هل يدخل بيان
حال المخالفين
في الجرح
والتعديل؟
أحمد
الله العليم القدير، وأشهد أن لا إله إلا الله العلي الكبير، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله البشير النذير.
أما
بعد؛ فهذا تنبيه جامع بخصوص مسألة يكثر الكلام عليها، وهي: هل يدخل في الجرح
والتعديل الكلامُ في المخالفين والتحذيرُ عنهم؟
فأقول:
إن الصواب الذي لا شك فيه: أن هذا الأمر يدخل في الجرح والتعديل دخولا أَوَّلِيّاً،
وتقرير ذلك في أصلين معلومين، يكفي مجرد التذكير بهما؛ لشهرتهما واستقرارهما لدى
كل طالب علم -سيما علم الحديث الشريف-:
* الأصل
الأول: أن الجرح بالبدعة من أسباب الجرح المتفق علي دراستها في علم الحديث،
فلم يزل أهل هذا العلم يذكرون هذا السبب، ويعدونه من أسباب الجرح والطعن في
الرواة، ثم يفرِّعون على ذلك حكم الرواية عمن تلبَّس به، ولا يكاد يخلو من ذلك
كتابٌ في أصول الحديث.
* الأصل
الثاني: أن المتكلمين في الرجال لم يقصروا كلامهم على جانب الضبط أو العدالة
-من جهة التقوى والمروءة-؛ بل تكلموا في أهل البدع، وذكروهم ببدعهم، وهذا موجود
ضمن الكتب المصنَّفة في الجرح والتعديل، من غير تفريق بينه وبين الجوانب الأخرى.
فثبت
بهذين الأصلين المعلومين: أن الكلام في المبتدعة من صلب الجرح والتعديل، وأنه لا
يُعرف عن علماء الجرح والتعديل تحاشيهم عن الطعن في أهل البدع، أو عدم ذكر ذلك في
كتبهم.
غير
أنه قد خالف في ذلك بعض الناس، ففرقوا بين الجرح والتعديل وبين الكلام في
المخالفين، وهم على صنفين:
* الصنف
الأول: من يخالف في مجرد التسمية، فلا ينكر الرد على المخالفين والتحذير منهم؛
ولكنه يجعله من باب «النصيحة» و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ونحو ذلك، لا من
باب «الجرح والتعديل»، الذي يقصره على الكلام في رواة الحديث.
والنزاع
مع أهل هذا الصنف: نزاع لفظي، وإن كانوا مخطئين -كما تقدم بيانه-، وأيضا: فإن نفس
العمومات الواردة في «النصيحة» ونحوها يستدل بها العلماء على مشروعية «الجرح
والتعديل» في الرواية، ويجعلونه من جملة «النصيحة» الواجبة.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمهما الله-: جاء أبو تراب النَّخْشَبي إلى أبي،
فجعل أبي يقول: «فلان ضعيف، فلان ثقة», فقال أبو تراب: «يا شيخ، لا تغتب العلماء!!»،
فالتفت أبي إليه، فقال له: «ويحك! هذا نصيحة, ليس هذا غيبة».
ونظائر ذلك كثيرة في كلام أهل
العلم.
* الصنف الثاني: من يفرق
بين الأمرين، ولا ينكر الكلام في المخالفين -أيضا-؛ ولكنه يبني على تفريقه أمرا
عمليا، فيقول: إن القواعد الخاصة بالجرح والتعديل لا تسري في الكلام على
المخالفين، وأهمها: اشتراط التفسير في الجرح المقبول -عند وجود التعديل المعتمد-،
فيقول: إن هذا الاشتراط خاص بالجرح والتعديل -في باب الرواية-، وأما التبديع والتحذير
-في باب العقيدة والمنهج-؛ فلا يشترط فيه التفسير؛ بل يكفي مجرد الإطلاق والإجمال:
«فلان مبتدع»، ويجب قبول ذلك -وإن كان الشخص سلفيا في الأصل-.
وهذا قول فالح الحربي وشيعته، وقد
فصل الردَّ عليه: الشيخُ ربيعٌ -حفظه الله- في ردوده المحال عليها آنفا.
وسر المسألة: أنه لا فرق بين «الجرح
والتعديل» وبين «الكلام في المبتدعة» -كما تقرر-، فالقواعد واحدة، والضوابط
مشتركة.
فكما أن من عُدِّل تعديلا معتمدا
لم يُقبل فيه الجرح إلا مفسَّرا معتبرا؛ فكذلك من ثبتت سلفيته
لم يُقبل تبديعه إلا مفسَّرا معتبرا، وقد عبر عن ذلك: الإمامُ أحمدُ -رحمه الله-
في مقولته الشهيرة: «الإخراج من السنة شديد».
والفرق بين هذا الصنف والصنف
الأول: ظاهر؛ فإن الصنف الأول كان نزاعه في مجرد التسمية، دون أن ينبني على ذلك
أمر عملي؛ بخلاف هذا الصنف، الذي انبنى على نزاعه ما عرفتَ، فصار نزاعا حقيقيا، لا
لفظيا.
وهذا من أهم التنبيهات التي يجب
التفطن لها؛ لئلا يقول قائل -وقد قيل-: قد شنَّعتم على فالح؛ فلِمَ لا تشنِّعون
على الفوزان؟!
فالواجب: إنزال الناس منازلهم،
ووضع الأشياء في نصابها، وتحرير مواطن النزاع، والتمييز بين مآخذ الناس في مذاهبهم؛
فإن هذه الأشياء من أهم ضوابط الرد على المخالف، وتصنيف المخالفات وأهلها؛ حتى
يُعطَى كلُّ أحد حقَّه من الولاء والبراء.
وبالله التوفيق، وصلَّى الله
وسلَّم على محمد وآله.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
السبت 18/ذو الحجة/1433
|