الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567266
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

الرد على من قال ببطلان الصلاة عند عدم تسوية الصفوف - شامل للرد القديم والجديد

المقال
الرد على من قال ببطلان الصلاة عند عدم تسوية الصفوف - شامل للرد القديم والجديد
1957 زائر
09-04-2022 08:34
أبو حازم القاهري السلفي

الرد على من قال ببطلان الصلاة

عند عدم تسوية الصفوف

(شامل للرد القديم والجديد)

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما بعد؛ فقد نما إلى علم العبد الفقير أن بعض الأجلاء من علماء عصرنا أفتى ببطلان الصلاة في حال التباعد بين المصلين في الجماعة، في ظل الواقع الكائن الآن، من انتشار وباء «كورونا»؛ نسأل الله العافية منه، ومن سائر الأوبئة والأسقام.

ومأخذ القول المذكور -بحسب ما بلغني-: أن تسوية الصفوف واجبة، وأنه لا عذر -في الحقيقة- في ترك تسويتها في الواقع المومى إليه؛ لأن مفسدةَ انتشار المرض بالتقارب والمخالطة بين الأشخاص مفسدةٌ ظنية موهومة، بدليل الواقع المشاهَد، ولو في بعض البلاد -على الأقل-: من قلة الإصابة، مع كثرة المخالطة.

فهذه مقالة كتبها العبد الضعيف -على عَجَل، وشُغْل- في تناول هذه المسألة، وأسأل الله التوفيق.

اعلم -رحمك الله- أن الأحاديث قد اشتهرت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بتسوية الصفوف، وأن العلماء قد اختلفوا في تأويلها على الوجوب، أو الاستحباب.

فذهب الأكثرون -من الأربعة، وغيرهم- إلى تأويلها على الاستحباب، بالنظر إلى كون الأمر بالتسوية مُعَلَّلًا في النص بأنه: «مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ»، أو: «مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ»؛ فاقتضى أن التسوية كمال في الصلاة، إنما تُراد لتحسينها وزينتها، على الهيئة اللائقة بمقام الوقوف بين يدي الرب عز وجل.

وذهب طائفة، وهو ظاهر اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ إلى تأويلها على الوجوب؛ لأنه الأصل في الأمر: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ»، «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ»؛ ولما اشتهر من شدة اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بالتسوية، والخلفاء رضي الله عنهم من بعده، حتى أنهم كانوا لا يدخلون في الصلاة إلا بعد التأكد من تسوية الصفوف؛ وفوق ذلك: ما ثبت من الوعيد على ترك التسوية، في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».

وهذا القول هو الأشبه؛ والله أعلم بالصواب.

ويجاب عن حجة الجمهور:

1- أن ما ذكرناه من الدلالة على الإيجاب أقوى مما ذكروه، وخصوصا في جانب الوعيد، ولا يُعهد في الشريعة وعيد على ترك مستحب، مهما بلغ تأكُّدُه.

2- أن تعليل الأمر بالتسوية بأنه: «مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ»، أو: «مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ»؛ ليس نصًّا في الاستحباب، ومعلوم أن ألفاظ الشارع إنما ترد على المعنى اللغوي العام، لا على المعنى الاصطلاحي الخاص الحادث، فـ«التمام» في لسان الشارع ليس هو «التمام» في اصطلاحنا الحادث المتأخر، الذي هو المقابل للأصل والفرض.

3- أنه قد ثبت في ألفاظ التعليل المذكور -أيضا-: «مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ»، وهذا اللفظ -خاصة- في استعمال الشارع يدل على الوجوب، فتبين أن الحديث إنما روي بالمعنى، وليست بعض ألفاظه أولى من بعض، فلم يعد هناك موجب لصرف الأمر عن الوجوب، وخصوصا مع دلالة الوعيد التي ذكرناها.

فهذا هو القول في حكم تسوية الصفوف -ابتداء-، وقد كان لا بد منه للتمهيد إلى نفس المسألة التي نتكلم فيها.

فإذا تمهَّد القول بالوجوب؛ فهل يعني ذلك أن ترك التسوية مبطل للصلاة؟

اعلم -رحمك الله- أن هذا الموضع ينبني على أصل، وهو: اقتضاء النهي الفساد.

وبيان ذلك: أن الشارع قد أمر بتسوية الصفوف، وتوعَّد على تركها، فكان الترك منهيًّا عنه، والأمر بالشيء -عموما- يستلزم النهي عن ضده.

فهل النهي في هذا الموضع -الذي هو عدم تسوية الصفوف- يقتضي فساد الصلاة؟ هذا هو موضع النزاع.

ومسألة اقتضاء النهي الفساد: مسألة أصولية كبيرة، والنزاع فيها مشهور.

وخلاصة الراجح فيها([1]): أن النهي يقتضي الفساد إن عاد إلى ذات الشيء، أو شرط من شروطه؛ وكان فعل المنهي عنه يتنافى مع المقصود من هذا الشيء؛ فإن تخلف شيء من هذه القيود؛ فإن النهي لا يقتضي الفساد.

مثال ما يقتضي الفساد:

1- النهي عن التطوع المطلق في أوقات النهي المعروفة: فإن النهي هنا عائد إلى نفس الصلاة في هذه الأوقات، وفعلها يتنافى مع المقصود من النهي، وهو الزجر عن التشبه بالمشركين، الذين يسجدون في هذه الأوقات لغير الله -تعالى-، فلا يتم المقصود من النهي إلا بترك الصلاة -نفسها-.

2- النهي عن الصوم في يوم العيد: فإن النهي هنا عائد إلى نفس الصوم في هذا اليوم، وفعله يتنافى مع المقصود من النهي؛ لأن الصيام إمساك بقصد الكف عن الشهوات، والعيد إفطار بقصد التعرض للشهوات المباحة وإجمام النفس، فلا يجتمع الأمران -إذن-؛ لأن كُلًّا منهما مناف لمقصود الآخر.

ومثال ما لا يقتضي الفساد:

1- النهي عن خِطْبة المسلم على خِطْبة أخيه: فإنه لا يقتضي فساد عقد الخاطب الثاني -لو عقد على مخطوبته-؛ لأن النهي هنا عاد لأمر خارج عن العقد -بالكلية-، والمقصود منه مراعاة حق المسلم، ودفع العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ وهذا المعنى لا يقتضي فساد العقد.

2- النهي عن بيع البهيمة المُصَرَّاة (التي رُبط ضَرْعُها؛ ليجتمع فيه اللبن، فيغتر بها المشتري): فإن النهي هنا لا يقتضي فساد البيع، وإن كان عائدا إلى قضية الغَرَر، وبيوع الغرر فاسدة؛ لأن المعنى فيه راجع إلى حق المخلوق، من جهة الغش والتدليس، والمشتري -في هذه الحالة- لم يخرج من العقد خالي الوفاض، بل خرج بالبهيمة المصراة -نفسها-، وكان المال الزائد الذي دفعه في مقابل التصرية حقا له، إن شاء استرده، وإن شاء تنازل عنه.

فإذا اتضح لك ذلك؛ فإننا ننظر في مسألة تسوية الصفوف في جهة النهي، وفي المعنى المقصود منه.

فأما جهة النهي؛ فإنها ليست عائدة إلى ذات الصلاة، ولا إلى شرط من شروطها، ولا نحو ذلك؛ بل لأمر خارج عنها.

وأما المعنى؛ فهو الحفاظ على الجماعة والائتلاف بين المسلمين، وهذا منصوص عليه في نفس الحديث الذي استدلَلْنا به على وجوب التسوية: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»؛ فإن المراد -كما هو مقرر في الشروح-: أن الوحدة في الظاهر علامة على الوحدة في الباطن، والعكس بالعكس؛ جريًا على قاعدة الشريعة: التلازم بين الظاهر والباطن؛ فترك التسوية يوجب إيقاع التفرق والاختلاف بين المسلمين، وهكذا توعَّد النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدير الكلام: لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو لَيُوقِعَنَّ الله بينكم التفرق والاختلاف.

وعلى ذلك؛ فارتكاب النهي بترك تسوية الصفوف لا يتنافى مع المقصود من الصلاة، ولا يعود عليها بالبطلان.

فنتج من جميع ذلك: أن النهي في هذه المسألة لا يقتضي الفساد، وأن ترك تسوية الصفوف لا يبطل الصلاة؛ وهذا هو الصواب، الذي ينبغي القطع به.

وصارت مسألة التسوية كمسألة صلاة الجماعة -نفسها-، فالجماعة واجبة -على الأرجح-، وليس تركها مبطلا للصلاة، وليست تسوية الصفوف بأعظم من صلاة الجماعة.

ويلزم القائلَ ببطلان الصلاة بترك التسوية: أن يبطلها بأدنى قدر يتحقق فيه ذلك، بالفُرُجات المعروفة التي تكون في الصفوف؛ وهذا عظيم جدا، مخالف لفهم الصحابة رضي الله عنهم.

فقد ثبت في الصحيح: أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ما أنكر عليكم شيئا إلا أنكم لا تسوون الصفوف»، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة.

بل يمكن أن يقال: إن هذا القول مخالف للنص -نفسه-؛ ففي بعض أحاديث الأمر بالتسوية: « أَقِيمُوا الصُّفُوفَ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي »، فقد يؤخذ منه أن الخلل كان يقع في الصفوف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك، فقال مقولته المذكورة تحذيرا لأصحابه؛ وعلى هذا؛ فلم يأمرهم بإعادة الصلاة.

ولا يُظن بالعالم الجليل المردود عليه في هذه المسألة أنه يقول بذلك، فكأنه يفرق في ترك تسوية الصفوف بين اليسير والكثير، كالعمل في الصلاة.

وهذا -أيضا- لا يصفو له؛ لأن الإبطال في العمل معلَّق بالتنافي مع مقصود الصلاة، وهذا لا يكون إلا في العمل الكثير؛ بخلاف عدم تسوية الصفوف، فإن المعنى فيه هو العداوة والبغضاء، وهذا متحقق في أدنى إخلال بالتسوية، وعلى هذا وقعت النصوص -أصلا-؛ فإن الوعيد الذي ذكرناه آنفا في ترك التسوية إنما ورد -كما في الحديث نفسه- على صورة رجل قد بَدَا صدرُه من الصف، فدل على أن المحظور متحقق -عند الشارع- بأدنى قدر من الإخلال بالواجب.

فإن قيل: لكن الإخلال بالتسوية منافٍ للمقصود من صلاة الجماعة -نفسها-.

قلت: لا ينافي المقصود -بالكلية-، وهذا ظاهر، فلو لم يكن إلا الاجتماع في مكان واحد، على إمام واحد؛ لكفى في تحقيق أصل المقصود من صلاة الجماعة، وإنما يقتضي النهي الفساد لو كان منافيا للمقصود -بالكلية-.

فإن قيل: قد عُلم بالواقع المشاهَد -ولو في بعض البلاد- أن انتشار وباء «كورونا» ليس بالقوي، والثابت -عموما- أن نسبة الشفاء منه أكبر من نسبة الوفاة، فلم يعد هناك ما يوجب ترك تسوية الصفوف.

قلت: هذا غايته أن يكون من ترك التسوية آثِمًا، وبحثنا إنما هو في بطلان صلاته، والمسألة مفروضة حتى في حالة التعمد وانتفاء العذر، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، والشريعة متظاهرة على أنه ليس كل إخلال بواجب، أو ارتكاب لمحرم؛ يوجب فساد العبادة أو العقد الذي يقع فيه، فلا بد من التفريق بين الأمرين، والقول بعدم البطلان لا يعني التهوين من شأن المخالفة -كما هو ظاهر-.

فإن قيل: يُخشى لو استمر الحال على هذا أن يصير أصلا وعادة عند المسلمين، فتكون صلاة الجماعة بعد ذلك على هذه الصورة -دائما-، وهذا تغيير للشريعة.

قلت: هذا -لعمر الله- أمر عظيم، نعوذ بالله منه؛ ولكن الإنصاف يقتضي أن الواقع الحالي فيه ولو نوع شبهة، من ناحية النظر في المآل، والخوف من زيادة أعداد المصابين، وعدم توفر اللقاح، ونشاط الفيروس في الشتاء -خاصة-، ونحو ذلك؛ وأما إذا تغير الواقع، وتغيرت الظروف، وخُشِي من المفسدة المذكورة؛ فمعاذ الله أن نسمح بوقوعها، ولكل حادثة حديث؛ مع التنبيه على الفرق بين هذا، وبين القول ببطلان الصلاة؛ كما سبق البيان.

فإن قيل([2]): نحتج في إبطال الصلاة بالقياس على المنفرد خلف الصف، بجامع مخالفة الموقف الشرعي في كُلٍّ.

وتوضيح ذلك: أن النص قد دل على بطلان صلاة المنفرد خلف الصف، كما في حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا صَلَّى وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ»؛ وما ذلك إلا لأنه قد وقف حيث لا يجوز له الوقوف، فدل على أن كل من خالف الموقف الشرعي الواجب عليه في صلاة الجماعة؛ فصلاته باطلة.

قلت في الجواب عن ذلك: الإجماع منعقد على بطلان طرد هذه العلة؛ فإن المنفرد خلف الصف لو انضم إليه آخر، وفي الصف المقدَّم فرجة تسعهما؛ فصلاتهما غير باطلة -إجماعا-، وإن أَثِمَا بمخالفة الموقف الشرعي الواجب عليهما؛ فعدم طرد العلة: قادح فيها، ودالٌّ على بطلانها.

وفي مسألة المنفرد -نفسها-: دل النص على الفرق بين صورة الابتداء وصورة الدوام، فمن ابتدأ الصلاة منفردا؛ صحت صلاته، وانعقدت؛ كما دل عليه حديث أبي بكرة رضي الله عنه: «أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ رَاكِعٌ ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلاَ تَعُدْ»، فاقتضى الجمع بين الأدلة: أن المنفرد تنعقد صلاته -ابتداء-، فإذا مَرَّتْ عليه ركعة -وهو منفرد-؛ بطلت صلاته.

فقارن بين هذا، وبين صورة تقدم المأموم على الإمام -مثلا-؛ تجد أن التقدم لا تنعقد به الصلاة -أصلا-، بخلاف الانفراد خلف الصف.

ووجهه -من حيث النظر والقياس-: أن المتقدم على الإمام وقف حيث لا يجوز له الوقوف أصلا ولا وصفا، ووقوفه هذا يخل بأصل كونه مأموما، ويؤثر على أصل الاقتداء؛ فإن شأن المأموم والمقتدي ألا يكون متقدما على إمامه؛ وأما المنفرد خلف الصف؛ فقد شارك الجماعة في أصل صلاتها واقتدائها؛ فاغتُفر له الانفراد في أول الصلاة، وانعقدت صلاته، وإنما بطلت من الحيثية التي ذكرناها.

فقد وجدنا -إذن- أن هذه العلة (مخالفة الموقف الشرعي) تارة منعت من انعقاد الصلاة -أصلا-، وتارة لم تمنع من انعقادها، وإنما منعت من صحة دوامها -بحيثية ما-، وتارة لم تمنع من الانعقاد ولا الصحة.

فتبين -إذن- أنه لا بد في الأمر من تفصيل، ولا يصح إطلاق القول بأن مخالفة الموقف الشرعي مفسدة للصلاة، بل يُراعى في ذلك أشبه الصور بالنص والقياس.

وبالتأمل في مسألتنا (التباعد في الصفوف): نجد أن المصلي قد ارتكب المخالفة في وصف الوقوف، لا أصله؛ فهو قد أتى بأصل ما يجوز له من الوقوف: متأخرا عن الإمام، كائنا في الصف، محاذيا لأخيه؛ بخلاف المنفرد خلف الصف، الذي ترك المُصَافَّة -جملة-، ووقف حيث لا يجوز له الوقوف -أصلا-.

فتبين الفرق بين المسألتين بالنظر الواضح، فكيف إذا تبين الفرق من جهة الإجماع -أيضا-، وفي نفس محل النزاع؟

وذلك أن الإجماع منعقد على عدم بطلان الصلاة بالفرجات اليسيرة بين المصلين، مع أنه قد تحقق فيها -أيضا- مخالفة الموقف الشرعي، فمن صلى وبينه وبين أخيه فرجة؛ فقد خالف الموقف الشرعي الواجب عليه، والوعيد الذي جاء في ترك تسوية الصفوف إنما ورد على هذه الصورة -أصالة-، لا على صورة الفرجات الفاحشة؛ كما سبق بيانه.

فانحصر محل النزاع -إذن- في الفرجات الفاحشة: هل يفرق بينها وبين اليسيرة، ويصح قياسها على صورة الانفراد خلف الصف؟

والجواب: كلا؛ لما أوضحناه من الفرق الظاهر، وبطلان البناء على مجرد مخالفة الموقف الشرعي.

ثم إن من قاس يلزمه في صورة التباعد أن يحكم بانعقاد الصلاة، وأنها إنما تبطل بمرور ركعة كاملة؛ لأن هذا هو الحكم في صورة الانفراد؛ والله أعلم: هل يقول بهذا التفصيل، أم لا.

فالحاصل: أن الصلاة في التباعد هي صلاة مع فرجات، وقد انعقد الإجماع على عدم البطلان بالفرجات اليسيرة، والمفرِّقُ بينها وبين الفرجات الفاحشة يحتاج إلى دليل صريح تقوم بمثله الحجة، ولا يصفو له القياس على صورة الانفراد خلف الصف، وصورة التباعد أشبه بالصور التي يُحكم فيها بصحة العبادة مع الإثم، لا ينبغي أن يخالف في هذا منصف.

هذا آخر المراد من هذا المقال، ونسأل الله أن يكشف عنا هذه المحنة، ويرفع هذا البلاء، ويحفظ علينا ديننا ودنيانا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الجمعة 26/ربيع الآخر/1442

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) انظر -إن شئت التفصيل- كتابي: «المنتقى من المسائل الخلافية في أصول الفقه»، وهو منشور على الموقع.

([2]) من هنا يبدأ الرد الجديد، الذي كنت كتبته بعد القديم بمدة.

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت