التعقيب على كلام الرضواني
في الشيخ ربيع بن هادي
الحمد لله، وأشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد؛ فقد عقد
الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني مجلسا، بَثَّه على فضائيته «البصيرة» (!!) -منذ
يومين-، وكانت مادته: الكلام على الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-.
أكثر من ساعة،
والدكتور -سامحه الله- يعيب الشيخ، ويثلبه، ويطعن في منهجه، بما يستدعي رده
-تفصيلا- حلقات متواصلة.
ولكنني أجتزئ -في
مقامي هذا- بمجرد التعقيب على حاصل كلامه، لاسيما وأن مرادي أمر آخر سوى مجرد الرد
عليه -كما سأبين إن شاء الله-.
اعلم أن الدكتور لم
يجد ما يعيب به الشيخ -طوال أكثر من ساعة- سوى صلته القديمة بـ«الإخوان المسلمين»!!
فجعل يكرر القول في ذلك، ويفخمه، ويبني عليه المثالب والمعايب، معيِّراً للشيخ به،
ومشنِّعاً عليه!!
ولم يرد بذلك
الطعن في الشيخ -فحسب-؛ بل أراد التوصل به -أيضا- إلى موازناته الباطلة، فقال -ما
معناه ومحصَّله-: إذا كان الشيخ قد وقع في مثل هذا الخطإ؛ فما الفارق بينه وبين
غيره؟!! ولماذا نسقط الآخرين دونه؟!!
فأقول:
إن من العيب
-واللهِ- أن يتفوه بمثل ذلك رجلٌ ينتسب إلى العلم -عموما-، وإلى المعتقد والمنهج
-خصوصا-، ولو سكت؛ لكان أسلم وأستر له، وقد جفاه أهل السنة -في مصر-، وجانبوا «فضائيته»
قبل أن يصدر منه مثل هذا التخليط؛ فكيف بما بعده؟!
فأما شأن الشيخ
ربيع -حفظه الله-؛ فمتى عاب أهل العلم والفهم رجلا بأمر قد رجع عنه؟!! ولا يُشْكَل
بالغزالي والرازي ونظرائهم؛ فإن توبتهم كانت محدودة، قبل موتهم، معدومة الأثر في
أتباعهم، وبقيت أخطاؤهم وضلالاتهم تفسد العقول والأديان؛ فمن الذي تأثر بصلة الشيخ
ربيع بـ«الإخوان»؟! ورجوع الشيخ عن ذلك مضى عليه سنون عددا، والشيخ قد حذر من «الإخوان»
وجاهدهم بما يستر صلته بهم -وكأنها لم تكن-، وقد كانت -أصلا- لمناصحتهم وإصلاحهم
-كما ذكره الدكتور نفسه-!! فأين «البصيرة» -يا صاحب قناة «البصيرة»-؟!!
وأما التوسل بهذا
إلى تمييع ضلالات المخالفين، والاعتبار بمحاسنهم؛ فيكفيك من شرٍّ سماعُه!! وأكثر
ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس!! فأي وجه لقياس ما وقع للشيخ -حفظه الله-
على ما يقع فيه المخالفون؟!!
هل أخطاؤهم عديمة
الأثر؟!!
هل رجعوا عنها؟!!
هل مَحَوْا
أثرها؟!!
هل هي -أصلا أو
وصفا- كمثل ما وقع للشيخ؟!!
ما لكم؟! كيف
تحكمون؟!!
وكافة ما ذكره
الدكتور -تفصيلا- في هذا الشأن: من الاعتبار بالمحاسن، وقواعد زلات العلماء،
واجتماع موجبات الولاء والبراء؛ قد فنَّدته -ولله المنة- في «الآيات البينات».
وإنما أردت من
كتابة هذا التعليق بيانَ أمرين مهمين:
أحدهما: أنه لا
يجوز الاغترار بالردود، واعتبارها -وحدها- سببا لصحة المنهج؛ فليس كل من رد على
مخالف أو مبتدع كان سنيا محمودا.
ها هو الدكتور قد
رد على المخالفين، وأنكر الثورات والعمل السياسي؛ ثم هو لا يبدِّع مخالفيه، ولا
يخرجهم عن السنة، ويتولى من يمدحهم -كالحلبي-؛ فأين الولاء والبراء؟! وأين إنزال الناس منازلهم؟!
وقد أجمع أهل
السنة على أن الرجل لا يكون سنيا حتى يستجمع أصول السنة كلَّها، ومنها: الولاء
والبراء؛ فلابد من البراءة من المبتدعة، ولابد من الحكم عليهم بالبدعة والمروق عن
السنة.
ولم يزل أهل
البدع يرد بعضهم على بعض؛ أفيصيرون -بذلك- من أهل السنة؟!!
إنها فتنة جديدة،
دخلت على كثير من إخواننا السلفيين: إذا سمعوا بمن رد على المخالفين، أو أنكر
الثورات، أو قبَّح العمل السياسي؛ هرعوا إليه، وأَثْنَوْا عليه، وحشروه في زمرة
السلفيين-بل في جملة مشايخهم ودعاتهم-!!
فانتبهوا
-إخوتاه-، ولا تغتروا بمن فعل شيئا من ذلك، حتى تنظروا في ولائه وبرائه، وتحقيقه
لسائر أصول السنة.
وإحسان الظن له
محله، وقبول الحق لا يدفعنا إلى تصويب المنهج؛ فإذا رأينا أحدا أتى شيئا مما ذُكر
من الحق؛ فإننا نقبله منه، ونرجو له الهداية والتوفيق؛ ولكننا لا نصوِّب منهجه،
ولا نحسِّن طريقه، ولا نعدُّه منا -بمجرد ذلك-؛ بل لا بد من النظر في كافة أصول
السنة -كما تقدم-، وقد فصلتُ الكلام في ذلك -أيضا- في «الآيات البينات».
والأمر الثاني:
أن قضية الشيخ ربيع -حفظه الله- ليست قضية شخص؛ بل هي قضية منهج.
فلعل أحد الجهلة
عندما يقرأ مثل ردي هذا يقول: «انظروا! لا يقبلون في شيوخهم قولا!
ولا يقرون لهم خطأ! ويعتبرونهم معصومين!!».
إن دفاعنا عن
الشيخ ليس دفاعا عن شخصه -بمعنى اعتقاد العصمة فيه-؛ فإن هذا لا يفعله ولا يعتقده
إلا من طبع الله على قلبه، ولم يفهم السنة ولا الإسلام، ومعلوم قول أئمة الملة
فيمن هذا شأنه: أنه يستتاب، فإن تاب، وإلا؛ قُتل!!
وإنما دفاعنا عن
الشيخ كدفاعنا عن غيره من العلماء: دفاع عن المنهج، منهج الجرح والتعديل، وتصنيف
الناس، وبيان السني من البدعي؛ هذا هو منهج السلف والأئمة، الذي نعتصم به ونثبت
عليه وندعو إليه -بعون الله وتوفيقه-، مهما رغب عنه الناس، أو أخطأ حملته في
تطبيقه؛ فإن العصمة ليست لهم، وإنما هي للمنهج.
فالحملة -الآن-
على الشيخ ربيع ليست على شخصه، وإنما هي على منهجه المتقدم وصفه، فحقيقتها: هدم
هذا المنهج -جملة-، وفتح أبواب التمييع والموازنات؛ شعر الناس بذلك أم لا، وليس
هذا ظلما ولا تهويلا؛ بل هو التوصيف الحقيقي عند كل سلفي عارف راسخ، تأمل في أصول
القوم وعرف حقيقتها، وبسط هذا له مقام آخر، ويكفيك أن الحلبي -حتى الآن- لا يبدع محمد ابن حسان ونظراءه، وهو الذي رد
عليه قوله -في آخر طوامِّه وبلاياه-: «الخلاف بيننا وبين الرافضة خلاف
فكري»!!!
فإذا قلنا -بملئ
أفواهنا-: «الشيخ ربيع محنة»؛ فإنما نعني: منهجه -على ما تقرر في مسألة
الامتحان بالأشخاص-، ولا نعني -مطلقا- أنه لا يخطئ، أو أنه لا يُرَدُّ عليه
-بالدليل والبرهان-، ولو سلك ذلك من رد عليه -أيّاً كان-؛ فلا يسعنا إلا موافقته
واتباعه؛ فإن الحق أكبر وأغلى من أي أحد، ومن التمس رضا الناس بسخط الله؛ فهو من
أشقى الخلق وأضلهم.
فانتبهوا
-إخوتاه-، ولا تتأثروا بتلبيسات المبطلين، وشبهات الجاهلين، واثبتوا على منهجكم،
ولا تنحرفوا عنه.
هذا هو مرادي
الأكبر من كتابة هذا المقال؛ نسأل الله أن يرزقنا العلم والبصيرة، والفهم والرسوخ،
والتوفيق والثبات.
وصلَّى الله
وسلَّم على محمد وآله.
كتبه
أبو حازم القاهري السلفي
ليلة الأربعاء 23/
شوال/1433
|