من زواجر العلماء لمن رأى الخروج على الأمراء الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد؛ فقد وقفت على رسالة لبعض علماء الدعوة النجدية، كتبوها لبعض الخوارج، مُنْكِرين مُغَلِّظين عليهم، وزاجرين رادعين لهم، وقد أعجبني سياقها -بما تميز به من الاختصار مع الجمع-، ورأيت مناسبة كبيرة له بواقعنا الحالي، فأحببت أن أنقل لإخواني هذه الرسالة في هذا المقال -مع تعليقات يسيرة مِنِّي-؛ رجاء الفائدة والتذكير والتبصير. وإليك نصَّ الرسالة -كما وردت في «الدرر السنية»()-: بسم الله الرحمن الرحيم من سعد بن حمد بن عتيق، وسليمان [بن] () سحمان، وصالح بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، وعبد الرحمن بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم(): وبعد: فأشرفنا على كتابكم، الذي أرسلتم إلى الإمام عبد العزيز -سلَّمه الله تعالى-، ذكرتم في آخره: «أنا لا نجتمع وإياك -إن خالفتَ شيئا مما ذكرنا-، إلا كما يجتمع الماء والنار»()؛ وهذه كلمة ذميمة، وزلة وخيمة، تدل على أنكم أضمرتم شرا، وعزمتم على الخروج على ولي أمر المسلمين، والتخلف عن سبيل أهل الهدى، وسلوك مسلك أهل الغي والردى؛ ونحن نبرأ إلى الله من ذلك، وممن فعله، أو تسبب فيه، أو أعان عليه؛ لأنا ما رأينا من الإمام عبد العزيز ما يوجب خروجكم عليه، ونزع اليد من طاعته. وإذا صدر منه شيء من المحرمات، التي لا تسوغها الشريعة؛ فَحَسْبُ طالب الحق: الدعاء له بالهداية، وبذل النصيحة -على الوجه المشروع()-؛ وأما الخروج، ونزع اليد من طاعته؛ فهذا لا يجوز(). وأنتم تزعمون أنكم على طريقة مشائخكم، وأنكم ما تخالفونهم في شيء يرونه لكم؛ ولا ندري من هؤلاء المشائخ!! أهم مشائخ المسلمين؟! أم غيرهم، ممن سلك غير سبيلهم، ويريد فتح باب الفتن على الإسلام والمسلمين؟! أين الخط الذي قد شرفتمونا عليه؟! أين السؤال الذي سألتمونا عنه، وأفتيناكم فيه؟! أين الأمر الذي شاورتمونا عليه؟! حتى الخط الذي تدعون أنكم تنصحون الإمام عبد العزيز عن أمور يفعلها؛ أنتم مشائخ أنفسكم، تحلِّلون وتحرمون على أنفسكم، ولا ترفعون لنا خبرا في شيء؛ ودعواكم أنكم على طريقة المشائخ، يكذبه ما صدر منكم(). وقد علمتم حقيقة ما عندنا، وما نعتقده من حينما حدث منكم الخوض، وكثرت منكم الخطوط والمراسلات للإمام، وعرَّفناكم بما عندنا، وما نعتقد وندين الله به، وهو: وجوب السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، ومجانبةُ الوثوب عليه، ومحبةُ اجتماع المسلمين عليه، والبغضُ لمن رأى الخروج عليه، ومعاداتُه؛ اتباعا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم؛ تدخلوا جنة ربكم»(). والذي نرى لكم: التوبة إلى الله سبحانه، والاستغفار، وعدم التمادي والاسترسال مع دواعي الجهل والغي والضلال، وأن تلتزموا ما أوجبه الله عليكم، من القيام بالواجبات، واجتناب المحرمات، وملازمة طاعة من ولاه الله أمركم؛ وانظروا وتفكروا في أحوالكم سابقا ولاحقا، واعرفوا نعمة ربكم، واشكروه عليها. فإنكم كنتم -أولا- في جاهلية عريضة، وحالة عن الحق بعيدة، رؤساؤكم أكثرهم طواغيت كبار، وعوامكم جُفَاةٌ أشرار، لا تعرفون حقائق دين الإسلام، ولا تعملون من الحق إلا بما تهوى نفوسكم، مع ما كان بينكم، من سفك الدماء، ونهب الأموال، وقطيعة الأرحام، وتعدِّي حدود الله، وغير ذلك من المحرمات، وعظيم المنكرات. ثم هداكم الله لمعرفة دينه، والعمل بتوحيده، وسلوك مسلك أهل الإسلام والتوحيد، وانتشرت بينكم كتب السنن والآثار، ومصنفات علماء الإسلام؛ ثم أنتم -الآن-: انتقلت بكم الأحوال، إلى أنكم تحاولون الخروج على الإمام، ومنابذة أهل الإسلام، ومفارقة جماعتهم. فاتقوا الله -عباد الله-، واذكروا قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾()؛ فما أشبه الليلة بالبارحة()!! وهذا الذي ذكرناه لكم، وأشرنا به عليكم -من السمع والطاعة للإمام، وعدم نزع اليد من طاعته، وعدم الشقاق والخلاف، وترك أسباب التفرق والاختلاف، ومجانبة سبل أهل الغي والضلال والاعتساف-: هو اعتقادنا الذي نحن عليه مقيمون، وله على مر الزمان معتقدون، وبه مستمسكون، وعليه موالون ومعادون، ظاهرا وباطنا، سرا وعلانية؛ ومن نسب إلينا غيره؛ فهو علينا من الكاذبين الظالمين، وسيجزيه الله بما يجزي به الظالمين والمفترين(). فإن تبتم إلى ربكم، ورجعتم عما عَنَّ لكم واستحسنته نفوسكم؛ فالحمد لله رب العالمين، والمنة لله في ذلك عليكم، وإن أبيتم إلا الشقاق والعناد، وسلكتم مسالك أهل الغي والفساد؛ فاعلموا أنا نبرأ إلى الله منكم، ونُشهد الله وملائكته وعباده المؤمنين على خطئكم وضلالكم، وأنكم قد خالفتم ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وعلماء الملة والدين(). وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾()، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث حدثا، أو آوى مُحدِثا؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»(). فنسأل الله أن يوفقنا -وإياكم- لسلوك صراطه المستقيم، وأن يجنبنا -جميعا- مواقع سخطه وعذابه الأليم؛ وصلَّى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. قال أبو حازم -عفا الله عنه-: هذا آخر الرسالة، ونسأل الله أن يرحم علماءنا، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يلحقنا بهم، ويحشرنا في زمرتهم؛ غير مبدِّلين ولا مغيِّرين، ولا ناكثين ولا متحوِّلين، ولا فاتنين ولا مفتونين. وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه؛ وسلَّم تسليما كثيرا. كتبه أبو حازم القاهري السلفي الاثنين 28/رجب/1433 () قال الإمام البربهاري -رحمه الله- في «شرح السنة» (113-114): «وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة -إن شاء الله-؛ لقول فُضَيْل: «لو كانت لي دعوة؛ ما جعلتها إلا في السلطان». أنا أحمد بن كامل: نا الحسين بن محمد الطبري: نا مَرْدُويه الصائغ: سمعت فضيلا يقول: «لو أن لي دعوة مستجابة؛ ما جعلتها إلا في السلطان»، قيل له: «يا أبا علي، فَسِّرْ لنا هذا»، قال: «إذا جعلتها في نفسي؛ لم تَعْدُني، وإذا جعلتها في السلطان؛ صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد». فأُمرنا أن ندعو لهم [بالصلاح]، ولم نؤمر أن ندعو عليهم -وإن ظلموا، وإن جاروا-؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين» اهـ.
والكلام على توبة المبتدع يطول، ويناسب مقامَنا هذا: ما بسطه الشاطبي -رحمه الله- في «الاعتصام» (2/793 وما بعدها)؛ فعليك به. |