التحذير من المدعو إيهاب بن حسن الأثري
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وسلم.
فقد طالعتُ رسالة لإنسان يُدعَى: إيهاب بن حسن، ويُنسَب «أَثَرِيًّا»؛ رَدَّ فيها على الشيخ الألباني -رحمه الله- في بعض ما صححه من أحاديث.
ولا شك أن الشيخ -رحمه الله- مأخوذٌ من قوله ومتروكٌ -في الحديث وغيره-، وإنما العيب في طريقة الرد، لاسيما إن كانت مُنْطَوِيَةً على أصول بِدْعِيَّة.
وهذا هو ما وقع في رسالة المذكور؛ فإنه لم يقتصر على التشنيع والتَّجْديع في رده على الشيخ؛ بل تعدَّى إلى تقرير أصل من أخطر الأصول البدعية، وهو: عدم الاكتفاء -في الحكم على الحديث- بسلامة إسناده، حتى يُنظر في متنه؛ بل يُعرض على القرآن!!
وهذا هو ما عُرف -قديما- في مقالات أهل البدع: لا يأخذون بالحديث حتى يوافق القرآن؛ وقد اشتهر إنكار ذلك في عبارات العلماء -بما يعرفه صغار الطلاب-، واشتهر -أيضا- بيان منزلة السنة، وحُجِّيَّة الحديث، وعلاقة ذلك بالقرآن العظيم.
ولو كان الإنسان المذكور قد قرَّر ما قرَّره بالطريقة العقلية المعروفة عن أرباب ذلك المذهب؛ لما تكلَّفتُ بيان حاله؛ فإن أمره -حينئذ- ظاهر؛ ولكنني رأيتُ أسلوبه أسلوب طلبة العلم -في الجملة-: يتكلم بلسانهم، وينسج على منوالهم، ويعظِّم العلماء -إجمالا-، ويستشهد بكلامهم، ويتكلم في الأسانيد والرجال، ويُدَنْدِنُ حول ما هو معلوم في منهج النُّقَّاد من النظر في متون الحديث؛ فلربما حسبه الجاهلُ طالبَ علمٍ سَلَفِيًّا، وخصوصا مع نِسْبَتِه نفسَه إلى «الأثر»، وخصوصا مع وجود كُتُبه في بعض المكتبات المنتسبة إلى السنة.
والذي يعنينا في هذا المقام: أن نوضح -باختصار- الفرق بين طريقة العلماء في نقد المتون، وطريقة المبتدعة التي سلكها الإنسان المذكور -قَصَدَ أم لم يقصد-.
فالذي عليه أهل الحديث ونُقَّادُه: أن الأصل في الحكم على الحديث: إسنادُه، فإذا صَحَّ -على شروطهم المعتبرة-؛ صَحَّ الحديث وقُبِلَ، ولو فُرض تعارضٌ ظاهر بينه وبين حديث آخر، أو بينه وبين القرآن؛ جَمَعُوا أو رجَّحُوا -بحسب الطرائق المعتبرة، وبحسب اجتهادهم في ذلك-.
وأما نقد المتن؛ فَفَرْعٌ على نقد الإسناد، وليس هو الأصل والابتداء في الحكم على الحديث؛ فإذا تعرَّض ناقد لأحد المتون، وقال: إنه منكر، أو غريب، أو نحو ذلك؛ فذلك لا يكون -غالبا- إلا لعيب في إسناده، فيكون المقصود: تأكيد هذا العيب بوجود النكارة في المتن؛ كما قال بعض الأئمة: «لا يأتيك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ».
وأما القدح في المتن -مع سلامة الإسناد-؛ فهذا أمر محسوب -عندهم- ودقيق، يعملون به في بعض الأحاديث لقرائن تظهر لهم، فليس هو القاعدة المُطَّردة ولا الأصل المستقر، ولا يعملون به إلا في الأحاديث الغريبة، دون الأحاديث المعروفة المتلقَّاة بالقبول -وإن لم يكن لها إلا إسناد واحد-.
ونظير ذلك: تفرد الواحد الثقة أو الصدوق؛ فإن الأصل -عند أهل الحديث- قبوله، ولا يردُّونه إلا في أحوال معينة، لقرائن تتبين لهم، من غير أن يكون هذا هو الأصل المُطَّرد.
هذه خلاصة ما عليه أئمة هذا الفن، ولا يحتمل المقام إفاضة في التأصيل.
ولولا ما ذكرناه؛ لانفتح باب الطعن في المتون لكل من هَبَّ ودَبَّ، ولرُدَّت الأحاديث الصحيحة المشهورة المتلقَّاة بالقبول؛ فإن استنكار المتون أمر نسبي، تتباين فيه الأفهام والعقول؛ أَفَكُلَّمَا استنكر إنسانٌ مَتْنًا، ولم يبلغه عقله؛ رَدَّ الحديث بذلك، وتطاول على من قَبِلَه من أهل العلم؟!!
وهذا -بعينه- هو ما سلكه ذلكم الإنسان: إيهاب «الأثري» (!!)؛ فإنه لم يقتصر على الأحاديث التي رَدَّها على الشيخ الألباني -رحمه الله-؛ بل رَدَّ حديثَ النبي موسى -عليه السلام- مع مَلَك الموت، وحديثَ اغتساله -عليه السلام- عريانا، وحديثَ إتيان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لامرأته زينب -رضي الله عنها- لما رأى امرأة أعجبته؛ وكلُّها أحاديث مخرجة في الصحيحين ودواوين السنة، متفق على صحتها، متلقاة بالقبول، لا يُعرف إنكارها إلا عن أهل البدع، وردود العلماء علىهم في ذلك متوافرة في الشروح وغيرها.
فتبين بذلك حقيقة منهج ذلك الشخص، وأن الاعتبار -عنده- بالمتن مطلقا، وأن الأسانيد التي تكلم فيها، وعاب على الشيخ الألباني تقويتَها: ليست إلا غطاء يلبس به على من لا يدري، يوهمه أنه من أهل الإسناد؛ على أنه قد وقعت له -في خلال ذلك- جهالات، يطول المقام ببيانها، وما نحن فيه أخطر وأعظم.
وإذا عرفتَ أن هذا الشخص قد «صنَّف» (!) رسائل، ينكر فيها دخول الجن في بدن الإنسان؛ تبين لك مزيد من حقيقته!!
وكذا إذا عرفتَ أنه قد ضَمَّ إلى ضلاله: عيبَ أهل الحق؛ فإنه يعتبر ما ذكرناه من طريقة أهل الحديث: «حَشْوًا»!! فالحَشْوُ -عنده-: هو قبول الأحاديث بأسانيدها، ومن قَبِلَ الحديث بصحة إسناده، دون نظر في متنه، ودون عَرْضٍ له على القرآن؛ فهو «حَشْوِيٌّ»!! وقد طعن ذلك الشخص -حقا- في الإمام مسلم، وغيره من الأئمة -رحمهم الله-، الذين قَبِلُوا بعض ما رَدَّه.
فتبين أن ذلك الإنسان -في حقيقة أمره- عدوٌّ للسنة، مُنكِرٌ للأحاديث الصحيحة، طاعنٌ في أئمة الإسلام وكُتُبِه؛ على نهج المعتزلة، والعقلانيين، والعلمانيين؛ الذين نعرفهم -في القديم والحديث-؛ وإنما الفرق بينه وبينهم: أنه يحاول تغليف منهجه بغلاف علمي أَثَرِيٍّ، ولربما أُتي من سوء فهمه لقاعدة نقد المتون، ودخلت عليه بعض شبهات القوم.
وكيفما كان أصل ضلاله؛ فهو ضال، صاحب بدعة وهوى، يجب الحذر منه؛ ولاسيما مع الذي أوضحتُه من طريقته، والذي دفعني لبيان حاله.
أسأل الله الإخلاص والقبول، وأسأله أن يَكُفَّ شرَّ هذا الضالِّ وأمثالِه عن المسلمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى جميع آله.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
الخميس 13/ربيع الأول/1437
لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
|