طليعة
الدرس الثاني والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الثالث والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الرابع والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس الخامس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السادس والعشرون - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو الدرس السابع والعشرون، وهو الأخير - شرح المقدمة الآجرومية في علم النحو حرمة أكل المال بالباطل - خطب عامة الحياء 1446 - خطب عامة لغة القرآن والحفاظ على الهوية - خطب عامة صناعة العقول بين الاستقامة والانحراف - خطب عامة
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :567265
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ خطبة: طليعة البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع

المقال
تفريغ خطبة: طليعة البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع
4228 زائر
06/04/2013
أبو حازم القاهري السلفي

طليعة

البيان الرفيع

لدين الرافضة الشنيع[1]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فقد أخرج الترمذي، والنسائي، وغيرهما، من حديث خبَّاب بن الأَرَتِّ -رضي الله عنه-، وهو عند مسلم من حديث ثوبان وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما-، قال خبَّاب -رضي الله عنه-: «راقبتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة صلاها كلَّها، حتى كان عند الفجر، فلمّا سلّم؛ قلت: «يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، لقد صليتَ صلاة ما رأيتُك صليتَ مثلها قط»، قال: «أجل، إنها صلاة رَغَبٍ ورَهَبٍ، وإني سألتُ ربي -عزّ وجل- ثلاثة أشياء -أو قال: ثلاث خصال-، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة: سألتُه أن لا يهلك أمتي بما أهلك الأمم من قبلها؛ فأعطانيها، وسألتُه أن لا يسلط عليها عدوًا من غيرها؛ فأعطانيها، وسألتُه أن لا يلبسها شيعًا؛ فمنعنيها».

هذا الحديث يمثل موقفًا نادرًا في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بأكملها -على غير عادته الغالبة-، وراقبه في ذلك أحد أصحابه -وهو خباب -رضي الله عنه-، حتى إذا قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته؛ استفهم خباب -رضي الله عنه- عن هذا الأمر النادر -وهو طول الصلاة على هذا النحو-، فقال: «بأبي أنت وأمي، لقد صليت صلاة ما رأيتُك صليتَ مثلها قط»، قال: «أجل، إنها صلاة رغب ورهب»؛ أي: صلاة رغبة ورهبة: رغبة فيما عند الله من الفضل والرحمة ، ورهبة ممّا عنده من الغضب والعقاب؛ ولهذا كانت مطالبه -صلى الله عليه وسلم- تدور حول هذين القطبين، كان فيها ما فيه طمع في رحمة الله -عزّ وجل-، وخوفٌ من غضبه وعقابه وبلائه.

ولك أن تتأمل في هذه المطالب الثلاثة، حتى تعرف مدى شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته، وحرصه عليها؛ وكيف لا، وقد قال فيه ربه -جلَّ وعلا- : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء:107]، وقال -جلّ شأنه-: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128 ].

فاشتملت مطالبه -صلى الله عليه وسلم- على غاية الرحمة والشفقة بأمته، وغاية الحرص والخوف عليها، وقد اقتضت حكمة الله -تبارك وتعالى- أن لا يعطي نبيه -صلى الله عليه وسلم- كل ما سأل، بل أعطاه شيئًا، ومنعه شيئًا.

قال -صلى الله عليه وسلم-: «سألتُه أن لا يهلك أمتي بما أهلك الأمم من قبلها»، وفي حديث ثوبان -رضي الله عنه-: «أن لا يهلك أمتي بسَنَة عامّة»، والمعنى: العقوبة العامة الشاملة، التي كان ينزل مثلُها بالأمم من قبلنا؛ كما فُعل بقوم نوح، وعاد، وثمود، والذين من بعدهم، لا يعلمهم إلا الله؛ فأشفق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته أن يصيبها مثل ذلك، فسأل ربه -جلّ وعلا- أن لا يهلكها بما أهلك تلك الأمم به، فاستجاب الله -عز وجل-، فأعطى نبيه ذلك، وهذا هو ما نعيش في فضله حتى الآن -ولله الحمد-، وحتى يشاء الله -عز وجل-، فلم تحدث بالأمة عقوبة عامة تستأصل شَأْفَتَها وجذورها؛ بل إن حدث شيء من ذلك؛ فإنما يحدث بصورة مقيّدة -في بلد ما، أو قرية ما، أو طائفة ما-، وأما أن يعمّ العذاب الأمة؛ فلا؛ هذا هو المطلب الأول.

وأما الثاني؛ فقد قال فيه -صلى الله عليه وسلم-: «وسألتُه أن لا يسلط عليها عدوًا من غيرها»، وفي حديث ثوبان -رضي الله عنه-: «فيستبيحَ بيضتَها»، والمعنى: أن لا يسلَّط العدو على الأمة، فيستأصل شأفتها، ويقضي عليها -جملة-، وقد استجاب الله -عز وجل- أيضًا، فأعطى نبيه ذلك، وهو ما وقع في الأمة أيضًا -ولله الحمد-، فمهما سُلِّط عليها من الأعداء، ومهما فُتح عليها من الغزو والقتال -من قِبَل أعدائهم-؛ فإنهم لا يأتون على الأمة كلها، ولا ينتقصون جميع أطرافها؛ بل يسلَّطون على بلد ما، أو قرية ما، أو طائفة ما؛ وأما على كل الأمة؛ فلا.

ثم يجيء -من بعد ذلك- المطلب الثالث، الذي اقتضت حكمة الله -تبارك وتعالى- أن لا يستجيب له.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وسألتُ ربي أن لا يلبسها شيعًا»، وفي حديث سعد -رضي الله عنه-: «أن لا يذيق بعضهم بأس بعض».

سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه أن لا يفرّق أمته شيعًا وأحزابًا وطوائف، سأل ربه أن لا تفترق أمته، سأل ربه أن لا يذيق بعض الأمة بأس بعض؛ وهذه طبيعة التفرق والاختلاف: لا بد أن يذوق بعض المختلفين بأس بعض -إما باللسان، وإما بالسِّنَان-، واقتضت حكمة الله -تبارك وتعالى- أن لا يستجيب لهذا المطلب، فمنعه نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- لحكمة بالغة عنده؛ فإن الله -تبارك وتعالى- لا يفعل شيئًا عبثًا، ولا يشاء شيئا لغير حكمة -كما قررناه -ولله الحمد- في مسائل القدر-.

فالله -تبارك وتعالى- يبغض الاختلاف، ويجعله مباينًا للرحمة، كما في قوله -تعالى-: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118- 119]، فجعل مَنْ رَحِمَه غيرَ مختلف، ومع هذا؛ فقد قدّر أن يقع هذا الاختلاف في هذه الأمة؛ بل أن يُضرب عليها من ذلك ما لم يُضرب على الأمم قبلها، مع أن هذه الأمة هي الأمة المرحومة المكرّمة الخيّرة، ومع أن الله -تبارك و تعالى- عافاها من كثير مما ابتلى به غيرها؛ ولكن شاء الله -عز وجل- بحكمته أن يقع في هذه الأمة لونٌ لم يقع فيمن قبلها: وهو كثرة الاختلاف.

إنها الحقيقة، التي عبّر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة»، فجعل فرق هذه الأمة أكثر عددًا من فرق اليهود والنصارى.

وليس ذلك فقط؛ بل توعّدها جميعًا بالنار، إلا فرقة واحدة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «كلها في النار إلا واحدة»، قيل: «يا رسول الله، ومن هي؟»، قال : «الجماعة»، الجماعة التي ليس فيها فرقة ولا اختلاف ولا مباينة.

فشعار الفرقة الناجية: الاجتماع، لا تجد أفرادها إلا مجتمعين متآلفين متحدين: دينهم واحد، وعقيدتهم واحدة، ومنهجهم واحد، لا يتفرقون في ذلك ولا يختلفون.

فتأمل كيف عبر -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الفرقة بهذا الوصف: بوصف الجماعة، ولا يكونون مجتمعين إلا على الحق والهُدى والصواب، فلا تجتمع هذه الفرقة على باطل أبدًا، ولا على ضلال قط؛ تكرمةً من الله -عز وجل- وفضلًا منه ونعمةً ورحمةً.

فتأمل -رحمك الله- في ذلك، واعرف قدر نعمة الاجتماع، وقدر خطورة الافتراق، فالنجاة ملازمة للاجتماع، والعذاب ملازم للافتراق؛ هذه حقيقة لا بدّ أن نعرفها، لا بد أن نعرف أن الله -تبارك وتعالى- قدّر الاختلاف وأراد وقوعه كونًا، وضرب منه على هذه الأمة صفة عظيمة هائلة، فالاختلاف واقع -ولا بد-، والتفرق واقع -ولا بد-، وأهل الباطل كُثُر؛ أهل الحق فيهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود: غريبون، قليلون، متفردون، وليس ذلك بضارّهم شيئًا -كما بيّناه من قبل-.

ثم تأتي -من بعد ذلك- حقيقة ثانية، وهي: حقيقة كيد أعداء الإسلام له ولأهله.

إن أعداء الإسلام يبغضونه ويمقتونه، وكذلك هم فاعلون مع أهله، فلا يريدون بالإسلام وأهله خيرًا ولا رخاء أبدًا؛ بل هم في الكيد جادّون ساعون، ولهم في ذلك مهارة وخبث، فهم أدرى بأدواء الأمة من أبنائها، يعرفون أدواء الأمة وعللها ونقاط ضعفها أكثر من معرفة أفراد الأمة أنفسهم لذلك.

ومن جملة هذا: أنهم عرفوا خطورة التفرق والاختلاف؛ لأنهم ذاقوا مرارته من قبل، ذاق بعضهم بأس بعض، وانتشرت فيهم الشيع والفرق والأحزاب، كل فرقة تكفر أختها، وتلعن أختها، وتستبيح دم أختها، حتى نشأ من جراء ذلك: ما هو معروف ثابت في التاريخ، لا يُدفع، فلما عرفوا ذلك؛ أرادوا أن يوقعوه بهذه الأمة؛ نكاية فيها، وإرادة للشر بها؛ حتى يقضوا عليها.

إنها الحقيقة التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه -﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾ [ النساء: 87]-: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، ﴿ وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [ البقرة: 120]، ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، ﴿ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ ﴾ [ آل عمران: 69] .

إنها حقيقة ثابتة، ذكرها الله -عز وجل-، فلا بد أن نؤمن ونوقن بها، ولا ينبغي أبدًا أن يتزعزع هذا اليقين طرفة عين، لا ينبغي أبدًا أن نظن أن الكفار يريدون بنا خيرًا أو رخاء أو رفاهية أو نحو ذلك؛ بل يريدون بنا الشر كل الشر، والفساد كل الفساد.

فالقاعدة العامة المضطردة: أن كل ما أتانا من قبلهم فهو شر؛ نتكلم بالأخص على ما يتعلق بالأديان والعقائد والمناهج، فكل ما أتانا من قبلهم -على هذه الصفة- فهو شر.

لا بد أن نعرف هذا، ومن فهم هذه القاعدة؛ أراح واستراح، وانحلت عنده من الإشكالات كثير؛ وهي قاعدة لو عقد المسلم قلبه عليها؛ فلن يضره من الشبهات شيء، فإن العوام لو أحكموا يقينهم؛ ما ضرّهم من الأعداء ولا المبتدعة ولا أهل الشر والفساد أحد؛ ولكن مشكلة العوام في انعدام اليقين أو نقصه.

فإذا أيقنتَ يقينا تامًا، وحفظت هذه القاعدة -أن كل ما أتاك من عند الكفار شر-؛ فلن تحتاج إلى كلام.

إذا سألتك سؤالا، فقلت لك: «الديموقراطية أتت من عند الكفار أم لا؟»؛ فلا بد أن يكون الجواب: «أتت من عندهم»؛ إذن: فهي شر؛ هكذا -وأنت مغمض العينين-، من غير تفكير ومن غير تردد، لا ينبغي -من بعد ذلك- أن تبحث وتنظر وتغتر بكلام فلان أو فلان.

إذا سألتُك سؤالاً، فقلتُ لك: «الثورات أتت من عند الكفار أم لا ؟»؛ فلا بد أن يكون الجواب: «أتت من عندهم»؛ إذن: فهي شر.

الأحزاب أتت من عند الكفار أم لا ؟ أتت من عندهم؛ إذن: فهي شر.

التفرق والاختلاف أتى من عند الكفار أم لا ؟ أتى من عندهم؛ إذن: فهو شر.

هذه القاعدة لو عقدت قلبك عليها؛ فستحوز خيرًا كثيرًا، ولن يضرك من الشبهات شيء، ولا من الدخائل والضغائن شيء؛ فاعرف هذا -رحمك الله-، واثبت عليه، ودِنْ لله تعالى به؛ تكن من الفائزين الرابحين الراشدين.

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكفينا شرَّ كلِّ ذي شر، وأن يتوفانا من هذه الدنيا على ما يحبه ويرضاه.

أقول ما تسمعون، ويغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين -كالمبتدعة والمشركين-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، هو الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كما ذكرتُ لكم آنفا -إخوة الإسلام-: الأعداء -في إيذائهم للإسلام وأهله- متفنِّنون عارفون مطَّلعون، يطَّلعون على أدواء الأمة، حتى يستغلوها لضربها وإسقاطها.

فمما اطَّلعوا عليه في ذلك -وهو من أخطر الأدواء، إن لم يكن أخطرها-: التفرق والاختلاف، واستغلالهم في ذلك يكون من خلال بثهم لسمومهم وأفكارهم وعقائدهم، حتى يتشرّبها من أبناء الأمة من يتشربها، ثم يدعو إليها، فيستجيب له أناس، ويعارضه أناس، فعندئذ: تفترق الأمة إلى فرق -ما بين مؤيد ومعارض، وما بين موافق ومخالف-.

وعندئذ: لا بد أن يحصل السجال والجدال، والجدال شر، نهى الله عنه في كتابه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، ومن شعائر أهل السنة والجماعة: ترك الجدال والمراء والخصومة في الدين، اتفق عليه السلف، ودوَّنوه في عقائدهم.

فعندما يحصل الجدال والنقاش؛ تبدأ التُّهم -من تفسيق أو تبديع أو تكفير-، ونتكلم بالأخص على الصورة التي تقع بغير حق؛ فإن التفسيق قد يكون بحق، وكذلك التبديع والتكفير، وهذا من مسائل الأسماء والأحكام، التي اعتنى العلماء ببيانها، وشرحوا ضوابطها وقواعدها؛ فلسنا ننكر ما كان من ذلك بحق، وما استُعمل في مجاهدة أعداء الله -من الفساق والمبتدعة والكفار-، وإنما نتكلم على ما وقع بباطل، أو ما كان يسعنا خلافه -لو كنا متحدين متآلفين مجتمعين، لم يفارق الحقَّ منا أحدٌ-.

فإذا ظهرت التهم؛ ظهرت العداوة والبغضاء والإحن، وأراد كل واحد من المتنازعين أن يوقع بصاحبه، وتمنّى له الأذى والضرر، فلم يزل ذلك يزيد؛ حتى يُرفع السلاح، وتُسفك الدماء، وتُنتهك الأعراض -باسم الدين والحق والهدى-، فالذي يرفع السيف على رجل آخر من هذه الأمة: يظن أنه على الحق، وأن الذي يرفع عليه السيف: إنما يرفعه عليه جهادًا في سبيل الله، وابتغاءً لمرضاة الله، ونصرةً لدين الله!!

أرأيتم كيف يقع هذا الأمر؟! أرأيتم تَسَلْسُلَه؟! كل هذا محسوب ومقصود -بدقة بالغة وعناية فائقة-، وما يغتر المسلمون بشيء من ذلك ولا يقعون فيه إلا من نقص علمهم بدينهم، وإعراضهم عن سنة نبيهم، واتباعهم للأهواء والشهوات والآراء والأهواء؛ وإلا فلو اعتصموا بكتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-؛ لما ضرهم شيء من ذلك.

وسأذكر لكم صورة من صور تدخل الأعداء وإيذائهم للمسلمين -من خلال التفرّق والاختلاف-، وهي صورة كلية جامعة، ليست صورة فردية أو جانبية.

إنها صورة البدع والضلالات التي تنتشر في الأمة، لاسيما البدع الاعتقادية، التي تخالف معتقد أهل السنة والجماعة -مما دل عليه النص، وأجمع عليه السلف-، وقد بسطنا القول في هذا منذ سنوات -ولله الحمد- عندما تكلمنا على أحكام البدع.

فلك أن تتأمل في هذا اللون الذي يسري بين الأمة سريان النار في الهشيم، وما يكون في خلال ذلك من التفرق والاختلاف، الذي يؤدي إلى ما ذكرته من سوء الأثر؛ فأهل الكفر وأعداء الأمة يتدخلون فيها من خلال البدع والضلالات، فكثير من البدع الاعتقادية التي انتشرت في هذه الأمة: مرجعها لأهل الكفر ومِلَلِهم، وقد يكون بذلك بقصد منهم، وقد لا يكون بقصد.

فانظر -مثلا- إلى بدعة التعطيل: تعطيل أسماء الله وصفاته، والقول بأن الله -تبارك وتعالى- لا اسم له، ولا صفة له، لا يتسمّى بشيء، ولا يتصف بشيء، وليس له الأسماء الحسنى، ولا الصفات العُلى، ولم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلا؛ إلى غير ذلك.

هذه البدعة الشنعاء رأسها رجل، يقال له: جهم بن صفوان، كان من قصته ما ذكره غير واحد من أهل العلم -كالإمام أحمد وغيره-: أنه ناظره قوم من فلاسفة الهند، الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات المجرّدات، فقالوا له: «أتعرف لربك لونًا ؟»، قال: «لا»، قالوا: «أتعرف له ريحًا؟»، قال: «لا»، قالوا: «أتعرف له طعمًا ؟»، قال: «لا»، قالوا: «إذن: فلا رب لك»؛ فتحيّر الجهم وشَكَّ -والعياذ بالله-، ومكث في بيته -كذا وكذا- لا يصلي، ثم خرج من بعد ذلك يقول: إن الله لا اسم له، ولا صفة له، وليس فوق العرش، وليس يُرى بالأبصار في الآخرة؛ إلى غير ذلك من أمور التعطيلات، التي تبنَّتها طائفته التي يُقال لها «الجهمية»، ثم تطور التعطيل -من بعد ذلك- من تعطيل للصفات دون الأسماء، و تعطيل لبعض الصفات دون بعض؛ إلى غير ذلك.

فالحاصل: أن هذه البدعة الشنعاء التي تتعلق بالرب -سبحانه وتعالى- ما أتت إلا من قبل الكفار والملاحدة، ليس لها في الإسلام نَسَبٌ ولا صِهْرٌ، وليست منه في قَبِيل ولا دَبِير؛ فهكذا كيد الأعداء: يقذفون بالشبهات والمعتقدات الفاسدة والبدع والضلالات؛ حتى يتشربها من أهل الأمة أهلُ الغباوة والجهالة والإعراض عن دين الله -عز وجل-، فعندئذ يسهل التفرق والاختلاف.

ومن أمثلة ذلك -وهو ما قدَّمتُ له بكل هذه المقدمة، حتى يتسنى لنا أن نتكلم فيه تفصيلاً -إن شاء الله-: بدعة التشيع، التي يُعبَّر عنها الآن بالرفض، ويقال لأهلها: «الرافضة».

هذه البدعة ما أتت إلا من قِبَل الكفار، من قبل اليهود أعداء الإسلام؛ نكايةً في الإسلام وأهله، حتى يقوِّضوا دعائمه وأسسه، ويهدموا عقائده، ويشيعوا بين أهله الفرقة والاختلاف، حتى يقتل بعضهم بعضًا، ويسفك بعضهم دم بعض.

هذه البدعة الخطيرة، التي أصّل لها رجل ما كان همه إلا الطعن في الإسلام، وما كان في قلبه إلا الحقد على الإسلام وكراهية الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما سيأتي تفصيله تباعًا -إن شاء الله تعالى-.

فهذه البدعة التي سنناقشها وسنحذر منها -إن شاء الله-: مثال ساطع على مدى كيد الأعداء، وسعيهم بالأذى والشر لهذه الأمة.

سنعرف خطورة التشيُّع، وسنعرف عقائده الكافرة، التي ليست من الإسلام في قليل ولا كثير، وسنعرف خطورته على الإسلام، وسنعرف أن أهل التشيع هم أضرّ من ينتسب إلى القبلة -ظاهرًا- على أهل القبلة: هم الذين مكّنوا للكفار، وهم الذين أدخلوهم في بلاد المسلمين، وهم الذين فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، وهم الذين يعتقدون أن جهاد المسلمين فرض -عندما يجيء غائبهم وقائمهم-!!

فليسوا من الإسلام في شيء، وليسوا من أهله في شيء، وليس يجمعنا رابط «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»؛ فإنهم -كما ستعرفون- يكفرون بالأولى وبالثانية!

فاحذروا؛ فإننا مقبلون على مرحلة لا يعلم كُنْهها إلا الله، إنها مرحلة خطيرة، لا بد فيها من الوعي والعلم والبصيرة، لا بد فيها من معرفة خطر هذه الطائفة التي تغزو بلادنا الآن، وهناك قرى تشيَّعت في صعيد مصر! وهناك فضائيات تنشر التشيع، وتقدح في السنة، وتقدح في الصحابة، وفي أمهات المؤمنين!

فإذ قد وقع كل ذلك؛ فلا بد أن يشمر أهل الحق عن سواعدهم، ويجاهدوا في سبيل الله، لا يخافون في ذلك لومة لائم؛ فإن جهاد أهل الباطل يكون باللسان، يكون بالحجة والبيان؛ كما قال الله -تعالى-: ﴿ فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ ﴾ أي بالقرآن ﴿ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ [الفرقان : 52].

فحُقَّّ لكل مسلم أن يعرف خطورة هذه الطائفة، وحُقَّ لكل من ينتسب لهذه الدعوة أن يحذر المسلمين ويبصِّرهم، فمن ترك ذلك -مع القدرة عليه-؛ فهو غاشٌّ للإسلام وأهله، ليس من الناصحين، وليس من الخائفين على الأمة، وليس من المؤدين واجبهم!!

أين الذين يتكلمون في التشيع؟!

أين الذين يتكلمون في الرافضة؟!

أين الذي كانوا من قبل قد طالت ألسنتهم وعلت أصواتهم، فكنّا نسمع منهم ما كنا نسمع في أيام الفتن؟! أين هم الآن -وأزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم يُقبَّحْنَ-، وتُرمَى إحداهن بالفاحشة، والصحابة -رضي الله عنهم- يُكفَّرون، ويُلعَن أبو بكر وعمر-؟!

أين هم -والتشيع ينتشر في هذه البلد، والمسلمون يتشيَّعون، ويكرهون الصحابة، ويكرهون أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

إنها السياسة، إنها المصالح، إنها مراعاة الواقع -بخبثه ومُرِّه وتحوُّله وتقلُّبه-؛ وإلا فمن تجرّد لله -تبارك وتعالى- ولهذه الدعوة الحقَّة ولصالح الإسلام وأهله: لا يفعل من ذلك شيئا.

لقد حان الوقت -أقولها صراحة، رضي من رضي وكره من كره-؛ حان الوقت لنزع الثقة من أمثال هؤلاء: لا تسمعوا كلامهم، ولا تحضروا مجالسهم، ولا تتصلوا بهم -في قليل ولا في كثير-؛ فإنهم -واللهِ- يضرون دينكم، لا ينصحونكم، ولا يبينون لكم ما تعرفون، ولا يبينون لكم دينكم وعقيدتكم -شعرتم بذلك أم لم تشعروا-.

إنها صيحة نذير، رضي بها من رضي وكره من كره؛ فإننا -ولله الحمد- لا نخاف في الله لومة لائم أبدًا.

اعرفوا خطورة التشيع، واحذروه، ولا تسمعوا لأهله، واتقوا شبهاته، واتقوا ما يجيء من عند الرافضة؛ فإنه ضلال كبير.

هذا هو ما سنتعرض له -إن شاء الله- تباعًا في الخطب الآتية، سنعرف خطورة التشيع، وسنعرف عقائده الكافرة التي لا تمت للإسلام بصلة، ولن نذكر حرفًا إلا موثقًا من كلامهم ومن كتبهم؛ حتى يعرف الناس خطورتهم، وسنتّبع في ذلك -إن شاء الله تعالى- منهجًا وسطًا، يفيد العامي وطالب العلم، من غير إسهاب ولا استفاضة في النقل والبحث؛ فإن هذا أمر كبير جدًا، وقد صُنِّفت فيه مصنفات، وتكلم فيه الكثيرون -ولله الحمد[2]-.

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكشف عنا الفتن -ما ظهر منها وما بطن-، وأن يكشف عنا الكرب كله، وأن ينزع عنا الفتن والشر والفساد، وأن يؤلف بين قلوبنا، ويصلح ذات بيننا، وأن لا يمكّن لعدوّنا فينا أبدًا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلّم.



[1] هذا تفريغ لخطب الجمعة، التي تحمل هذا العنوان، قام به بعض الإخوة -جزاهم الله خيرا-، وقد اطلعتُ عليه، وأجريتُ عليه ما يلزم من التعديلات؛ والله الموفِّق.

[2] وعلى رأس الكتب التي سأعتمد عليها -إن شاء الله- في النقل من كتب الرافضة: مصنفات الشيخ إحسان إلهي ظهير -رحمه الله-، و«أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية» للدكتور ناصر القفاري.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي إف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت