكر في الموضوع الواحد.

وكذلك حفظ المتون: هو خير -ولا شك-؛ ولكنه ليس بشرط في الإتقان، وإنما المعتبر ما ذكرته؛ ومن أراد أن يحفظ المتون؛ فعليه بالمنظوم، دون المنثور.

والذي يُفهم: هو غير ما ذكرتُ: الشرح، والإيضاح، وضرب الأمثلة، ونحو ذلك.

ومن الخطأ البالغ: أن يُظن أن هذه الأمور تُحفظ؛ فإن هذا يكلف الطالب وقتا كبيرا وجهدا شديدا، وهو -مع ذلك- في غير محله، بل سرعان ما يتفلت ويُنسى؛ إذ كلما كثرت المحفوظات، وكبر حجمها؛ كلما كان نسيانها أسرع.

* سابعا: البحث، وجرد المطولات:

هذه مرحلة تكوين الباحث، وصناعة العالم؛ تأتي بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة -بمستوياتها الثلاثة-.

ولا بد من سلوك هذه المرحلة لمن أراد الرسوخ والأهلية؛ فإن مرحلة الدراسة لا تتعدى التعرف على المسائل العلمية، وحسن تصويرها وتحريرها -تأصيلًا، وردًّا على المخالف-؛ وهذا -وحده- لا يؤهل للبحث العلمي، ولا يصنع ملكة التمييز العلمي، والقدرة على التأصيل، والترجيح، والإفتاء، ونحو ذلك.

إن غاية من ينتهي من مرحلة الدراسة: أن يكون مفتيا بالتقليد، أو يكون ناقلا لأبحاث وردود العلماء، أو يشرح المتون التي درسها بنفس القدر الذي درسه، لا يزيد على ذلك.

وليس هذا هو ما نرجوه، بل نرجو أرفع وأكبر من ذلك: الباحث المتمكن، والعالم المجتهد؛ ولا يبلغ الشخص هذه المنزلة حتى يتعرف على تأصيل المسائل -نفسه-: من أين جاء حكمها؟ ما أدلتها؟ وما وجه دلالتها؟ وهل يصلح ذلك الدليل المعين أم لا؟ ومن الذي نازع في ذلك الحكم؟ وما مأخذه؟ وكيف الرد عليه؟ وما رتبة الخلاف في المسألة؟ وكيف نرجح بين الأقوال؟ وكيف نفرِّع على القول الراجح؟ وكيف نتعامل مع المسائل الحادثة؟ وهَلُمَّ جَرَّا.

وهذه الأمور إنما توجد في المطولات، لا تصلح لها مرحلة الدراسة -أصلا-؛ وإنما يتوصل إليها الطالب بالبحث في المراجع والأمهات، وقراءة ما يصلح للقراءة منها.

وسيكون لنا حديث عن هذا الأمر في مقام آخر -إن شاء الله-.

* ثامنا: التفرغ:

لا بد لطالب العلم من تفرغ، حتى يقبل على شأنه، فليس له أن ينشغل بالدنيا، ويتشعب في سبلها، وإنما هو مجاهد، حقه أن يتفرغ لمهمته، ويعان على ذلك.

والمقصود هنا: التنبيه على قضية العمل والاكتساب؛ فإن طالب العلم لا يستقيم له شأنه مع كثرة العمل وطول مدته، بل إما أن يكون عمله قليلا قصيرا، وإما أن يكون له تجارة، أو نحوها؛ بل الراجح الذي لا شك فيه: أنه يجوز إعطاؤه من الزكاة؛ لأنه مجاهد في سبيل الله.

والذي ظهر للعبد الفقير: أنه لا يجزئ في التفرغ أقل من ست ساعات يوميا، وخصوصا لطالب الفقه، أو الحديث؛ والله الموفق.

* تاسعا: تنظيم الوقت:

الوقت هو رأس مال الطالب، فإذا ذهب وقته؛ ذهب رأس ماله، وفسدت تجارته.

فحق على طالب العلم أن يحافظ على وقته، ولا يضيعه، ويعتني بتنظيمه.

ففي مرحلة الدراسة: عليه أن يرتب وقتا لمذاكرة الجديد، ومراجعة القديم.

وفي مرحلة البحث والجرد -أيضا-: وقت للبحث الجديد، ووقت لمراجعة القديم.

مع رعاية الأوقات الأخرى للأعمال التي لا بد منها: من أكل، ونوم، واكتساب، وأداء حق زوج وولد، ونحو ذلك.

وكل أحد يتبع في ذلك ما يلائمه، ويجد فيه راحة نفسه، بحيث لا يلزمها بنظام لم تتعود عليه؛ فإن هذا يؤدي إلى نتيجة عكسية.

ومن أظهر الأمثلة لذلك: نظام النوم؛ فلا شك أن نوم الليل أنفع من نوم النهار، وأن من استطاع أن يجعل نومه كله بالليل؛ فهذا أعظم خيرا وبركة؛ ولكن قد يكون الشخص معتادا على قسمة نومه بين الليل والنهار، وهو مرتاح لذلك؛ فلا حرج، وليثبت على ما اعتاد عليه.

* عاشرا: الطلب حتى الممات:

لا يزال العالم متعلِّما حتى يفارق الدنيا؛ لأنه لا إحاطة بالعلم لغير الله ۵، فمهما حصل الإنسان من العلم، فلا بد أن يكون هناك ما يتعلمه ويستفيده، حتى يفارق الدنيا.

فالزم جادة الطلب والتحصيل، ولا تظن أبدا أنك إن وصلت إلى مرحلة معينة؛ فقد صرتَ غير محتاج لذلك، وأنك تجلس للتدريس والإفتاء -فحسب-!

تلك عشرة كاملة، هي ما حضر ذكره في هذا المقام؛ وأسأل الله التوفيق والسداد والثبات، لي ولإخواني.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الاثنين 27/صفر/1443

   طباعة 
0 صوت