إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542282
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

زاد العالم

المقال
زاد العالم
4283 زائر
24/05/2012
أبو حازم القاهري السلفي

زاد العالِم

الحمد لله الملك المعبود ، وأشهد أن لا إله غيره ، شهادة تدخل صاحبها دار الخلود ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي تبوأ مراتب السعود .

أما بعد ؛ فإن العلماء هم صفوة الناس ، وحملة الدين ، وورثة الأنبياء ، وأصحاب المنازل الرفيعة في الدارين ، وفضائلهم على الاستقصاء كثيرة ، تجدها في مثل «جامع بيان العلم وفضله» ، و«مفتاح دار السعادة» .

ولا يخفى أن العالم الذي يحوز هذه الفضائل ، ويدخل في زمرة أصحابها : هو الذي تأصل في علمه ، ورسخت قدمه فيه ، فصارت له فيه ملكة خاصة ، ومعرفة ثاقبة ، تمكنه من تحرير مسائله ومباحثه على الاستقامة والدقة - ، وتمييز الحق فيها من الباطل .

ومعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- امتدح من وصل إلى هذه الرتبة من العلماء، وذكرهم في أبلغ مقامات الثناء ، فقال : ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا([1]) .

وشرط الرسوخ هذا هو الذي اعتبره العلماء سلفا وخلفا - ، فلا يكون الرجل
عندهم عالما إلا باستيفائه .

فقال الإمام عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله- : «لا يجوز أن يكون الرجل إماما حتى يعلم ما يصح مما لا يصح»([2]) .

وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- : «العلم نور يقذفه الله في القلب، يفرق به العبد بين الخطأ والصواب»([3]) .

وقال العلامة الشاطبي -رحمه الله- : «من شروطهم في العالم بأي علم اتفق: أن يكون عارفا بأصوله، وما ينبني عليه ذلك العلم، قادرا على التعبير عن مقصوده فيه، عارفا بما يلزم عنه، قائما على دفع الشبه الواردة عليه فيه»([4]) .

قلت : وهذا باب واسع ، فالموفَّق من عرف ذلك ، وتفهَّمه ، وعمل به في نفسه ، وفيمن حوله - ، فيوطن نفسه على استيفاء هذا الشرط إن أراد أن يكون عالما - ، ولا يعتبر بأحد من المتكلمين في الدين حوله إلا باستيفائه أيضا - .

واعلم أن أهم ما يحقق هذا الشرط : جرد المطولات ، فلا يجوز أن يكتفي الطالب بدراسة المختصرات ، أو الاطلاع العام ؛ بل يجب عليه أن يَمخُر بسفينته عُباب المطولات ، ويصارع أمواجها ، ويصبر على المشقة في ذلك ؛ فإن هذا هو الذي يصور عنده المسائل والمباحث على التمام - ، ويوقفه على أسرارها وفوائدها ، ويمكنه من تحريرها على الوجه المرضي - .

وهكذا كان علماؤنا الأعلام ، ومن اطلع على سيرهم وتراجمهم ؛ عرف اهتمامهم بهذا الأمر العظيم ، وأنه كان سر نبوغهم وإمامتهم بتوفيق الله - .

وأما الذي يفرط في ذلك ؛ فإنه يصير مغبونا في علمه ، منقوصا في معرفته ، لا يحيط بالمباحث العلمية ، ولا يؤصلها حق التأصيل ، فيكون تحريره لها ناقصا على الدوام - ، لا يشفي عليلا ، ولا يروي غليلا ، وتأتي من بعد ذلك ثالثة الأثافي ، عندما يشتهر الرجل ، ويُطلِع قرنه للناس
على تقصيره هذا - ، فيظنونه علامة عصره ، ونابغة دهره ، وفقيه وقته ، فيأتون إليه بالنوازل من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ولا تجد أكثرهم مميزين !! فحدِّث عندئذ عن التخليط والفساد في الدين ولا حرج - !!

فنصيحتي لنفسي وإخواني: ضرورة الإقبال على جرد المطولات بعد هضم المختصرات -، فمن أراد التخصص في فن معين ؛ فليسلك فيه هذه السبيل ، وليحرص في خلالها على تقييد الفوائد، وتمييز المباحث ، وتحرير المسائل ؛ فإن هذا هو قوام الرسوخ العلمي ، والسؤدد الشرعي ؛ وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي



([1]) آل عمران .

([2]) ترجمة ابن مهدي من «السير» .

([3]) «إعلام الموقعين» .

   طباعة 
0 صوت
روابط ذات صلة
المقال السابق
المقالات المتشابهة المقال التالي